عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 23-10-2005, 12:48 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,010
افتراضي

الصديق الغالي صبري

هكذا شاءت سفينة الحياة أن يقودها ربان إبداعك المتجدد, لا إلى مرافيء الهدوء المرغوب, بل إلى عرض اليم الهائج لتأخذ مكاناً لها في مقارعة أمواجه الهائمة على صفحة الزمن تكسوها خصوبة الدفق المتأجج وتعمل فيها من خلال مدّها وجزرها المتألقين وهما يلقيان بظلال الرحمة على صفحة هادئة لملمتْ شتات الماضي المورق على بقعة أرض غائرة في عمق أخدود منفلج الجوانب, مكلوم الوجد, ليمنح الوجود إحدى لوحاته الغارقة في دوّامة الصراع الأبدي وهي تسترشد بوحي المفردة وتتعطّر بعبق الذكرى، مختلسة من بوابة التاريخ صور طموح أودى به طيش انفلاة ناسياً أن يتقلّد طوق نجاة يقيه من غرق الوجود حينما تكتسب السماء لوناً داكناً ينبلج من وراء غيمها الكثيف. ونسي مع ذلك نفسه، ونسي أنه مقبل على مغامرة إثبات الذات وهو إنْ فشل ففيه إقرار بالهزيمة وقبول ذليل بالغرق. وكان هذا السطو المفزع يغرس هول مخالبه في جسد الحياة لينزع عنها روح الإحساس بالأشياء ويغتصب منها بكارة رجائها، ليجعل منها إحدى دماه التي أحبّ دوماً اللهو بها والعبث معها, إلى أن يختم فصول مسرحيته البلهاء بقتل عن سابق إصرار و ترصد، دون أن يعي مخاطر ما ينجم عن ذلك الفراق من الحزن واللوعة والبكاء وأشكال الأنين التي تصطبغ بلون الرماد المعجون بدمع الثكالى ودم المودعين!

إنه مشوار كتب علينا أن نعيه ونتدرّج في صفوف معرفته اكتساباً وصقلا وتهذيباً وهو الوحيد الذي يملك قلباً لا وجود لرحمة فيه ولا لعاطفة تغازل ضعفه إلى أن تتمكّن منه، لتحرفه عن مسار المهمة الموكل إليه القيام بها! وهو الوحيد الذي يعبث بما, وبمن يريد على طريقته و وفق رغبته التي لا تعرف إلا أمراً وحيداً تتعاطى معه من خلال الأخذ وليس العطاء، أمر واحد وحيد يقرّ بحقيقته الجميع وربما تكون هذه واحدة من أمور الحياة القليلة التي لا يختلف عليها اثنان.

سلطانٌ رهيبٌ موحشٌ مقفرٌ مؤلمٌ متعبٌ محزنٌ وأبدي! هذه السمفونية من لوحة ترتيل الوجود وعربدة الموت ليس لنا عليها سلطة أو سلطان فنحن نتبع ما تلقي إلينا به من أوامر وما تقرره من مقترحات واقتراحات! فهل في الموت؟ وأسلوب الموت شيء من روح الديمقراطية يمارسها هذا السلطان المتعنت بجبروت كطاغية عصر العولمة الذي يأخذ له أشكالا متنوعة ومجهولة الهوية لكي لا يستطيع الناس معرفة مصادرها ولا فهم أجندتها؟ هل لنا حرية اختيار في الموت؟ هل سئل أحدنا يوماً فيما إذا كان يريد الموت؟ أم لا؟ ولا أخذ رأينا في التوقيت المهزوز الذي يعبث بنا ويتربّص بوجودنا في كلّ لحظة!

دخلتُ سحابة الحزن أرفع بصري إلى سماء الحكمة لأطرح عليها سؤالا أبدي النشأة، لم يلد له ابن بعد كل هذا التاريخ وهذا الامتداد من جذور الحياة! دخلتُ لأسألها عمّا تحسّ به وهي تقترف إثماً بحق الذين تأخذهم إلى حيث لا رغبة لهم في ذلك! إنها الحكمة المعتّقة والممزوجة بوجع أيام ليس بالإمكان نزع فتيل حزنها الموجع وإني أكتفي بهذا القدر من الانسلاخ عن فكرة الحياة لألتصق أكثر بفكرة الموت فهي الأب والأم وكلّ شيء ماعداها يبقى إحدى تلك السحب التي بحثت عنها وبينها طويلا!

التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 23-10-2005 الساعة 12:58 PM
رد مع اقتباس