عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 23-10-2005, 11:25 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

الصديق العزيز فؤاد

كنتُ قد كتبتُ منذ فترة نصّاً حول الموت، بعنوان: موتنا مؤجَّل إلى حين، أود أن أنشره ثانية هنا لعله يمنحنا نوع من الهدوء والسكينة، وأتذكَّر أنني كتبت النص من خلال تدفّق حالات الموت في ديريك ثم توفي آنذاك الفنان المبدع أحمد زكي، بالحقيقة النص هو من وحي الموت وتبعاته، لكن جاء وفاة هذه الممثل القدير في توقيت نشر النص فأحببتُ أن أهدي النص إلى روحه، لا أعلم لماذا خطر على بالي في تلكَ اللحظات أن أهديه هذا النص، لكن الذي أعلمه أنني أكنُّ الاحترام لهذا الفنان العملاق، وعندما أحضر أفلامه لا أشعر أنه يمثل، أشعر وكأنه يؤدي دوراً في الحياة كحياة بعيداً عن التمثيل والكاميرة، فشعرت أنَّ نصّي يليق بمقامه الفني ..
يرحل الكبير والصغير، الملوك وزعماء القوم، الفقراء والأغنياء ، الأبرار والأشرار ، الأطفال والشيوخ، الموت هو حقيقة الحقائق، ويحضرني في سياق الحديث حول الموت، حواراً بيني وبين الأب يوسف سعيد، حول الموت، حيث أنّه كان يلقي أكثر كلمات التأبين حول موتانا، وللأب يوسف سعيد حضور رائع في تقديم كلمات التأبين فلم أجد في الأمة الآرامية الحية، أقصد التي على قيد الحياة، رجلاً بهذا الخيال وبهذه الحكمة التي لديه وقد لمته ولمتُ غيره ممن حوله بأنه من الجريمة بمكان أنه لم يتم أرشفة كلمات تأبين الأب يوسف سعيد على مراحل عمره ثم تدوين هذه الكلمات وتبويبها وتحويلها إلى مجلدات حول حكمة وفلسفة الأب بوسف سعيد في الحياة! وقد وافقني الأب الصديق على ما أقوله، ثم سألته أكثر من مرة حول موقفه هو من الموت بشكل شخصي، لقد وجدتُ أنَّ للأب يوسف سعيد قدرة رائعة على الفكاهة والروح الشبابية، فقال الموت شيء رائع، لكن ليتمهّل عليّ إلى أكتب قصائدي فها أنذا الآن قد تفرغّت للكتابة، ثمّ بعد أن انتهي من قصائدي، أهلا بكَ يا موت، ثم تابع بفكاهة شفيفة، الموت راحة عميقة ونوم عميق، واسترسل بطريقة شاعرية روحية معبّراً عن موقفه من الموت ..
الأب يوسف سعيد شخصية أدبية مرموقة وهو عميق الرؤية من الناحية الروحية والإبداعية والفكرية، لم ألتقِِ بأب روحي بهذه الرؤية العميقة في الحياة!

حالياً أنا بصدد دراسة موسّعة عن دواوينه المنشورة كلها وهي من أوسع وأشمل الدراسات حول شعره، وللحق أن أكثر كتابات هذا المبدع لم يتم أرشفتها فقد كتب عشرات بل مئات القصائد ونشرها في القدس العربي وغيرها من الصحف والمجلات دون أن يحتفظ بنسخة منها لديه وهكذا فقد ضاعت الكثير من قصائده المنشورة، وقد حصل موقف طريف بيني وبينه حول ديوانه الذي صدر عن دار نشري والذي أرسلته لكَ مؤخراً، أنني كنتُ على تواصل هاتفي وبريدي معه، حيث أنه كان يكتب قصيدة عن التراب، فكتب وكتب وكتب ثم قلت له اكتبها على الآلة الكاتبة وارسلها إلي، حيث أنه كان يكتب نصوصه على آلة كاتبة الكترونية، فكتب الكثير من مقاطع القصيدة وكان يرسل إلي النسخة الأصلية وركّزت على ضرورة أن يرسل لكائنٍ مَن كان النسخة الثانية ويحتفظ بالاصلية لكنه نادراً ما كان يحتفظ بأية نسخة لديه، عندما شعرت أن قصيدة التراب أخذت مدى طيباً قلت له في سياق دردشاتنا الهاتفية أبونا، نحن شعب ترعرعنا على الينابيع الصافية فما رأيكَ أن تكتبَ نصاً على الماء الزلال، على المطر الناعم، فقال، عمرك أطول من عمري، فمنذ يومين بدأت أكتب قصيدة عن الماء، وهكذا دخل في فضاءات الماء، يكتب ويقرأ النص عبر الهاتف ، وهنا أود ان أشير إلى أن الأب يوسف سعيد قصيدة شفافة مفتوحة على وجنة الكون، بإمكانه أن ينسج قصيدة لا نهائية على أية فكرة، فمثلا لو أتركه يكتب على التراب فممكن يكتب ألف صفحة خلال أيام أو أسابيع، فعندما يكتب يغوص في عوالم وكأنه مختطف من الأرض إلى عوالم لا مرئية أو مرئية من قبل آلهات الشعر، يكتب وكأنه نزيف متدفق بالشعر، وعندما ناقشته بهذا بالانطباع شاطرني الرأي وقال فعلاً هذه الهواجس الشعرية المفتوحة تنتابني عندما أغوص في رحاب القصيدة، وعندما شعرت أن قصيدة الماء أخذت نصيبها، قلت له ما رأيك يا صديقي بقصيدة حول الأرض، لأنها تحمل التراب والماء معاً، فقال فعلا فكرة رائعة وهكذا ورّطته ورطة لذيذة جديدة فعبر عوالم الأرض وفعلاً هذا النص حول الأرض كان من الأفضل أن اتركه يكتب إلى مالا نهاية لأنه كان يحلق بطريقة جامحة للغاية، لكن لكل بداية نهاية، وعندما شعرت أنه وصل إلى مرحلة طيبة في فضاءات الأرض، قلت له أبونا بقي فضاءً أخيراً لم تكتب عنه فقال ما هو هذا الفضاء فقلت له، ما قيمة التراب والأرض والماء إن لم هناك سماءً تعانق هذه الفضاءات؟ فقال، برافو، إلى رحاب السماء، وفيما كنتُ أدردش معه وجدته يحلّق شعريا حول السماء، فبدأت أكتب رؤوس أقلام ثم قلت له أبونا، مباشرة إلى الآلة الكاتبة ، إلى أقرب ورقة وقلم تفضل تابع ما بدأت به! ثم قلت له أسمع وقرأتُ له ما حلّق به، فقال رائع أنكَ حفظت ما قلته، فقلت له دوَّنته مباشرة، ثم تابع يدون تحليقاته وتركته مع فضاءاته، وبعد أيام اتصل معي يقرأ جموحاته حول قصيدة السماء، وأرسل القصيدة على مراحل، وعندما وجدته يتدفق، كنتُ أطلب منه أن يرسلها إلي تباعاً، وأنا كنتُ أبوبّها على الكومبيوتر وأخرج النصوص كي أجهّزها للنشر، بعد أسبوعين من أستلامي رسائله الشعرية، دعوته إلى منزلي على سهرة مفتوحة ودعوت الصديق الفنان التشكيلي كبرئيل إبراهيم، وقلت له أبونا لديك مفاجأة عندي، فجاء وهو يترقب المفاجأة، وفيما كنّا في مستهل السهرة قلت له خبّر الخورية أن أنكَ في سهرة مفتوحة من رحاب الشعر والصبر، فضحكَ قائلاً الخورية تعرف هذا جيداً، أمسكت ديواناً بعنوان فضاءات الأب يوسف سعيد، الأرض التراب الماء السماء، نظر إلى العنوان، فقال بإنفعال هذه القصائد "مالتي" مين سارقها منّي؟! ضحكتُ قائلاً ما حدا سرقها منكَ أبونا، القصائد "مالتك"، وأنا نشرت لكَ الديوان، تفضّل! أمسك الديوان بفرح ثم عانقني، برافو يا صبري، متى نشرته ومتى وصلت إليك القصائد ومتى كتبته، ومتى أخرجته ومتى ومتى؟ ضحكت قائلاً، أبونا، هكذا فضاءات يجب أن تخرج إلى النور بسرعة الفرح!
تناول ديوانه بشهيّة مفتوحة وبدأ يقرأ لنا من عوالمه قائلاً هل أنا فعلاً كتبت هذه القصائد، فقلت وهل نحن نستطيع أن نكتب بهذا الجموح وبهذا الأسلوب؟! ثم قال بالحقيقة الفضل الأكبر يعود لكل يا صبري فأنتَ المحرّض رقم واحد! محرّض بعنف، ثم قلت له العفو أبونا اعذرني نسيتُ أن أنوّه لكَ لكتابة قصيدة عن الموت، فقال فعلاً ثم أجابني مو مشكلة في الديوان القادم ثم ضحكنا بفرح عميق وبدأنا نشرب نخب صدور الديوان ونقرأ شعراً ونتجاذب أطراف الحديث، ثم فجأة قال أوفّ، الخورية ستقلق عليّ، لا بدَّ أن نخبرها بأنني قادم بعد قليل؟! فقلت، لا تقلق الخورية، لأنّها تعلم أنكَ هنا بين أحضان الشعر وأصدقاء الشعر، ثم قال متى خبّرتها فقلت له منذ خمس ساعات، وبلّغتها أنكَ ستظل طوال الليل في حضرة الشعر، فقال كم الساعة الآن فقلت له بحدود الثالثة بعد منتصف الليل! أجابني أفّ الثالثة بعد منتصف الليل، كيف مرّ كل هذا الزمن ولم نشعر به؟! ولو أبونا أنّكَ لم تقرأ لنا بعد مقاطع من قصيدة السماء، ضحكَ قائلاً، حقيقة الذي يزوركَ يتورّط معكَ ولا يشعر بالزمن!

النوم كان عميقاً، عندما استيقظنا من النوم، كانت فيروز تستقبل بهجة الشعر المتلألئة بين جوانح نومنا العميق، نهض أبونا وهو يسمع فيروز، وقال هذه قصيدة من لون الماء الزلال!


..............................................




موتُنا مؤجَّلٌ إلى حين*
أنشودةُ الحياة
[نصّ مفتوح]
إهداء: إلى روحِ الفنّان المبدع أحمد زكي
.... ..... ......
الحياةُ نسمةٌ عابرة

شهقةٌ هائمة فوقَ ثغرِ غيمة

ودادٌ مندلعٌ

من وجنةِ وردة

حلمٌ مرفرف

فوقَ زبدِ البحرِ

فوقَ طراوةِ وجنة

موشورٌ ملوَّن بحفيفِ سنبلة

سطوعُ نجمةٍ

فوقَ أكوامٍ الحنطة

لقاءُ المطرِ معَ حنينِ الأرضِ

معَ نضارةِ أنثى!

الحياةُ معراجٌ مفتوحٌ

على رذاذاتٍ غافية

بينَ هبوبِ نسمة

تغريدةُ بلبلٍ

فوقَ أغصانِ



الحياةُ رحلةٌ محفوفةٌ

بذبذباتِ السؤال

رؤى حالمة

غائصة بالشظايا

بموجاتِ الإشتعال!



وجعٌ عندَ الولادة

عندَ بزوغِ الربيعِ

عندَ الشيخوخة

وجعٌ على مساحاتِ المدى



الحياة بسمةُ حائرة

فوق وميضِ الزَّمن

قصيدةٌ عذبة

منبعثة من خصوبةِ الغابات!



الحياةُ تحمل بين جذوعها

أوجاعَ الموت

هي الموتُ بعينه

دهليزٌ متشرشرٌ بالآهات

أهدافٌ ملولبة

في طيّاتِ الغمام!



يخرجُ الإنسانُ من الظلمةِ إلى النُّور

ثم يغفو بينَ عتمِ اللَّيلِ

إلى مدى الدُّهور

إلى متى سيبقى الإنسانُ بعيداً

عن نورِ الهدى

بعيداً

عن عينِ الرّدى!



يرتدي الإنسانُ قميصَ الحياة

ناسياً وعورةَ الجبالِ

وقهقهاتِ السَّماء

ناسياً أنَّ حشرجاتِ الموت

ترافقُ كلَّ الكائنات

تعشعشُ في بهاءِ الرَّبيعِ

في كثافات غيومِ الشِّتاء

تدورُ حولَ أجيجِ الجمرِ

تخورُ في قيظِ الفيافي

في صحارى العمرِ!



الموتُ صديقُ الأطفال

والشباب والكهول

يغفو فوقَ شيخوخةِ هذا الزَّمان

فوقَ أغصانِ الحياة!

يعصرُ نضارةَ الرُّوحِ

يبعثرُ كنوزَ الدُّنيا

في وجهِ الرِّيحِ

لا يعبأُ بصولجانات هذا الزّمان

صوتٌ متغلغلٌ

في رحابِ الحناجرِ

يصدُّ رعونةَ الجبابرة

وجهُ الحقيقةِ

تحتَ هالته تنحني كلَّ الرِّقابِ

رقابُ الفقراءِ والأغنياءِ

رقابُ السلاطين

وجلادي هذا العالم!



وحده الموتُ يضعُ حدّاً للظلمِ

للعصيانِ

لكلِّ الخروقاتِ!

لا يفلتُ منهُ أيُّ كائنٍ

يدبُّ على وجهِ الأرضِ



الموتُ ولادةٌ عبرَ الفناء

الإنسانُ مشروعُ موتٍ مؤجَّل

موتٌ فوقَ قميصِ اللَّيل

موتٌ فوقَ حفيفِ الصَّحارى

تحتَ زخَّاتِ المطر!



يولدُ الموتُ عندَ الولادة

عندَ إنسيابِ الدَّمعة

ينمو بين ربوعِ السّعادة

فوقَ دفءِ الوسادة!



الموتُ صديقُ الغيمة

صديقُ البحرِ والسَّماءِ

صديقُ النُّورِ والعتمة!



أحزانُنا مفتوحة

على شهقةِ الكونِ

غربتنا من وهجِ القارّاتِ



الإنسانُ رحلةٌ

من لونِ الغمامِ

رحلةٌ من زوال!



نعبرُ الموتَ عبرَ الولادة

موتٌ على قارعةِ الطريق

عندَ حافّاتِ المدائنِ

بينَ تعاريجِ الحلمِ

فوقَ أمواجِ البحارِ



موتٌ فوقَ بيادرِ الطُّفولةِ

موتٌ في عزِّ النَّهارِ

في ليلةٍ قمراء



موتٌ في أعماقِ السَّماءِ

كلُّ البشرِ موتى

موتٌ مؤجّلٌ إلى حين

وهذا الحين سيحينُ يوماً

وما بينَ حينٍ وحين

تهتاجُ الرّيحُ

وتسطعُ الذُّكريات

فوقَ شواطئِ الرُّوحِ

تريدُ أن تبقى ساطعةً

على جدارِ الزَّمنِ

هل للزمنِ جدار؟

أين المفرُّ من تراكماتِ الغبارِ

غبارُ العمرِ لا تزيله

أمواجُ البحارِ

غبارُ العمرِ لا تزيله

إلا قلوب الصِّغارِ



كيف يحافظُ المرءُ

على براءاتِ الطُّفولة

على أزهارِ الخميلة

على نُسيماتِ البحرِ العليلة؟



زعيقٌ يشقُّ خيوطَ الشّمسِ

عند الولادة

زعيقٌ يعبرُ قميصَ اللَّيلِ

زعيقٌ أثناءَ العبورِ

إلى أحضانِ الأمِّ

زعيقٌ أثناءَ الرَّحيلِ

زعيقٌ على مساحاتِ العمرِ



ثمّةَ عمرٌ من لونِ البكاءِ

من لونِ العطاءِ

من تواشيحِ زرقةِ السَّماءِ

ثمّةَ عمرٌ من دكنةِ اللَّيلِ

من لظى المراراتِ

من تشظِّي الآهاتِ



موتٌ في لحظةِ العبورِ

موتٌ فوقَ الأراجيحِ

موتٌ بينَ أحضانِ الأمّهاتِ

موتٌ في صباحِ العيدِ

في مساءاتِ الدُّفءِ البعيدِ



موتٌ على قارعة العشقِ

فوقَ أغصانِ الحنين

فوقَ أرخبيلاتِ الأنين!



موتٌ في رابعةِ النَّهارِ

فوقَ سككِ القطارِ

في أعماقِ البحارِ

في قمّةِ الإزدهارِ



موتٌ في قبَّةِ السَّماءِ

في ربوعِ الشّتاءِ

في أرقى تجلِّياتِ الدُّعاءِ



موتٌ بينَ أحضانِ الفرحِ

بينَ اخضرارِ المروجِ

بينَ رحابِ الغربةِ



موتٌ عندَ بزوغِ الفجرِ

عندَ هطولِ الثلجِ

عندَ بكاءِ السَّماء



موتٌ في كلِّ حين!

لم أجدْ في حياتي حقيقة ناصعةً

مثلَ حقيقةِ الموتِ

مثلَ مرارةِ الموت

مثلَ وميضِ الموت

مثلَ نعمةِ الموت!



هل فعلاً الموتُ نعمة؟

وحدُها الأرضُ

تتحمّل أوزارَ الموتِ

تتحمّل مراراتِ الموتِ

حاجاتِ الموتِ!



ولكن شتّانَ ما بينَ موتٍ وموت

شتّانَ ما بين كهلٍ وشابٍّ صريع

تحتَ عجلاتِ هذا الزَّمان؟!



شتّانَ ما بينَ ربيعٍ

وتهدُّلاتِِ الخريف!

لكن يبقى الموتُ نعمةً

من الأعالي

يضعُ حدّاً لعذاباتِ البشر

لآلامِ البشر

لآهاتِ البشر



وحدهُ الموت لا يميّزُ بينَ البشر

يحمل بين شدقيه عدالةً

ولا كلَّ العدالات



الحياةُ أشبه ما تكون رحلة

من لونِ السَّراب

الحياةُ وجعٌ مفتوح

على غربةِ الإنسان



غريبٌ أنا في ردهاتِ الحياة

غريبٌ أنا في طياتِ السَّماء

غريبٌ أنا منذ الولادة حتّى الممات!



نعبرُ الحياةَ

على إيقاعِ الصَّباح

نرحلُ على إيقاعِ اللَّيل

ومضةٌ عابرة في دنيا المكان

غصّةٌ جارحة في عمرِ الزَّمان



يتوهُ الإنسانُ في صليلِ الحياة

لا يعلمُ أن حفرةً تنتظره

حفرةً صغيرةً وقليلاً من الخشب!

هذا كلّ نصيبه

من محطاتِ الزَّمن ..



يخرُّ الإنسانُ سريعاً

مثل ذيلِ نيزكِ

عابراً دكنةَ اللَّيل

فارشاً أحزانه

على وجنةِ القمر



وجعٌ يلازمُ معابرَ العمرِ

غربةٌ تشطحُ

فوق شهقةِ عمري

موتٌ لا يفارقُ لظى الجمرِ

موتٌ من لونِ الإنبهار

موتٌ من لونِ الإشتعال



تعالَ يا أيها الموت

أهلاً بكَ يا موت

تعال فأنا بإنتظارِكَ

منذ فجر التَّكوينِ



تعالَ يا صديقي

كي أضعَ فوقَ وجنتيكَ

باقة وردٍ



تعال أيّها الحنون

أيّها العناق الأزلي

تعالَ فأنا أترقَّبُ خطاكَ

منذُ هبوطِ الإنسان

على أرضِ الخطيئة



عجباً منذ آلافِ القرونِ

ما يزال الإنسان يحملُ

بين جناحيه أوجاعَ الخطيئة!



تعال فأنا صديقُكَ

منذُ أن زرعتني شهقةً

فوق واحاتِ الصّحارى

منذ أن غفيتُ

فوقَ حنانِ الأرضِِ



تعالَ يا صديقَ الكائناتِ

كلَّ الكائناتِ

صديقَ الأرضِ والسّماءِ

صديقَ الأخيارِ والأشرارِ



تعالَ فأنا لا أهابكَ يا صديقي

فأنا ابن الموتُ

منذُ أن ولدتني أمّي

مشروعُ كائنٍ ميّتٍ

منذُ الأزلِ!



الإنسانُ مشروعٌ فاشلٌ

في دنيا من حجر!



نسى الإنسانُ أنّه بسمة عابرة

فوقَ خدودِ اللَّيلِ

نسى أنَّه غيمةٌ عابرة

فوقَ هاماتِ الجبالِ

نسى أنّه وردةٌ تائهة

بينَ رجرجاتِ الحياةِ

نسى أنّه ضياءُ نجمة

من لونِ البكاءِ!



تعال يا موت

كم أشتهي أن أعانقَ خدّيكَ

أنْ ألملمَ عذوبتكَ

حولَ صقيعِ غربتي

تعالَ فقد آنَ الأوان

أن نعقدَ معاهدةَ حبٍّ

بيننا وبينَ المطر

تعال يا صديقي

فلا مفرَّ من لجينِ الإشتعال

لا مفرَّ من العبورِ

في شهقاتِ السّماءِ



مللتُ يا صديقي

من غربةِ هذا الزَّمان

مللتُ من تقعُّراتِ الحوارِ

من خباثاتِ هذا الزّمان!



عجباً أرى ملايين البشر

تعبرُ دكنةَ اللَّيل

ملايين البشرِ

تحضنُ أعماقَ التُّرابِ

وحدُهُ الموتُ يقفُ

مقهقهاً في وجهِ الحماقاتِ

في وجهِ اعوجاجاتِ هذا الزَّمان!



وحده الموتُ لا يهابُ جبابرةَ الكونِ

وحدُهُ الموتُ يفرشُ عدالته

فوقَ خدودِ الكونِ



وحدُهُ الموتُ سيدّ العدالاتِ

وحدُهُ الموتُ صديقُ الكائنات

يخفِّفُ من أنينِ الأوجاعِ

يضعُ حدَّاً لإندلاقاتِ الألمِ

يمسحُ في غمضةِ عين كلَّ الآهات!
.... ... .... .... .....!
ستوكهولم: 28 . 3 . 2005
صبري يوسف

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
*مقاطع من أنشودة الحياة.

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 23-10-2005 الساعة 11:29 AM
رد مع اقتباس