الصديق العزيز فؤاد
تحيّة وبعد
أعلم يا صديقي كما تعلم أن البعوض يتكاثر يوماً بعد يوم ويمتص دماء الطفولة ودماء أبرياء لا تحصى في أنحاء كثيرة من بقاع الدنيا
من جهتي لا أقدّم حلولاً ولا يراودني يوماً أن أقدم حلولاً، لأن ليس لدي عصى سحرية، أنا أقدم نصّاً شعريا وأعكس حالات إنسانية ووجهات نظر معينة إزاء ما أراه وأتحسَّسه وأتلمّسه بطريقة أو بأخرى ..
الحلول هي بأيدي أصحاب القرار والرقاب الغليظة، بأيدي قادة هذا العالم، قادة جهلاء، أقل ما أقول عنهم أنّهم طائشين حتى النخاع، لو كنتُ في موقع المسؤولية والقرار، كان للحديث حديث آخر، وللرد ردٌّ آخر، مع أن هكذا موقع لا يراودني إطلاقاً لا عن قريب ولا عن بعيد، وموقعي كإنسان عادي، وشاعر منبعث من الرماد، رماد ديريك العتيقة، يداعب بلذة عميقة شهقة الحرف هو أفضل ألف مرة من الذين يقودون الكون ويداعبون النار ويحرقون رموش الطفولة دون ان يرمش لهم جفن، لأن أجفانهم تخشّبت وتصلّبت مثل حجر الصوان، لهذا قلت وأقول لأصحاب الصولجانات اللامعة المبقّعة بالدم والحروب الطائشة ، أنكم غير جديرين قيادة قطيع من الغنم، فكيف تطرحون أنفسكم قيادة هذا الكون الجميل وكأنكم أنبياء زمانكم وأنتم لستم أكثر من ثلة من السكارى بدون أن تشربوا قطرة نبيذ مسكّر، لأنكم سكارى من جشعكم وطيشكم وترّهات مشاريعكم التي تقود بالكثيرين من أبرياء هذا العالم إلى بوابات الجحيم ..
هذا النصّ، كتبته وأنا في أحد أقبية هذا الزمان، أعمل ليل نهار في حانوت صغير لأسدِّد ديوناً كثيرة تراكمت على كاهلي من خلال بعض نصابي هذا العالم، فما وجدت أجمل من الحرف للردّ على النصابين الصغار والكبار، فبدأت كلما كانت تسنح لي الفرصة، أكتب جملة شعرية، وفي المساء على صوت هدوء الليل وأكوام الكراتين وفوضى الحوانيت وقربالغات من العيار الثقيل، كانت تتعانق مع حرفي، أطاوع الفوضى مركّزاً على نقاوة الروح روحي، كي أنقذها من ترهات هذا الزمان، ومن نار الجشاعة والظلم والاحتيال، فكان صوت فيروز الدواء الناجع للحفاظ على هذا النقاء، حيث كان يطغى على انشراخات غربتي ليعيد إلى روحي عبق الصفاء والشوق إلى شهقة الشمس، فولد النص من بين ركام الغربة والحنين وأحزان لا تخطر على بال!
تصوّرَ البعض عندما عبرت متاهات أقبية الحوانيت، انني سأودّع الشعر والسرد والأدب والقص والحرف، ونسوا أن منقذي الوحيد من ضجر الحياة وشرورها وأشرارها هو حرفي فقد منحني لذة وطاقة، شعرت أنني ممكن أن أزلزل عرش أشرار ونصابي الكون برمته، فولد هذا النصّ ثم نصّ السلام اعمق من البحار ثم نص ذاكرتي مفروشة بالبكاء ونصوص عديدة أخرى، وعندما تمعّنت في بكائي ودمعتي وجدتها نقية مثل مياه دجلة ففرحت لهذه الدمعة التي تلألأت في عيني مثل دموع الأطفال وهم يحنون إلى صدور أمهاتهم في ليلة قمراء دافئة مكتنزة بإيقاع نقيق الضفادع على تخوم ديريك حيث بهجة الحياة تتراقص فوق نسائم الليل البليل ..
الحياة نسمة عابرة يا صديقي، فلماذا لا تكون نسمة معبّقة بالياسمين
مودّة عميقة متجددة لكم ولكل الأحبة القراء
صبري يوسف ـ ستوكهولم
|