عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 30-11-2025, 06:12 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,511
افتراضي

يشكّل صدور *قانون توحيد التعليم* (Tevhîd-i Tedrisat Kanunu) في 3 آذار/مارس 1924 نقطة التحوّل الأساسية في سياسة الدولة التركية تجاه اللغة والتعليم في فترة ما بعد تأسيس الجمهورية. فقد ألغى هذا القانونُ جميعَ أشكال التعليم الديني والطائفي والمدارس الأجنبية أو الأهلية التي كانت تقدّم تعليمًا بلغات متعدّدة، ودمجها ضمن جهاز تعليمي مركزي واحد تابع لوزارة المعارف. وقد ترتّب على ذلك أن أصبحت اللغة التركية اللغةَ الوحيدة الرسمية للتعليم في المدارس الحكومية، وأن جرى تقييد أو إلغاء التعليم بلغات أخرى، بما ينسجم مع مشروع بناء الدولة القومية المركزية.

ابتداءً من منتصف العشرينيات، اتّخذت الدولة خطوات أكثر صراحة لتوظيف اللغة أداةً لإعادة تشكيل الهوية الوطنية. فإلى جانب إصلاحات اللغة التي شملت التحوّل إلى الحرف اللاتيني عام 1928 وإنشاء جمعية اللغة التركية عام 1932، اتخذت الحكومة إجراءات صارمة للحدّ من حضور اللغات غير التركية في المجال العام، بما في ذلك المؤسسة التعليمية. ومن هنا بدأ تطبيق واسع النطاق لسياسة "اللغة الواحدة" عبر إلزام المدارس بالتدريس بالتركية حصراً، ومنع استخدام العربية والكردية في التدريس النظامي سواء في المراحل الابتدائية أو الثانوية.

بالنسبة للغة الكردية، فقد تعرّضت لسياسة تضييق ممنهجة منذ أواخر عشرينيات القرن العشرين. جاءت هذه السياسة في إطار ما عُرف بـ«تقارير إعادة التنظيم الشرقي» (Şark Islahat Planı) الصادر عام 1925 عقب ثورة الشيخ سعيد. وقد نصّت الوثائق المرتبطة بالخطة على حظر استخدام الكردية في المؤسسات الرسمية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، وعلى ضرورة تعزيز التعليم التركي في المناطق الكردية. واستمرّ حظر التعليم بالكردية طوال العقود التالية، ولم يُسمح بتدريسها — ولو بشكل جزئي أو اختياري — إلا ابتداءً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

أمّا اللغة العربية، التي كانت لغة العلوم الشرعية والمدارس الدينية في العهد العثماني، فقد تراجع حضورها تدريجيًا مع تطبيق قانون توحيد التعليم الذي ألغى المدارس الشرعية التقليدية ومعاهدها، ثم اكتمل منعها باعتبارها لغة تعليم عام في المدارس. وبحلول الثلاثينيات، كانت العربية ممنوعة من الاستخدام كلغة تدريس في التعليم النظامي، واقتصر وجودها على مقرّرات محدودة في معاهد الأئمة والخطباء (İmam-Hatip) بعد إعادة افتتاحها تدريجيًا في الخمسينيات، أي باعتبارها لغة دينية لا تعليمية عامة.

تاريخ اللغة السريانية في تركيا يختلف بدرجة ما عن تاريخ العربية والكردية، لكنّه خضع للمنطق نفسه للدولة القومية: لغة رسمية واحدة، مع تضييق على اللغات غير التركية، مع استثناءات ضيقة مرتبطة بمعاهدة لوزان.
لم ترد السريانية في معاهدة لوزان (1923) بوصفها «لغة أقلية محمية»؛ فالمعاهدة اعترفت فقط بثلاث فئات: الأرمن، واليونان، واليهود. ونتيجة لذلك لم تُمنح الجماعات السريانية (السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الكلدان، الآشوريون) الحقوق المؤسسية نفسها التي حصلت عليها الأقليات المعترف بها. وهذا ترك السريان خارج إطار الحماية القانونية للتعليم بلغتهم.

1- مرحلة الجمهورية المبكرة (1924–1950)

مع صدور *قانون توحيد التعليم* 1924، أُغلقت جميع المدارس الدينية والطائفية بما فيها المدارس السريانية التي كانت تدرّس بالسريانية أو بالعربية. لم يُسمح بعد ذلك بإنشاء مدارس جديدة تدرّس بالسريانية، ولم تُدرج السريانية في التعليم الرسمي، ولم تُمنح وضعًا لغويًا خاصًا كاللغات «المعترف بها» في لوزان.

بذلك، وعمليًا، منذ 1924 أصبح التعليم بالسريانية ممنوعًا في النظام التعليمي الرسمي، باستثناء حصص كنسية غير رسمية داخل الأديرة أو الكنائس، وهي لم تُعترف بها كمدارس.

2 - 1950–1990: استمرار الحظر خارج الأطر الدينية

طوال هذه العقود، لم يُسمح بإقامة مدارس سريانية رسمية. اقتصرت السريانية على:

* التعليم الكنسي داخل الأديرة (غير معترف به كتعليم نظامي).
* نشاطات لغوية محدودة داخل المجتمع السرياني دون صفة «مدرسية».

لم يكن ممكنًا إنشاء مدرسة تدرّس موادًا منتظمة بالسريانية، ولا إدراج السريانية بوصفها «لغة اختيارية» في التعليم العام.

3 - التسعينيات–2011: تضييق مستمر لكن مع بعض الانفتاح الاجتماعي

ظلّ الوضع القانوني للسريانية جامدًا، ولم يحدث أي اعتراف رسمي بها. شهدت الفترة بعض محاولات المجتمع السرياني للحفاظ على اللغة في داخل الكنائس والمراكز الثقافية، دون صفة تعليمية رسمية.

4 - بعد 2011: تحوّل جديد – فتح أول مدرسة سريانية رسمية

في إطار انفتاح أوسع على الأقليات، سمحت الدولة عام **2013** بافتتاح مدرسة *Mor Efrem Syriac Kindergarten* في إسطنبول، وهي **أول مدرسة سريانية مُرخّصة رسميًا منذ تأسيس الجمهورية**.
تُدرّس هذه المدرسة أجزاءً من المنهاج بالسريانية (ضمن حصص لغوية وثقافية)، إلى جانب المناهج التركية الإلزامية.
لاحقًا، ظهرت مبادرات أخرى، لكنها بقيت محدودة للغاية، والاعتراف بالسريانية بقي «اعترافًا تعليمياً خاصًا» وليس «اعترافًا دستورياً كلغة أقلية».

ويمكن القول إنّ سياسة منع التعليم بغير التركية — سواء العربية أو الكردية أو الأرمنية أو السريانيّة أو غيرها — كانت جزءًا بنيويًا من مشروع الدولة القومية الذي سعى إلى بناء «هوية لغوية وطنية موحّدة». ورغم السماح المحدود للغات الأقليات غير المسلمة بموجب معاهدة لوزان، ظلّ تعليم تلك اللغات محصورًا في مؤسسات مجتمعية داخلية، خاضعة لشروط صارمة وإشراف حكومي مباشر، وفي نطاق جغرافي محدود للغاية.

استمرت هيمنة اللغة التركية بوصفها اللغة الوحيدة للتعليم العام حتى زمن قريب، ولم يشهد النظام التعليمي التركي انفراجًا تجاه اللغات الأخرى إلا منذ عام 2002 فصاعدًا، مع السماح تدريجيًا بفتح دورات خاصة لتعليم الكردية، ثم إدراج الكردية والعربية كلغات اختيارية في بعض المدارس الحكومية بعد 2012. ومع ذلك، ما يزال التعليم الرسمي الإلزامي بالتركية قاعدةً دستورية وهيكلية في النظام التعليمي.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس