عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-11-2025, 10:28 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,343
افتراضي قراءة في المثل الازخيني [الدّنيا بَلَا شَرَابْ خَرَابْ] بقلم: فؤاد زاديكى هذا المثل

قراءة في المثل الازخيني [الدّنيا بَلَا شَرَابْ خَرَابْ]

بقلم: فؤاد زاديكى

هذا المثل معروف لدينا كشعب أزخيني، لكنّه شارع أيضًا في أغلب بلاد الشام وغيرها من البلدان العربية في شرح المثل: «الدنيا بلا شراب خراب» نقول:

هذا مثل شعبيّ عربيّ موجز لكنّه غنيّ بالمعاني والدّلالات. سأوضّح معناه الحرفي، ثمّ التفسيرات المجازية، وأصوله الثقافية، ومواقف تُقال فيه، وأمثلة عمليّة، وأخيرًا نقدًا وتوجيهًا حول كيف نستخدمه اليوم.

المعنى الحرفي لمثل: «الدنيا بلا شراب خراب» → الحياة أو الدنيا بدون شراب (مشروب، متعة، رشفات تُنعش) = خراب (تدمر، تبلى، تصبح بائسة).
أي: لو عَدَمَ وجود الشراب تصبح الدنيا غير محتملة أو مدمرة.

الشراب كمَجاز للسرور: في الاستخدام الشعبي كلمة «شراب» لا تقف دائماً على السائل فحسب، بل ترمز إلى شيء يُنعش النفس: المتعة، الصحبة، الفرح، الترويح عن النفس، الألفة واللمة، لكنّنا كشعب آزخي نعني به بالتّحديد الشراب وبالأخص شرب الخمر، بدليل أنّ حضور هذا المثل يكون على الأغلب في حال شرب الخمر مع الأصحاب وفي المناسبات.
الخراب كمجاز للجمود والبؤس: يعني أنّ الحياة بدون هذه اللحظات المنعشة تصبح باهتة وكئيبة وغير جديرة بالعيش بحيويتها.

بالتالي فالمُثل يُشير إلى أنّ الإنسان بحاجة إلى فسحات صغيرة للمتعة والراحة — لقاءات مع الأصدقاء، ضحك، تسلية، مناسبة اجتماعية — لكي لا تغدو الحياة قاسية وروتينية.

في المجتمعات العربية التقليدية، كان الشّراب (بما في ذلك الشّاي والقهوة والنّبيذ أو العصائر) رمزًا للاجتماع والكرم والضيافة. «الشراب» يجمع الناس حول مجلس، فتتبادل القصص، الحكمة، والنكات — فهو عنصر اجتماعي لا يحتاج أن يكون مُدمِرًا ليكون ضروريًا.

المثل يعكس قيمة الصحبة والترفُّع عن الجدية المفرطة؛ أي أنّ العمل والجدّ وحدهما لا يكفيان، نحتاج لحظات تليين للحياة.
عندما يصبح الجوّ جافًّا أو باردًا عاطفياً في وسط الأسرة أو التجمع: «مافي ضحك ولا سوالف — الدنيا بلا شراب خراب.»
عندما يُنصح شخصٌ مشغول مهووس بالعمل أن يأخذ استراحة: «يا حبيبي، خُذلك فنجان وقعدة — الدنيا بلا شراب خراب.»

أحيانًا يُستعمل باستخفاف لوصف مكان مملّ أو مناسبة يخلو فيها المرح.
في جلسة عائلية: «نحنا كلنا نشتغل طول الأسبوع، لازم نهونها بلمّة مساء. الدنيا بلا شراب خراب.»
لصديقٍ متوتر: «لا تقطع نفسك عن النّاس، شوي قعدة مع الرفاق تفرّحك — الدنيا بلا شراب خراب.»
«لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة» — يشترك في فكرة أنّ اليأس يحرم الحياة معناها.
«عيش وخلّ الآخرين يعيشون» — تشابه في الدعوة للمتعة والتخفيف.

المثل يذكّرنا بقيمة راحة النفس والمرح، لكن لا ينبغي استخدامه لتبرير الإفراط أو الهروب من المسؤوليات (الإسراف في الشراب الكحولي، الإدمان على الترفيه، التبذير).

القراءة المعاصرة للمثل: الاعتدال — احترِم حاجاتك للراحة والمتعة لكن بحكمة.

المثل يقول: الإنسان بحاجة لقطرات من المتعة والرّفقة والرّاحة لكي لا تصير حياته قاحلةً وبائسةً. هو دفاعٌ عن البُعد الإنسانيّ للفرح الاجتماعيّ، مع ضرورة التّمييز بين التّرويح الصّحّيّ والإفراط الضّارّ.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس