الأخت الكريمة الأميرة عروبة لك أولا التحية والاحترام على نشرك لهذا الخبر المؤسف والأليم, ولكوننا عرفنا به لكن هناك الكثير من الأخبار والحوادث والمواقف تحصل في مجتمعاتنا قد تكون أصعب من هذه لكن لا يعلم أحد بها ولا يخبر عنها لأسباب متعددة ومختلفة منها الخوف ومنها وجوب الخضوع للعادات والتقاليد والقبول بالأمر الواقع, وفي جميع الحالات تكون المرأة هي الضحية لأنها الحلقة الأضعف في الحياة الأسرية وفي نظام المجتمع السائد.
كنتُ كتبت قبل يوم مقالة عن أنواع الزواج في العالم ومن ضمنه زواج القهر أو الزواج بالإكراه أو الزواج القسري أو سمّه ما شئت, فالمرأة في مثل هذا الزواج وفي كثير غيره من أنواع وحالات الزواج لا يكون لها رأي البتة, فهي تعيش حياتها على الهامش وهي مجبرة إكراها وغصباً أن تقبل بإرادة الأب أو الأخ فتتزوج بمن يرونه مناسباً لها لغنى أو لسبب آخر يكون عليه, أما الفتاة وهي التي ستعيش معه عمرها كلّه, وتقبل به زوجا على مضض فهي لا تستطيع التعبير عن رأيها لا بالرفض ولا بالمقدرة في خروجها عن طوع العائلة وهو يعتبر نوع من الكفر والإجرام!
المرأة في أغلب المجتمعات العربية والإسلامية سلعة حقيقيّة, لا كرامة لها ولا يراعي شعورها ولا يحقّ لها أن تمارس حياتها إلا من خلال الإطار الذي يريده لها الأب ومن ثم الأخ ويأتي بعد ذلك القاهر الأعظم والذي هو الزوج. والذي يفلقني أكثر من كلّ هذا وذاك هو خروج رجل دين ما أو امرأة أو مسؤول ما على شاشة قناة فضائية عربية وهو يتبجّح بكل وقاحة ويتحدّث عن المساواة بين الرجل والمرأة أو هو يقول أن المرأة حصلت على حقوقها في مجتمعاتنا وأن المرأة المسلمة تعيش حرية شخصية واجتماعية فيما الوقائع الجارية والواقع المعاش يدحض هذه الأقاويل جملة وتفصيلا, ويظهر كم القهر الذي تعاني منه المرأة في هذه المجتمعات قاسياً وهولا يرحم الدور الإنساني الرائع والكبير الذي تقوم به المرأة كزوجة وأم تقوم بتربية أبنائها ليصيروا رجالا في المستقبل, وكيف ستتمكن من القيام بهذه المهمة على وجه صحيحة عندما تكون مسلوبة الإرادة ومقهورة النفس وذليلة الوضع وكسيرة القلب والعين وغير محترمة الرأي وناقصة والخ...؟
بعد هذه المداخلة البسيطة أحب أن أعود إلى موضوع هذه الضحية التي ذهبت ليس لقاء سبب واحد بحد عينه بل هي ذهبت لعدة أسباب منها ما هو خارج عن إرادتها ومنها ما كان بإرادتها, إن مأساة المرأة (تارا) هي رمز لمأساة المرأة ككلّ في هذه المجتمعات وحتى وهي تخرج من تلك المجتمعات, يظلّ العنف يلاحقها, ويؤرّق سبيل عيشها, فتبقى أسيرة عادات وتقاليد بالية, فهي تخشى من الفضيحة إن هي دافعت عن حقها, وتخاف على مستقبلها ومستقبل أولادها فتقبل بالذل والإهانة والتعسّف الممارس ضدها من قبل الزوج, خاصة متى كان على شاكلة هذا الزوج الذي كان يعرف مدى ضعف زوجته ويجيد استغلال نقاط الضعف لديها ويستغلّها إيّما استغلال للوصول إلى غاياته الحقيرة وكذلك لتحقيق مآربه الدنيئة.
كان عليها أن تتخذ قرارا حازما, بأن تقرّر التخلّي عنه فهي تعيش في مجتمع أوروبي تستطيع فيه أن تحصل على جميع حقوقها, ولو كانت تعيش في واقع عربي لعذرناها بعض الشيء لكني أقول إنها كانت غير واعية بما فيه الكفاية وهي لم تستطع الاستفادة من الظروف التي كانت ستخدمها في ألمانيا لو هي شاءت الحصول على حقها. الوعي لعب دورا كبيراً وخطيراً لديها فلو كانت على مستوى راقي من الوعي والفهم والإدراك لما لها من حقوق وما عليها من واجبات لما صار مصيرها إلى هذه النهاية المفجعة. أجل هي فكّرت بطريقة عاطفية شأنها شأن جميع الشرقيّين ولم تترك قرار حياتها بأمر عقلها الذي كان سينصفها ويعينها وربما سينقذها فيمنعها من الإقدام على مثل هذه الخطوة الخاطئة والتي ليست من الصواب في شيء البتة.
التوعية في مجتمعاتنا ناقصة والإعلام له دور خطير في هذه الناحية ولا نرى إعلاما موجها ينصف المرأة بالحق وبالفعل بل هو يسعى إلى تخدير المرأة ليلهو بها ويثبط من همّتها ويجعلها فريسة تمنيات ووعود لن ترى منها شيئاً, إذا هي لم تتحرّك وتتحرّر بمعونة الرجل. أما أن يحرّرها الرجل فهذا لن يحصل! ابنة الدكتورة نوال السعداوي صرّحت قبل بضعة أيام أنها تريد أن تتسمّى باسم أمها بدلا من أن تتمّ تسميتها باسم أبيها كما هي العادة فقامت قيامة رجال الأزهر والدين في مصر والعالم الإسلامي. كيف يكون ذلك؟ هذا دليل قاطع على أن رجال الدين لا يريدون للمرأة أن تتحرّر بل أن تظلّ تابعاً للرجل فهي بنصف عقل وهي بنصف دين وشهادتها لا تقبل وأن أكثر سكان النار هم من النساء, وأن الرجال قوّامون على النساء و و و إلى ما هنالك من قيود هائلة تقف في وجه تحرير المرأة في المجتمعات الإسلاميّة. وكل نداء ظاهر يكون مبطّنا بكذب ورياء من الداخل.
لنعود إلى موضوعنا وهو موضوع الساعة وإني تأثرت لما حصل غاية التأثر وقد أعذرها كإنسانة رقيقة عانت بما فيه الكفاية وحاولت أن تقاوم بقدر ما توفّرت لها سبل المقاومة, وهي تشكر على كل ذلك, لكنها لم تكمل المشوار وسقطت تحت سيطرة الضغوط الهائلة التي مورست عليها وكان من أخطر هذه الضغوط هو ضغوطها هي بحق نفسها والتي كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير. أما فيما يخصّ فكرة الانتحار فإن الإنسان ليس حرا في انتزاع الروح لأنها ليست ملكاً له, فهي وديعة من الله عزّ وجل على الإنسان أن يحافظ عليها نقية صافية إلى أن تأتي ساعة الحساب! ومن المعروف أن نحو نصف مليون شخص ينتحرون كل سنة وهو معدّل كبير والإنتحار هو تدمير النفس البشرية بالإرادة الحرة من الشخص نفسه, وله أسباب كثيرة منها نفسية ومنها عقلية ومنها عائلية ومنها اجتماعية ومنها طبية وغيرها. أما بالنسبة إلى حكمي على الانتحار فإنه, برأيي المتواضع, ضعف وعمل غير أخلاقي وهو هروب من الواقع وهو كفر بإرادة الخالق وهومحاولة سلبية للهروب من مواجهة مصاعب الحياة.
كلمة أخيرة أحبّ أن أسجّلها في هذا الموضوع, وأنا مقتنع كلّية بها وهي: أن جانب التوعية الضعيف في مجتمعاتنا يلعب دورا كبيرا وهاما في التغيير أو في الإبقاء على الوضع كما هو عليه, فنداءات الشجب والاستنكار وأية دعوات تتعارض مع مصالح رجال الدين المهيمنة والمسيطرة على إرادة القرار في هذه المجتمعات العربية والإسلامة, لن يكتب لها النجاح وعلينا أن نطالب بالتغيير الجذري في الجوهر والأساس وليس فقط بالشكل الخارجي فعمليات التجميل لن تغيّر من واقع الفساد المستشري, على الهيئات الدولية والعالمية أن تزيد من ضغوطها على هذه المجتمعات المتخلفة لتقوم بتغيير أنظمتها والنظم السائدة فيها فيما يخص تنظيم الأسرة والعلاقات الأسرية وقانون الأحوال الشخصية وأن يتم الاعتراف بالأخطاء والسعي سعياً جادا إلى محاولة إصلاح الفساد الذي فيها والعمل على سن قوانين وتشريعات جديدة أكثر إنسانيّة تعطي المرأة حقوقها كاملة دون نقصان وإلا فإنّنا سنظلّ نسبح في متاهات ضياع في عالم الفتاوى التي لا تنتهي والتي ما أنزل الله بها من سلطان كلّ يفتي بما يراه هواه وما يرشده إليه فهمه والإنسان ليس ربّا فهو معرّض للوقوع في الخطأ ولا يجوز أن يشمل هذا الخطأ القانون أوالتشريع لأنه سيصير كارثة كما هو عليه الآن. المجتمعات العربية والإسلامية تحتاج إلى هزّة عنيفة وإلى ثورة إصلاحية في الفكر وأنماط الوعي بما يناسب التحولات الخطيرة التي طرأت على العالم ويعيش العرب والمسلمون وكأنهم فقط في العالم ليست هناك شعوب أخرى تعيش معهم وإلى جانبهم, وأنهم ملزمون لسبب أو لآخر في التعامل معهم والتعاطي مع أفكارهم. فإلى متى يظلّ العرب والمسلمون نياماً؟ وإلى متى تظلّ المرأة مقهورة ومغبونة الحق ومداسٌ عليها؟ إلى متى يبقى العرب والمسلمون لا يعترفون بأنهم مخطئين بل أن غيرهم هم المخطئون بحقهم؟ ومتى حصلت لهم مشاكل أو نالهم مكروه أسرعوا إلى إلقاء اللوم على الآخرين واتّهموا الغير بأنهم وراء كل ما يحصل لهم, دون أن يقرّوا ولو لمرّة واحدة أن أفكارهم المشوّشة الظلاميّة وأن عقولهم الجامدة وغير المتحركة هي السبب في كلّ ما حصل لهم وما يحصل وما سيحصل لهم من مآسي وماعب ومشكلات ولن تكون مأساة (تارا) أول ولا آخر مأساة في هذه المجتمعات لطالما بقيت على ما هي عليه, تنادي بأنها لا تريد التغيير من الخارج ولا تقبله, فيما هي لا تحرّك ساكنا في طريق التغيير الذاتي المنشود وأقول رحمة الله على العرب والمسلمين..
|