مشاركتي على الأكاديمية العربية المغربية الوداع بقلم: فؤاد زاديكى
مشاركتي على الأكاديمية العربية المغربية
الوداع
بقلم: فؤاد زاديكى
الوداعُ لحظةٌ صعبةٌ لا يمكنُ وصفُها بالكلماتِ، فهو كالسهمِ، الذي يخترقُ القلبَ دونَ رحمةٍ.
إنّه الفراقُ الذي يحملُ في طيّاتهِ وجعَ القلبِ و حزنَ الروحِ، و يزرعُ في النفسِ ألماً لا يندملُ بسهولةٍ.
كلُّ وداعٍ يحملُ قصةَ حبٍّ، أو صداقةٍ، أو قرابةٍ، تخلّفُ وراءَها دموعاً و آهاتٍ لا تُنسى.
فكيفَ للإنسانِ أن يتحمّلَ غيابَ من اعتادَ حضورَهُ؟ و مَن سكنَ قلبَهُ؟ و مَن شاركهُ لحظاتِهُ الجميلةَ؟
الوداعُ ليسَ مجردَ كلمةٍ تُقالُ في لحظةٍ، بل هو زلزالٌ داخليٌّ يهزُّ أركانَ الوجدانِ.
حينَ نودّعُ الأحبةَ، نشعرُ و كأنّ قطعةً منّا تُقتَلعُ عنوةً، ولا سبيلَ لعودتِها.
تبقى الذكرياتُ وحدَها الرفيقَ الدائمَ، تسكنُ أعماقَ الذاكرةِ، و تشتعلُ كلّما مرّت الخواطرُ.
تتكوّرُ الدموعُ في العيونِ، و تثقلُ الكلماتُ على اللسانِ، فكيفَ لنا أن نُنطقَ كلمةَ "وداعاً"؟
أحياناً يكونُ الوداعُ مؤقّتاً، فتمنحُنا الأملَ بلقاءٍ قريبٍ، و أحياناً أخرى يكونُ نهائياً، فيحملُ مرارةَ الأبدِ.
لا فرقَ بينَ وداعِ الأمِّ، أو الصديقِ، أو الحبيبِ، فجميعُها تترُكُ في القلبِ الوجعَ ذاتهُ.
في الوداعِ، يتجلّى أضعفُ ما فينا، و تنكشفُ هشاشتُنا الإنسانيةُ.
نتمنى لو أنّ الزمانَ يتوقّفُ، لو أنّ اللحظاتِ تتجمّدُ، لو أنّ الدقائقَ تطولُ.
لكنّ الواقعَ لا يرحمُ، و الزمنُ لا ينتظرُ أحداً.
نودّعُ و نمضي، نُخفي أوجاعَنا خلفَ ابتساماتٍ باهتةٍ و عيونٍ دامعةٍ.
و هل هناكَ أصعبُ من أن تودّعَ من تحبُّ و أنت تعلمُ أنّك لن تراهُ مجدداً؟
الوداعُ امتحانٌ صعبٌ للمشاعرِ، اختبارٌ للقدرةِ على التُحمّلِ و الصّبرِ.
قد يخلقُ فينا قوةً من حيثُ لا ندري، لكنّه يُنهكُنا في الوقتِ نفسِه.
تتلوّنُ الحياةُ بعد الوداعِ بألوانِ الحنينِ، و تصبحُ التفاصيلُ الصغيرةُ مؤلمةً.
نشتمُّ عطرَ من رحلوا في كلّ مكانٍ، نراهم في وجوهِ العابرينَ، نبحثُ عنهم في المدى.
لكنّهم لا يعودونَ، و يبقى الوداعُ شاهداً على قسوةِ الحياةِ و تقلباتِ الأقدارِ.
إنّه دربٌ لا مفرَّ منه، نمرُّ به جميعاً، في مراحلَ مختلفةٍ من حياتِنا.
و مع كلّ وداعٍ نتعلّمُ شيئاً جديداً عن أنفسِنا، عن الآخرينَ، عن الألمِ و الصّبرِ.
يبقى الأملُ هو ما يخفّفُ عنّا وطأةَ الوداعِ، فربما يجمعُنا القدرُ يوماً ما بمن نحبُّ.
و إلى أن يحينَ ذلكَ اللقاءُ، نُبقي في القلبِ دعاءً، وفي العينِ دمعاً، و في الذاكرةِ حضوراً لا يغيبُ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 02-06-2025 الساعة 08:48 AM
|