"لِماذا يَموتُ أغلَبُ الشُّعَراءِ فُقَراءَ؟"
بقلم: فُؤاد زاديكى
(نصٌّ بأسلوبه المُتخيَّل)
لِمَاذَا يَمُوتُ أَغْلَبُ الشُّعَرَاءِ فُقَرَاءَ؟
سُؤَالٌ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ وَجَعَ الزَّمَنِ، وَ صَرْخَةَ الْقَلَمِ، الَّذِي لَمْ يُشْتَرَ. لَقَدْ كَتَبَ الشُّعَرَاءُ فِي الْحُبِّ، وَ فِي الْوَطَنِ، وَ فِي الْجُرْحِ، وَ فِي الْكُرْهِ، وَ لَمْ يَجْنُوا إِلَّا الْخَيْبَةَ وَ التَّنْكِيلَ و المُلاحَقةَ و تَضييقَ الخِناقِ و إرغامِه على عيشِ الغُربةِ عن الوطَنِ و الأهلِ الخ....
يَمُوتُ الشَّاعِرُ وَ فِي جَيْبِهِ قَصِيدَةٌ، لَا دِينَارٌ!
لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ لِلتِّجَارَةِ، بَلْ لِلْحَقِّ. لَمْ يُمَجِّدْ مَنْ يَجِبُ تَمْجِيدُهُ، بَلْ عَارَضَ، وَ قَاوَمَ، وَ صَاحَ بِصَوْتِ الْكَلِمَةِ، فَصَارَ مَنْفِيًّا حِينًَا، وَ مَنْسِيًّا أَحْيَانًا.
هَلْ الْفَقْرُ قَدَرُهُمْ؟
لَا، بَلِ الْمُجْتَمَعُ، الَّذِي لَا يُقَدِّرُ الشَّاعِرَ، يَجْعَلُهُ يَتَخَبَّطُ فِي ضَيَاعٍ دَائِمٍ. هُوَ يَعِيشُ فِي خَيَالِهِ، وَ الْعَالَمُ يَعِيشُ فِي مَصَالِحِهِ. يَبْحَثُ النَّاسُ عَنْ رِبْحٍ، وَ هُوَ يَبْحَثُ عَنْ وَلَهٍ!
قَدْ تَجِدُ الشَّاعِرَ فِي زَاوِيَةِ مَقْهًى، يَحْمِلُ دَفْتَرًا، وَ قَلْبًا مَفْتُوحًا لِلْعَذَابِ. لَا يَسْأَلُ أَحَدًا، وَ لَا يُجِيبُ. فَهُوَ مَشْغُولٌ بِحَرْفِهِ، وَ مَنْفِيٌّ عَنْ الدُّنْيَا.
الشِّعْرُ لَا يُطْعِمُ خُبْزًا، وَ لَا يَسْتُرُ جَسَدًا، وَ لَكِنَّهُ يُنْقِذُ رُوحًا. وَ هُنَا تَكْمُنُ الْمُفَارَقَةُ. الرُّوحُ غَنِيَّةٌ، وَ الْجَسَدُ فَقِيرٌ.
مَاتَ الْمُتَنَبِّي وَ قَتَلَهُ شِعْرُهُ. وَ عِمَادُ غَزَالَةٍ أَحْرَقَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْمَعُهُ. وَ دِيوَانُ الشَّاعِرِ أَصْبَحَ تِرْيَاقًا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَيْتَ الْحَيَاةَ كَانَتْ تُكْرِمُهُ وَ هُوَ فِي جُرْحِهِ و ماتَ الجواهرِي و نزارُ قباني و كثيرُون في بلادِ المَهجِرِ.
يَمُوتُ الشُّعَرَاءُ فُقَرَاءَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَيَّفُوا مَعَ سُوقِ النِّفَاقِ، وَ لَمْ يَبِيعُوا قَلَمَهُمْ لِأَصْحَابِ السُّلْطَةِ وَ الْمَالِ.
أَيُّهَا الشَّاعِرُ، يَا مَنْ تَحْمِلُ صَوْتَ الْحَقِّ، لَا تَحْزَنْ، فَفَقْرُكَ مِيزَةٌ فِي زَمَنٍ يَبِيعُ النَّاسُ فِيهِ أَرْوَاحَهُمْ. إِنَّ قَلَمَكَ أَنْبَلُ مِنْ مِئَاتِ الصَّفَقَاتِ، وَ شِعْرَكَ أَبْقَى مِنْ أَبْرَاجِ الْمَالِ.
فَمُتْ شَرِيفًا، وَ اتْرُكْ لَنَا كَلِمَاتٍ تَحْرُسُ نُبْلَ الْحَقِّ، فَالشِّعْرُ هُوَ الْحَقُّ الْأَبْقَى!