[fouadzadieke]

من بينِ الحطامِ

بقلمِ فؤادٍ زاديكي

مشاركتي على برنامج بوح الصورة في الملتقى الثقافي العربي تقديم السيدة نور الهدايا

من بينِ الحطامِ، حيثُ تختلطُ الأشلاءُ بالأحلامِ المكسورةِ، ينطلقُ الصوتُ الخافتُ من أعماقِ الزمانِ، محاولًا إيجادَ منفذٍ وسطَ الجدرانِ الضيقةِ، التي تحبسُ الحياةَ. تلكَ الجدرانُ التي كانتْ يومًا أملًا و ملاذًا، تتحولُ اليومَ إلى أغلالٍ تقيدُ الأنفاسَ و تغتالُ الحرّياتِ. في لحظاتِ الضّعفِ، بينَ أزقَّةِ الظلماتِ، يتجلّى فينا الحلمُ، حلمُ التحرّرِ، حلمُ أن نكونَ كما نريدُ، دونَ أن تُخضعنا قيودُ الزمانِ أو المكانٍ.

لا شيءَ يمنعنا سوى إرادةٍ من حديدٍ، روحٍ ترفضُ الاستسلامَ و تصرُّ على النضالِ. في كلِّ زاويةٍ من هذا العالمِ المظلمِ، ينبعثُ ضوءٌ خافتٌ يشيرُ إلى الطريقِ، هذا الضوءُ هو الأملُ الذي لا يزولُ مهما اشتدَّ الحصارُ. جدرانُنا التي أحاطتْ بنا منذُ الصغرِ، تكتَشِفُ اليومَ هشاشتها، و تبدأُ في الانهيارِ أمامَ إرادةِ الإنسانِ، الذي يرفضُ الانصياعَ. لا تزالُ قلوبُنا تنبضُ بالحياةِ، ترنو إلى الفضاءِ، إلى العوالمِ اللامحدودةِ، التي لا تعرفُ القيودَ.

من بينِ الحطامِ، تتساقطُ الذكرياتُ مثلَ أوراقِ الخريفِ، لكنَّ كلَّ ورقةٍ تسقطُ تحملُ معها فكرةً جديدةً، رؤيةً متجددةً. إذا كانتِ الحواجزُ قد تكاثرتْ من حولِنا، فإنَّ كلَّ محاولةٍ لتجاوزِها هي اختبارٌ آخرُ لقوةِ الإرادةِ. حتى في وسطِ العتمةِ، هناكَ دائمًا فسحةٌ صغيرةٌ للانطلاقِ، للمقاومةِ، و العودةِ إلى الحياةِ كما يجبُ أن تكونَ، حياةً مليئةً بالنضالِ و المثابرةِ. إننا لا نعيشُ فقط للبقاءِ، بل لنحيا بأملٍ، لنتنفسَ حريةً لا تعرفُ الموانعَ.

الحريةُ ليستْ مجرّدَ مفهومٍ، بل هي رحلةٌ نخطوها مع كلِّ خطوةٍ نتحرّرُ بها من القيودِ، نُعيدُ بناءَ أنفسِنا من جديدٍ، نخلقُ من الحطامِ شيئًا أكثرَ إشراقًا، و أكثرَ قدرةً على البقاءِ.