عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-04-2025, 07:37 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,818
افتراضي اللغة السريانية وأصل تسمية "سوريا" بقلم: فؤاد زاديكى

اللغة السّريانية وأصل تسمية "سوريا": تفنيد المزاعم و توثيق الحقيقة التّاريخيّة


بقلم: فؤاد زاديكى

في الآونة الأخيرة، صدرت تصريحات من وزير الثقافة في الحكومة السورية المؤقتة، يدّعي فيها أنّ اللغة السريانية ليست إلّا لهجة عربية، و أنّ اسم "سوريا" اسم عربيّ الجذور. هذه التّصريحات، التي تفتقر لأيِّ أساس لغويّ أو تاريخيّ موثّق، تمثّل شكلاً من أشكال التّزوير الثّقافيّ و التّاريخيّ، و تأتي ضمن سياق أوسع من محاولات طمس الهويّة السريانيّة و الآراميّة, التي تشكّل جزءًا أصيلًا من تاريخ سوريا و المنطقة. في هذا المقال، سنكشف الحقائق بلغة العلم و التّاريخ، بعيدًا عن الأهواء السياسيّة.
________________________________________
أولًا: هل كلمة "سوريا" من أصل عربي؟
قطعًا لا. اسم "سوريا" ليس عربيًّا بأيّ حال من الأحوال. بل هو مشتقّ من الكلمة اليونانيّة "Συρία" (سوريا)، و التي تعود بدورها إلى الاسم الأقدم "آشور" (Assyria)، و هو اسم مملكة آشور التاريخيّة في شمال بلاد الرافدين.
• الكتّاب اليونان مثل هيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد) استخدموا اسم "سوريا" للإشارة إلى الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات، و التي كانت تسكنها شعوب آرامية.
• الاسم تطوّر لاحقًا ليشمل كافّة المناطق الواقعة ضمن الهلال الخصيب الغربيّ.
إذن، "سوريا" هو اسم يعود لأكثر من 2500 سنة قبل أيّ وجود عربيّ سياسيّ أو لغويّ في هذه المنطقة.
________________________________________
ثانيًا: ما هي اللغة السريانيّة؟ و هل هي لهجة عربية كما زُعِم؟
اللغة السريانيّة هي إحدى اللغات الآراميّة الشّرقيّة، و ليست لهجة عربية إطلاقًا.
• الآرامية لغة ساميّة قديمة، ظهرت حوالي الألف الثّاني قبل الميلاد.
• السريانيّة فرع من الآراميّة تطوّر في منطقة الرّها (أورفا اليوم) في القرن الأول قبل الميلاد، و تحوّلت لاحقًا إلى لغة دينيّة و أدبيّة و ثقافيّة واسعة الانتشار في الشّرق الأدنى.
• ازدهرت اللغة السريانيّة في العصر المسيحيّ المبكّر، و أصبحت لغة الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة و الكنيسة الشرقيّة، كما استُخدمت في الأدب و الفلسفة و العلوم.
________________________________________
ثالثًا: هل كانت السريانيّة لغة رسمية في بعض فترات الدولة الإسلاميّة؟
نعم، كانت السريانية من اللغات المهمّة في العصر الأمويّ و العباسيّ:
• في العصر الأموي، استُخدمت اللغة السريانيّة في الدواوين و المراسلات الطبّيّة و العلميّة، خاصّة في بلاد الشّام.
• في العصر العباسيّ، ازدهرت حركة النّقل و التّرجمة، و شارك فيها العلماء السّريان بترجمة الكتب من اليونانيّة إلى السريانيّة، ثمّ إلى العربيّة.
• أسماء مثل حنين بن إسحاق، ثابت بن قرّة، يوحنا بن ماسويه، و آل بختيشوع و غيرهم من السّريان لعبوا دورًا مركزيًّا في النّهضة العلميّة الإسلاميّة.
________________________________________
رابعًا: أثر اللغة السريانيّة في الحياة السّوريّة و المشرقيّة
• لا تزال اللغة السريانيّة حيّة حتّى اليوم، تُدرّس و تُستخدم في الطّقوس الكنسيّة لدى الطّوائف السّريانيّة (الآشوريّة، الكلدانيّة، السّريانيّة الأرثوذكسيّة، المارونيّة).
• العديد من المدن و القرى السّوريّة ما تزال تحتفظ بأسمائها السريانيّة: معلولا، صيدنايا، دير الزور، قارة، نينوى، تل تمر و غيرها.
• الكثير من المفردات الشائعة في اللهجة الشّاميّة مثل "شحّاد"، "طمبورة"، "بلبل"، "عطشان" لها جذور آراميّة-سريانيّة.
________________________________________
خامسًا: في مواجهة التّزوير
القول بأنّ السّريانيّة لهجة عربية، و أنّ اسم "سوريا" عربيّ الأصل، هو جهل صارخ بالتّاريخ، و محاولة لطمس هويّة ثقافيّة و لغويّة أقدم من الإسلام و العربيّة بألفي سنة.
هو إنكار متعمّد للوجود السّريانيّ الممتدّ لآلاف السّنين على أرض سوريا الكبرى، بكلّ ما يحمله من إبداع و فكر و تراث.
________________________________________
🏛️ المراجع والمصادر التاريخية
1. The Cambridge History of the Syriac Literature – Cambridge University Press, 2022
2. Robert Payne: The Christian Centuries – Macmillan, 1984
3. Sebastian Brock, أبرز الباحثين في اللغة السريانية – University of Oxford
4. Jean Starcky: Les origines du nom de Syrie – Syria, Journal of Archaeology and History, Vol. 41, 1964
5. The Hidden Pearl: The Syrian Orthodox Church and its Ancient Aramaic Heritage – Trans World Film Italia
6. The Aramaic Language: Its Distribution and Subdivisions – Klaus Beyer
7. Patricia Crone: Roman, Provincial and Islamic Law – Cambridge University Press
8. أعمال حنين بن إسحاق المترجمة إلى السّريانيّة و العربيّة
9. "اللغة السّريانيّة" – الأب ألبير أبونا، دار المشرق، بيروت
10. هيرودوت، "التاريخ" – ترجمة عبد الإله الملاح، دار الكتاب العربي
________________________________________
خاتمة
إنّ حماية الهويّة السّريانيّة ليست فقط دفاعًا عن الماضي، بل تأكيدٌ على أنّ سوريا كانت عبر التّاريخ أرض تنوّع و حضارات متعدّدة، لا تنصهر في قالب واحد و لا تقبل احتكار الحقيقة.
لهذا يتوجّبُ على وزير الثّقافة في الحكومة السّوريّة الانتقاليّة الحاليّة أن يتراجعَ عن هذه التّصريحات غير المسؤولة و غير الصّحيحة, و التي تسعى بشكلٍّ مقصود و مُتَعَمّد إلى تهميش جزء أساسيّ من تاريخ المكّوّن السّوريّ و هم السّريان بمختلف طوائفهم و فروعهم, كما عليه أن يقدّم اعتذارًا و على الفور لجميع السّوريّين, و من الإجحاف أن يكون على رأس المؤسسة الثقافيّة شخص مثل هذا الوزير, الذي يدلّ سلوكه هذا على جهلٍ تامٍّ بحقائق التّاريخ و انعدام المعرفة و المسؤوليّة فكيف لمثله أن يُدير وزارة هامّة كوزارة الثقافة؟
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس