عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-02-2025, 02:42 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,840
افتراضي الحب المميت بقلم: فؤاد زاديكي

الحب المميت

بقلم: فؤاد زاديكي
في بَلْدَةٍ نَائِيَةٍ، كان هُناكَ شَابٌّ فَقِيرٌ يُدْعَى "حَسَنٌ"، عَاشَ فِي حَيٍّ فَقِيرٍ وَسَطَ أَزِقَّةٍ ضَيِّقَةٍ وَ جُدْرَانٍ مُتَصَدِّعَةٍ. لَكِنَّ قَلْبَهُ كانَ مَلِيئًا بِالْحَيَاةِ وَالْأَمَلِ. بَيْنَمَا كَانَتْ "لَيْلَى"، الْفَتَاةُ الْجَمِيلَةُ الْقَادِمَةُ مِنْ عَائِلَةٍ غَنِيَّةٍ، تَنْتَمِي إِلَى عَالَمٍ آخَرَ. عَاشَتْ فِي قَصْرٍ رَائِعٍ تُحِيطُ بِهَا الرَّفَاهِيَةُ وَ التَّرَفُ. وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذَا التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، إِلَّا أَنَّ الْحُبَّ جَمَعَ بَيْنَ قَلْبَيْ "حَسَنٍ" وَ"لَيْلَى"، وَ تَأَلَّقَتْ أَعْيُنُهُمَا بِبَرِيقِ الْأَمَلِ.
مَرَّتِ الْأَيَّامُ وَازْدَادَ حُبُّهُمَا، كَانَا يَجْتَمِعَانِ سِرًّا فِي أمَاكِنِ بَيعِ الزُّهُورِ وَ الْحَدَائِقِ الْبَعِيدَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، حَيْثُ كَانَا يَتَبَادَلَانِ الْأَحْلَامَ وَ الْوُعُودَ. لَكِنَّ قَلْبَ "لَيْلَى" لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ فِي هَذَا الصِّرَاعِ، بَلْ كَانَتْ هُنَاكَ عُيُونٌ أُخْرَى تَرَاقِبُ، عُيُونٌ لَا تَرْضَى بِمَا لَا يُنَاسِبُهَا. أُسْرَةُ "لَيْلَى" كَانَتْ تَرْفُضُ هَذَا الْحُبَّ بِشِدَّةٍ، فَهِيَ لَمْ تَكُنْ تَعْتَقِدُ أَنَّ شَابًّا فَقِيرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِابْنَتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ.
حَاوَلُوا بِكُلِّ الطُّرُقِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. فَقَدْ عَرَضُوا عَلَى "حَسَنٍ" الْمَالَ وَ الْمَكَانَةَ، لَكِنَّهُ رَفَضَ بِكُلِّ عِنَادٍ. كَانَ قَلْبُهُ مِلْكًا لِـ"لَيْلَى"، وَ لَنْ يَسْمَحَ لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْ يُغَيِّرَ مَشَاعِرَهُ. وَ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ، كَانَتْ مَعَانَاتُهُ تَزْدَادُ، وَ كَذَلكِ مَعَانَاة "لَيْلَى" الَّتِي كَانَتْ تُجْبَرُ عَلَى إِخْفَاءِ مَشَاعِرِهَا خَلْفَ اِبْتِسَامَةٍ مُزَيَّفَةٍ.
ثُمَّ جَاءَ الْيَوْمُ، الَّذِي قَرَّرَتْ فِيهِ أُسْرَةُ "لَيْلَى" أَنْ تَتَّخِذَ قَرَارًا نِهَائِيًّا. لَا يُمْكِنُ لِابْنَتِهِمْ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ شَابٍّ فَقِيرٍ لَا يَتَمَاشَى مَعَ عَادَاتِهِمْ الْاجْتِمَاعِيَّةِ، وَ لا مَعَ وَضْعِهِمْ الْمَالِيِّ. كَانَ الْقَرَارُ قَاسِيًا، وَ حِينَمَا رَفَضَتْ "لَيْلَى" الْخُضُوعَ لِضُغُوطِهِمْ، لَمْ يَجِدُوا إِلَّا التَّخَلُّصَ مِنْ "حَسَنٍ" بِطَرِيقَةٍ مَرِيعَةٍ. فَابْتَكَرُوا خُطَّةً شَيْطَانِيَّةً لِوَضْعِ حَدٍّ لِهَذَا الْحُبِّ.
فَفِي لَيْلَةٍ مَظْلِمَةٍ، تَرَصَّدُوا لِـ"حَسَنٍ" وَ قَامُوا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهِ بِوَحْشِيَّةٍ، حَتَّى أَرْدَوْهُ قَتِيلًا. أُغْرِقَتِ الْأَزِقَّةُ بِدِمَائِهِ، وَ تَرَكوهُ جُثَّةً هَامِدَةً فِي زِقَاقٍ مُعْتِمٍ. وَ لَمَّا عَلِمَتْ "لَيْلَى" بِذَلِكَ، انْهَارَتْ دُمُوعُهَا، وَ شَعَرَتْ بِأَنَّ حَيَاتَهَا قَدِ انْتَهَتْ مَعَهُ.
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، أَخَذَتْ "لَيْلَى" قَرَارًا نِهَائِيًّا. صَعِدَتْ إِلَى نَافِذَةِ الطَّابِقِ الثَّالِثِ، وَ رَمَتْ بِنَفْسِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، تَارِكَةً الْحَيَاةَ وَرَاءَهَا، لِتَلْتَقِيَ بِحَبِيبِهَا فِي عَالَمٍ آخَرَ بَعِيدٍ عَنْ التَّفَرُّقَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ. وَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَاتِ الْحَزِينَةِ، التَقى العَاشِقَانِ فِي جَنَّاتِ الْخُلْدِ، حَيْثُ لَا يُوجَدُ مَكَانٌ لِلنَّقْدِ أَوِ الامْتِيازَاتِ، وَ لا لِلتَّقَالِيدِ الْمَيِّتَةِ.
تَرَكَتْ "لَيْلَى" قَلْبَهَا مَعَ "حَسَنٍ"، وَ ظَلَّا مَعًا، فِي مَكَانٍ لَا يَعْرِفَانَ فِيهِ إِلَّا الْحُبَّ الطَّاهِرَ الَّذِي لَمْ تَقْوَ عَلَيْهِ قُيُودُ الزَّمَانِ وَ المَكَانِ. هُنَاكَ، فِي عَالَمٍ بَعِيدٍ عَنْ الْعَادَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَجَدَا الرَّاحَةَ الْأَبَدِيَّةَ، حَيْثُ الْحُبُّ وَحْدَهُ هُوَ الْحَاكِمُ.
المانيا في ٢٢ شباط ٢٠٢٥
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس