عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-01-2025, 10:23 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,823
افتراضي 🔹 العُنْوانُ: غُرْبَةُ الرُّوحِ ✍️ بِقَلَمِ: فُؤادِ زاديكِي

🔹 العُنْوانُ: غُرْبَةُ الرُّوحِ


✍️ بِقَلَمِ: فُؤادِ زاديكِي

تَهْمِسُ الرِّيحُ فِي أُذُنِ اللَّيْلِ، كَأنَّهَا تُنْشِدُ أُغْنِيَةَ الحَنينِ المُبْهَمِ.
تَتَمايَلُ الأَشْجارُ عَلَى إِيقاعِ أَنْفَاسِ الغُرْبَةِ، تَشْهَدُ أَنَّ الأَرْضَ تُنْكِرُ خُطَانَا.
هَلْ يَسْتَطيعُ القَلْبُ أَنْ يَسْتَجْلِبَ الدِّفْءَ مِنْ ذَاكِرَةٍ بَاتَتْ بَارِدَةً كَالحَجَرِ؟
كَمْ مِنْ صُبْحٍ أَشْرَقَ فَارِغًا، وَ كَمْ مِنْ لَيْلٍ ضَاقَ بِالأَمَانِي الَّتِي ذَابَتْ فِي الأُفُقِ.
العُيُونُ تَرْقُبُ مَجْهُولًا لَا يَأْتِي، وَ الأَمَانِي تُقَلِّبُ صَفَحَاتٍ مَضَتْ فِي وَهْمِ العَوْدَةِ.
أَيُّهَا الطَّائِرُ المُرْتَحِلُ، هَلْ تَحْمِلُ لِي رِسَالَةً مِنْ زَمَنٍ لَمْ يَعُدْ يَسْكُنُنِي؟
أَكْتُبُ الحُرُوفَ عَلَى جِدَارِ اللَّيْلِ، لَكِنَّهَا تَتَبَخَّرُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى أُفُقِ العَابِرِينَ.
أَتَأَمَّلُ وَجْهِي فِي مِرْآةِ الذِّكْرَى، فَأَرَاهُ مُمَزَّقًا بَيْنَ أَمْسٍ لَمْ يُتِمَّ رِحْلَتَهُ، وَ غَدٍ يَرْفُضُ قُدُومِي.
أَطْرُقُ أَبْوَابَ الحُلْمِ، لَكِنَّ النَّوْمَ أَضَاعَ مَفَاتِيحَهُ فِي جَيْبِ اللَّا وَعْيِ.
أَحْمِلُ فِي جُعْبَتِي أُغْنِيَةً عَنْ وَطَنٍ غَادَرَنِي قَبْلَ أَنْ أُوَدِّعَهُ.
هَلِ الحُرُوفُ تَكْفِي لِكِتَابَةِ الحَنِينِ؟ أَمْ أَنَّ المَعَانِي تُضِيعُ فِي زِحَامِ الأَلِفَاظِ؟
لَسْتُ أَدْرِي إِنْ كَانَتْ الرِّيحُ تَحْمِلُ أَصْوَاتَ الَّذِينَ رَحَلُوا، أَمْ أَنَّ صَمْتِي هُوَ مَا يَخْدَعُنِي.
يَتَسَلَّلُ القَمَرُ خِلْسَةً مِنْ بَابِ السَّمَاءِ، وَ يُلْقِي عَلَى وُجُوهِنَا ضَوْءَهُ البَارِدَ كَتَحِيَّةِ وَداعٍ.
أُفَكِّرُ بِالَّذِينَ تَرَكُوا خُطَاهُمْ عَلَى طُرُقٍ مَا عَادَتْ تَعْرِفُهُمْ.
وَحْدَهُ الصَّدَى يَرُدِّدُ أَسْمَاءَهُمْ، وَ يَرْفُضُ أَنْ يَنْطِقَ أَسْمَانَا.
أَنَا المُسَافِرُ الَّذِي نَسِيَ طَرِيقَ العَوْدَةِ، وَ نَسِيَ مَعَهُ مَعْنَى الوُصُولِ.
هَلِ الغُرْبَةُ مَكَانٌ نَحْتَجِزُ فِيهِ أَنفُسَنَا؟ أَمْ هِيَ شُعُورٌ يُسَافِرُ مَعَنَا حَتَّى فِي أَحْضَانِ الأَحِبَّةِ؟
يَسْأَلُنِي القَلْبُ: مَتَى تَسْتَرِدُّ زَمَنَكَ؟ فَأَجِيبُهُ: إِذَا عُدْنَا وَجَدْنَاهُ لَمْ يَعُدْ.
كُلُّ شَيْءٍ يَتَغَيَّرُ، حَتَّى الحَنِينُ يُصْبِحُ غَرِيبًا فِي وَطَنٍ مَخْفِيٍّ بَيْنَ الضُّلُوعِ.
العَابِرُونَ يُرَحِّبُونَ بِنَا كَالغُرَبَاءِ، فَكَيْفَ نُقْنِعُ الزَّمَانَ أَنَّ لَنَا هُنَا مَنْزِلًا؟
أَبْحَثُ عَنْ وَجْهٍ يُشْبِهُ مَاضِيَّ، فَلَا أَجِدُ إِلَّا مَرَايَا تَعْكِسُ خَيَالًا مُتَعَبًا.
لَا الحُرُوفُ تُوَاسِينِي، وَ لَا الصَّمْتُ يَهَبُنِي السَّكِينَةَ.
يَبْقَى فِي الصَّدْرِ مَكَانٌ لِشَيْءٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، لَكِنَّهُ لَنْ يَحْدُثَ أَبَدًا.
قَدْ نَتَعَلَّقُ بِحُلْمٍ، لَكِنَّهُ يَرْفُضُ أَنْ يَحْمِلَنَا إِلَى الوَاقِعِ.
يَغْرَقُ القَلْبُ فِي البَحْثِ عَنْ ذَاكِرَةٍ أَضَاعَهَا، وَ يَسْتَفِيقُ فِي مَكَانٍ لَا يَنْتَمِي إِلَيْهِ.
هَلْ يَعْرِفُ الوَطَنُ أَنَّنَا نَحْنُ مَنْ نَبْحَثُ عَنْهُ فِي كُلِّ أَمْكِنَةِ الرَّحِيلِ؟
يَحْدُثُ أَنْ نَسْتَيْقِظَ عَلَى وَقْعِ أَصْوَاتٍ تُذَكِّرُنَا بِمَا نَسِينَاهُ قَسْرًا.
وَ يَحْدُثُ أَنْ نَنْظُرَ فِي عُيُونِنَا فَلَا نَرَى إِلَّا ظِلًّا لِشَخْصٍ كَانَ هُنَا يَوْمًا.
لَيْسَتِ الغُرْبَةُ فِي الأَمَاكِنِ، بَلْ فِي أَنْفُسِنَا، الَّتِي لَمْ تَعُدْ تَعْرِفُهَا الدُّنْيَا.
أَسْمَعُ نِدَاءً بَعِيدًا، أَلْتَفِتُ، فَأَجِدُ رُوحِي تُلَوِّحُ لِي مِنْ مَكَانٍ مَا، كَأَنَّهَا تُحَاوِلُ العَوْدَةَ… وَ لَكِنْ مُتَأَخِّرًا.

المانيا في ٢٩ يناير ٢٥
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 01-02-2025 الساعة 02:32 AM
رد مع اقتباس