عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-09-2005, 02:34 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي جان دمّو، روحُكَ مرفرفة فوق جبهةِ الشِّعر ـ ج 3 ـ 2 ـ

جان دمّو

روحكَ مرفرفة

فوقَ جبهةِ الشعرِ



أنشودة الحياة



[نصّ مفتوح]




إهداء: إلى روح الشاعر جان دمّو

.... ....

جان دمّو

روحُكَ مرفرفة

فوقَ جبهةِ الشِّعرِ



أيّها المتمرِّدُ في وجهِ الرِّيحِ

أيّها المفهرس

فوقَ أوجاعِ الوطنِ المذبوحِ

أيها الجامح

فوقَ عذاباتِ الرُّوحِ



كم من مرّةٍ حلمْتَ

أن ترخي جسدكَ المثقل بالجراحات

فوقَ الشَّواطئِ النَّاعمة



آهٍ .. لماذا تهربُ منّا شواطئُنا

نخافُ أن نرخي أجسادَنا

المعفرّة بالأنينِ

فوقَ رمالِنَا



.. أينَ فرَّتْ رمالُنا

مَنْ أحرقَ خاصراتِ النَّخيلِ

ومَنْ رمى جان دمّو

فوقَ رصيفِ المنافي؟



أيَّتُها الصَّولجانات المتكلّسة

بضجرِ الموتِ

أيّتها الأقبية الغافية

فوقَ صدورِ الشُّعراء



زلزلي يا أرضُ زلزلي

ربّما تعبرُ بين أحشائِكِ

رعشةُ أملٍ

إلى قلوبٍ متآكلة جوعاً

شوقاً إلى الهواءِ العليل



مَنْ مِنَ البشرِ يعبرُ المنافي

تاركاً خلفه عظامَ الآباءِ والأجدادِ؟



آهٍ .. تفتَّتَتْ عظامُ الحضارةِ



مَنْ مِنَ الشُّعراءِ عبرَ المنافي

حبّاً في المنافي



تشرُّدٌ في أزقَّةِ الوطنِ

دموعٌ تصبُّ باِشتعالٍ

فوقَ قِبَابِ الحلمِ



وجنةُ طفلةٍ تنتظرُ كعكةَ العيدِ

يأتي عيدٌ ..

وقبلَ حلولِ الآباءِ

بين أحضانِ الطُّفولة

تزمجرُ طائراتُ الشَّبحِ

ثعالبٌ تنمو من كلِّ الجهاتِ



عيدٌ يتلوه عيد

وأزيزُ الرَّصاصِ ينهمرُ

على أسمالِ جان دمّو



تتمزّقُ قصيدةٌ

من لونِ التوجُّعِ

حسرةٌ تنمو

في جبهةِ النَّهارِ



غبارٌ يعلو عباءةَ اللَّيلِ ..

الشَّمسُ تغدقُ دفئها

على جراحِ المكانِ



يأتي عيدٌ

ولعلعاتُ الصَّواريخِ

جاثمةٌ فوقَ بسمةِ الطُّفولةِ

فوقَ وجعِ الإنتظارِ ..



عيدٌ مسربلٌ

بكلِّ أنواعِ الإنكسارِ

عيدٌ يعبرُ صحارى القلبِ ..

قلبٌ غارقٌ بأنينِ الحنينِ

أنينُ الحرمانِ من بهجةِ العيدِ

من نكهةِ العيدِ



تضيقُ الدُّنيا

في وجهِ الشُّعراءِ

فيحترفونَ التسكُّعَ تارةً

والتشرُّدَ طوراً



إنّه زمنُ العبورِ

في وهادِ الانشطارِ

انشطارُ الشَّوقِ إلى هلالاتِ قمرٍ

إلى روحٍ ترغبُ أن تغفو

فوقَ أعشابِ البراري



.. وبقدرةِ قادرٍ

تعبرُ يا جان

الحدودَ المفخّخةَ بالآهاتِ



كم ليلةٍ بائسةٍ نامَت

فوقَ ركبتيكَ

وأنتَ تحدّقُ

في الفراغِ .. الفراغِ؟



كم شاعرٍ آواكَ ..

كم مرّةٍ صرخْتَ

في وجْهِ سعدي يوسف

هذا البيتُ ليسَ بيتَكَ

إنّه بيتنا

بيتُ المتسكِّعين

بيتٌ يأوي التشرُّدَ

يأوي جان دمّو

بأسماله اليتيمة


كم مرّةٍ بصقْتَ

على قباحاتِ هذا الزَّمان

كم مرّةٍ سخرْتَ

من أوباشِ هذا الزَّمان



كم مرّةٍ رحّبْتَ بفرحٍ

وأنتَ تعبرُ ( مشفى المجاذيب!)



تهمسُ

إنها نعمةُ النِّعمِ مقارنةً بخنادقٍ

مكتنـزة بالعناكبِ والموتِ المؤجّلِ



أنْ يرحّبَ شاعرٌ

في مشفى (المجانين!)

معتبراً هذا النُّـزول نعمةً

ولا كلّ النِّعمِ

أن يرحّبَ شاعرٌ

في أزقّةِ هذا الزَّمان

بعيداً عن أحضانِ الأحبّة

هرباً من جلاوزةِ العصرِ



أن يفرحَ شاعرٌ

لا يملكُ درهماً مبخوشاً

موجّهاً أنظارَهُ

إلى شعراءٍ من لونِ المحبّة

من لونِ خصوبةِ الشِّعرِ

مرتمياً بين إنكساراتِ الشَّفقِ



أن يفرحَ شاعرٌ

تاركاً خلفَ ظهرِهِ حقائب العمرِ

عابراً بهجة المسافاتِ

تاركاً خلفه عظام الحضارة

تطحنُ ما تبقَّى من لجينِ العمرِ



صارخاً في وجهِ الشُّعراءِ

أين قنينة الكونياكِ

ما هذا البخل؟ ..

آهٍ .. قمّةُ الانتهاكِ والانهاكِ



يحذِّرونَهُ أن لا يشتمَ أحداً منهم

أن يكونَ هادئاً طبيعياً



يُجحظُ عينيه

مشترطاً عليهم بعنجهيةٍ غارقة

في بهجةِ التسكُّعِ



أريدُ كاساً من النبيذِ المسكّر أولاً

أريدُ أن أُخْرِجَ أحزانَ العراقِ

من هذا القفصِ العلويّ

واضعاً سبابته على صدغِهِ

الطَّافحِ بأوجاعِ النَّخيلِ


آهٍ .. إنّه زمنُ الانزلاقِ

انزلاقُ أسوارِ الحضارةِ

نحوَ أبراجِ الجنِّ!



يختفي طوالَ النَّهارِ

هارباً من الخدمةِ الإلزاميةِ

ساخراً من فكرةِ الجيشِ

من فكرةِ الحروبِ



من فرقعاتِ الشُّعراءِ



يقهقهُ ملءَ فمِهِ

عندما يسألُه أحدهم عن شاعرٍ

تتعالى قهقهاته

ساخراً من شعراءٍ

يحلمون بعطاءاتِ الصُّحفِ الصَّفراء

بكمشاتِ الزَّبيبِ



جان دمّو بين أيدي العسكرِ

يُقتَادُ إلى الخدمةِ

عابراً دونَ وجلٍ

دهاليزَ السِّجنِ



في ليلةٍ قمراء

يسكرُ من عبثِ الحياةِ

من تورّمِ أحشاءِ الوطنِ



يهمسُ بعبثيّتهِ الجامحة

في جوفِ التَّمرّدِِ

منادياً حارس الزِّنزانةِ ..

" هل لنا أن نستنشقَ رائحةَ البحرِ

وفي الليلِ نسامرُ نجومَ السَّماءِ"



ذُهِلَ الحارسُ ..

أحلامٌ منشطرة

من شقوقِ الزَّنازينِ



وجعٌ هائجٌ

كأمواجِ الغاباتِ



بعبثيّةٍ ساخرة إلى حدِّ الإندهاشِ

يقلِّبُ صفحاتِ الحربِ ..

لملمَ شظاياها ثَّم رماها

في برازخِ البحرِ



نقلوه من أعماقِ الخنادقِ ..

أسندوا إليه آرشيفَ صحيفة البلادِ

الحربُ تغلي ..

قائمة فوقاني تحتاني

معَ جبهاتِ الفرسِ

يسألُه مديرُ التَّحريرِ

عن صُوَرِ الحربِ

يجيبُه بشطحةٍ اندهاشيّة

صُوَرُ أية حربٍ تريدُ؟



هل ذُهِلَ مديرُ التَّحريرِ

من تفاقمِ سماكةِ الزَّنازين

فوقَ أقداحِ الكونياكِ

أم أنَّهُ تاهَ هو الآخر

في بؤرةِ شطحاتِ

أبو الأسمالِ؟



ذاتٌ متشظيّة

هاربة من لعلعاتِ الحروبِ

عابثة في وجهِ الرِّماحِ



وجهٌ طافحٌ بالتَّمرُّدِ

على سلطةِ الأبواطِ



يتلقّى حفنةً قليلةً من المالِ

من أختٍ

أرسلتْهُ من خلفِ البحارِ



ينظرُ بابتسامةٍ ساخرةٍ

إلى حفنتهِ القليلة

يتذكّرُ شاعراً

مقصوصَ الجناحينِ



يغدقُ عليه قميصاً

من لونِ البحرِ

ثمَّ يشتري بما تبقّى

ليتراً من الكونياكِ


يشربُ نخبَ الانشطارِ

انشطارُ الشُّعراءِ

انشطارُ آبارِ الذَّهبِ الأحمقِ

انشطارُ الرُّوحِ

في قبلةِ الأحزانِ



ثمَّ تعبرُ يا جان حدودَ التَّهميشِ

تحلُّ ضيفاً كثيفَ التسكُّعِ

على صديقِكَ سعدي



آهٍ .. كم من التلظّي

حتّى هاجَتِ البحار



كمنصِّ كتبتَ مقابل

وجبةَ غذاءٍ أو عشاءٍ



كم منـزلٍ عبرتَ دونَ تحفّظٍ

فارضاً تسكّعكَ

على مائدةِ الشِّعرِ



كم دمعة ذرفَ الأصدقاء

كم شهقة ألمٍ شهقَ الشُّعراء



كم مرّة صعدْتَ

إلى سطوحِ منازلٍ

مرتمياً على صحفِ النَّهارِ

غافياً على أركانِ القصائدِ



أسمالُكَ يا دمّو في ذاكرتِنَا

تسطعُ كالنَّيازِكِ

فوقَ قبابِ الغربةِ

قبابِ الصَّداقةِ

قبابِ فاضل العزّاوي



قصائدُكَ يا جان مفروشة

على حافّاتِ الشَّوقِ

إلى ضفافِ دجلة



أسمالُكَ مسترخية بهدوءٍ عميق

بين أحضانِ الأب يوسف سعيد

شهقةٌ منبعثة

من وجعِ القصائدِ

من وهجِ المسافاتِ

من الشَّواطئِ المتاخمة

لأشجارِ النَّخيلِ



دمعةٌ من لونِ الطُّفولةِ طفحَتْ

من الأب يوسف سعيد

لااااااااااااااااااااه! .. قالها بغصّةٍ حارقة ..

ماتَ جان دمّو! ..



أيوه أبونا

ماتَ صديقُ الشِّعرِ

ماتَ أبو التسكُّع

ماتَ صاحبُ الأسمالِ

ماتَ في أعماقِ المنافي!



ترقرقَتْ دموعٌ

تشبهُ حبيات الشِّعرِ

من براءةِ الكهولةِ

من مصداقيةِ الشِّعرِ



أرْجَحُ الظنِّ

سيلقي الأب يوسف سعيد

على روحكَ كلمة التأبِّين

كما ألقى على روحِ الجواهري



آهٍ .. ويصرخُ العراق

بعد أن تنفّستِ الجبال

وتبرعمَ في عمقِ الوهادِ

عشبةُ الخلاصِ



ماتَ جان دمّو

على قارعةِ المنافي

وحيداً في غرفةٍ مليئةٍ

بأحلامِ الشِّعرِ



جان دمّو قصيدةُ شعرٍ نازفة

على وجنةِ العراقِ ..

... ..... ..... ... يُتْبَعْ!



ستوكهولم: 9 . 5 . 2003

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم




* أنشودة الحياة: نص مفتوح، قصيدة ملحميّة طويلة جدّاً، تتألّف من عدّة أجزاء كلّ جزء بمثابة ديوان مستقل مرتبط مع الجزء الذي يليه، وهذا النصّ مقاطع من الجزء الثالث، حمل عنواناً فرعياً:

"جان دمّو، روحكَ مرفرفة فوق جبهة الشعر"!

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 10-09-2005 الساعة 02:39 PM
رد مع اقتباس