عزيزتي الغالية جورجيت
لا شكّ أن أميريكا فيها حضارة ومدنية وتقدم وقوّة وجبروت وديمقراطية وقائمة طويلة من المزايا اللاحصر لها، لكن فيها أيضاً كبريت من نوعٍ خاصّ أيضاً، عبر هذا النصّ: لا أناقش قضايا شكلانية فأنا أطرح أكثر مما يتبدّى للمرء للوهلة الأولى، لأنَّ هناك الكثير ممّا لانراه ممكن أن نراه فيما وراء هذا النصّ، فأنا لستُ ضدّ المدنية وحضارة العصر، سواء كانت صادرة من العمق الأميريكي أو العمق الشرقي لكنّي ضدّ إعوجاجات هذا الزمان سواء صدر هذا الاعوجاج من الشرق أو من الغرب، أنا مع الإنسان، مع تنشئة طفل سويّ طبيعي بعيد كل البعد عن العنجهية والتسلط والغطرسة والديكتاتورية والقمع وبعيد عن مبدأ القوي يأكل الضعيف وبعيد عن الصراعات الفاقعة التي تنتهجها أغلب سياسات وتوجُّهات هذا الزمن المعفر بترهات الحياة! لربّما تكمن أولى هذه الترّهات في المال/ المادّة، صحيح أن المال ورأس المال هو عصب الحياة، لكن يجب أن لا يكون على حساب جماجم البشر وإعوجاجات آخر زمن!
تساؤل بسيط، لماذا لا يتمّ توزيع رأس مال الكون على كائنات هذا الكون بشكل عادل؟ هناك خلل مقيت يا عزيزتي في توزيع الثروات على البشر، على مستوى المعمورة كلها، ويزداد الظلم في الدول الفقيرة أكثر من الدول الغنية، لأن أنظمة الدول الفقيرة تهيمن على لقيمات خبز الكائن الحي/ مواطنيها وكائناتها! فيزداد الفقير فقراً، بينما في البلاد المتقدِّمة فالفجوة أو المعادلة أرحم قليلاً أو كثيراً بحسب أخلاقيات قوانين كل بلد!
لا يعجبني توجّهات أغلب سياسات دول العالم في مسألة تنشئة طفل سوي طبيعي، لأنّها لا تحقق له ما يحتاجه هذا الكائن الحيّ بشكل يليق به، ويزداد هذا اللاإعجاب أكثر في الدول الفقيرة، والدول الفقيرة ليست فقيرة كما يتوقّع أو يتوهّم البعض، لكنها دول منهوبة! منهوبة مرّة من أنظمتها ومرّة أخرى من القوى العملاقة في العالم وفي مقدِّمتها أميركا ومن لفَّ لفّها وبهذا المنظورأريد أن أقول أن أميركا يا عزيزتي هي : حضارةُ نارٍ وكبريت، مع أنها حقَّقت الكثير لمواطنيها وشعبها لكنها في الآن نفسه تطحن الكثير من شعوب العالم دون أن يرمش لها جفن، فأنا يا عزيزتي من خلال هذه الحيثيات واطلعات عديدة أخرى كتبت هذا النصّ، آملاً أن تتحقق معادلات الخير للبشرية جمعاء في دنيا الشرق والغرب على حدٍّ سواء!
أودُّ أن أؤكِّدَ على أنني ضدّ الإرهاب، وضدّ الإرهاب المضاد للإرهاب، فإذا ولّد الإرهاب إرهاباً من طرف على أساس أنه ينشد الأمان فالإرهاب المتوالد عن الإرهاب لا يختلف عن الإرهاب نفسه، لهذا على الدول القوية العملاقة معالجة مشاكل الإرهاب والفقر والقمع والتسلّط بمزيد من العدالة والسلام والتآخي والأخلاق والديمقراطية والحرية الخ .. لكن بشكل عملي وإقناعي لا أن تحقِّق متراً من الديمقراطية وتفرض جبلاً من الهموم والمشاكل خلقها، القضية أعمق من أن يظن البعض يا عزيزتي!
الإرهاب شيئ غلط وخطأ فادح! لكن السؤال الهام، كيف وُلِدَ أو نشأ الإرهاب؟ ألم ينشأ عن سبب ما، عن ظلم ما، عن خلل ما، ومهما كان سببه: سواء كان جوهرياً أو قشورياً فيجب معالجته من جذوره، لا أن تسعى الدول العملاقة إلى استفحاله كي تـأتي هي وتحصد ثمار معالجته، وأنا أرى أنَّ معالجة الإرهاب بالإرهاب هو الإرهاب بعينه، لهذا علينا أن نكون يقظين وحذرين في تحليل وتفنيد ومعالجة خلخلات علاقات الدول والبشر على أسسٍ عادلة وأخلاقية وإنسانية تليق بنا كبشر، وإلا بعد قرنِ أو قرنين أو قرون سيأتي أجيال لها رؤى وتطلعات إنسانية خلاقة، ستسخر وتضحك على أغلب أفكار قياديي هذا العالم!
مع خالص مودّتي وإحترامي
صبري يوسف ـ ستوكهولم
التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 02-09-2005 الساعة 06:46 PM
|