عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-08-2005, 06:34 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي بهجة انتصار الشِّعر ـ ج 2 ـ 1 ـ

بهجة انتصار الشِّعر

[أنشودة الحياة]

الجزء الثاني


(نصّ مفتوح)



الإهداء: إلى الشَّاعر الحميم عدنانالصَّائغ

وإلى الشَّاعر المبدع الأب يوسف سعيد

وإلى بلادِ الرَّافدين، بلاد الحضارة



1

عَبروا بُرَكَ القيرِ

ماتَتْ هداهدُ الروحِ

غبارٌ مسربلٌ بجنونِ الدولارِ

تفتتَتْ عظامُ الطفولةِ

عطشٌ حارقٌ

فوقَ أسوارِ المدائنِ

ورمٌ في أعلى المخيخِ



صَرخَتْ أمٌّ

في وجهِ الدُّنيا

دموعٌ لا تجفِّفُهَا

شهقة الأحلامِ



هطلَتِ الصواريخُ

فوقَ غلاصمِ بابل

هطلَتْ فوقَ أجنحةِ الحضارة

تريدُ أنْ تقصَّ بهجةَ المكانِ



ضبابٌ فوقَ خرائطِ الحروبِ

تخثَّرَ الغسقُ

من سماكةِ الدماءِ



انقرفَ ظهرُ المدائن

لا كهرباء

عطشٌ ماحقٌ يسطو

فوقَ مهودِ البراعم



ألفيّةٌ مريضة

ناقمة على حبالِ السرّةِ

ناقمة على فراخِ اللقالقِ



ألفيّةٌ ضالّة

مشحونةٌ بالرعونةِ



خِرَقٌ متشرّبة بهواءٍ مدمى

انقضّتْ قنابلٌ غبيّة

هرسَتْ أثداءَ الأمّهاتِ



أفواهُ الأطفالِ عطشى

اندلقَتْ دنانُ الحليبِ

تمزّقَ صدرُ السَّماءِ

من تفاقماتِ القنابلِ



نَمَتْ مخالبٌ مخيفة

في شفاهِ البشرِ

تدرّجَ في سلَّمِ الشراهةِ

في كهوفِ الضواري

نامَ بينَ أوكارِ الأفاعي

أنيابٌ مقطَّرة بالنارِ



تمزّقَ وجهُ الغسقِ من الأنينِ

ذُهِلَ البدرُ عندما رأى

وحشيةَ هابيلَ العصرِ



تساءَلَتِ النجومُ

لماذا خلقَ اللهُ الإنسانَ

على صورتِهِ ومثالِهِ؟!



هل فعلاً

الإنسانُ مخلوقٌ

على صورةِ اللهِ ومثالِهِ

أم أنّ إنسان اليوم

تطايرَ في ليلةٍ مظلمة

من أنيابِ الذئابِ؟



إنسانٌ من لحمٍ ودمّ

يشطحُ نحوَ بُرَكِ الدمّ

لا ينامُ إلا

على دمدماتِ الحروبِ



فرشَتِ الصواريخُ كآباتها

على سهولِ الروحِ

فماتَتْ فراخُ الحجلِ

قبلَ أنْ ترى النّور



هربَتِ الدوابُ الأليفة

إلى البراري

أعلنَتْ انضمامَهَا

إلى عالمِ البراري

لا تطيقُ موت الصباحات

في رابعةِ النهارِ



لا تصدِّق إلفة الإنسان

تتحوَّلُ بغمضةِ عين

إلى أنيابٍ مميتة



ضجرٌ مفهرسٌ

في أغصانِ الشجرِ



كآبات مستشرية

في قبّةِ المساءِ

حمقى

على إمتدادِ

محطّاتِ العمرِ



تركَتْ رضيعَهَا مقمّطاً

بأعشابٍ بريّة

صعدَتْ سفوحَ الجبالِ

أزيزُ الموتِ يجتاحُ شهيقَهَا

هل أعودُ إلى رضيعي

أم أستمرُّ في صعودِ الجبالِ؟



استيقظَتْ على صوتِ

صفّاراتِ الجنونِ

ابني

رضيعي

أينَ رضيعي؟

تدحرجَ من أثرِ ارتطامِ صاروخ غبي

على مقربةٍ من مهدِهِ

اغبرّتْ رموشه

رغوةٌ سوداء

على حافّاتِ شفتيهِ

جرحٌ عميق

على صدغِهِ الطري

أنفٌ شامخٌ

رغمَ تفاقمِ الغبارِ!



وجعٌ قبلَ الولادةِ

بعدَ الولادةِ

وجعٌ عبر الرحيلِ

بعدَ الرحيلِ



وجعٌ أكثرَ إيلاماً

من غربةِ الروحِ

بينَ صقيعِ الزمهريرِ!



أيادٍ خشنة تؤشِّرُ

على مرابعِ نينوى

سلاحٌ أشرس

من ضباعِ الكونِ

مشرشرٌ بالحماقاتِ

سلاحٌ مجنون

يفلقُ جماجمَ الأطفالِ



وجعٌ في سماءِ الروحِ

حربٌ أغبى

من ثعالبِ الوديانِ

حربٌ مشروخةُ الأفقِ

مكتنـزةٌ بالسمومِ

حربٌ داسَتْ

في جوفِ حيتانِ المحيطاتِ



حربٌ أدمَتْ قلوبَ العشّاقِ

قلوبَ القبّراتِ



فرّتِ الزرازيرُ بعيداً

تاركةً خلفَ أجنحتِهَا

دخان الموتِ

يلعلعُ في وجهِ الخصوبةِ



ماتَتْ حبيبةٌ من قهرِهَا

انتظرَتْ حبيبَهَا

حتّى فارقَتْ اشتعالَ المكانِ



فشلٌ في قمّةِ الأبراجِ

أبراجُ السياسةِ

أبراجُ الدولارِ



فشلٌ في بناءِ الكونِ

فشلٌ كثيفُ الحموضةِ

فشلٌ مريرٌ

مبرقعٌ بالغثيانِ

قرفٌ يرافقُهُ تقيؤي



مَنْ يستطيعُ أنْ يطفئَ

محارقَ الروحِ؟



أوجاعٌ على امتدادِ

جذوعِ النخيلِ

أوجاعٌ متطايرة

من مياهِ دجلة



شظايا حارقة

على وجوهِ الحجلِ

حرقَتْ عيونَهَا الكحيلة

لم تنجُ أسرابُ السنونو الهاربة

من وهجِ الاشتعالِ



لماذا يحاربُ شبابُ هذا الزمان؟

فوائدُ الحروبِ

قتلى من كلِّ الأطرافِ

فوائدُ الحروبِ

مزيدٌ مِنَ الحماقاتِ

مزيدٌ مِنْ عُفونةِ الرؤى



خرجَتِ الْحَشراتُ الصغيرة

مِنَ الأرضِ

تستقبلُ الربيعَ

محقَتْ طراوتها رذاذات الشظايا



ذُهِِلَتِ الْوحوشُ البرّية

فرَّ قطيعُ الذئابِ

عابراً كهوفَ الجبالِ



قصفَ صاروخٌ ثلاثة عجولٍ

بكى ثورٌ دمعةً واحدة



تخلخلَتْ عظامُ الكهولِ

طفلٌ مغبّرُ الوجهِ

يبحثُ عَنْ أمِّهِ

بينَ الأنقاضِ

يصرخُ صراخاً

يشقُّ وجهَ الشفقِ

أريدُ أمّي

أمّي

أينَ أنتِ يا أمّي؟



لا يكترثُ للكاميراتِ

ولا لصفّاراتِ الإنذارِ

ينظرُ إلى السماءِ

مطرٌ يزدادُ اشتعالاً

فوقَ جموحِ الطوفانِ!



تآمرَ الإنسانُ على ذاتِهِ

بشرٌ تشرّبوا مناهجاً مِنْ رماد



ضجرٌ يشرخُ شموخَ المكان



انزلقَ الكونُ

في وادي الجنون

شعاراتٌ مفهرسة بالعناكبِ

بأحلامِ السيطرة

على آبارِ الموتِ



تبخَّرَتِ الحكمةُ

من ذهنِ أصحابِ القرارِ



رؤى مجوَّفة بالاشتعالِ

اشتعالُ قبّةِ المساءِ

ريشُ البلابلِ

حتّى خفافيشِ الليلِ

لاذَتْ بالفرارِ



تزلزلَ الكونُ

ومازالَ أحمقُ هذا الزمان

يداعبُ كلبَهُ ببرودةِ أعصابٍ



لماذا تداعبُ أطفالُ العراق بالقنابلِ؟

لماذا تبيدُ خصوبةَ الحضارةِ؟



نامَ العربُ نوماً

منافساً أهلَ الكهفِ

خرجَ العربُ خارجَ الزمان

عبروا نسيماً عليلاً

ظلّوا معلَّقينَ

بينَ موجاتِ النسيمِ

خفَّ وزنهم أكثر

من ريشِ الحمامِ



طاروا إلى الأعالي

تاركينَ براكين القيرِ

تزلزلُ جبهةَ الحياةِ ..



تقلَّصَتْ خصوبة الروحِ



عربٌ من لونِ الهشاشةِ

عربٌ قهروا الكونَ بالسَّلامِ

عربٌ في لبِّ الحضارةِ

لا يهمّهُم لو قُصِفَتْ بابلَ

لو تهشّمَتْ جثث الفراعنة المحنّطة



يلوِّحونَ أيديهم باستهزاءٍ

هامسينَ للجنِّ

شَبَعْنَا من الحضارةِ

شبعنا من الحروبِ

شَبعْنَا من العلمِ

شَبعْنَا من كلِّ شيءٍ

سوى الغباءِ!



هبطَ الليلُ

فوقَ خُوَذِ الجنودِ

أجسادٌ مشتعلة

ارتعشَتِ الأرضُ

خرّتْ دموعُ القمرِ

فوقَ نجيماتِ الصباحِ



ذُهِلَتْ مياهُ المحيط متسائلةً

لِمَ كلّ هذا الإرتصاص؟



زمجرَتِ المياهُ

من أعماقِ القاعِ



وجعٌ مشنفرٌ

فوقَ هاماتِ المحيطِ

تأوَّه المحيطُ باكتئابٍ

زيحوا عن رقبتي

أطنانَ الرصاصِ!



أكادُ أن أُسْلِمَ الروح

زيحوا عن رقبتي

رغوةَ طيشِكُم ..

أرهقْتُم كاهِلِي!

... ... ... يُتْبَعْ!



ستوكهولم: نيسان (أبريل) 2003

صبري يوسف

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم




* أنشودة الحياة: قصيدة ملحمية طويلة جدّاً، تتألّف من عدّة أجزاء، كل جزء بمثابة ديوان مستقل مرتبط مع الجزء الذي يليه، وهذه القصيدة مقاطع من الجزء الثاني حملت عنواناً فرعيّاً:

بهجة انتصار الشِّعر




التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 31-08-2005 الساعة 06:41 PM
رد مع اقتباس