بكتِ القوافي
في رثاء الشاعر الكبير
محمود درويش
بكتِ القوافي على مَن صاغَ إبداعا
هاجَ الحنينُ هوىً, حزناً فما ارتاعَ
ما مات إلاّ ليحيا الحرفُ يذكرُهُ
(محمودُ) ماتَ, و عاش الحرفُ ضوّاعا
(محمودُ) أشجى حنايا الوردِ أطربها
و أشعلَ الخفقَ, أغرى منّا أسماعا
(محمودُ) أرسى بناءَ الحزنِ, أدركَهُ
عاشَ الفراقَ هوى حرّاً و ما باعَ
يوماً ضميراً و لا أخلاقَهُ. صمدَ
في وجهِ شرٍّ و ظلمٍ شاءَ إركاعا
ما كان إلاّ شموخَ الفجرِ تعشقُهُ
كلُّ الكواكبِ. قوّى حزنُهُ الباعَ.
قد غابَ عنّا كشخصٍ بينما خَلُدَ
في الكونِ رسماً و آمالاً و أنواعا.
قد عاش حزناً على أحلامِهِ. جمعَ
حزنَ المنافي بما آذى و ما راعَ
في كلّ حينٍ تراءى الموتُ يتبعُهُ
فاستلّ حرفاً يصدُّ الموتَ منّاعا.
(محمودُ) مات, و عرشُ النظمِ مكتئبٌ
لا يقدرُ الحرفُ يعطي المعنى إشعاعا
حاولتَ جهداً لتأتي الموتَ تقهرُهُ
أحرزتَ ربعاً, و جاء الموتُ أرباعا.
كم عشتَ قلباً يعاني حتّى أرهقهُ
ذاك العناءُ الذي وافاهُ طمّاعا!
هذا الرحيلُ الذي دوّى تملّكنا
مِنْ حزنِهُ الرّوعُ. أرسى فينا أوجاعا!