عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-07-2008, 06:35 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,984
افتراضي رد المهندس فادي بشير

رد المهندس فادي بشير

الأخ نعمان، لقد هزّ مقالك (هزيمة المثقفين و الأكادميين السريان) مشاعر و أحاسيس الكثير من مثقفينا، ولقد استمعت صدفةً لرأي شابين جامعيين سريانيين كانا قد استقلا القطار الذي اقصده يوميا لعملي، وقد اعجبني نقاشهما عن مقالك هذا لذا اردتُ نشره كما سمعته مع إعطائهما اسماء مستعارة كي لا يصبّ المزاودون حمىّ غضبهم على هذين الشابين اللذين لا ذنب لهما سوى انهما تبادلا النقاش بكلّ صراحةٍ وعفوية دون علمهما بأنني افهمها، فقد كنت طيلة مدّة السفر أتظاهر بعدم إكتراثي بهما و بأنني منهمك في قراءة قصّة بعنوان (الصادق الكذّاب Der ehrliche Lügner) للكاتب الآرامي السوري الشهير رفيق الشامي، الذي يُعتبر من اشهر كتّاب القصّة باللغة الألمانية حاز على 13 جائزة لكنّه لللأسف فهو غير معروف عند الشعب السرياني فلم يُذكر في اية مجلة او تلفزيون سرياني، ربما لأنه من معلولا وبالنسبة لنا قد تكون اصغر قرية مهجورة في طور عابدين هي أعظم من كل المدن السريانية خارج (الطور...) المهم أعود لهذين الشابين وقد عرّفت اسميهما من تجاذب النقاش بجرجس الذي كان مليأً بحماس الشباب وعنفوانه والثاني عمانوئيل مرحٌ يحب النقد الساخر ولقد بدأ الحديث بالشكل التالي:
جرجس: هل رأيت! اليس كلام نعمان حقيقة واقعية بل كارثة السريان العصرية
عمانوئيل: هذا واقع شعبنا لكن هل يا ترى من حلّ؟
جرجس: لا حلّ الأ كما قال نعمان ثورة على جميع الأصعدة، ثورة اصلاح لكثير من عاداتنا البالية
عمانوئيل (مبتسماَ): جوجو انا اعرف بأن شفيعك و مثلك الأعلى هو القديس مار جرجس الذي يمكن ان نعتبره ابو الثّوار حيث ثار على الظلم و قتل التنين لكن زمانه فات.
جوجو: زمن الثورات لا يزول فلو اراد الشعب يوما الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، و أنت ألا ندعوك بعامو (أي الشعب) فلمَ لا تجسّد ارادة الشعب السرياني فتحثه بعملٍ ما...
عامو: بل بالعكس فأنا أقول ما يجول في ذهن أغلب شبابنا المثقّف، ألسنا طلاب هندسة الكومبيوتر، ألا نعالج المشاكل استناداً للمنطق الرياضي دعنا نناقش مقال نعمان مستندين للمنطق الرياضي
جوجو: OK, لنبدأ من الحل فالمنطق يقول ان كان الحل موجود فعلينا أن نبدأ بتحليله أولاً ثم نعود للسبب (العلّة) عندها نستطيع اختيار أفضل الطرق الموؤدية للحل، و الحل الذي أعطاه نعمان هو الأمثل لواقعنا الحالي برأي.
عامو: لربما تغيير عاداتنا واقع حتميّ علينا أن نتداركه قبل فوات الأوان، لكنّه لا يتم بثورة، فعملية كهذه تبدأ بالبيت مروراً بنوادينا و انتهاءً بالكنيسة، و هذا يتطلب وقتاً طويلاً يفتقر له شعبنا حالياً
جوجو: فما الحل يا سقراط زمانك؟!!!
عامو: الثورات يا أبو الثوار، ثورات محلية كالتي قام بها شعب آزخ و عين ورد أيام الفرمان
جوجو: فنحن اذاً متفقين ان الحل الأمثل هو الثورة
عامو: نعمان اقترح ثورة شاملة على كّل الأصعدة، لكن بإعتقادي الأفضل هو ثورات (إضراب Streik أو إنتفاضات) عصيان محلية تقوم على خطأٍ معينٍ
جوجو: تعني عند وقوع السبب يكون الطريق الأفضل للحل ثورة فورية محلية.
عامو: نعم، فعندما تحدث أخطاء مثلما ذكر نعمان (تهميش قرار السنودس بل وضربه عرض الحائط) ينتج و يتشعب منها أخطاء أكثر كالتجاوزات التي حصلت في أبرشية ألمانيا و من بعدها انتخاب المجلس الملي في مدينة فيزبادن!!!
جوجو: بالطبع فما يولد بالخطأ يكبر و يترعرع فيصبح مصيبة، فهل تقصد إذاً انه كان على شعب فيزبادن أو ألمانيا القيام بحركةٍ ما
عامو: آها (هون حطّنا الجمّال)، فالكّل يعرف من كان وراء هذه الأخطاء كلها لكن الجميع (مطنّش) مثلما قالت فيروز (الشاويش مطنّش رئيس المخفر مطنّش دنيّ كلاّ صايرا تطنيش بتطنيش)
جوجو: و هذا ما جعل نعمان أن يصرخ بأعلى صوته قائلأً لمثقفينا كفاكم سكوتاً بل وأعتبر سكوتهم هذا خيانة لشعبهم
عامو: إنه من السهل جداً وضع اللوم و المسؤولية كلّها على الأكادميين السريان فلسان حالهم يقول ما دام الشاويش و حتى رئيس المخفر مطنّش فلماذا عليّ إذاً سماع ما لا يريدون هم سماعه.
جوجو: تارة تطالب بثورة وتارة تبحث عن حجج لصمتهم بل ونومهم أيضاً، انت مثل موج البحر مدّ و جذرٌ
عامو: هذا هو للأسف الصراع الداخلي الذي يعانيه كلّ منا اليوم
جوجو: كنّا متفقين على الحل، لكن قبل أن تفكر كيف تبدأ به تضع لنفسك الحجج حتى تستطيع التملّص من عواقب الفشل (الضئيلة الأحتمال)
عامو: أنا مازلت مع الثورة لكننا لسنا مهيئين بعد لها فكما قلنا الجميع يعلم علم اليقين من هم أولئك الذين يقفون وراء هذه التطاولات والتجاوزات لكن الكل متفرج ينطبق علينا عنوان كتاب هذا و أومأ بعينيه لجوجو قاصداً العنوان المكتوب على الكتاب الذي كنت اطالع به وتابع: فكلنا صادقون في الظاهر مع كنيستنا ونواديننا لكننا في داخلنا كاذبون حتى مع أنفسنا لذا يجب التعبئة والتحضير أولاً لهذه الانتفاضة بحيث
وهنا حمّلق بي عامو ثمّ أومأ لجوجو ثانيةً قائلا بصوتٍ خافتٍ: أعتقد أنه ليس سرياناً فشكله يشبه السريان لكن يبدو أنه لم يفهمنا، فردّ جوجو بثقة: لا لا ليس سريانياً فتابع عامو بصوتٍ لا يكاد يُسمع: عندما تقوم الملّة كّلها ودون الرجوع لمرجعياتنا الدينية قومةً واحدةَ في وجه المخربين...
وهنا احمرّ وجه جوجو فصاح: (حارو بيتو) هل تريد أن يحرموننا من الكنيسة
عامو: حتى جوجو أبو الثوار يهاب الحرمان، ألم تقل لو اراد الشعب يوما الحياة فلا بد أن يستجيب القدر(لذا لايمكن حرمان الكلّ)، ألم توافق نعمان في آرائه، فها هو لا يأبه بتكفيرهم، و لو اتفقت 100 عائلة في فيزبادن بالقيام بإضرابٍ عام تُعلّق فيها جميع مُشاركَاتِها الكَنَسية حتى يتمّ اللجوء للعقل والتفاهم بدل الجدال والشجار.
عدا عن ذلك إن الكنيسة لم تمنع أحداً أن يثور على الباطل وينصر الحق، صحيح أنها طبقاً لقول السيد المسيح لا تقاوم الشر، لكنها تصلي لأولئك الذين ينصفون العدل، فلماذا أعتبرت الكنيسة مار جرجس قديساً مع أنه قاوم الشرّ.
ألم يتابع شعب آزخ (أيام الفرمان) ثورتهم رغم حصولهم على رسائل من رؤوسائهم الروحيين بوقف مقاومتهم وتسليم أسلحتهم للدولة العثمانية فلماذ لم تحرمهم الكنيسة اذاً فيما بعد بل اعتبرتهم أبطال صناديد ولقد كتب العديد من الآباء الروحيين مقالات وكتب يصفون بها أعمال شعب آزخ البطوليّة
جوجو: سأردّ اليوم على مقال نعمان و سأطالب بثوراتٍ محليةٍ، ابتداءً من فيزبادن و لتكن انتخابات المجلس الملي سبباً لهذه الثورة، ألم تكن هذه الانتخابات مهزلةً ابتداءَ من تأجيلها مروراً بنتائجها و أنتهاءً بالإعتداء الذي حصل مؤخراً.
عامو: إن قمت لوحدك، ستنال كما سينال نعمان على ما أعتقد مئات الردود الرادعة، و لربما يعتبرك البعض هرطوقياً كما اعتبرت الكنيسة يوما ما غاليلو هرطوقياً وكما أجبرته على التخلي عن آرائه ستُجبر أنت يا جرجس بالتخلي عن رمحك
جوجو: وهل تريدني أن أبقى متفرجاً أو نائمأ و لربما منّوماً (تنويماً مغناطيساً)
وهنا ضحك عامووعيناه ممتلئتان بالدموع ضحكةً ساخرةً (و كأنّه يقول شرّ البلية ما يضحك). فأنَّبَه جوجوقائلاً: أنتَ تسخرُ من كلّ شئ حتى في مواضيع جديّة كهذه، هاقد وصلنا لدارمشتات (Darmstadt) هيا ننزل هل ستحضر محاضرة (Algo 2)
عامو: نعم و نستطيع بعدها الذهاب لمطعم الطلاب لتناول الغذاء... هيا ننزل قبل أن يكمل القطار سفره ...
نزل جرجس وعمانوئيل، فتنفستُ الصعداء وقلت في نفسي الحمد لله فلم أعد مُجبراً لسماع هذا الهُراء (هاه قال ثورة قال، شباب دمَّنْ حار)، وعندما أردت متابعة قراءة قصتي وقعت عيني على العنوان فتذكرت كلام عامو، وأحسستُ بعدها بنشوة الفرح لأنهما لم يكتشفا الخدعة التي انتحلتها فأيقنا بأنني لا أفهمها.
لم أستطع متابعة القراءة فكلما قرأتُ جملةً ردّتني أفكاري لنقاش جوجو و عامو، وفجأت ندمت على صدقي في كذبي فليتني شاركتهما حديثهما الشيق، آه ليتني قلتُ لعامو إن جرجس لن يُجبر عن التخلي عن رمحه (رمح الحق) فلقد سُرق منه خلسة عندما كان عامو نائماُ فبقي المسكين أعزل بدون سلاح يبحث لنفسه ولو على عصا ليردّ بها هذا الوحش (التنين) الهائج.
نعم لقد سُرق رمح أبو الثوار. وهنا تذكّرت فيلم مصري لمحمود ياسين يكون هو فيها إنسان ساذجاً و يصبح عسكرّياً و لسوء حظّه يحدث سرقة في المنطقة التي يكون فيها هو مناوباً فيعجز رؤوساؤه من بلاهته فيرسلونه لمنطقة الجيزة لحراسة الأهرامات، وفي أول ليالي مناوباته يُسرق الهرم الأكبر (خوفو) فيجنَ جنُونَهُ، ووضع في مشفى الأمراض العقلية وهناك علم الحقيقة من أصدقائه المجانين (العقلاء) النازلين معه في المشفى.
فهل من عاقلٍ (مجنون) يخبرنا من سرق خوفو و الرمح و ...
وأنت تريد بيت لمال السريان يا نعمان (خليها في القلب تجرح أحسن ما تطلع برى و تفضح).
آه ليتني شاركت جرجس وعمانوئيل دموعهما على الأقل و هنا حَسدّتُ أجدادنا وآباءنا على دموعهم فقد كانت كالتي ذكرها والدي في مقالٍ له بعنوان (دموع و دموع) إما دموع حزن أو فرح، أما هذه الدموع فهي غريبة عنهم لم يعرفوها، إنها دموع الهزيمة والخنوع دموع الصمت و الخشوع، دموع تكوي القلب قبل أن تخرج من المقلة، دموع تقبض الأنفاس فتسكتُ الحنجرة.
و فجأة سمعتُ صوت مفتش القطار يقول: إنها المحطة الأخيرة يا سيدي نحن في مدينة آشافنبورغ(Aschaffenburg)، فقلت بذعر ماذا!؟ كان عليّ أن أنزل في محطّة كرانيخشتاين(Kranichstein)، فقال المفتش: لقد فاتت المحطّة من زمان فهل كنّت نائماً، فقلتُ في قلبي حتى أنت، نعم يا سيدي كنتُ نائماً أحلم بمستقبلٍ أفضل لأولادنا، يجد فيه عامو رمح جرجس المسلوب فيقضي فيه على التنين... ألم يكتب نعمان مقالأ بعنوان (دعنا نحلم) فما دمنا نائمون فدعونا على الأقل نحلم...

مهندس المعلوماتية: فادي بشير فيزبادن-ألمانيا 22.06.2008
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس