![]() |
لُقْمَانُ الْحَكِيمُ بَيْنَ أَسْطُورَةِ الْمُتَخَيَّلِ وَ وَاقِعِ التَّارِيخِ بقلم:ف
لُقْمَانُ الْحَكِيمُ بَيْنَ أَسْطُورَةِ الْمُتَخَيَّلِ وَ وَاقِعِ التَّارِيخِ بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي لَا يَزَالُ ٱسْمُ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ يَتَرَدَّدُ فِي مِضْمَارِ الْحِكْمَةِ وَ الْأَدَبِ، بَيْنَ مَنْ يَرَاهُ شَخْصِيَّةً تَارِيخِيَّةً حَيَّةً، وَ مَنْ يَعْتَبِرُهُ صَنِيعَةَ الْخَيَالِ الْأَخْلَاقِيِّ، الَّذِي نَسَجَتْهُ الْأُمَمُ لِتُجَسِّدَ الْفَضِيلَةَ فِي رِجَالٍ مِثَالِيِّينَ. وَ إِذْ نَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ، الَّتِي جَعَلَتْ مِنْ لُقْمَانَ شَخْصِيَّةً حَقِيقِيَّةً مَذْكُورَةً بِاسْمِهَا، نَجِدُ أَنَّ الْوَثَائِقَ التَّارِيخِيَّةَ الْمُسْتَقِلَّةَ لَا تُقَدِّمُ لَنَا شَيْئًا حَاسِمًا فِي هَذَا الْبَابِ. فَلَا نُقُوشَ أَثَرِيَّةً، وَ لَا مَخْطُوطَاتٍ قَدِيمَةً، وَ لَا ذِكْرًا فِي أَسْفَارِ الْقُدَمَاءِ يُوَثِّقُ وُجُودَ شَخْصٍ بِهَذَا الِاسْمِ فِي حِقْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ بِمَكَانٍ مُحَدَّدٍ¹. وَ لِذَا، تَبْدُو شَخْصِيَّةُ لُقْمَانَ – فِي عُيُونِ الْبَاحِثِينَ فِي التَّارِيخِ – أَقْرَبَ إِلَى النَّمُوذَجِ الرَّمْزِيِّ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي شَخْصِيَّاتٍ مِثْلَ "إِيسُوبْ" الْيُونَانِيِّ وَ "بِيدْبَا" الْهِنْدِيِّ². فَهَؤُلَاءِ الْحُكَمَاءُ، الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمُ الْحِكَمُ وَ الْمَوَاعِظُ، غَالِبًا مَا تَمَّ تَشْكِيلُهُمْ فِي الْخَيَالِ الْجَمَاعِيِّ لِتَجْسِيدِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَ الْمُثُلِ الْعُلْيَا. يَقُولُ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ فِي الْأَدَبِ الْمُقَارَنِ: إِنَّ تَشَابُهَ صُورَةِ لُقْمَانَ مَعَ إِيسُوبْ، مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ عَبْدًا أَوْ رَجُلًا مِنَ الطَّبَقَاتِ الْمُتَدَنِّيَةِ، ذَا فَطْنَةٍ وَ ذَكَاءٍ، يُؤْتَى بِهِ لِيُعَلِّمَ الْأُمَمَ، يَدْفَعُ إِلَى تَسَاؤُلٍ حَقِيقِيٍّ: هَلْ نَحْنُ أَمَامَ أُسْطُورَةٍ عَالَمِيَّةٍ لِرَجُلِ الْحِكْمَةِ الْمُهَمَّشِ؟ أَمْ أَنَّ هُنَاكَ أَصْلًا وَاحِدًا تَفَرَّعَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْأَشْبَاهُ الْحِكْمِيَّةُ؟³ إِنَّ عَدَمَ وُجُودِ تَوْثِيقٍ تَارِيخِيٍّ صَلْبٍ، وَ غِيَابِ سِيَاقٍ زَمَنِيٍّ وَ مَكَانِيٍّ دَقِيقٍ، يَجْعَلُ الْجَوَابَ الْعِلْمِيَّ مُتَحَفِّظًا: لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ وُجُودِ لُقْمَانَ كَشَخْصٍ تَارِيخِيٍّ حَقِيقِيٍّ. لَكِنْ، وَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ بِشَكْلٍ قَاطِعٍ، لِأَنَّ غِيَابَ الدَّلِيلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى الْعَدَمِ. فِي النِّهَايَةِ، تَبْقَى شَخْصِيَّةُ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ نِتَاجًا بَيْنَ حَدَّيْ الْأُسْطُورَةِ وَ الْحَقِيقَةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقْدَامُهُ قَدْ وَطِئَتْ تُرَابَ الْوُجُودِ، فَإِنَّ صَوْتَ حِكْمَتِهِ مَا زَالَ يَتَرَدَّدُ فِي رُوحِ الثَّقَافَةِ الْبَشَرِيَّةِ، حَيْثُ تَكُونُ الْقِيمُ وَ الْعِبَرُ أَحْيَانًا أَقْوَى وَ أَبْقَى مِنَ الْوُجُودِ الْمَادِّيِّ نَفْسِهِ. 🔍 الْحَوَاشِي وَ الْمَرَاجِع: Wensinck, A.J., "Luqmān", in: Encyclopaedia of Islam, 2nd Edition. (Brill, Leiden). يشير إلى غياب أي توثيق تاريخي حاسم عن لقمان خارج النصوص الإسلامية. Jean Pépin, Figures of the Wise Man in Antiquity, CNRS Éditions, 1991. مقارنة بين حكماء الشرق مثل لقمان، إيسوب، و كونفوشيوس باعتبارهم أنماطًا رمزية للفضيلة. Robert L. Wilken, The Spirit of Early Christian Thought, Yale University Press, 2003. يناقش كيف بُنيت شخصيات الحكمة عبر التقاليد الشفوية و الأسطورية، بما في ذلك تشابه إيسوب و لقمان من حيث الوظيفة الأخلاقية. |
الساعة الآن 12:12 PM. |
Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by
Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke