![]() |
سِحرُ التَّعوُّدِ… بينَ الرّاحةِ و الإِدمانِ بقلم: فؤاد زاديكى
سِحرُ التَّعوُّدِ… بينَ الرّاحةِ و الإِدمانِ بقلم: فؤاد زاديكى يُعَدُّ التَّعوُّدُ ظاهرةً إنسانيّةً طبيعيّةً تنشأُ بفعلِ التّكرارِ و استمرارِ المواقفِ و الظّروفِ، حتّى تصبحَ مألوفةً و مُستَساغةً لدى النّفسِ. و إنّ الإنسانَ، بحكمِ طبيعتِهِ، يميلُ إلى الأُنسِ بما يعرِفُ، و يَرتاحُ لما اعتادَ عليهِ، فيسكنُ قلبُهُ و تطمئنُّ روحُهُ كلّما عاشَ حالةً مألوفةً و متكرّرةً. فالتعوّدُ على نمطٍ معيّنٍ من الحياةِ قد يبعثُ على الرّاحةِ الفكريّةِ و النّفسيّةِ، و يُقلِّلُ من التوتّرِ و القلقِ حيالَ المجهولِ أو الطارئِ. و كم هو جميلٌ أن يجدَ المرءُ في تعوّدِه نوعًا من الانسجامِ بينَهُ و بينَ واقعِه، فيشعرُ بالملاءمةِ و التّوازنِ. فمتى ما كان التّعوّدُ وسيلةً لضبطِ الإيقاعِ الحياتيّ، و تحقيقِ الاستقرارِ، فإنّه يُعتَبرُ أمرًا مَحمُودًا و مَطلُوبًا. غيرَ أنّ هذهِ النّعمةَ قد تنقلبُ إلى نقمةٍ، حينما يَفقدُ التّعوّدُ معناها البنّاءَ و يتحوّلُ إلى حالةٍ من التّبلّدِ أو الجمودِ. فعندما يصبحُ الإنسانُ عبدًا لروتينٍ يوميٍّ جامدٍ، و يألفُ الأمورَ إلى حدِّ عدمِ الإحساسِ بها، يَفقدُ جزءًا من ذائقتهِ الحياتيّةِ و مشاعرهِ الفطريّةِ. و يبدأُ عندها بالعيشِ على هامشِ الحياةِ، دونَ تجديدٍ أو إثارةٍ. و هنا يَكمُنُ الخطرُ، إذ قد يتحوّلُ التّعوّدُ من حالةِ انسجامٍ إلى حالةِ إدمانٍ، لا يستطيعُ معها الفردُ أن يُغيِّرَ أو يُبدِّلَ شيئًا من واقعهِ، و لو كانَ التّغييرُ خيرًا له. إنّ الإدمانَ على الرّوتينِ يُميتُ روحَ المغامرةِ، و يقضي على شغفِ التّجربةِ، و يُطفِئُ جذوةَ الإبداعِ و التّجديدِ في النّفسِ. فالطّفلُ، الذي يتعوّدُ على نمطٍ تربويٍّ جامدٍ، قد ينشأُ على الخضوعِ و الانقيادِ دونَ تفكيرٍ. و الموظّفُ، الذي يلتزمُ بروتينٍ صارمٍ دونَ تطويرٍ، سرعانَ ما يُصابُ بالمَللِ و يَفقدُ حماسهُ. و الإنسانُ، الذي يتعوّدُ على نوعٍ معيّنٍ من العلاقاتِ أو الأصدقاءِ، دونَ أن يَسمحَ لنفسِهِ باكتشافِ تجاربَ جديدةٍ، يُضيّقُ على نفسِه فضاءَ الحياةِ. من هنا، تَكمُنُ الحِكمةُ في الموازنةِ بينَ متعةِ التّعوّدِ و مخاطرِ الإدمانِ. فكما يُعطي التّعوّدُ أمانًا، يجبُ ألّا يُسلِبَ الإنسانَ حريّتَهُ في التّجديدِ و التّغييرِ. الحياةُ تتطلّبُ مرونةً، و التّعوّدُ الصّحّيُّ هو ما كانَ محفُوفًا بالوعي، لا بما يُخدّرُ الإحساسَ و يُعطِّلُ العقلَ. فَلنُدرِكْ أنّ التّعوّدَ قد يكونُ مَعينًا حينًا، و مُقيدًا حينًا آخر. و لْنَسعَ إلى أن نجعلَ من تعوّدِنا بابًا للنّماءِ لا قيدًا يمنعُنا من الانطلاقِ. |
الساعة الآن 07:13 PM. |
Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by
Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke