عرض مشاركة واحدة
  #168  
قديم 14-07-2008, 07:59 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,945
افتراضي كأسٌ من الشّاي. بقلم: فؤاد زاديكه

كأسٌ من الشّاي

بقلم: فؤاد زاديكه
جلست هذا الصباح على بلكونة البيت و كانت نسمات ناعمة باردة تهب من جميع الجهات. ليس من عادتي أن ألبس في مثل هذه الأوقات ملابس ثقيلة، و أعني بالثقيلة تلك التي أرتديها عادة في أيام الشتاء حيث البرد هنا في المانيا قاس و شديد الضرر بالصحة، فهو يخترق عظام الإنسان على حين غرّة ليصيب منه و يغرس في مفاصله آلام حادّة قد تطول مدّة الشفاء منها.
جسمي حارّ على العموم و تقول لي زوجي (سميرة) من قبيل المداعبة الظريفة: إنّك صو?تي (مدفأتي) و قد يكون السبب في هذا الدفء الدائم في جسمي الزيادة الملحوظة في كمية الشحوم و الدهون التي يحتوي عليها جسمي، و ملاحظتي لذلك تأتي من الزيادة في وزني و البالغة 14 كغ وهي زائدة عن الحدّ المسموح به و هو 61 كغ.


لست من محبّي تناول القهوة في الصباح بل من عشّاق شرب الشّاي الأسود المعروف لدينا، فأنا أكاد أشرب في اليوم الواحد ما يزيد عن عشرة أكواب، فيما أتناول القهوة أثناء تواجدي في العمل. و ليس السبب في عدم شربي الارتفاع البسيط في ضغط الدم و الذي أعاني منه منذ عدّة أعوام، و إنّما هو عدم التعوّد على شرب القهوة فهي ضارّة على العموم، فكثيرون ممّن يُكثرون من شرب القهوة يعانون من مشاكل و متاعب في القلب و ما يتفرّع عنه من أمراض الدم و انسدادات في الشرايين و غيرها.

تأملتُ هذا الصباح شاعريّة الكون و ما فيه من بديع صنع الخالق فشكرتُه على جميع هذه النعم و العطايا التي منحها لنا كبشر، و هو لم يطلب منّا لقاء هذا الجميل شروطاً تعجيزيّة أو ما ليس لنا طاقة على تحمّله. إنّه أراد منّ، و يريد منّا ألاّ ننسى هذا الصنيع الحسن منه، و أبان لنا طريق الصواب من أجل أنفسنا. إنّه لا يريد أن يخسرنا كأبناء له ننغمس في بحور من لذات هذه الدنيا و مغرياتها فتسوقنا نفسنا الضعيفة إلى ارتكاب الإثم و الخيانة و النفاق و الخطيئة المميتة.

كانت شجرة الكرز التي في حوشنا، (و التي جنينا محصولها قبل أسابيع لنضعه في الثلاجة و نخرج منه ما نشاء وقت الحاجة لصنع مربيات أو شراب و كانت (سميرة) قد صنعت لنا منه شراباً لذيذاً، لا يرتوي المرء منه، كما فعلت أختي فهيمة أيضا لها و لوالدتي شرابا طيّباً بنفس الطريقة) على موعد مع زيارة العصافير لها و هي أشبعتهم مما أكلوه منها. كان منظرهم رائعاً و هم يتناغمون و يتثاءبون و يحكّون أجسادهم بمناقيرهم علامة الرضا و الراحة و كأنّ هذه الشجرة صارت لهم عرزالا كبيراً للراحة و الهدوء لبعض الوقت بعد طيران و بحث عمّا يسدّ الرمق. فيما كانت شجرة البندق تقابلها على بعد أمتار قليلة منها و كأنها في مناجاة حبيب لحبيبه و هي امتلأت و سوف يحين قطافها في وقت آخر.
أما كرمة العنب التي تعربشت على عريشتها و فردت أغصانها و مدّتها كأجنحة طائرة في الهواء و منها ما تسلّق على شجرة البندق و منها ما تسلّق على عريشته و منها ما امتدّ إلى حوش الجيران منتهكاً حرمة فضائهم و أجوائهم الخاصة. إنها تعطينا في هذا الوقت ورقها الذي نطبخ منه طازجا و منه ما نحتفظ به في الثلاجة لأيام الشتاء كمؤونة، و هي ليست الشجرة الوحيدة فهناك أكثر من عشر شجرات عنب في حوشنا عقدت أعنابها فمنها الأحمر و منها الأبيض و لطعم هذه الشجرة ذات العريشة نكهة رائعة و مذاق شهي و طيّب باعتراف كل مَنْ أكل منها.
أما شجرة الكستناء التي تخمّلت بثمر الكستناء فهي تعطي منظرا رائعاً و تثير اللعاب لمافيها من حسن مظهر و من جمال تكوين الثمرة و هناك شجرتان أخريان من الكستناء في الحوش لكنهما لم تثمرا بعد، فيما الشجرة الكبيرة أعطتنا الموسم الفائت الشيء الكثير و طعمها لذيذ جداً.
و في الحوش من الطرف المقابل لبابنا الخارجي شجرة تفاح تعطي ثمراً غزيراً و طيّباً لم أحرم نفسي هذا الصباح من زيارتها و تأمل بديع صنع الرب ليتبارك اسمه و ذلك قبل الذهاب إلى العمل، فيما لم أتوانَ عن إلقاء نظرة مفعمة بالإعجاب على شجرة الرمان التي أزهرت هذه السنة و أعطت ثمرة واحدة، كنا جلبناها معنا من نصيبين في تركيا أثناء زيارتنا لْا قبل أعوام. أما شجرة الهن?ي دنيا (أكي دنيا) فهي تزعجنا كثيراً إذ أنها تمتدّ و تمتدّ و تكبر و تعرض دون أن تعطي ثمراً و قد قطعت الكثير من غصونها الممتدّة في كلّ اتّجاه.


كان صباحاً مشرقاً منيراً استمتعتُ به جدّاً لكنّ مناداة ابني (نبيل) لي قائلا: يلا بابا تنمشي. قطع سلسلة تأملاتي الجميلة هذه، لكنّي كنتُ شربت حينها كأسين من الشّاي الساخن و تبعت نبيل إلى السيارة لنذهب معاً إلى العمل حيث نعمل سويّة في نفس الشركة و هو المعلّم (المايستر) عليّ في الشغل.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس