الموضوع: سألني مرة (2)
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-04-2007, 08:23 AM
الأب القس ميخائيل يعقوب الأب القس ميخائيل يعقوب غير متواجد حالياً
Ultra-User
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 304
افتراضي سألني مرة (2)

سألني مرة (2)
س (2 ) سألني مرة أحد أبنائنا الروحيين في أحدى النشاطات قائلاً : يقولون إن العذراء بعد أن ولدت المسيح تزوجت من خطيبها يوسف . وهم يعتمدون على الآية التي تقول : ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ( مت1: 25 ) . فما هو الجواب الصحيح . تزوجت أم لا ؟
الجواب : إن أية لغة إن وضعت في قوالب ضيقة فإنها تموت وقبل أن تموت تجعل حياة من يتكلم بها صعبة جـداً ، لأن الإنسان يحتاج على الدوام إلى استعمال لغة غنية المعاني وقليلة المفردات ليتمكن من متابعة حياته وبخاصة الاجتماعية . واللغة السريانية التي منها تُرجم انجيل متى إلى العربية مفرداتها كثيرة وغنية جداً بالمعاني وحالات الاستخدام وكذلك اللغة العربية أيضاً . ولذا فإن من يترجم من السريانية إلى العربية وبالعكس فإنه لا يجد أدنى صعوبة ولا يضيع أياً من المعاني .
والآن . لنتوقف عند كلمتين في هذه الآية وهما ( يعرفها . حتى ) ونستدل إلى بعض معانيهما .
أولاً : عرفها . المصدر هو ( معرفة . وهي علم الشيء ) ولها استخدامات كثيرة نذكر أمثلة فقط عن ذلك ونستعين بأسماء من واقعنا فنقول :
- تعرّف شمعون إلى ابراهيم شكلاً واسماً . وحينما يُساَلَ عنه بعد زمن يقول إني عرفته إنه ابراهيم ، شكله كذا . والمعرفة هنا تأخذ معنى حفظ الاسم والشكل .
- يقول بسام : إنني أعرف كميل صديقاً مخلصاً . والمعرفة هنا تأخذ معنى التأكد . أي أن بسام متأكد من صدق صديقه كميل .
- ويقول : إنني قد عرفت كيفية التعامل مع كميل . والمعرفة هنا تأخذ معنى أنه استدل إلى طريقة مناسبة يتعامل فيها مع صديقه هذا .
- يقوا رابي : قد عرفت كيفية إصلاح دراجتي . والمعرفة هنا تأخذ معنى حصول الخبرة لديه في إصلاح الدراجة .
- يقول سومر : قد عرفت الطريق المؤدي إلى القرية . والمعرفة هنا تأخذ معنى أنه استطاع تحديد معالم الطريق المؤدي إلى القرية من بدايتها حتى نهايتها .
- يقول أكاد : عرفت سميرة حسنة الأخلاق ( وما أجمل حسن الأخلاق ) . المعرفة هنا تأخذ معنى الفكرة الواضحة لدى أكاد عن سميرة بأنها حسنة الأخلاق .
- يقول آشور : عرفت معلمي شاطراً . والمعرفة هنا تأخذ معنى دقة ملاحظة آشور . فهو قد لاحظ أن معلمه شاطرٌ .
- يقول فهمي عن صديق خسره : ما كنت أعرف قدره وقيمته إلا بعد أن خسرته . والمعرفة هنا تعني الإحساس المفاجئ بقدر وقيمة الصديق الذي خسره .
- عرف فلان زوجته ، أي أنه اجتمع معها .
وكثيرة هي المعاني والحالات التي تستخدم فيها كلمة المعرفة وتصريفاتها . فلمَ إذاً نحصر الكلمة في معنى واحد؟
لماذا لا يكون المعنى هو أن يوسف لم يعرف قدر وقيمة العذراء بالشكل المبهر والمدهش إلى أن ولدت المسيح ؟ لماذا ؟
لأن بولادة المسيح كل شيء صار مبهراً ومذهلاً يتوقف عنده العقل عن التفكير .
· حينما ولد المسيح أضاء منتصف الليل أكثر منه في منتصف النهار والشمس في كبد السماء .
· نزل الملائكة وبدل أن يبشروا الملوك أصحاب الصولجان والمال والجان والأمر والنهي فإنهم بشروا رعاة متبدين يحرسون قطعانهم في العراء في وسط رهبة الليل وبرد الشتاء القارس .
· ثم أن الملائكة صارت تنشد لهؤلاء المغلوب على أمرهم أروع أنشودة سلام سمعتها البشرية : المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ( لو2: 14 ) .
· ترك الرعاة قطعانهم دون خوفٍ عليها وجاؤوا حيث ولد المسيح وقصوا على مسامع العذراء ويوسف ما حدث لهم . ألا ترى معي أن يوسف صار ينذهل ويتعجب ويندهش ويقول في نفسه : ما أعظم مكانة هذه الفتاة العذراء إنها أصبحت أماً للخالق بدليل أن السماء فرحت لولادة ابنها ونزل ملائكتها يبشرون بولادته وينشدون على مسامع الناس الأنشودة المنتظرة منذ السقوط والخروج من الفردوس .
· حينما قام يوسف بأخذ العذراء والطفل المسيح إلى الهيكل في يوم الأربعين تحرك سمعان الشيخ الذي كان له من العمر مئات السنين وكان ذلك معروفاً في الوسط الديني والاجتماعي . وحينما تحرك وجاء فكأنه ابن العشرين إذ حمل الطفل على ذراعيه وصار يكلمه كمن يكلم الله : الآن تطلق عبدك يا سيّد بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم .. ( لو2: 30-32 ) .
· كذلك الأمر بالنسبة إلى حنة النبية التي كان لها من العمر أكثر من مئة سنة وكانت عابدة في الهيكل . هي أيضاً نهضت بعزمٍ وكأنها بنت العشرين ، وصارت تسبح الرب بسبب الطفل يسوع وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين الفداء .
أليست هذه جميعها كانت كافية لأن تحرك في يوسف أحساساً كبيراً بليغاً في عظمة العذراء ، هذا الإحساس ما كان قد تولد فيه من قبل ، مع أن الملاك جبرائيل كان قد قال له : إن الذي حبل فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ...... كما ذكر له نبوة أشعياء : هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ( مت1: 20- 23 ) .
نعم . إن يوسف أمام شهادة الملاك جبرائيل لم يكن إحساسه بأهمية وقيمة وقدر العذراء بهذه الدرجة الكاملة لأن ذلك كان كلاماً في حلم جعله يحس أن هذه الفتاة ذو شأن إلهي كبير ، ولكن حينما رأى بعينيه وصار يسمع بأذنيه اكتملت معرفته في عظمة شأنها وقدرها وقيمتها لدى الله . وهذا هو المقصود بالآية : ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكـر .
ثانياً : حتى .
لنفرض جدلاً أن المقصود بعبارة : لم يعرفها هو لم يتزوجها . ولكن ماذا عن حتى ؟
إن للحرف ( حتى ) في اللغة السريانية كما في اللغة العربية عدة استعمالات مختلفة . نذكر بعضاً منها :
· يستخدم كحرف جرٍ يدل على الانتهاء كأن نقول : آِكلِة لنونا عدما لريشؤ أكلت السمكة حتى رأسها . فالحرف حتى هنا دل على أكل السمكة بكاملها دون رأسها . أي أن فعل الأكل انتهى عند الوصول إلى رأسها .
· يدخل الحرف حتى على الفعل المضارع منصوباً بأن من أجل تحقيق غاية كأن نقول : قُرِآ آْنُا عدَمُا ديُلِف اْنُا أقرأ حتى أتعلم . أي أقرأ إلى أن أتعلم . أي أقرأ لأتعلم . فالحرف حتى يشير إلى الغاية المرجوة من القراءة .
· يستخدم الحرف حتى أيضاً للدلالة على عدم انتهاء الفعل أو الحالة كأن نقول : رَآحٍيل عقَرةُآ ؤْوُة ولا بِطنَة عدَما دميةَة . كانت راحيل عاقراً ولم تحبل حتى ماتت . والحرف حتى هنا يشير إلى عدم انتهاء فعل أو حالة العقورية عند راحيل لأنه ليس ممكناً أنها بعد أن ماتت تحبل في قبرها .
إن العقورية هي حالة موت في أحد وظائف الجسم وهذا أمر معروف لدى الأطباء والعامة أيضاً . وإن أمنا العذراء كانت قد ماتت منذ نشأتها عن الشهوات والنزوات الجسدية والميول إلى العالميات ، أي أنها كانت كلية الطهارة والبرارة والعفاف ، إلى درجة أنها كانت مجرد هيكل جسداني يحوي روحها العاشقة والمتعطشة إلى ربها ، لأنه لولا ذاك ما استحقت أن يختارها الله لتكون أماً لابنه وهو ليس كلي البرارة والطهارة والعفاف والقداسة فحسب بل هو مطلق البرارة والطهارة والعفاف والقداسة وهو النبع لهذه كلها .
إذاً . إن أمنا العذراء كانت قد ماتت جسداً ونفساً عن كل ما للعالم والجسد وختم هذا الموت بختم أبدي حينما حبلت بالمسيح وولدته وأصبحت مستحقة صفة أم ابن الله . فهل يعقل بعد أن أصبحت أماً لابن الله ( الكلمة – المسيح ) وأصبحت بسبب ذلك أماً للكنيسة بأبنائها الذي لا يحصون أنها تعود لتتزوج من إنسان أياً كان مقامه أو مركزه ... إلخ وتصبح أماً لأربعة أو خمسة من الأولاد والبنات ؟
أي عقلٍ وأي منطق يقبل بذلك ؟
في الحقيقة كانت وما تزال عذراء . كلا لم تتزوج . بل حاشا أنها تزوجت .
ويكون معنى الآية : لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر هو : لم يتزوجها إطلاقاً .
وإنني توقفت عند هذا الحد من الإجابة لأن السؤال كان فقط في حدود الآية التي ذكرها السائل فالإجابة حول استمرار بتولية أمنا العذراء تطول كثيراً . وللمسيح المجد آميــــن .
__________________


مسيحنا الله

الأب القس ميخائيل بهنان صارة

هـــــــــــــــــــــ : 711840
موبايل (هاتف خلوي) : 0988650314
رد مع اقتباس