fouadzadieke
10-09-2005, 07:07 PM
مقالات في آزخ "المقالة الثانية"
... لا أفهم لماذا يُعاب علينا حين نقوم بتدوين أحداث ومآسي وقعتْ لنا فأدمتْ قلوبنا وحرقتْ نفوسنا ودمّرتْ قوانا وانتهكتْ أعراضنا وخلّفت الدمار والقتل والتشريد والتخريب والموت في كلّ ركن و زاوية من أركان بلدتنا والمنطقة المسيحيّة عموماً في تركيا، هل لا يريدون لنا هذا كي لا نكشف عوراتهم ونعلن عن أساليبهم القذرة التي مارسوها بحق شعبنا الأزخيني والمسيحي عموماً من خلال جرائمهم؟ أم أنهم يريدون الاستخفاف بعقول الناس ومحاولة تمييع مساعينا والتعتيم عليها بشكل مقصود يراد منه طمس الحقائق وتزوير التاريخ وبالتالي تفويت الفرص لفضح أساليبهم وكشف انحطاطهم الأخلاقي الذي وصل بهم إلى درك غير معقول؟
إننا لا نحاول إلا إلقاء الضوء على بعض المآسي التي تعرّض لها شعبنا المسيحي في تركيا في خضمّ تلاطم أمواج التكالب العشائري الكردي بدعوى فتاوى عرقية مهووسة بجنون الحض على القضاء على البذرة المسيحية برمتها واجتثاث أساسها من تربة نما فيها النفوذ الإسلامي وقويت شوكته وتكالبت أحقاده وكان آغوات الأكراد وشيوخهم وملاليهم وأمراؤهم يجتمعمون على حقيقة واحدة ألا وهي وجوب إنهاء التواجد النصراني من على تلك الرقعة من الأرض الجغرافية المسماة تركيا هذه الدولة والتي يعرف القاصي والداني وكل من له علم بالتاريخ وحركة التنقل الشعوبي لسكان هذه المنطقة بأن الترك شعب حديث العهد لا وجود قديم لهم في تركيا بل هم من المغول الذين اجتاحوا تلك المناطق واضطهدوا شعوبها الأصلية وبقوة السلاح استطاعوا بناء هذه الدولة والتي سرعان ما غابت عن حياتها الكثير من تحرر الفكر الأتاتوركي في الممارسة العلمانية فصارت قوة بعد وفاة أتاتورك تعتمد البطش والعنف وتمارس كل أشكال الإرهاب بحق الشعوب الأصلية التي كانت تسكنها والتي غدت مع مرور الأزمنة قلة ليس لها اعتبار بفعل القهر وأعمال القتل والتشريد والأسلمة وغير ذلك.
عجباً فهم لا يريدون للضحية أن تشكو أو تتذمّر أو تتذكر شيئاً من مآسيها التي عاشتها أو المحن التي ألمّت بها عن سابق إصرار وترصّد من قوى كان من مصلحتها أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه! إنهم يستكثرون علينا هذا وهم وبدافع الطمع والحقد وشهوة النفوذ فعلوا كل ذلك ليأتي بعد هذا ومن هذه الأوساط ليبرّر تلك الأفعال أو ليعطي العلل التي أدت إلى ذلك وإلى تلك الممارسات القمعية بأسلوب همجي ووحشيّ قذر بأن ذلك كان لدوافع دينيّة (وهذا عذر أقبح من ذنوب الدنيا مجتمعة) بل ليقول أحدهم متأسفاً ومولولا على ما أصابهم من انتكاسات بأن الرجعية الكردية كانت وراء ذلك! وأن الأكراد أنفسهم عانوا ممّا عاناه النصارى وها نحن نرى في تصرفات هذه القوى التي تدعي التقدمية وتتباكى على حقوق الإنسان تسعى إلى تكريد مناطق العراق المسيحية بعنف وفظاعة وشراسة ولكن بهدوء كي لا تثير أصدقاءها الذين أوصلوها إلى هذا المقام وقدموا لها كلّ ما أرادته على طبق من ذهب!
لقد عشنا كنصارى في آزخ وغيرها من البلدات والقرى المسيحية الأخرى بين مطرقة التكالب العشائري الكردي وسندان القهر والعنف التركي الفاشي والحاقد بدوافع سياسية وللرغبة في السيطرة على كل شيء واقتلاع جذور هذه الشعوب التاريخية لرميها في مزبلة النسيان وردم كل ما يشير إليها من تواجد حضاري أو وجود أثري يشير إليها ويدلّ عليها فتمّ القضاء على الكنائس والأديرة وتحويلها إلى اسطبلات للدواب أو إلى ثكنات عسكرية وغيرها.
كانت العشائر الكردية تأتي من كل حدب وصوب لا هم لها سوى الفتك والقتل ولا مسعى لها سوى النهب والتخريب وخطف النسوة والفتيات المسيحيات لأنهن أجمل وأشهى لرغباتهم الدنيوية الآسنة وأفكارهم الخبيثة التي كانت تعبر عنهم. كانت تأتي للانتقام ولزرع الدمار في كلّ مكان كان علينا إذاً أن نموت لعلة كوننا نصارى! إنها مفارقة عجيبة حقاً!!!إنها الحقيقة أيها القاىء الكريم.. أجل إنها الحقيقة ولو كان هناك وجه آخرأسطع من وجه الحقيقة لقلت لك إنها هي!
والملفت للانتباه أن هذه النزعات من الحب في إلحاق الأذية بنا لم تقف عند تاريخ معيّن أو ظرف ما أو مكان بحد ذاته بل كانت إبنة كل ظرف وساعة عصيبة ومكان، فأثناء أحداث غزو تركيا لقبرص لم يكن غزر قوات عسكرية تركية للجزيرة وتقسيمها فحسب بل تعدّى ذلك إلى حرب شعواء وهجومات عنيفة على جميع القرى النصرانية في داخل تركيا تمّ كل ذلك بمساعدة الحكومة التركية بغضّ نظرها عمّا يحدث بحق المسيحيين فيها بل أن كل الشكاوى التي كانت ترفع إلى الجهات التركية المختصة والتي كانت تعلم بوقوع حالات تعدّ أو انتهاكات صارت بحكم اليومية كانت هذه الشكاوى إما أن يرمى بها في سطل الزبالة أو توضع في دروج لا مفاتيح لها أو يشوّه التحقيق فيها وتقلب الحقائق ليصير الجاني بريئاً والضحية مذنباً وعلى ذلك أدلة استطاع مواطنون تهريبها معهم إلى بلاد الله الواسعة عندما هربوا من بطش السلطة التركية الغاشمة ومن تعديات الأكراد الأبدية.
تمرّ في مثل هذه الأيام ذكرى غالية وعزيزة على قلوبنا ألا وهي ذكرى حصار القائد التركي الآلاي عمر ناجي بك في عام 1915 عندما حاصر آزخ البلدة البطلة أربعين يوماً وصوب إليها مدافع حقده وغضبه راغباً في تدميرها بوشاية كردية وبزعم باطل لا أساس له من الصحة بأنها تؤي مقاتلين أرمن وكما كان معروفاً فالأرمن كانوا حلفاء روسيا في حربهم ضد تركيا وصمدت آزخ الباسلة واستمات أبناؤها في الدفاع عن كلّ حبة تراب من أرضها الغالية وعن مقدساتهم التي حمتهم وما المدفع (الطوب) المسمّى أزخينيّا ب (شرقه) وهو المدفع الذي كان يضرب القوات التركية الغازية من شرقي البلدة حيث برج كنيسة العذراء فيدخل الرعب في قلوبهم ويشتت صفوفهم وقد شهد بذلك أحد الضباط الألمان الذين كان مشاركاً في الحملة بموجب الاتفاقية العسكرية بين ألمانيا وتركيا وقد عاين بأم عينه ذلك الحدث وحضر للتحقق من وجود مثل هذا السلاح وعندما لم يجد ما يؤكد وجود سلاح غريب في أيدي أهل آزخ وأن ذلك الأمر كان شأناً ربانياً خارجاً عن إمكانية التأويل أو التفسير أقر بالواقع وترك الجيش وترهبن وأصبح فيما بعد كاردينالا وقد ذكر ذلك لأحد مطارنة سورية عندما التقى به في أحد الاجتماعات الكنسية العالمية في أحدى البلدان الأوروبية! الدليل القاطع على صحة تلك الوقائع وبسالة هؤلاء الرجال ومدى مساعدة كنائسهم لهم في أيام محنتهم ولولا ذلك الدعم الذي كان دائماً لما تمكن أهل آزخ وغيرها من البلدات المسيحية من المقاومة والصمود في وجه العدة المتطورة والعدد الهائل من المهاجمين.
نحن - نصارى تركيا - لم تكن لنا ميول انشقاقية أو أهداف سياية انفصالية.. لم نرفع السلاح في وجه أحد ولم نعلن التذمر والعصيان.. لم نهاحم أحداً ولم نعتد على أحد. لكن الذي فعلناه - وهو الشيء الوحيد - أننا رغبنا في عيش بعيد عن الظلم والاستبداد والقهر نعيش مع محبة المسيح التي أرادها لنا كشعب يعيش كالخراف بين قطعان الذئاب، كنا نرغب في الحياة لأنها حق من حقوق خلائق الرب التي أنعم بها عليه وليس من حق أحد أيّ كان أن يحرمنا هذا الحق! فهل في هذا جريمة علينا أن يعاقبنا بموجبها الآخرون؟ ومتى كانت فأهلا وسهلا بالموت إلى ذلك سبيلا وهو ما فعله آباؤنا ومن قبلهم أجدادنا البواسل، إنها ذكرى التسعون وهي ذكرى الحزن والتمزّق والتفرق والتشرّد في كل أصقاع الأرض حيث صرنا بدون أرض شعباً مهجّراً يعيش كالفتات بين جموع العالم الغفيرة وقد ضاعت مع هذا التشرّد الكثير من جماليات تاريخنا وماضينا وعاداتنا وأفكارنا ومثلنا والأقلية بحكم الظروف الحاضرة تتفاعل ومن ثم تتلاشى مع الأكثرية الحاكمة، مع الأغلبية السائدة.
لقد دفعنا فاتورة حساب ثقيلة وآن لنا أن نخرج من تحت أغباء ووطأة هذا الثقل المتعب! لم تكن لبلدتنا آزخ في يوم من الأيام أهداف دنيوية أو مطامع حكم أو رغبة في التسلط وإلا لكان بوسع البطل الآزخي (الشماس اسطيفو ابن بازو) فيما قبل العام 1843 م من تأسيس دويلة صغيرة أو إمارة على غرار الإمارات الكردية التي كانت منتشرة على رقعة تركيا الواسعة الأرجاء وكانت الظروف السياسية مؤاتية وبما توفر له من الدعم العشائري حتى من الأكراد الذين كانت الخلافات تأكل حياتهم السياسية وهم يطمعون في المزيد من السلطان والسيطرة فالشماس (اسطيفان) وصل في حدود فتوحاته إلى زناور في برية نصيبين كما وصل إلى حدود شرناخ و الجبل (مناطق ال?يايّيه) وإلى قرية الحناوية في سورية. لكنه لم يكن يملك هدفاً سياسياً وإنما كانت رغبة منه في محاولة إغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم لفك أسر أو تحرير رهينة أو إعادة حق مغتصب.
إن عصر الشماس (اسطيفو) كان بحق العصر الذهبي لآزخ فهي صارت مسموعة الكلمة وقوية الشأن مما ألب عليها زعماء البوطان البختيdن في جزيرة إبن عمر فحرّضوا عليها الأمير الكردي الميركور (محمد باشا الراوندوزي) حاكم الراوندوز المعروف ببطشه وجرائمه ليس فقط ضد النصارى بل كذلك ضد اليزيديين وغيرهم من الشعوب الأخرى. كما كانوا وراء حملة عمر ناجي بك التركي الذي كان من المفترض أن يذهب بجيشه إلى حدود البصرة للانضمام إلى جيش قوات الشرق بقيادة خليل باشا الذي كان يحارب الإنكليز.
إن لهذه الذكرى معزّة في قلب كلّ أزخينيّ وسريانيّ ومسيحي فكلنا عانينا من آثار تلك المجازر اللإنسانية والوحشية التي ارتكبت بحق شعب آمن وأعزل لم ينتهج نهجاً عدوانياً ضد أحد كما لم تكن له تطلعات إقليمية انفصالية ليعاقب على ذلك. إنما كان شعباً مؤمناً رغب في العيش المشترك وطمع في الأمن والسلام مسترشداً بتعاليم معلّمه الرب يسوع له المجد والتي علمتنا كيف نحبّ حتى أعدائنا فهل كان ذلك جزاء أن نلقى مثل ذلك المصير من التعديات والانتهاك والسلب والقهر والاغتصاب على أبشع صورة واليوم ترى وسائل الإعلام المسلمة تروّج لوجوب معاقبة المتسببين في جرائم منطقة البلقان خلال الحرب الصربية والكرواتية والبوسنية لأن المتضرر على وجه العموم كان الحانب المسلم نقول هذا بكل أسف أما عن مجازر تركيا المسلمة في حق الشعوب الأصلية لتلك البلاد كالأرمن والآشوريين والكلدان والسريان فلا تتحدث وسيلة إعلامية عن ذلك وإن تحدّثت فهي تتحدث بخجل لماذا؟ اليس الذين قتلوا ومثّل بهم أحياء وجثثاً من أبناء البشر الذين خلقهم الله؟ أم أنهم من الطبقة العاشرة والحادية عشرة في تصنيف أولويات الشعوب من حيث الأفضلية وهل كان النظام التركي الجائر بأفضل حالا من النظام النازي في ألمانيا؟ وها نحن نرى أن جميع العالم يلعن تلك الفترة وما جلبته من مآسي وأحزان ومن أوجاع طالت العالم أجمع. إنها مفارقة عجيبة لمن يريد أن يفهم التاريخ واليوم نرى الأخوة الأكراد الذين تضرروا من بعض الأنظمة يحاولن اعتبار ضحاياهم شهداء ويطالبون بمعاقبة المتسببين في تلك المآسي لا بل يعتبرون بعض رجالاتهم أبطالا قوميين يجب تكريمهم وتقديم ما يلزم لهم من الاحترام لأنهم (فتكوا بالآلاف من الناس الأبرياء لقاء غرور سلطة أو شهوة نفوذ) هل هنا تكمن العدالة الإنسانية؟
يلوموننا أيضاً لمجرد تذكر ضحايانا والقول بأنهم ذهبوا ضحية غدر قذر وحقد بشع يريدوننا أن نسكت. وهل "من يعدّ العصي كمن يأكلها وتسلخ في جلده؟" لكننا نقول لمثل أصحاب تلك الأصوات غير العقلانية وغير المسؤولة "إن الشاة المذبوحة لا يؤلمها السّلخ" أجل عانينا بما فيه الكفاية وسقطعت الأقنعة عن وجوه الظالمين والحاقدين الذين أرادوا القضاء على الوجود المسيحي برمته في المنطقة.
كفى تكذيباً لحقائق التاريخ الدامغة! كفى هروباً نحو الأمام! كفى استغباء الناس ومحاولة السخرية من عقولهم! على مثل هؤلاء أن يحترموا عقول البشر ويقرّوا بما فعلوه من جرائم في حق شعوبها وهي شعوب مستضعفة لم تكن مقاتلة أو معتدية أو غاصبة. إن حقائق التاريخ ووقائعه المدونة إن لم يكن في سجلات الزمن فهي مدونة في ضمائر أصحاب المعاناة منها وهي روّت تراباً لا يزال لونه الداكن يحدّث عن تلك البشاعات وهولها.
إن هذه الذكرى لن تمرّ دون أن نقدّم تحية إكرام وإجلال لشهدائنا الأبرارالذين سقطوا وهم يدافعون عن بيوتهم وأديرتهم وكنائسهم و يستبسلون في الحفاظ على أرضهم وعرضهم وكرامتهم، لهم علينا واجب القداسة والتكريم فلولاهم لما كنا الآن! هم الرجال البواسل الذين سحقوا غرور الحقد والغدر وأرعبوا من سوّلت له نفسه بالنيل من قدسية هذا التراب وهم مؤمنون بأن قضيتهم هي قضية حق وأن عدالة السماء لن ترحم هؤلاء القتلة والمجرمين الذين تسببوا بكل هذه المعاناة وهذه الحالة الرهيبة التي عاشها شعبنا المسيحي الضعيف في وسط تكالبت عليهم فيه جميع قوى الشر والعدوان.
هل نظل نسكت ونسكت ونسكت لكي يرضى علينا قتلة آبائنا وأجدادنا؟ هل علينا أن نتخلّى عن معتقدنا وديننا وأرضنا لكي يشملنا أفاقوا العالم برحمتهم؟ لا.. لا.. لا لم يعد ذلك الزمان بآت وسوف تظلّ حناجرنا تهتف بأسماء قتلانا وتمجد ذكراهم العطرة هذه وسوف نستمرّ في المطالبة بحقوقنا في استرجاع أراضينا التي أخذت منا بالقوة وأبعدنا عنها في محاولات منظمة ومخطط لها شاركت فيها أيد مسؤولة في الدولة التركية بتشجيع التهجير وتسكين الغرباء في أراضينا في أزخ وكوفخ وبابقا وإسفس وعميرين وعين ورد وباسبرينا وقلث وباسحاق ونصيبين وجميع البلاد السريانية الأخرى التي لا تزال تحدث عن عظمة شعبنا وبسالته في مقاومة الغاصب ولولا مساعدة وتشجيع الدول الأجنبية لتركية هذه الدولة الفاشستية لما تمكنت هي بمفردها من عمل كل الذي عملته من مجازر وما حملته إلى شعوبنا من ويلات ومصائب.
هذه الذكرى الأليمة تعيش في كلّ بيت من بيوتاتنا... هذه الحقبة التاريخية السوداء تركت ظلال آثارها القاتمة على كل شبر من أراضينا. فكيف لنا أن ننسى ذلك؟ وكيف يريدون منا أن نخرس فلا نرفع صوتنا ثانية لنقول لهم لا وألف لا؟ فمعايير التأثير في مجريات العالم اليوم قد تغيّرت وهي ستتغيّر أكثر وأكثر ولا أستبعد في يوم من الأيام أن يعود الآشوريون إلى أراضيهم التي اغتصبت منهم بغدر وخسة ودناءة مؤامرات دولية ولا أستبعد أن تعود لبلاد ما بين النهرين أمجادها ويتجدد ألقها وإشراق حضارتها من جديد لطالما كان هناك شعب يتفهم وضعه ويعي تاريخه ويمجد ذكرى شهدائه ويشعر كلّ آشوري وكلداني وسرياني وأرمني بوجوده وحقه ويعود إليه ما تمّ اغتصابه منه بالعنف وتحت تأثير القوة الغاشمة!
يخطيء كل من يظنّ بأن الأمة السريانية طواها الزمن ولن تقوم لها قائمة... أجل يخطئون فما من حكم دام إلى ما شاء الله وخاصة متى اعتمد أسلوب الظلم والقهر والتعدي، وما من دولت كانت لها أبدية الخلود فكم من دول دالت ثم زالتْ! علينا أن نعي واقعنا ونفهم الظروف المسجدة على الساحة العالمية وندرك أن أطراف جديدة لم تكن معروفة من قبل (أو هي كانت بوجوه أخرى!) قد دخلت اللعبة من أبوابها الواسعة. علينا أن نعي طل ظروف وتكتيك وطرق الممارسة لكي نتمكن من اللعب معها ومتى اتحدنا وكانت لنا كلمة واحدة سيكون لها وزنها وستفعل فعلها, لأن لنا أرضية وهي أرضية مشتركة بين جميع فئات وأبناء وطوائف هذه الأمة السريانية التي كانت ومنذ زمن طويل هدفاً لتعديات وغصب إلى أن تركها دينا وانتماءاً قومياً فئات كثيرة فدخلت في الإسلام وتزينت بأثواب العروبة لكي تحمي نفسها وتدفع عنها الذل الذي كان مفروضاً عليها على نحو متعمد ومقصود لغاية في نفس (سمّه ماشئت) أكان يعقوباً أم أحمداً!
إلى متى سنبقى مشردّي الدور والسكن والأفكار والهواجس والمشاعر؟ متى ستقفر حياة هذه الأمة السرياني من أعشاب الفرقة وأشواك العداوات الطائفية التي لن تفيد أحداً منا؟ إلى متى ستبقى الدول المتنفذة في قرارات العالم والمتحكمة في قول الكلمة تغفل حقنا ولا تقرّ به؟ لماذا استطاع غيرنا المضي في لعبة السياسة والتوازنات والتكتلات والاتفاقات ونبقى نحن السريان نضع يدنا تحت خدّنا ونصلّي للوضع كي يتغيّر أو نأمل في حلّ ما يسقط علينا من السماء بقدرة قادر؟ أما كفانا نوماً؟ أما كفانا تفرقة وتشرذماً؟ وألف سؤال آخر يمكن لمن له غيرة على مصلحة هذه الأمة أن يسأله ويطرحه...من المسؤول؟ وما هو السبب؟ الجميع يقول نحن لسنا هذا المسؤول! والجميع يقول إن السبب ليس عندنا!!! إذاً فمن المسؤول؟ وأين هي العلة؟ وما هو السبب؟ وإلى متى سنبقى أمة تسخر منا الأمم الأخرى؟
إن الحزن يقطّع في قلبي وأحاسيسي ومشاعري وأنا كسرياني أرى كل هذه التلاعبات والتجاذبات الدولية تسير من حولنا وتسوقنا معها إلى حيث تريد من دون أن تكون لنا إية إرادة في ذلك أو مشيئة وهي ليست مشيئة أبينا الذي في السموات بل هي مشيئة آبائنا الذين (هم) على هذه الأرض! أليس هذا عاراً علينا جميعاً؟ إن محاولات تفريقنا وضرب وحدة صفوفنا كأبناء أمة واحدة إنما يخدم فقط أعداء هذه الأمة وليس أمتنا! فهل في كلامي شيء من الحقيقة؟ أم إني أنا الآخر أهذي بما لا أفهم ولا أعرف؟
فؤاد زاديكه
ألمانيا في 11/9/2005 م
تتبع المقالة الثالثة...
... لا أفهم لماذا يُعاب علينا حين نقوم بتدوين أحداث ومآسي وقعتْ لنا فأدمتْ قلوبنا وحرقتْ نفوسنا ودمّرتْ قوانا وانتهكتْ أعراضنا وخلّفت الدمار والقتل والتشريد والتخريب والموت في كلّ ركن و زاوية من أركان بلدتنا والمنطقة المسيحيّة عموماً في تركيا، هل لا يريدون لنا هذا كي لا نكشف عوراتهم ونعلن عن أساليبهم القذرة التي مارسوها بحق شعبنا الأزخيني والمسيحي عموماً من خلال جرائمهم؟ أم أنهم يريدون الاستخفاف بعقول الناس ومحاولة تمييع مساعينا والتعتيم عليها بشكل مقصود يراد منه طمس الحقائق وتزوير التاريخ وبالتالي تفويت الفرص لفضح أساليبهم وكشف انحطاطهم الأخلاقي الذي وصل بهم إلى درك غير معقول؟
إننا لا نحاول إلا إلقاء الضوء على بعض المآسي التي تعرّض لها شعبنا المسيحي في تركيا في خضمّ تلاطم أمواج التكالب العشائري الكردي بدعوى فتاوى عرقية مهووسة بجنون الحض على القضاء على البذرة المسيحية برمتها واجتثاث أساسها من تربة نما فيها النفوذ الإسلامي وقويت شوكته وتكالبت أحقاده وكان آغوات الأكراد وشيوخهم وملاليهم وأمراؤهم يجتمعمون على حقيقة واحدة ألا وهي وجوب إنهاء التواجد النصراني من على تلك الرقعة من الأرض الجغرافية المسماة تركيا هذه الدولة والتي يعرف القاصي والداني وكل من له علم بالتاريخ وحركة التنقل الشعوبي لسكان هذه المنطقة بأن الترك شعب حديث العهد لا وجود قديم لهم في تركيا بل هم من المغول الذين اجتاحوا تلك المناطق واضطهدوا شعوبها الأصلية وبقوة السلاح استطاعوا بناء هذه الدولة والتي سرعان ما غابت عن حياتها الكثير من تحرر الفكر الأتاتوركي في الممارسة العلمانية فصارت قوة بعد وفاة أتاتورك تعتمد البطش والعنف وتمارس كل أشكال الإرهاب بحق الشعوب الأصلية التي كانت تسكنها والتي غدت مع مرور الأزمنة قلة ليس لها اعتبار بفعل القهر وأعمال القتل والتشريد والأسلمة وغير ذلك.
عجباً فهم لا يريدون للضحية أن تشكو أو تتذمّر أو تتذكر شيئاً من مآسيها التي عاشتها أو المحن التي ألمّت بها عن سابق إصرار وترصّد من قوى كان من مصلحتها أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه! إنهم يستكثرون علينا هذا وهم وبدافع الطمع والحقد وشهوة النفوذ فعلوا كل ذلك ليأتي بعد هذا ومن هذه الأوساط ليبرّر تلك الأفعال أو ليعطي العلل التي أدت إلى ذلك وإلى تلك الممارسات القمعية بأسلوب همجي ووحشيّ قذر بأن ذلك كان لدوافع دينيّة (وهذا عذر أقبح من ذنوب الدنيا مجتمعة) بل ليقول أحدهم متأسفاً ومولولا على ما أصابهم من انتكاسات بأن الرجعية الكردية كانت وراء ذلك! وأن الأكراد أنفسهم عانوا ممّا عاناه النصارى وها نحن نرى في تصرفات هذه القوى التي تدعي التقدمية وتتباكى على حقوق الإنسان تسعى إلى تكريد مناطق العراق المسيحية بعنف وفظاعة وشراسة ولكن بهدوء كي لا تثير أصدقاءها الذين أوصلوها إلى هذا المقام وقدموا لها كلّ ما أرادته على طبق من ذهب!
لقد عشنا كنصارى في آزخ وغيرها من البلدات والقرى المسيحية الأخرى بين مطرقة التكالب العشائري الكردي وسندان القهر والعنف التركي الفاشي والحاقد بدوافع سياسية وللرغبة في السيطرة على كل شيء واقتلاع جذور هذه الشعوب التاريخية لرميها في مزبلة النسيان وردم كل ما يشير إليها من تواجد حضاري أو وجود أثري يشير إليها ويدلّ عليها فتمّ القضاء على الكنائس والأديرة وتحويلها إلى اسطبلات للدواب أو إلى ثكنات عسكرية وغيرها.
كانت العشائر الكردية تأتي من كل حدب وصوب لا هم لها سوى الفتك والقتل ولا مسعى لها سوى النهب والتخريب وخطف النسوة والفتيات المسيحيات لأنهن أجمل وأشهى لرغباتهم الدنيوية الآسنة وأفكارهم الخبيثة التي كانت تعبر عنهم. كانت تأتي للانتقام ولزرع الدمار في كلّ مكان كان علينا إذاً أن نموت لعلة كوننا نصارى! إنها مفارقة عجيبة حقاً!!!إنها الحقيقة أيها القاىء الكريم.. أجل إنها الحقيقة ولو كان هناك وجه آخرأسطع من وجه الحقيقة لقلت لك إنها هي!
والملفت للانتباه أن هذه النزعات من الحب في إلحاق الأذية بنا لم تقف عند تاريخ معيّن أو ظرف ما أو مكان بحد ذاته بل كانت إبنة كل ظرف وساعة عصيبة ومكان، فأثناء أحداث غزو تركيا لقبرص لم يكن غزر قوات عسكرية تركية للجزيرة وتقسيمها فحسب بل تعدّى ذلك إلى حرب شعواء وهجومات عنيفة على جميع القرى النصرانية في داخل تركيا تمّ كل ذلك بمساعدة الحكومة التركية بغضّ نظرها عمّا يحدث بحق المسيحيين فيها بل أن كل الشكاوى التي كانت ترفع إلى الجهات التركية المختصة والتي كانت تعلم بوقوع حالات تعدّ أو انتهاكات صارت بحكم اليومية كانت هذه الشكاوى إما أن يرمى بها في سطل الزبالة أو توضع في دروج لا مفاتيح لها أو يشوّه التحقيق فيها وتقلب الحقائق ليصير الجاني بريئاً والضحية مذنباً وعلى ذلك أدلة استطاع مواطنون تهريبها معهم إلى بلاد الله الواسعة عندما هربوا من بطش السلطة التركية الغاشمة ومن تعديات الأكراد الأبدية.
تمرّ في مثل هذه الأيام ذكرى غالية وعزيزة على قلوبنا ألا وهي ذكرى حصار القائد التركي الآلاي عمر ناجي بك في عام 1915 عندما حاصر آزخ البلدة البطلة أربعين يوماً وصوب إليها مدافع حقده وغضبه راغباً في تدميرها بوشاية كردية وبزعم باطل لا أساس له من الصحة بأنها تؤي مقاتلين أرمن وكما كان معروفاً فالأرمن كانوا حلفاء روسيا في حربهم ضد تركيا وصمدت آزخ الباسلة واستمات أبناؤها في الدفاع عن كلّ حبة تراب من أرضها الغالية وعن مقدساتهم التي حمتهم وما المدفع (الطوب) المسمّى أزخينيّا ب (شرقه) وهو المدفع الذي كان يضرب القوات التركية الغازية من شرقي البلدة حيث برج كنيسة العذراء فيدخل الرعب في قلوبهم ويشتت صفوفهم وقد شهد بذلك أحد الضباط الألمان الذين كان مشاركاً في الحملة بموجب الاتفاقية العسكرية بين ألمانيا وتركيا وقد عاين بأم عينه ذلك الحدث وحضر للتحقق من وجود مثل هذا السلاح وعندما لم يجد ما يؤكد وجود سلاح غريب في أيدي أهل آزخ وأن ذلك الأمر كان شأناً ربانياً خارجاً عن إمكانية التأويل أو التفسير أقر بالواقع وترك الجيش وترهبن وأصبح فيما بعد كاردينالا وقد ذكر ذلك لأحد مطارنة سورية عندما التقى به في أحد الاجتماعات الكنسية العالمية في أحدى البلدان الأوروبية! الدليل القاطع على صحة تلك الوقائع وبسالة هؤلاء الرجال ومدى مساعدة كنائسهم لهم في أيام محنتهم ولولا ذلك الدعم الذي كان دائماً لما تمكن أهل آزخ وغيرها من البلدات المسيحية من المقاومة والصمود في وجه العدة المتطورة والعدد الهائل من المهاجمين.
نحن - نصارى تركيا - لم تكن لنا ميول انشقاقية أو أهداف سياية انفصالية.. لم نرفع السلاح في وجه أحد ولم نعلن التذمر والعصيان.. لم نهاحم أحداً ولم نعتد على أحد. لكن الذي فعلناه - وهو الشيء الوحيد - أننا رغبنا في عيش بعيد عن الظلم والاستبداد والقهر نعيش مع محبة المسيح التي أرادها لنا كشعب يعيش كالخراف بين قطعان الذئاب، كنا نرغب في الحياة لأنها حق من حقوق خلائق الرب التي أنعم بها عليه وليس من حق أحد أيّ كان أن يحرمنا هذا الحق! فهل في هذا جريمة علينا أن يعاقبنا بموجبها الآخرون؟ ومتى كانت فأهلا وسهلا بالموت إلى ذلك سبيلا وهو ما فعله آباؤنا ومن قبلهم أجدادنا البواسل، إنها ذكرى التسعون وهي ذكرى الحزن والتمزّق والتفرق والتشرّد في كل أصقاع الأرض حيث صرنا بدون أرض شعباً مهجّراً يعيش كالفتات بين جموع العالم الغفيرة وقد ضاعت مع هذا التشرّد الكثير من جماليات تاريخنا وماضينا وعاداتنا وأفكارنا ومثلنا والأقلية بحكم الظروف الحاضرة تتفاعل ومن ثم تتلاشى مع الأكثرية الحاكمة، مع الأغلبية السائدة.
لقد دفعنا فاتورة حساب ثقيلة وآن لنا أن نخرج من تحت أغباء ووطأة هذا الثقل المتعب! لم تكن لبلدتنا آزخ في يوم من الأيام أهداف دنيوية أو مطامع حكم أو رغبة في التسلط وإلا لكان بوسع البطل الآزخي (الشماس اسطيفو ابن بازو) فيما قبل العام 1843 م من تأسيس دويلة صغيرة أو إمارة على غرار الإمارات الكردية التي كانت منتشرة على رقعة تركيا الواسعة الأرجاء وكانت الظروف السياسية مؤاتية وبما توفر له من الدعم العشائري حتى من الأكراد الذين كانت الخلافات تأكل حياتهم السياسية وهم يطمعون في المزيد من السلطان والسيطرة فالشماس (اسطيفان) وصل في حدود فتوحاته إلى زناور في برية نصيبين كما وصل إلى حدود شرناخ و الجبل (مناطق ال?يايّيه) وإلى قرية الحناوية في سورية. لكنه لم يكن يملك هدفاً سياسياً وإنما كانت رغبة منه في محاولة إغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم لفك أسر أو تحرير رهينة أو إعادة حق مغتصب.
إن عصر الشماس (اسطيفو) كان بحق العصر الذهبي لآزخ فهي صارت مسموعة الكلمة وقوية الشأن مما ألب عليها زعماء البوطان البختيdن في جزيرة إبن عمر فحرّضوا عليها الأمير الكردي الميركور (محمد باشا الراوندوزي) حاكم الراوندوز المعروف ببطشه وجرائمه ليس فقط ضد النصارى بل كذلك ضد اليزيديين وغيرهم من الشعوب الأخرى. كما كانوا وراء حملة عمر ناجي بك التركي الذي كان من المفترض أن يذهب بجيشه إلى حدود البصرة للانضمام إلى جيش قوات الشرق بقيادة خليل باشا الذي كان يحارب الإنكليز.
إن لهذه الذكرى معزّة في قلب كلّ أزخينيّ وسريانيّ ومسيحي فكلنا عانينا من آثار تلك المجازر اللإنسانية والوحشية التي ارتكبت بحق شعب آمن وأعزل لم ينتهج نهجاً عدوانياً ضد أحد كما لم تكن له تطلعات إقليمية انفصالية ليعاقب على ذلك. إنما كان شعباً مؤمناً رغب في العيش المشترك وطمع في الأمن والسلام مسترشداً بتعاليم معلّمه الرب يسوع له المجد والتي علمتنا كيف نحبّ حتى أعدائنا فهل كان ذلك جزاء أن نلقى مثل ذلك المصير من التعديات والانتهاك والسلب والقهر والاغتصاب على أبشع صورة واليوم ترى وسائل الإعلام المسلمة تروّج لوجوب معاقبة المتسببين في جرائم منطقة البلقان خلال الحرب الصربية والكرواتية والبوسنية لأن المتضرر على وجه العموم كان الحانب المسلم نقول هذا بكل أسف أما عن مجازر تركيا المسلمة في حق الشعوب الأصلية لتلك البلاد كالأرمن والآشوريين والكلدان والسريان فلا تتحدث وسيلة إعلامية عن ذلك وإن تحدّثت فهي تتحدث بخجل لماذا؟ اليس الذين قتلوا ومثّل بهم أحياء وجثثاً من أبناء البشر الذين خلقهم الله؟ أم أنهم من الطبقة العاشرة والحادية عشرة في تصنيف أولويات الشعوب من حيث الأفضلية وهل كان النظام التركي الجائر بأفضل حالا من النظام النازي في ألمانيا؟ وها نحن نرى أن جميع العالم يلعن تلك الفترة وما جلبته من مآسي وأحزان ومن أوجاع طالت العالم أجمع. إنها مفارقة عجيبة لمن يريد أن يفهم التاريخ واليوم نرى الأخوة الأكراد الذين تضرروا من بعض الأنظمة يحاولن اعتبار ضحاياهم شهداء ويطالبون بمعاقبة المتسببين في تلك المآسي لا بل يعتبرون بعض رجالاتهم أبطالا قوميين يجب تكريمهم وتقديم ما يلزم لهم من الاحترام لأنهم (فتكوا بالآلاف من الناس الأبرياء لقاء غرور سلطة أو شهوة نفوذ) هل هنا تكمن العدالة الإنسانية؟
يلوموننا أيضاً لمجرد تذكر ضحايانا والقول بأنهم ذهبوا ضحية غدر قذر وحقد بشع يريدوننا أن نسكت. وهل "من يعدّ العصي كمن يأكلها وتسلخ في جلده؟" لكننا نقول لمثل أصحاب تلك الأصوات غير العقلانية وغير المسؤولة "إن الشاة المذبوحة لا يؤلمها السّلخ" أجل عانينا بما فيه الكفاية وسقطعت الأقنعة عن وجوه الظالمين والحاقدين الذين أرادوا القضاء على الوجود المسيحي برمته في المنطقة.
كفى تكذيباً لحقائق التاريخ الدامغة! كفى هروباً نحو الأمام! كفى استغباء الناس ومحاولة السخرية من عقولهم! على مثل هؤلاء أن يحترموا عقول البشر ويقرّوا بما فعلوه من جرائم في حق شعوبها وهي شعوب مستضعفة لم تكن مقاتلة أو معتدية أو غاصبة. إن حقائق التاريخ ووقائعه المدونة إن لم يكن في سجلات الزمن فهي مدونة في ضمائر أصحاب المعاناة منها وهي روّت تراباً لا يزال لونه الداكن يحدّث عن تلك البشاعات وهولها.
إن هذه الذكرى لن تمرّ دون أن نقدّم تحية إكرام وإجلال لشهدائنا الأبرارالذين سقطوا وهم يدافعون عن بيوتهم وأديرتهم وكنائسهم و يستبسلون في الحفاظ على أرضهم وعرضهم وكرامتهم، لهم علينا واجب القداسة والتكريم فلولاهم لما كنا الآن! هم الرجال البواسل الذين سحقوا غرور الحقد والغدر وأرعبوا من سوّلت له نفسه بالنيل من قدسية هذا التراب وهم مؤمنون بأن قضيتهم هي قضية حق وأن عدالة السماء لن ترحم هؤلاء القتلة والمجرمين الذين تسببوا بكل هذه المعاناة وهذه الحالة الرهيبة التي عاشها شعبنا المسيحي الضعيف في وسط تكالبت عليهم فيه جميع قوى الشر والعدوان.
هل نظل نسكت ونسكت ونسكت لكي يرضى علينا قتلة آبائنا وأجدادنا؟ هل علينا أن نتخلّى عن معتقدنا وديننا وأرضنا لكي يشملنا أفاقوا العالم برحمتهم؟ لا.. لا.. لا لم يعد ذلك الزمان بآت وسوف تظلّ حناجرنا تهتف بأسماء قتلانا وتمجد ذكراهم العطرة هذه وسوف نستمرّ في المطالبة بحقوقنا في استرجاع أراضينا التي أخذت منا بالقوة وأبعدنا عنها في محاولات منظمة ومخطط لها شاركت فيها أيد مسؤولة في الدولة التركية بتشجيع التهجير وتسكين الغرباء في أراضينا في أزخ وكوفخ وبابقا وإسفس وعميرين وعين ورد وباسبرينا وقلث وباسحاق ونصيبين وجميع البلاد السريانية الأخرى التي لا تزال تحدث عن عظمة شعبنا وبسالته في مقاومة الغاصب ولولا مساعدة وتشجيع الدول الأجنبية لتركية هذه الدولة الفاشستية لما تمكنت هي بمفردها من عمل كل الذي عملته من مجازر وما حملته إلى شعوبنا من ويلات ومصائب.
هذه الذكرى الأليمة تعيش في كلّ بيت من بيوتاتنا... هذه الحقبة التاريخية السوداء تركت ظلال آثارها القاتمة على كل شبر من أراضينا. فكيف لنا أن ننسى ذلك؟ وكيف يريدون منا أن نخرس فلا نرفع صوتنا ثانية لنقول لهم لا وألف لا؟ فمعايير التأثير في مجريات العالم اليوم قد تغيّرت وهي ستتغيّر أكثر وأكثر ولا أستبعد في يوم من الأيام أن يعود الآشوريون إلى أراضيهم التي اغتصبت منهم بغدر وخسة ودناءة مؤامرات دولية ولا أستبعد أن تعود لبلاد ما بين النهرين أمجادها ويتجدد ألقها وإشراق حضارتها من جديد لطالما كان هناك شعب يتفهم وضعه ويعي تاريخه ويمجد ذكرى شهدائه ويشعر كلّ آشوري وكلداني وسرياني وأرمني بوجوده وحقه ويعود إليه ما تمّ اغتصابه منه بالعنف وتحت تأثير القوة الغاشمة!
يخطيء كل من يظنّ بأن الأمة السريانية طواها الزمن ولن تقوم لها قائمة... أجل يخطئون فما من حكم دام إلى ما شاء الله وخاصة متى اعتمد أسلوب الظلم والقهر والتعدي، وما من دولت كانت لها أبدية الخلود فكم من دول دالت ثم زالتْ! علينا أن نعي واقعنا ونفهم الظروف المسجدة على الساحة العالمية وندرك أن أطراف جديدة لم تكن معروفة من قبل (أو هي كانت بوجوه أخرى!) قد دخلت اللعبة من أبوابها الواسعة. علينا أن نعي طل ظروف وتكتيك وطرق الممارسة لكي نتمكن من اللعب معها ومتى اتحدنا وكانت لنا كلمة واحدة سيكون لها وزنها وستفعل فعلها, لأن لنا أرضية وهي أرضية مشتركة بين جميع فئات وأبناء وطوائف هذه الأمة السريانية التي كانت ومنذ زمن طويل هدفاً لتعديات وغصب إلى أن تركها دينا وانتماءاً قومياً فئات كثيرة فدخلت في الإسلام وتزينت بأثواب العروبة لكي تحمي نفسها وتدفع عنها الذل الذي كان مفروضاً عليها على نحو متعمد ومقصود لغاية في نفس (سمّه ماشئت) أكان يعقوباً أم أحمداً!
إلى متى سنبقى مشردّي الدور والسكن والأفكار والهواجس والمشاعر؟ متى ستقفر حياة هذه الأمة السرياني من أعشاب الفرقة وأشواك العداوات الطائفية التي لن تفيد أحداً منا؟ إلى متى ستبقى الدول المتنفذة في قرارات العالم والمتحكمة في قول الكلمة تغفل حقنا ولا تقرّ به؟ لماذا استطاع غيرنا المضي في لعبة السياسة والتوازنات والتكتلات والاتفاقات ونبقى نحن السريان نضع يدنا تحت خدّنا ونصلّي للوضع كي يتغيّر أو نأمل في حلّ ما يسقط علينا من السماء بقدرة قادر؟ أما كفانا نوماً؟ أما كفانا تفرقة وتشرذماً؟ وألف سؤال آخر يمكن لمن له غيرة على مصلحة هذه الأمة أن يسأله ويطرحه...من المسؤول؟ وما هو السبب؟ الجميع يقول نحن لسنا هذا المسؤول! والجميع يقول إن السبب ليس عندنا!!! إذاً فمن المسؤول؟ وأين هي العلة؟ وما هو السبب؟ وإلى متى سنبقى أمة تسخر منا الأمم الأخرى؟
إن الحزن يقطّع في قلبي وأحاسيسي ومشاعري وأنا كسرياني أرى كل هذه التلاعبات والتجاذبات الدولية تسير من حولنا وتسوقنا معها إلى حيث تريد من دون أن تكون لنا إية إرادة في ذلك أو مشيئة وهي ليست مشيئة أبينا الذي في السموات بل هي مشيئة آبائنا الذين (هم) على هذه الأرض! أليس هذا عاراً علينا جميعاً؟ إن محاولات تفريقنا وضرب وحدة صفوفنا كأبناء أمة واحدة إنما يخدم فقط أعداء هذه الأمة وليس أمتنا! فهل في كلامي شيء من الحقيقة؟ أم إني أنا الآخر أهذي بما لا أفهم ولا أعرف؟
فؤاد زاديكه
ألمانيا في 11/9/2005 م
تتبع المقالة الثالثة...