المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحزان البستان


الاخ زكا
07-08-2016, 08:37 AM
كتاب طعام وتعزية:الأحد7/ 8/ 2016
أحزان البستان
حِينَئِذٍ جَاءَ .. يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي.. وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ ( متى 26: 36 ، 37)
عبارة “ابتدأ يحزن ويكتئب” توحي لنا أن هناك أمواجًا من الأحزان هاجت على ابن الله القدوس. وهذه الأحزان لا تُمثل بداية الحزن في حياته، فهو في كل حياته كان “رجل أوجاع ومُختبر الحَزَن”؛ ولكنها بداية النهاية. وذاك الساكن في الحضرة الإلهية من الأزل وإلى الأبد، والذي كان سبب فرح دائم للآب ( أم 8: 30 )، ها نراه هنا مُحاطًا من كل ناحية بالحزن. وحزنه هذه المرة فاق كل أحزانه السابقة.
ولقد أعلن المسيح للدائرة الضيقة من تلاميذه تلك المشاعر التي تعتصره، عندما طمَت عليه أمواج هادرة عاتية من الأحزان. ولم يكن سبب ذلك الحزن الفائق أنه كان مزمعًا أن يموت، فهو أتى إلى العالم ليموت. ولا لأنه - وهو محبوب الآب ومعبود الملائكة - كان سيتعرَّض لاحتقار الإنسان؛ بل الأفظع أنه كان سيُجعَل خطية، وبسبب ذلك سيُترَك من الله! ونحن لا يمكننا أن ندرك عمق هذا الحزن، والذي كان مظهره في نهاية ساعات الظلام أن صرخ بصوتٍ عظيم: “إلهي إلهي لماذا تركتني؟”.
وطبعًا لم يكن ممكنًا لأحد من الخلائق أن يشارك المسيح في آلام الترْك من الله فوق الصليب، وهو لم يطلب ذلك من أحد. لكن كان يمكن لتلاميذه أن يشاركوه وحدته في البستان، وأن يسهروا معه. لكن تمت فيه كلمات المزمور: «انتظرت رقة فلم تكن، ومُعزين فلم أجد» ( مز 69: 20 ).
وأحزان المسيح في البستان هي فوق مقدور البشر كبشر أن يفهموها، فهي تحوي أغوارًا سحيقة يعسر على العقل المحدود أن يخترقها. فلو أمكننا أن نُدرك شيئًا عن عظمة شخصه، وكم هو قدوس، وكم هو كامل في ذاته، سيمكننا إذ ذاك أن ندرك شيئًا عن أحزان نفسه في تلك الليلة العصيبة، تلك الأحزان الكثيفة التي اجتازت فيها نفسه قبل أن يصل إلى الجلجثة.
أيها الرب المبارك، وإن كان يتعذر علينا أن نعرف ما اجتازته نفسك القدوسة من آلام لأجلنا في البستان، ولكننا نعرف أنه لأجلنا نحن الخطاة البؤساء قبلت هذا الألم الرهيب والحزن المُذيب، لتُشرِكنا في حضرة الله النورانية، وتمتعنا بكل البركات الإلهية. فاقبل يا رب أسفنا، لأنه بالحقيقة ما أقل تقديرنا لك وعرفاننا بفضلك وتضحيتك!
وإذا نراكَ في البُستانْ تَقطُرُ بالحُزنِ دَمَا
نندهـشُ مِن نعمةٍ بها احتملتَ الألمَا
دَعنا لِذا نُقبِّلُ بالحبِّ رَبي القَدَمَا
يوسف رياض