د. جبرائيل شيعا
28-07-2005, 11:07 PM
مار كبرائيل
ولد القديس مار كبرائيل سنة 574م من ابوين مؤمنين في قرية باقوسطن المعروفة اليوم باسم (باقسيان) وتقع شمال شرقي حاح قصبة طور عبدين يومئذ، ولما نشأ قليلا ادخله والداه المدسة وفي مدة قصيرة تعلم القراءة والكتابة وفهم معنى الكتب ولحسن أخلاقه رسم شماسا لكنيسة قريته، ولما شب أراد أبواه أن يخطبا له ويزوجاه، فأبى إذ كان قد نوى أن يحمل صليبه ويتبع سيده، من أجل هذا ذهب إلى كنيسة قريته وصلى متضرعا إلى الله لكي يسهل طريقه وؤهله أن يكمل إرادته.
وفي أحدى الليالي غادر البيت دون أن يشعر به أبواه وقصد شيخا فاضلا كاملا يصنع عجائب اسمه (جاورجي) كان ديره شرقي حاح بعيد عنها نحو ميل وتوسل إليه دون أن يأذن له بالبقاء عنده ليتتلمذ له، فأذن له في ذلك بالنظر إلى هشاشة ضميره، وبعد أن علمه واختبره بأمور كثيرة ألبسه زي الرهبنة المقدس، وعندئذ بدأ القديس ما كبرائيل يقتدي بالشيخ الورع معلمه بالصوم والصلاة والسهر والتيقظ فلم يكن ينام إلا ساعتين في الليل من أجل راحة الجسد، وأما بقية الليل فكان يقضيه بالتهجد والركوع والوقوف وبمطالعة الكتب المقدسة، وفوق ذلك قطع على نفسه أن يمشي حافيا اتضاعا، ليس في الصيف فقط بل في الشتاء أيضا حتى كان احيانا يجري دم من رجليه كما لبس من الداخل قميصا حديديا، وفوقه ثوبا خشنا من شعر المعزى، ولما أبصره أبوه في شظف العيش هذا تألما زطابا من معلمه أن يعظه لكي يخفف من هذه الأعمال الثقيلة، فلما كلمه بهذا خر امامه باكيا ومتوسلا قائلا:
يا معلمي، إن ما وضعته على جسدي لا يوازي ثقل حطاي، وإن أعمالي وتصرفاتي هذه لا تعادل نقائصي وزلاتي، فأرجوك يا أبي أن تدعني أذلل وأقمع هذا الجسد الهائج المملوء إثما وخطيئة لكي لا تختلج فيه أهواء الشهوات، فلما سمع معلمه هذه الأقوال سكت ودهش بحرص ضميره، وعلم أنه رجل إلهي نظير اسمه، ولما تمت له عند معلمه سبع سنين بهذه الأعمال، ورأى أن بني جنسه وأبويه يضغطون عليه رغب في الابتعاد عن مكانه، وطلب من معلمه أن يصلي عليه ويأذن له أن يفارقه لأجل هذا السبب، ولما أذن له وصلى عليه أقاما معا صلاة المساء، وفي ختامها تبرك من معلمه مستودع إياه وخرج في سبيله، وسار كل الليل وعند الصباح وصل إلى دير مار شمعون فدخله ونبرك من الطوباويين الذين فيه ومن الأخوة التمس منهم أن يقبلوه عندهم، فقبلوه بفرح وأعطوه قلاية، فيها حبس نفسه سنين عديدة مواظبا أعمال النسك البهية.
ولما رأى الأخوة استقامته وكماله انتخبوه ليكون لهم مديرا ورئيسا، فلما وضع فوق المنارة أخذ يسطع باشعة الفضيلة السنية على القريبين والبعيدين كأب لبنيه، فكان يهتم بالذين في الدير ويساعدهم في الخدمة وأما البعيدون فكان يفيدهم بالشفاء وبمعونات أخرى، ومن يستطيع أن يصف ما أجراه الله على يديه، ولكن لئلا نقاصص بقصاص من أخفى الوزنة، نضع على المائدة قليلا من كثير لأجل إفادة السامعين ولأجل تمجيد الله الذي يعظم قديسيه.
تكملة في (جزء 2)
د. جبرائيل شيعا
ولد القديس مار كبرائيل سنة 574م من ابوين مؤمنين في قرية باقوسطن المعروفة اليوم باسم (باقسيان) وتقع شمال شرقي حاح قصبة طور عبدين يومئذ، ولما نشأ قليلا ادخله والداه المدسة وفي مدة قصيرة تعلم القراءة والكتابة وفهم معنى الكتب ولحسن أخلاقه رسم شماسا لكنيسة قريته، ولما شب أراد أبواه أن يخطبا له ويزوجاه، فأبى إذ كان قد نوى أن يحمل صليبه ويتبع سيده، من أجل هذا ذهب إلى كنيسة قريته وصلى متضرعا إلى الله لكي يسهل طريقه وؤهله أن يكمل إرادته.
وفي أحدى الليالي غادر البيت دون أن يشعر به أبواه وقصد شيخا فاضلا كاملا يصنع عجائب اسمه (جاورجي) كان ديره شرقي حاح بعيد عنها نحو ميل وتوسل إليه دون أن يأذن له بالبقاء عنده ليتتلمذ له، فأذن له في ذلك بالنظر إلى هشاشة ضميره، وبعد أن علمه واختبره بأمور كثيرة ألبسه زي الرهبنة المقدس، وعندئذ بدأ القديس ما كبرائيل يقتدي بالشيخ الورع معلمه بالصوم والصلاة والسهر والتيقظ فلم يكن ينام إلا ساعتين في الليل من أجل راحة الجسد، وأما بقية الليل فكان يقضيه بالتهجد والركوع والوقوف وبمطالعة الكتب المقدسة، وفوق ذلك قطع على نفسه أن يمشي حافيا اتضاعا، ليس في الصيف فقط بل في الشتاء أيضا حتى كان احيانا يجري دم من رجليه كما لبس من الداخل قميصا حديديا، وفوقه ثوبا خشنا من شعر المعزى، ولما أبصره أبوه في شظف العيش هذا تألما زطابا من معلمه أن يعظه لكي يخفف من هذه الأعمال الثقيلة، فلما كلمه بهذا خر امامه باكيا ومتوسلا قائلا:
يا معلمي، إن ما وضعته على جسدي لا يوازي ثقل حطاي، وإن أعمالي وتصرفاتي هذه لا تعادل نقائصي وزلاتي، فأرجوك يا أبي أن تدعني أذلل وأقمع هذا الجسد الهائج المملوء إثما وخطيئة لكي لا تختلج فيه أهواء الشهوات، فلما سمع معلمه هذه الأقوال سكت ودهش بحرص ضميره، وعلم أنه رجل إلهي نظير اسمه، ولما تمت له عند معلمه سبع سنين بهذه الأعمال، ورأى أن بني جنسه وأبويه يضغطون عليه رغب في الابتعاد عن مكانه، وطلب من معلمه أن يصلي عليه ويأذن له أن يفارقه لأجل هذا السبب، ولما أذن له وصلى عليه أقاما معا صلاة المساء، وفي ختامها تبرك من معلمه مستودع إياه وخرج في سبيله، وسار كل الليل وعند الصباح وصل إلى دير مار شمعون فدخله ونبرك من الطوباويين الذين فيه ومن الأخوة التمس منهم أن يقبلوه عندهم، فقبلوه بفرح وأعطوه قلاية، فيها حبس نفسه سنين عديدة مواظبا أعمال النسك البهية.
ولما رأى الأخوة استقامته وكماله انتخبوه ليكون لهم مديرا ورئيسا، فلما وضع فوق المنارة أخذ يسطع باشعة الفضيلة السنية على القريبين والبعيدين كأب لبنيه، فكان يهتم بالذين في الدير ويساعدهم في الخدمة وأما البعيدون فكان يفيدهم بالشفاء وبمعونات أخرى، ومن يستطيع أن يصف ما أجراه الله على يديه، ولكن لئلا نقاصص بقصاص من أخفى الوزنة، نضع على المائدة قليلا من كثير لأجل إفادة السامعين ولأجل تمجيد الله الذي يعظم قديسيه.
تكملة في (جزء 2)
د. جبرائيل شيعا