المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصوم الأربعيني على مدى التاريخ


هيلانة زاديكه
18-04-2008, 08:17 AM
الصوم الأربعيني على مدى التاريخليس في السنة المسيحية فترة كالصوم الأربعيني جلال قدر وسخاء وهبة.إنه الزمن الذي تتخفف النفس من أعباء نقائصها وتكفر عن ماضي آثامها وتتجهز لمعركة مريرة المراس تخرج منها وعلى رأسها أكليل ضفرته أنامل القداسة الالهية من ورود الفضائل المسيحية.
وقد انعكفت الأجيال المسيحية بكل تقواها على هذه الأسابيع المقدسة وكرمتها بأوفر عناية وأصدق حفاوة وأسمى شهامة، فاقتبلت الأمانة راضية واحتملت التضحية باسمة ومضت بهما إلى أقصى حدود قساوتها. وحين خرجت من هذه المرحلة الصارمة كانت ملء ساعديها القوى لاذلال كل عقبة تقف في سبيلها إلى السماء.
كيف عاشت تلك الأجيال الباسلة مرحلة الصوم؟ وأين نحن من هؤلاء الآباء الذين جادوا فلم يقيموا حداً لتضحياتهم. وبدءً إلى ما يرتقي عهد الصوم.
لم يرسم المسيح الصوم الأربعيني على القانون الذي نجري عليه. إلا أنه قد خط لتقوانا سبيلاً حين انفرد أربعين يوماً صائماً في القفر. وجرى رسله على أثره وكرسوا أياماً قضوها في الصيام وكانت نواة لصومنا الأربعيني. ونمت تلك النواة شجرة راسخة الجذوع في كل أرض حلت فيه المسيحية. ولو لم تكن يد الرسل التي زرعت تلك النواة لما رأينا هذه الشجرة تنبض قوية حيثما وجدت كنيسة ووجد شعب فرد مسيحي.
بدء الصوم الأربعيني
في جميع الأقطار المسيحية كان الصوم ينتهي بانتهاء آلام المسيح أي في الليلة السابقة للفصح المجيد. أما يوم ابتدائه فلم يكن واحداً للكنيسة جمعاء بل كان هناك اختلاف بين الشرقيين والغربيين. اعتاد الشرقيون أن يستثنوا يوم السبت من صومهم وأضاف البعض منهم أيضاً يوم الخميس اقتداء بصوم اليهود فتحتم للاحتفاظ على قداسة الأربعين يوماً أن يسبقوا الغريبين في تاريخ بدء الصيام. والكنيسة الغربية نفسها أجرت تعديلاً أيضاً في القرن السابع. لأنها كانت في قرونها السبعة الأولى تكرس للصوم ستة أسابيع لا غير. فإذا كانوا يجلّون الأحد عن الصوم كان مجموع أيام صيامهم 36 يوماً فقط فأضافوا أربعة أيام أخرى وجعلوا بدء صومهم أربعاء الرماد..
قسوة أيام الصوم
فرضت الكنيسة على أولادها في بدء عهدها أشد الصرامة وأقسى التضحية في أيام الصوم المبارك. وارتضى بهما الأبناء البررة فرحين متهللين: لا تزدهر النفس إلاّ على أنقاض الجسد المهدّم ولا تموت النفس إلاّ تحت براثن الجسد المترف. لم يكن يباح في بادئ الأمر للمسيحين قاطبة سوى الأطعمة الجافة أي الخبز والملح والماء ثم أضيف إليهم بعد قليل ألوان الخضراوات المسلوقة. أما اللحوم والبيض والحليب فكانت محظرة تحظيراً تاماً. لم تكن لتباح لهم هذه الأطعمة الزهيدة لم يكن ليسمح لهم بهذا الخبز وهذا الملح وهذا الماء إلاّ بعد غياب الشمس على عادة اليهود أيام صومهم. فاليوم كله على الطوى وجلّه في الصلاة والعبادة وما تبقى للعمل الكادح المذيب حتى إذا كان الغروب كان الإفطار بعد الاجتماع الذي تكون فيه قراءات الكتاب المقدس وتناول الاوخرستيا. وتساوى الشرق والغرب في هذه الصرامة. وكان في القرن الرابع أن امعنوا في التقشف واذلال الجسد والجور عليه. فارادوا أن يضعوا في الصوم ثلاث مراحل: الأولى من البدء حتى اسبوع الآلام ونظام مأكله الخبز والملح والماء مع الوان الخضر والثانية اسبوع الآلام والمفروض فيه الطعام الجاف فقط باستثناء الخضر والثالثة يوم أو يومان أو أكثر تحرم فيه جميع ألوان المأكل. إلا أن هذه المرحلة اختيارية كما أنه أيضاً اختياري عدد أيام الصيام الكامل عن كل مأكل ومشرب.
لم يقف الأمر عند هذا الصوم وهذا الانقطاع وهذا الحرمان القاسي في تلك الأجيال المسيحية الرائعة الازدهار. إن شئنا رسماً كاملاً لهذه المرحلة العظيمة يجب أن نضيف أن جميع الملاهي وجميع المساهد الخلاعية كانت محظرة. وكانت السلطة المدنية هي نفسسها تفرض هذا الحظر لتتيح للخاطئ الهدوء والسكينة والجو النقي ليسبر أغوار نفسه ويتهيأ لمصلحة ربه. وفي عام 38 أصدر كرسيان وتيودوس مرسوماً يأمران بموجبه جميع الحكام بتعطيل جميع المحاكم في مدة الصوم كله والغض عن ملاحقة المتهمين إلى يوم الفصح المجيد.
.... ذُلل الجسد وقمعت الأهواء وفرضت الأصفاد على ملاهي العالم فلتمض النفس سيدة حرة إلى كل ما تبتغيه من متع العبادة ونعيم الصلاة. ولتختلس ما شاءت من ساعات النهار، ولتختلس ما شاءت من ساعات الليل، فما أطول الليل وما أغناه، ولترتوِ من الهها وفاديها. ما أشد وأعظم قوى النفس! ما ان ظفرت بجناحيها طليقي الاسر من أغلال الجسد المكبل حتى شرعت تحيي ساعات طويلة من الليل الطويل أمام القربان ضارعة مستغفرة مشاطرة المصلوب آلام الجلجلة. وإذا ما اهل سبت الآلام كان جمع غفير من المؤمنين يقضون الليلة كاملة على مدفن المسيح. وأما ليلة الأحد فكان يشترك في إحيائها جميع المسيحيين في جميع الأقطاب. فكانوا ولا يعضدون الموعوظين على تهيئتهم لاقتبال العماد المقدس ثم يشاركونهم حفلة العماد. ولن يخرج واحد منهم من الكنيسة إلا بعد انتهاء الذبيحة الالهية في الصباح الناهض.
بدأ الفتور يدبّ في النفوس في فجر القرن التاسع. فعمد بعض المسيحيين إلى تناول الطعام وقطع الصوم لا مع مغيب الشمس كالعادة السارية بل في الساعة الثالثة. حتى على هذا القانون لم يقيموا طويلاً. خمسة قرون لا غير. ثم تراخت النفوس أيضاً وحدّت مدى صومها إلى الظهر لا أكثر. استمر هذا التقيد إلى يومنا هذا. إلاّ أن الحبر الأعظم رأفة منه بالمؤمنين في هذه الأزمة الاقتصادية العالمية خول أصحاب السيادة الأجلاء ملء السلطان في وضع كل لين يريدونه خضوعاً للظروف الحاضرة بعد أن أمر بالصوم في أيام محددة.
شمل اللين الصيام من جميع أقطاره. لان، فجعل الصوم إلى الظهر فقط.. لان أيضاً فأطلق الحرية في إضافة مائدة ثانية عند المساء... ولان أيضاً وأيضاً فأباح تناول الحليب والسمن والجبن شيئاً بعد شيء في مستهل القرن التاسع حتى استقر على ما نحن عليه اليوم.
إلى السجناء
لتكن حالتكم عبرة قاسية للذين هم بالحقيقة أكثر ذنباً منكم وهم الذين يستخدمون الصحافة والينما والجمعيات حتى والمدرسة أيضاً للكسب الجشع ولفساد الشبيبة المتعمّد، وذلك بتدنيسهم طهارة الصغار المقدسة وبتكثرهم الزلات والعثرات الأدبية....
"من رسالة الحبر الأعظم لمسجوني العالم في فرصة عيد الميلاد المذاعة بالراديو"

alashoria
18-04-2008, 10:15 AM
مشكورة حبيبتي هيلانة للموضوع الاكثر من رائع حقيقةً استمتعت بقرائته مما فيه من معلومات قييمة عن الصوم الاربعيني كنت اجهل الكثير منها
يعطيكِ الف عافية على جهودكِ وربنا يتقبل صومكِ وينعاد
عليكِ وعلى احبابكِ بالخير والبركات...

fouadzadieke
18-04-2008, 12:34 PM
بدأ الفتور يدبّ في النفوس في فجر القرن التاسع. فعمد بعض المسيحيين إلى تناول الطعام وقطع الصوم لا مع مغيب الشمس كالعادة السارية بل في الساعة الثالثة. حتى على هذا القانون لم يقيموا طويلاً. خمسة قرون لا غير. ثم تراخت النفوس أيضاً وحدّت مدى صومها إلى الظهر لا أكثر. استمر هذا التقيد إلى يومنا هذا.
نعم يا بنت عمي هذا التراخي امتد أكثر و تجاوز ذلك إلى واقع الصلاة و فروضه أيضا لأسباب كثيرة لكن من أهمها يأتي ضعف الايمان عند بعض الناس. شكرا يا هيلانة دراسة قيمة لتاريخ الصوم ومراحله. الرب يبارك عملك يا غالية.

هيلانة زاديكه
18-04-2008, 10:25 PM
اشكرك اختى الغالية الاشورية ونشكر اللة انة لسة فى من يرشدنا الى الطريق الصيحح .

نعم ياابن عنى ضعف الايمان هو السبب رغم انة أبائنا تساهلوا فى جدا ورغم ذلك نرى كثير ممن يتذمرون ولا يريدوا ان يعترفوا بالصوم ونسيوا انة بصوم والصلاة يزداد أيماننا ونستطيع ان نتغلب عن شهوة العالم .

تشكر ابن عمى مرورك دايما يزيد الموضوع انفتاحا.

georgette
18-04-2008, 10:38 PM
رائعة كالعادة يا بنت عمي ومعلومات مفيدة وقيمة عن الصوم
ربي يقبل صومك وصومنا ويجعله عيد وقيامة مباركين يا رب

هيلانة زاديكه
18-04-2008, 10:43 PM
امين يابنت عمى يكون صوم مقبول للجميع ويجى العيد علينا بالف خير وبركة لكل البيوت .