المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في إيران، كنائس شرقية


Dr Philip Hardo
05-06-2007, 02:22 PM
محاضرة سيادة المطران رمزي كرمو
مطران طهران للكلدان
مقدّمة
أصحاب الغبطة، أصحاب النيافة، أصحاب السيادة، أيها الأصدقاء الأعزاء، لقد كلفني غبطة البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد أن أقدم لكم هذا التقرير المتعلق بكنائس إيران. ويهمني، بادئ ذي بدء، أن أطلب منكم العذر على ما يرد فيه من نواقص: فأنا أعرف الكنيسة الكلدانية التي كلفت بمسؤولياتها معرفة أفضل، وقلّما تسنّى لي الوقت لأتشاور مع رؤساء ابرشيات الكنائس الكاثوليكية في إيران، وأطلب منهم أن يصححوا ويكملوا هذه المداخلة، ويعذروا مغالطاتها وحدودها المحصورة.
أشكر صبركم عليّ وتسامحكم تجاهي، فضلاً عن ذلك فإن موضوعي يتضمن ثلاث نقاط خصوصية يجب أن ألمّح إليها على الأقل. سنتكلم أولاً على ثقافة فارسية لها خصوصيتها، تتميز وتختلف عما تعرفونه في العالم العربي. إضافة إلى ذلك، نحن في العالم الشيعي وفي نظام إسلامي. أخيرًا، إن المسيحيين يشكلون أقلية أصغر بكثير من مجمل كنائس الشرق الأدنى. خصوصيات ثلاث تتطلب الوقت والانتباه. لهذا السبب، ولكي أسرع، سوف أقدم بشكل متواصل عرضًا لكنائس إيران وللمسائل التي أنيطت بي، أو على الأقل، تلك التي تبدو لي أكثر أهمية في محيطنا. وإضافة إلى هذا المستند، تجدون ملحقًا فيه بعض الأفكار المعمقة التي لا يسعني توسيعها هنا.
أما عنوان هذا العرض »كنائس الشرق«، فهو يهدف أولاً إلى إعادة استعمال التسمية القديمة لكنيستنا المحلية، في شرق الإمبراطورية الرومانية القديمة، ما بعد إنطاكية وخارج العالم العربي. ويبهجني أن فكّرتم بدعوة ممثلين عن هذه الكنيسة التي قد تقع، بالنسبة إليكم، »خارج الحدود«، فأنا أشكركم على ذلك. الكنيسة الكلدانية والكنيسة الأشورية الشرقية، تفكران معًا بإعادة الاعتبار إلى هذه التسمية، لأن كنائسنا أرادت دائمًا أن تكون كاثوليكية في آسيا، بعيدًا جدًا عن حدود هذه الاتنية الخاصة أو تلك. لكن هذه الدراسة عن كنائس إيران الكاثوليكية، تشمل طبعًا الكنيسة الأرمنية والكنيسة اللاتينية، رغم أنني، ككلداني، لا أعرف جيدًا هذه الجماعات الشقيقة كما أعرف جماعتي.
في القسم الأول، سوف أعرض عليكم ما يبدو لي دعوة لكنيستنا المحلية في إيران. ثم أعرض عليكم نقائصها. وفي الختام سوف أسعى إلى أن تشاركوها حاجاتها على ضوء الإنجيل.
القسم الأول: عظمة دعوتنا
أ. وضعنا الجغرافي ـ السياسي
تسلك كنيستنا طريقها في بلاد شاسعة قد تذهل أبعادها البعض 000،648،1 كلم2. أي ما يعادل أراضي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر مجتمعة. وفي وسطها صحراء واسعة لا يمكن السكن فيها.
شعب إيران يتزايد بسرعة، كان يعد 60 مليون نسمة في الإحصاء الأخير الذي أجري عام 1996 والذي سوف نعتمده قياسًا في هذه الدراسة. ويتألف هذا الشعب من إتنيات متعددة هي بقايا الغزوات المتعددة، وشاهدة على ماضٍ طويل وصاخب.
بلاد واسعة ومتنوعة مثل الإمبراطورية، يتمدن سكانها بسرعة. والمثل على ذلك العاصمة الكبيرة طهران بسكانها الذين يبلغون الـ 15 مليون نسمة.
منذ عشرين سنة، وبعد الثورة التي تابعتم دون شك انتفاضاتها، صرنا جمهورية إسلامية تخيف الكثيرين، لكن صورتها في الغرب تبدو لي مشوهة: إنها بلاد واسعة الثقافة، ولا يمكن للفرس أن يكونوا متعصبين كما يدَّعي بعض وسائل الإعلام، أو المعلومات التي تصور نظامنا تصويرًا شيطانيًا لكي تستقطب الإسماع. وفوق ذلك، تعرفون أن العقليات تتطور بسرعة، وانتخاب حجة الإسلام سعيد محمد خاتمي كرئيس للجمهورية، هو علامة بين علامات أخرى، علامة أيدتها بوضوح الانتخابات البلدية الأخيرة التي فاز فيها أنصاره بلا عناء، خصوصًا أعداد كبيرة من الشباب الذين لم يعرفوا الثورة، والذين يريدون إطارًا حياتيًا أكثر ليونة، واكثر حرية ولكن أقل صعوبة من الناحية الاقتصادية.
أما اقتصادنا فتعرفون قوته وضعفه، اللذين يعودان إلى تغيرات أسعار البترول، ثروتنا الرئيسية. لكن اسمحوا لي أن أذكر بأن الاستثمارات البترولية تتوسع في منطقة كبيرة حول بحر قزوين، مما يثير اهتمام كل بلدان منطقة آسيا الوسطى، من القوقاز إلى الصين، فوق ما يثيره من شهية الغربيين، ومما يشرح بلا شك، الصراعات الحالية على الأمكنة التي قد تمر فيها أنابيب الزيت من أفغانستان إلى الشيشان، دون ذكر كردستان والعراق، هذه المنطقة من الخليج التي لا أجرؤ على تسميتها، إنها منطقة انكسارات في إنسانيتنا الآسيوية، بالإضافة إلى جارتكم إسرائيل التي تعتبر إيران ألدّ أعدائها.
إنها منطقة المستقبل إذًا، بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، لكنها أيضًا منطقة انتقال الثقافة من الغرب إلى الشرق، فهي »إمبراطورية الوسط« بين بلاد ما بين النهرين والهند، وبين الشمال والجنوب، بين بلاد السلاف أو الترك والمغول، وبين البلاد العربية. طبعًا، نحن المفصل بين الشرق الأدنى وعمق آسيا، الطريق الحتمية الذي تسلكها الغزوات، طريق الحرير قديمًا، وأنابيب الزيت حديثًا، وكذلك سكك الحديد والبضائع، والأفكار، وكذلك، وللأسف، المخدرات. ورغم الغزوات المستمرة التي طبعت تاريخ إيران، فقد عرفت هذه البلاد كيف تحفظ حضارة حقيقية وغنية، نعرف منها ماضيها المجيد الزرداشتي، وحاضرها الغني بالشيعية الإيرانية المتأثرة كثيرًا بالشعر الروحاني، يلقيه »حافظ« أو »مولانا«، وهي ثقافة مختلفة تمامًا عما تعرفونه في العالم العربي السنّي.
هذا، للأسف، كل ما أستطيع أن أرويه لكم في هذه الجولة السريعة. واسمحوا لي أن أحيلكم على الملحق الأول للوثيقة التي بين أيديكم من أجل الحصول على قدر أكبر من التفاصيل.
ب) هل تاريخنا علامة دعوة؟
يبدو لي ضروريًا تمامًا، دون الانزلاق إلى الفولكلور أو علم الآثار، أن نستذكر تاريخ كنيستنا الآسيوي لكي نفهم خصوصيتها في قلب كنائس الشرق الأخرى. وفوق ذلك، أليس التاريخ علامة دعوة؟ هذا التاريخ يمتد على مدى ألفي سنة، وقد اضطرب بسبب هزات عديدة. ولا أستطيع إذًا أن أذكّر إلا بمفاصله الكبرى.
لا أدَّعي، كالبعض أن المجوس أسسوا كنيستنا بعد عودتهم من فلسطين، إنما أذكر الاختصاصي الكبير، وصديق كنيستنا الأب فيي (Fiey) السعيد الذكر الذي يحدد تأسيس الكنيسة الأولى في نهاية القرن الأول للمسيحية في إحدى ضواحي ستيسيفون، عاصمة الإمبراطورية الفارسية في تلك الفترة. لن أطيل في ذلك، ولن يدهشكم هذا التأكيد، لأنكم تعرفون العهد الجديد بصورة كافية، وكذلك العلاقات الكثيرة بين جماعة أورشليم اليهودية، والمنفيين أكثر الذين بقَوا في بلاد ما بين النهرين، بعدما سمح سيروس الفارسي بالعودة. وبينما كانت المسيحية تتعرض للاضطهاد في الإمبراطورية الرومانية، كانت كنيستنا في البدء، تنعم بانتشار هادئ نسبيًا عبر بلاد ما بين النهرين والبلاد العربية، ومقاطعات الفارس (Fars) حتى بحر قزوين.
لكن سرعان ما جاءت سلالة الساسانيين، التي أسسها سنة 224 حفيد أحد أكبر كهنة زرادشت، تعارض هذا الانتشار وتبدأ اضطهادًا دمويًا جدًا. ودام هذا العنف عدة قرون، وزاد من قساوته ان صار الإمبراطور الروماني، بعد سنة 313، وبعد قسطنطين، حامي المسيحيين. ومنذ ذلك الحين، صار مسيحيو كنيستنا يُعتبرون جواسيس للجيوش الرومانية، وكل نزاع بين بلاد فارس وبيزنطية كان يؤجج هذا الاضطهاد الذي أغنانا بشهداء كثيرين. ذلك كان أحد الأسباب التي أبعدت كنيستنا عن بطريركية إنطاكية: وبعد مجمع أفسس التعيس، حيث تمسك سيريل بصلابته، ساد الخلاف والانشقاق التام بَدْءًا من القرن الخامس. وخلال ذلك القرن اتُهمت كنيستنا بالنسطورية لكي تبعد تمامًا إلى الظلمات، خارج الإمبراطورية الرومانية، وتغرق في النسيان.
وفي القرن السابع، سيطر الفتح العربي على بلاد فارس، وخلال عشرات السنين، زالت كنائسنا من البلاد العربية. أما في باقي المناطق، فقد صار المؤمنون المسيحيون ذميين في قلب بلادهم، وهو وضع لا حاجة بي إلى شرحه أمامكم... رغم ذلك، تعاونت نخبة من المفكرين والكتاب والأطباء مع السلالة العباسية في بغداد، فساهمت في تسهيل مرور الحضارة اليونانية الفارسية إلى العالم العربي الذي كان يوسع فتوحاته. لكن شعب المسيحيين الصغير، الخاضع لهذا الوضع المُذلّ، والمجبر على دفع ضرائب باهظة، اعتاد تأكيد إسلامه ليتفادى هذا العبء. وبعد أن قاومت كنيستنا طويلاً الاضطهاد الدامي، لكن المتقطع، وصار توجيهها ضد الإكليروس، ضعفت مع الزمن أمام هذا الضغط الشامل والمستمر، غير أن انتشارها استمر نحو الشرق، فقد لامس الإنجيل الهند ثم آسيا الوسطى، ومنغوليا والصين، بحيث أن كنيستنا، كما يقول المؤرخون، جمعت ما يقارب 80 مليون مسيحي في 250 مطرانية منتشرة بين المتوسط واليابان. هذا هو حصادنا في آسيا في بداية الألف الثاني.
ولكن كيف تستمر هذه »الثمرة« أمام أسلمة الذميين المتزايدة، وفوق ذلك أمام عدد من الكوارث أُعدِّدها فقط للذكرى:
· في القرن الرابع عشر، ذكرى مهولة: المذابح التي ارتكبها المغول وخاصة تيمورلنك.
· في القرن عينه، وباء الطاعون المدمر.
· في الفترة عينها، الاضطهادات في الصين أيام سلالة المينغ، تدمر كل حضور لكنيستنا التي نشأت قوية في تلك البلاد.
· وأخيرًا، في الحقبة نفسها أيضًا، المهمات والأسفار التي كان يقوم بها مرسلون غربيون بعد فشل الحملات الصليبية، فقد كانوا يدخلون بشكل دقيق وخطر بالنسبة إلى كنيستنا، خصوصًا فيما بعد مع البرتغاليين.
· سينودس ديامبر سنة 1599 الذي نحتفل بمئويته الرابعة هذه السنة في ذكرى حزينة، علنا نشفي بعض الجراحات.
· تفكك كنيستنا بسبب ليتنة البعض، والنزعة الوحدوية التي سببت إنشقاقات في كنيستنا بدءًا من القرن السادس عشر، وانعزال الهند أمام بطريركنا، رغم موقف غبطة البطريرك أودو الحازم خلال المجمع الفاتيكاني الأول.
· ولنذكر أيضًا بالمذابح التي ارتُكبت خلال الحروب العالمية في هذا القرن.
· وأخيرًا الهجرة بأعداد ساحقة في أيامنا.
وإذا أعدنا ذكرى هذه الأحداث الكثيرة الأليمة بمناسبة يوبيل الألفين، فهي لا تدعونا إلى الابتهاج: لقد هبط عددنا من 80 مليونًا إلى مليون واحد صغير على مجمل الشرق الأوسط كله. لذلك، لا نستطيع، بل يجب ألا ننسى هذا الماضي مثلما يرغب المجمع إلينا أن نفعل، كما لم تنسَ مريم صليب الابن الوحيد، ولا الكنيسة نسيته، حتى بعد قيامته المقدسة. لكي نشفى، يجب أن يتم التذكر بحضور المخلص الذي يستطيع أن يضمد جرحنا، وإذا لم نعد الذكرى، فالخطر يكمن في أن نبني لنا ماضيًا اسطوريًا، وهذا مصدر آلام كثيرة...
وفي ختام هذه المقاربة الأولى، فلنوجز: إن موقعنا الجغرافي الذي يضعنا خارج العالم العربي، على الحدود بين إنطاكية وارناكولام، يؤكد، على ما يبدو، تاريخنا المخضب بدماء كثير من الشهداء، دماء شربتها أرض هذه القارة الواسعة. إن هذا التاريخ يدلنا على دعوة ذات ميزة أسيوية واضحة، في خدمة قارة غنية جدًا بالثقافات والأديان القديمة، كثيرة السكان، فقيرة جدًا وأثر إنجيل يسوع المسيح ضعيف جدًا فيها. على كل حال، إن أساقفة هذه القارة، الذين اجتمعوا في السينودس السنة الماضية، قد شددوا مرارًا على أن التقليد اللاتيني، المفرط في التغرب، كان عاجزًا عن الدخول إلى أعماق هذه البلدان التي طرد منها التقليد السرياني تمامًا تقريبًا، منذ وقت قليل بسبب الاضطهادات. ألا تُظهر حدة هذه الاضطهادات كم كان ذلك التقليد السرياني قادرًا على الدخول عميقًا في ثقافة هذه البلدان، لدرجة أنه لوحق كعنصر خطر جدًا؟ أليس في ذلك نداء موجه إلى آسيا؟ سوف نعود.
ألا تبرهن هذه الاضطهادات كم تغلغل ذلك التقليد السرياني في ثقافة هذه المناطق بحيث أعتبر خطيرًا؟
القسم الثاني: هِنات كنيستنا
إن من يعرف من بينكم كنيسة إيران، معرفة جيدة أو قليلة، تصرف بلطف، فضبط ابتسامة شفقة وهو يسمع القسم السابق. الدعوة التي رسمت خطوطها لا توازي إمكانيات كنيستنا في شيء، ولا توافق أبعادها أو طاقاتها الروحية، ومن السهل علي، كما أنه من غير الكافي، أن أجيب عن هذا الاعتراض مؤكدًا أن كنيسة الرسل لم تكن إنسانيًا أقدر من كنيستنا بكثير.
فبعد هذه الألفية المضنية، علينا التمييز اليوم بين ما هو رجاء مستند إلى الإنجيل، وما هو حلم مثالي. فلنلقِ نظرة، قبل ذلك على الوضع الحالي لكنائس إيران.
بالاستناد إلى الإحصاء الأخير الذي أجري سنة 1996 والذي أورِدُه على سبيل البيان، علمًا أن بعضهم يعتبر أرقامه أقل من الواقع، لا يمثل مجمل المسيحيين اليوم سوى 78000 نسمة من أكثر من 60 مليون أي نسبة 1,3 بالألف وهو رقم انخفض بالتأكيد منذ سنة 1996. إننا إذًا، بما لا يقبل الجدل، أقلية ضعيفة جدًا في إيران.
أقلية سريعة العطب روحيًا وإنسانيًا، لأننا نعاني من آلام كثيرة فوق هذه النسبة البالغة الضعف. ونذكر أولاً انقساماتنا: نحن أقلية مقسمة إلى عدة إتنيات وإلى 7 كنائس.


يفصل لنا المخطط رقم 4 هذه الانقسامات لكي نبسط الأمر للنظر، ولكي نأخذ في عين الاعتبار أولئك الذين يعتبرون أن أرقام الإحصاء قليلة جدًا، فلنفترض أن مجمل تعداد المسيحيين يبلغ، 100,000 إيراني دون أن نُسقِط عدد الأجانب غير المستقر. في هذه الحالة، يبلغ عدد الأرمن 80,800 شخص منهم 800 كاثوليكي، وعدد الآشوريين والكلدان حوالي 16000 ومنهم 8500 كاثوليكي.
تفصيل الطوائف المختلفة

أما الكنائس الغربية اللاتينية مثل الإنجيليين، فقد أشرت إليهم في المخطط رقم 5 لئلا أنساهم فهم قلة قليلة، رغم قوتهم من وجهات نظر أخرى. إذًا إن مجموع الكاثوليك يبلغ 9700 مؤمن أكثريتهم البارزة من الكلدان. إنه »قطيع صغير«، صغير جدًا.
وأعدد فيما يلي علامات ضعف أخرى يجب ألا ننساها في تشخيصنا:
· لم يعد هناك أي دير في إيران منذ عدة قرون، فهناك حضارة قديمة مطبوعة جدًا بالزرادشتية، وبالروحانية الإسلامية وبالتقليد التأملي القديم المعروف في كنائس الشرق.
· مؤتمر الأساقفة في إيران لا ينعقد إلا فترة نصف نهار في السنة، علمًا أن مسافات شاسعة تفصلنا عن بعضنا، وكل واحد منا يشارك في سينودس كنيسته.
· 85% من رجال الدين الكاثوليك في إيران طردوا منذ الثورة الإسلامية. وحتى الآن، من استطاع المجيء للحلول محلهم يعد على أصابع اليد الواحدة. نحن اليوم في إيران 8 كهنة كلدان، اثنان من أصل إيراني و3 أتوا من العراق، و2 من فرنسا وواحد ينتمي إلى كنيسة سيرو مالنكار في الهند. أما الأرمن الكاثوليك، فلديهم كاهنان فقط آتيان من لبنان.
· منذ عشرات السنين، لم تظهر أية دعوة كهنوتية في أبرشيتي في طهران. وهذا أمر مقلق جدًا... في الواقع، لم يعد بإمكاننا أن نتوقع إلا قليلاً من المساعدة من الخارج: في إكليريكية بغداد 41 طالبًا كلدانيًا فقط، وهو عدد غير كافٍ للاستجابة إلى حاجات الكنيسة العراقية المستقبلية، وتعرفون أزمة الدعوات في الغرب.
· تعرفون أن ليس في إيران إكليريكية، ولا كلية لاهوت تنشئ كهنة. إننا نفعل ما في وسعنا. وهل يمكننا الأمل بأن تساعد الكنيسة اللاتينية في المستقبل القريب، كنيستنا المحلية الشرقية في تنشئة شبان بالغين دون أن تجذبهم إليها؟... ورغم الجهود المبذولة منذ عدة سنوات، تبقى كتب اللاهوت في اللغة الفارسية غير كافية للتنشئة اللاهوتية الجدية في هذه اللغة. وهذه الكتب لا تكاد تكفي لتنشيط دورة إعادة تأهيل، وخصوصًا اطلاع رجال متزوجين قد يكونون مستعدين لتقبل الكهنوت. أي تجديد حقَّقنا من أجل هذه الخدمة التقليدية، وكان مهمًا بالنسبة إلى جماعات صغيرة تلاقي صعوبات في حياتها؟
· إذًا، لا إكليريكية، ولا معهد يساعد على تكييف الليتورجيا وتجديدها بشكل يتناسب مع البلاد، ولا على تعميق الحوار المسكوني بين الأديان مثلاً، وعلى التفكير بالمسائل الجسيمة التي تطرحها جهود الإنثقاف في هذه الحضارة القديمة والغنية، ولا على تعميق أي موضوع مهم آخر من المواضيع التي سوف تناقش خلال هذا المؤتمر المقدس.
· لم تسلم إلى جماعاتنا رسالة المجمع الفاتيكاني الثاني ولا نصوصه مترجمة إلى الإيراينة، ولا الرسائل البابوية العظمى، ولا رسائل بطاركتنا، ما عدا الأخيرة المتعلقة بسر الكنيسة. إن هذا التأخر في الترجمة وفي النقل إلى الفارسية له تفسيره السهل؛ علينا أن نقوم، من أجل شعب مسيحي صغير، بالعمل نفسه الذي تقومون به من أجل جماعة المسيحيين الناطقين بالعربية التي يبلغ عددها مئة مرة أكثر منا... من الناحية النوعية، لدينا فعلاً الحاجات عينها التي للجماعات الكبيرة.
· الكتاب المقدس مترجم إلى الفارسية، لكن ترجمته تعود إلى مئة سنة، وهي اليوم مليئة بالعيوب، ناقصة، وليس فيها أية شروحات. من ناحية أخرى، يبقى انتشاره ممنوعًا من السلطات منذ أكثر من عشر سنوات.
الهجرة الكثيفة
يجب أن أنهي لائحة الهنات هذه بالضعف الذي يهدد وجود كنيستنا في إيران تهديدًا مباشرًا، أي بهجرة المسيحيين الكثيفة.
ونظرًا لأهمية هذا التهديد، والوقت القليل المعطى لي، اخترت أن أضع بين أيديكم دراسة مفصلة بعض الشيء في ملحق هذا العرض، مما يسمح لي بالاختصار وبالإسراع. إن الجدول رقم 6 يوضح جليًا تطور النسب المئوية للمسيحيين بالنسبة إلى مجمل الشعب الإيراني: فمنذ عشية الثورة والحرب، أي خلال 20 سنة. انتقلنا من 5 بالألف إلى 1 بالألف، أي ما مجموعه 169000 مسيحي إلى 78000.
تطوّر نسب المسيحيين حسب أرقام الإحصاءات
نسبة الى مجموع الشعب الإيراني

يعود هذا الانحسار في رأيي إلى تضافر عناصر ثلاثة:
أولاً: الهجرة الكثيفة، خصوصًا بين الشباب، مما يعني ازدياد نسبة العجزة في الجماعة وارتفاع نسبة الوفيات، وأخيرًا انخفاض نسبة الولادات عند المسيحيين الذين يتمدنون أكثر من مجمل الشعب (99% مقابل 61% لمجمل الشعب). أما الهجرة، فأنتم تعرفونها جيدًا وتتألمون منها. وقد بلغني أن ظاهرة مماثلة تتسارع بسبب الأحداث الأليمة التي نعرفها، وتهدد الكنائس العراقية التي تمثل بالنسبة إلينا في إيران ما يمثله لبنان بالنسبة إلى كنائس سوريا والأردن. إذا انكسرت مراكزنا الخلفية، فماذا يحل بنا؟ إن الهجرة السريعة عندنا تؤثر في جماعة صغيرة ضعيفة. وتبدو لي خطرة جدًا. إن هذا الوباء يضرب أولاً النخبة والشباب، وبخاصة الشبان.
يسفر عن ذلك النتائج التالية:
· من تتزوج الفتيات اللواتي يبقين في المنزل؟ وإذا تزوجن مسلمين، فالقانون يجبرهن على أن يصرن مسلمات.
· الشباب يرحلون، وجماعاتنا تضطر عندئذ إلى إعطاء الأفضلية في عنايتها للعجزة، إنها لشهادة جميلة في المحبة بالتأكيد، لكنها تحصل على حساب مهمات تبشيرية أخرى بسبب النقص الفادح في الأشخاص.
· وإذا كنا نمتاز بالعمل في خدمة من هم الأكثر فقرًا، الذين لم يستطيعوا الرحيل، فإننا نعمل إذًا في خدمة كنيسة هزيلة، ويصعب عندئذ تدعيم الرجاء في نفوس هؤلاء، ليس في البقاء على قيد الحياة، إنما في القيامة، والمسألة المطروحة على حزقيال (37/3) تؤلمنا: »يا ابن الإنسان، أتُرى تحيا هذه العظام؟«
· قلت لكم إننا لا نعاني أزمة دعوات، فنحن ليس عندنا دعوات كهنوتية، فكيف نحصل عليها في عائلات تتكلم عن الرحيل وتبحث عن تأشيرة وهمية؟
· أما الذين لم يرحلوا، فهناك بينهم من يتعرض لأزمات عاطفية ولردات فعل عرقية، لا تمر بدون التأثير في قوة مشاركتنا الكنسية وفي شهادتنا، كل ذلك بسبب إضعاف جماعتنا وانهيار ماضيها.
في هذه الظروف كلها، يصعب علينا الدعوة إلى حوار بين الأديان، ما عدا ذلك الحوار القائم بين عائلات تشارك الإيرانيين حياتهم اليومية وتشهد بقيم إنسانية مكملة. لكننا لا نوافق الاختصاصيين الذين يأتون من كنائس غريبة أخرى، يقيمون حوارًا في إيران، جاهلين أنه ليكون هذا الحوار مسيحيًا، عليه ألا يتجاهل الكنيسة المحلية، مهما كانت ضعيفة! الشكر الجزيل نقدمه إلى هؤلاء الاختصاصيين على استعدادهم لمساعدة الكنيسة المحلية في رسالتها، لكن ليس أكثر!
باختصار، هل نحن مدعوون إذًا لنعيش، قبل كل الكنائس الممثلة هنا، مثال دعوة غريبة هي الزوال؟ ورغم ذلك، لا أرى أن بلادنا، مثل غيرها من البلدان، تأمل أية فائدة من زوال كل وجود مسيحي.
لكن كل تجديد ممكن بروح الله!
القسم الثالث: أن نصير بقية صغيرة منقَّاة، بذرة مقدسة
إن الشك يخامركم، فلا قدرة لي على معرفة النظرة التي يلقيها الله في محبته على كنيستنا: أقلية متلاشية أم بقية صغيرة منقاة، جذر في أرض قاحلة، أم بذرة خصبة؟ (هوشع 6/13، 53/2، زكريا 3/8).
بالإضافة إلى نقاط الضعف التي فصلتها لكم، أريد أن اشدد باختصار لكن بوضوح، على علامات الحياة والتجدد:
· بين شبابنا المسيحي، هناك عدد لا بأس به متعطش ليسوع المسيح، وهم يدرسون الإنجيل سوية. فإذا سئموا من بعض عاداتنا الموروثة عن الماضي، فتلك علامة حيوية: ويجب علينا ألا نخذلهم ببطئنا.
· أعرف أن هناك اجتماعات حول الإنجيل تضم عدة كهنة وقسوسًا من كنائس مختلفة، نشأت بينهم صداقة عميقة هي منبع للثقة والتعاون.
· وهذا الحدث الصغير ليس سوى علامة: فكل كنيسة من كنائسنا على حدة، لا تستطيع، في فقرها، أن تلبي كل حاجاتها. إن ضعفنا يجبرنا على سلوك طريق المسكونية والتعاون.
· وفي الاتجاه عينه، من الممكن ربما، أن تتقارب الأتنيات المسيحية، الأرمنية والآشورية الكلدانية، التي يتناقص عددها بسرعة، فتسقط الحواجز وتنشئ بذلك كنيسة محلية واحدة لإيران.
· واستنتج بدهشة أن بلادنا متسامحة أكثر من سواها، وتقبل أن يفتش بعض الأشخاص الذين يجذبهم يسوع المسيح، عن طريقهم نحو الكنيسة، فهل يصيرون »البواكير التي تقدمها إيران للمسيح« (راجع الرسالة إلى الرومانيين 16/5) إذا استطاعوا على الأقل أن يبقوا متجذرين في حضارتهم، مثل الحبة التي تموت (يوحنا 12/24) متحدة بالصليب، المصدر الوحيد للروح بالنسبة إلى بلادنا؟
· وأخيرًا، هناك بعض العلمانيين الذين تجذبهم حياة التكريس والتوبة، بحسب الدعوة التقليدية التي تسبق حياة الدير، والتي سمَّتها كنيستنا القديمة »الهداية: أي أن يكون هناك قلب متحد بالابن، الزوج الوحيد«؛ الهداية هي شهادة جميلة عن وحدانية الله، »التوحيد« (راجع المزمور 86/11).
هذا ما يحصل عندنا، لكن كنيسة إيران المحلية تشكل جزءًا من شركة الكنائس التي تتطور هي أيضًا أسرع منا. أذكر بشكل خاص بعض النقاط التي تعنينا مباشرة.
· الحوار اللاهوتي الرعوي بين كنائس الشرق يولد لدينا تسريعًا للتعاون والصداقة. انه يعمق العطش إلى إعادة الوحدة من جديد. يستطيع مجلس كنائس الشرق الأوسط مساعدتنا في ذلك إذا حضن إيران وكنائسها بين الكنائس العربية، ولم ينسها، وإذا سرى الإعلام بصورة أفضل. هذا الإعلام، علامة المشاركة، يفترض إهتمامًا خاصًا بالأقليات مثلنا: من الصعب علينا أحيانًا أن نعرف حتى بوجود رسائل رعوية من بطاركتنا.
· لقد طرح سينودس أساقفة آسيا، الذي كانت لي نعمة المشاركة فيه، أمرًا مدهشًا وهو أننا لسنا فقط كنائس من الشرق، إنما أيضًا كنائس آسيا. هذه الدعوة تبدو لي صحيحة، خصوصًا بما يتعلق بالكنائس ذات التقليد السرياني نظرًا لتاريخها الخاص.
· اسمحوا لي أن أتمنى بحرارة أن نستطيع المتابعة بهذا الخط وأن تجد كل كنيسة روابطها مع أخواتها، وأعني بذلك خصوصًا الكنائس الممتدة نحو آسيا وهي الكنائس التالية: المارونية، السريانية، الكلدانية، السيرو مالابار، والسيرو مالانكار، فإذا كنا منفصلين عن بعضنا، فماذا يمكن أن يكون طموحنا من أجل الرسالة في آسيا؟ لكن، إذا استعدنا تماسكنا السرياني المتجذر في تاريخنا المشترك الذي نكتشفه من جديد ونجعله حاليًا، استطعنا أن نعطي معنى ودلالة لبقايانا الصغيرة المتناثرة، هذا ، في الوقت الذي كان أساقفة آسيا اللاتين، في هذا السينودس عينه، يتذمرون من تغريبهم الفائق.
ان المسلّة سيغ ـ نان ـ فو التذكارية السريانية التي تحمل فعل الإيمان مكتوبًا بالصينية مع تعابير بوذية، لم تسبب في كنيستنا أزمة كتلك التي سببها »الخلاف على الطقوس«.
· أحب أن آمل بأن يتمكن مؤتمر قريب لأساقفة الشرق دعوة ممثلين عن اخوتنا في الكنائس الشرقية في الهند، الذين تفصلنا عنهم عادات سيئة في إطار قانوني غير مناسب موروث عن ماضٍ أليم.
· إن كنائسكم تسعى بنشاط إلى التكيف مع الحضارة العربية في المحيط الذي تعيشون فيه والذي ترسلون إليه. أما بالنسبة إلينا فذلك يعد بالتنويع في قلب جماعتنا الكلدانية وفي بطريركيتنا، لأن الجهد الذي تبذلونه للتثاقف، يدعونا إلى تصرف مماثل، لكن في خدمة الحضارة الفارسية. هذا الافتراض، يستوجب هنا،كما في مكان آخر أن يطبق مبدأ المساعدة على كل مستويات المسؤولية.
· من ناحية أخرى، يبدو لي أن إنشاء مجلس لبطاركة الشرق الكاثوليك يحمل منذ الابتداء وعد تطور المؤسسة البطريركية بهدف أن يكون لنا بطريرك وحيد ليجمع الكنائس المحلية حقًا، التي يتميز كل منها بدعوته إلى خدمة عصر حضاري. هل ذلك حلم حالم أم رجاء مبني على كلمة الله وانطلاق المجمع؟
الخلاصة: بالتأكيد، لا يكفي أن نكون أقلية صغيرة لكي ندعي، إنطلاقًا من ذلك، إننا البقية المنقاة والبذرة المقدسة. ربما بدا لكم هذا العرض متشائمًا أحيانًا. إني أتبنى هنا هذه السطور التي نشرها أسقف أميان في مجلة كريستوس ص 160، السنة الماضية، في مقال يحمل العنوان التالي: »الكنيسة الذليلة«؛ يقول الأسقف جاك نوايي:
»النظر بجرأة، التسمية بجرأة، وصف نقائص كنيستنا بجرأة لا يعني بأي شكل من الأشكال أننا فقدنا الإيمان. إننا نحفظ كل ثقتنا بالمسيح وبروحه، لكننا نرفض أن نعيش في الوهم. ذلك سلوك صعب، لكنه أساسي، نخشى فقدان إيماننا في عاصفة الإتضاع.
سيقول لنا يسوع: »يا قليلي الإيمان« عندما نعبر له عن قلقنا، لكنه لا يطلب منا أن نأمر العواصف التي لا تطيعنا، ولا أن ننام بقربه ونحلم أحلامًا جميلة.
أليس النظر إلى الأمواج العاتية، والتعبير عن خوف البحارة، وفي الوقت عينه، إيقاظ المسيح النائم، أليس كل ذلك، العيش في الكنيسة؟«
يوسع أسقف أميان فكرته في ثلاثة مقاطع هذه عناوينها:
ـ »تجربة العقم«.
ـ »تجربة العجز«.
ـ »تجربة التفاهة«.
كم يصح في طهران ما هو صحيح بالنسبة إلى أبرشية أميان في فرنسا!
أما أنا، فآمل أن أجد بدعمكم »طريقًا صغيرةً« كنسيةً من أجل »قطيعي الصغير«، كما عرفت القديسة تريز دي ليزيو أن تجده لقلبها الجريح عندما صارت طفلة متروكة تمامًا بين يديّ الآب، في حياتها كلها، قبل أن تعلن شفيعة الرسالات، وشفيعة الأمور المستحيلة أيضًا، ثم من آباء الكنيسة... القديسة تريز الطفل يسوع والوجه الأقدس: يا له من برنامج يقدم إلينا!
أما أمنيتي، فسأقولها باختصار وابتسام، وهي أن يرى أحدنا، مثل الرسول بولس، حلمًا، ويسمع نداءً يقول له: »اذهب إلى آسيا، تعال إلى نجدتنا!« (راجع أعمال الرسل 16/9).
»اذهب إلى آسيا، تعال إلى نجدتنا«، هذا النداء جعله قداسة البابا يوحنا بولس الثاني حاليًا، عندما أكد فرحه، في ختام السينودس الخاص من أجل لبنان، لانفتاح كنيسة لبنان على بلدان أخرى، ومن بينها أولاً إيران (الرسالة رقم 86).
إذًا، نحن نأمل باستمرار، لا تتأخروا كثيرًا، شكرًا لإصغائكم المتسامح.
ملحق رقم 1
إيران
1. الجغرافيا
المساحة: 1,648,000 كلم2 أي ما يعادل أراضي العراق وسوريا وفلسطين ومصر مجتمعة، أو إذا شئتم 3 مرات مساحة فرنسا. وتتوسطها صحراء قاحلة تمامًا تبلغ 20% من مساحة البلاد.
العاصمة: طهران، وعدد سكانها 15 مليون نسمة، وتقع شمالي الصحراء. كان لإيران على التوالي 14 عاصمة، خلال تاريخها الممتد على ثلاثة آلاف سنة تقريبًا، وكانت دائمًا تقع حول الصحراء التي تتوسط أرض البلاد، وهي: أكبتان، برسيبوليس، سوز، نيسابور، بخارى، شيراز، اصفهان، تبديز، الجدة، قزوين، مشهد واخيرًا طهران.
السكان: يزيد عددهم على 60.1 مليونًا حسب الإحصاء الأخير سنة 1996 بينما كان عددهم 34 مليونًا سنة 1976. ونسبة الشباب بينهم، ما دون سن الثلاثين: 5 أشخاص من ستة من السكان. نصف السكان عمرهم تحت 18 سنة. عدد الأولاد لكل امرأة 3.2، سنة 1995 (مقابل 7.9 سنة 1976). تشجع وسائل منع الحمل منذ 1986. من سنة 1986 حتى 1996 هبطت نسبة الأولاد بين 0 ـ 14 سنة من 45.5% إلى 39.5% من مجموع عدد السكان. يقترب عدد الشباب البالغين من ارتقاء أعلى نسبة؛ في الوقت عينه ارتفعت نسبة الأشخاص من سن 15 ـ 65 سنة من 51.5% إلى 56.1%. ويتوقع خلال الـ 20 سنة القادمة ان يبلغ عدد السكان 120 مليونًا، يعانون مشاكل جسيمة في المأكل وفي المياه، نظرًا لقلة تساقط المطر.
التمدين: 61% سنة 1996 مقابل 33,7% سنة 76 و 49,5% سنة 86. الانتشار في الغرب يقدر بمليونين سنة 98 مقابل مليون واحد سنة 78.
ملاحظة: اكثر الأرقام الواردة مأخوذة عن »أطلس إيران« ب. هوركاد. منشورات روكلو 1998.
2. التنظيم السياسي: جمهورية إسلامية
توزيع السلطات حتى دستور 1988 الذي أعيد النظر فيه:
· ديمقراطية دينية: سن الانتخاب: ابتداء من 16 سنة.
· مرشد (راهبار وويلايتي مطلقي فقيه): تختاره (وربما تقيله) هيئة الحكماء من بين علماء الدين. هو السلطة العليا: قائد القوات المسلمة، وقوات الأمن، يعين وزير العدل؛ يعين المسؤولين عن الإذاعة والتلفزيون، ومختلف الأجهزة الرسمية النافذة.
· لجنة الإشراف: »شريعي نغاهبان«: تتألف من 12 عضوًا: 6 آية الله و6 قضاة: يختارهم المرشد لثماني سنوات. تسهر هذه اللجنة على مشاريع القوانين في البرلمان وعلى قرارات أخرى يجب أن تتوافق مع الإسلام والدستور. وتختار كذلك من بين المرشحين وتراقب الانتخابات.
· لجنة المصالحة »مصلحتي نظام«: يختارها المرشد مجلسًا له. يفصل في النزاعات بين مراكز السلطة الأخرى، وخصوصًا بين البرلمان ولجنة الإشراف.
· رئيس الجمهورية: ينتخب لمدة أربع سنوات في الانتخابات العامة، هو رئيس السلطة التنفيذية، يقدم الوزراء للجمعية من اجل الموافقة.
· الجمعية (المجلس): مؤلفة من 278 نائبًا ينتخبون في الانتخابات العامة لأربع سنوات. ينتخب النواب رئيسهم لمدة سنة. هي السلطة التشريعية، تستطيع الجمعية أن تقيل الوزراء والرئيس.
· شهري شهر: المجلس البلدي، ينتخب لمدة أربع سنوات في انتخابات عامة، ينتخب العمدة ويشرف على عمل كل بلدية.
3. الاقتصاد: حسب معطيات 1997
· الناتج المحلي الخام لكل مواطن 1820$ دولارًا (بالمقارنة في فرنسا 22300).
· التضخم: رسميًا 18% لكنه يقدر بـ 30 ـ 35%.
· معدل الأجر الشهري: 500 فرنك.
· الدين الخارجي: 44 مليار دولار في أيار 95.
· النفط: ثروات نفطية في المرتبة الأولى مع احتياطي مهم: 21000 مليار م3 من الغاز، وهي في المرتبة الثانية عالميًا؛ 12.030 مليون طنًا من البترول: المرتبة الخامسة. الإنتاج: 3.36 مليون برميل/يوم. لكن الاستهلاك الداخلي يصل إلى 1.5 مليون برميل/يوم، وهو استهلاك الصين. وهناك ثروات موعودة ظهرت على أثر الاستثمارات الأخيرة في بحر قزوين وآسيا الوسطى، وهي، من ناحية أخرى، مصدر للتنافس والنزاعات الخطيرة: (راجع خارطة مشاريع أنابيب الزيت التي يعبر أحدها إيران رغم الفيتو الأميركي عليه). مخزون في بحر قزوين يقدر بـ 15 مليار طن، أي ما يعادل احتياطي الكويت، (أو 100 مليار برميل نفط و7.5 مليار من الأمتار المكعبة من الغاز).
كانت ميزانية إيران السابقة تعتمد على سعر برميل النفط الخام البالغ 16 دولارًا. ثم هبط إلى ما دون 12 دولارًا. وهبوط يترجم خسارة تبلغ 800 مليون إلى مليار دولار بالنسبة للبلاد. هذه السنة ستؤلف عائدات النفط 23% من عائدات الدولة مقابل 50% سنة 1996. وفي آذار ارتفع سعر ليتر البنزين من 200 ريال إلى 350 ريالاً، وهذه مقدمة لارتفاع عام في الأسعار.
· الطاقة الذرية: مركز بوشهر هو قيد البناء بالتعاون مع الروس وبمعارضة إسرائيل والولايات المتحدة.
· البطالة: 20% من السكان العاملين. في كانون الثاني 99 اعترف مدير غرفة التجارة في طهران أن 18 إلى 36 مليون إيراني يعيشون تحت مستوى الفقر.
· الأعمال النسائية: 20% من النساء العاملات، وهذه النسبة في ارتفاع.
· التجارة: قطاع الترانزيت يزداد أهمية بين تركيا والعالم العربي من جهة، وبين آسيا الوسطى والهند، من جهة أخرى، بواسطة سكك الحديد التي تتوسع بسرعة (في سنة 1996 نقل مليون طن بالترانزيت إلى آسيا الوسطى بواسطة سكك الحديد و2.5 مليون طن بالشاحنات)، وبواسطة الخطوط البحرية (الخليج) وأنابيب الزيت، وهو مشروع تعارضه الولايات المتحدة، من قزوين إلى الخليج.
4. إيران حاليًا: محطات بالتسلسل الزمني:
1951: تأميم النفط، مصادق رئيسًا للوزراء، فرار الشاه.
1953: أعيد الشاه إلى عرشه بواسطة الجيش ومساعدة الاستخبارات الأميركية.
1962: ثورة بيضاء تعرضت لكثير من الانتقاد.
1971: احتفالات فخمة لمرور 2500 سنة على تأسيس الملكية.
1978: تظاهرات حاشدة ومتكررة ضد الملكية.
1979: خلع الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
4/11/79: احتلال السفارة الأميركية واحتجاز 65 رهينة.
نهاية 79: هجوم الجيوش السوفياتية على افغانستان، حروب، قدوم أكثر من مليوني لاجيء أفغاني إلى إيران.
1980 ـ 1982: الصراع مع أحزاب اليسار التي شاركت في الثورة.
24/4/80: فشل المحاولة الأميركية لإنقاذ الرهائن.
1980 ـ 1988: الحرب بين إيران والعراق: 700.000 قتيل إيراني.
20/8/88: وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.
1989: فتوى الإمام الخميني ضد سلمان رشدي.
3/6/89: موت الإمام الخميني وحلول آية الله خامنئي محله.
1991: انهيار الاتحاد السوفياتي وإستقلال بلاد القوقاز وآسيا الوسطى.
كانون الثاني 1993: »حرب الخليج«، حرب في أرمينيا من أجل قطاع كاراباخ العليا.
1995: تقدم »طالبان« في أفغانستان.
1995: الحصار الأميركي على إيران.
آب 1997: انتخاب خاتمي رئيسًا للجمهورية بأكثرية 72% من الأصوات. صراع بين الأصوليين، أنصار »المرشد« خامنئي، والمعتدلين، اتباع الرئيس خاتمي.
أيلول 98: الدولة تقرر أن إيران لن تساعد المتطرفين الذين يودون قتل سلمان رشدي؛ هذه المسألة تبقى عالقة.
تشرين الأول 1998: انتخاب لجنة الخبراء (خبرغان): لجنة الأشراف (نبغاهبان) ترفض ترشيح 229 مرشحًا متعاطفين مع خاتمي من أصل 396.
شتاء 1998: اغتيال 5 مفكرين وكتاب من أنصار خاتمي، اتهام بعض عناصر إدارة الاستخبارات المتأثرين بالمرشد الخميني عدة جرائد منعت من الصدور.
آذار 1999: انتخاب مجالس محلية: أكثرية ساحقة من أنصار الرئيس خاتمي.
5. إيران: الثقافات والأديان
الاتنيات: (الأعراق)
1. الفرس: 50% من السكان.
2. أتراك أزيريس 20%.
3. أكراد 8%.
4. مختلف 22%: بالوتش، عرب، تركمان، يهود، ومجموعات عرقية صغيرة مسيحية وأرمنية وأشورية كلدانية.
5. لاجئون: مليوني (؟) أفغاني أكثر الأحيان شيعة وناطقون بالفارسية.
اللغة الرسمية:
اللغة الفارسية وهي لغة هندو أوروبية، إذًا لا سامية.
نسبة التعلم: 80% 1996 (مقابل 59% في 1976).
الفارسية في العالم: في إيران وأفغانستان وطاجكستان شعوب يبلغ عددها 93 مليونًا، 50% منهم يتكلمون الفارسية كلغةٍ أم. وهناك أيضًا من يتكلم الفارسية في القوقاز وآسيا الوسطى، في الجمهوريات التي تحررت حديثًا من السيطرة السوفياتية.
توزيع السكان على الأتنيات (الأعراق) (تقديرات 1990 54.700.000).
المجموعة الإيرانية
26.000.000
فرس:

5.500.000
أكراد:


طالشي:

3.000.000
غيانيس:

2.000.000
مازاندارانيس:

900.000
بختيار:

2.400.000
لورس:

1.200.000
بالوتش:

49.100.000
المجموع:

المجموعة التركية
9.500.000
آزيريس:

800.000
تركمان:

10.300.000
المجموع:

1.200.000
العرب:

تقديرات 1990: الشيعة يقاربون 85%. السنة 2% إلى 15% (أكثرية من الأكراد وحتى من البالوتش والتركمان ومدن الخليج) (المصدر: أطلس شعوب الشرق ص: 125).
شرح المخطط رقم 6: «نسبة المسيحيين»
في إحصاء 1956 كانت إيران تضم 18,9 مليونًا من السكان و115000 مسيحي، و65000، و16000 زرداشتي
20.000
61.000
149.000
25,8
1966

21.000
62.000
169.000
33,7
1976

19.000
25.000
98.000
40,5
1986

30.000
12.000
78.000
60,1
1996

وذلك حسب أرقام أطلس إيران ب هوركاد ص: 34 و76).
ملحق رقم 2
هجرة المسيحيين
لقد نبهنا جدول نسبة الأقليات المسيحية في سكان إيران: ففي 20 سنة هبطت النسبة من 0.5% إلى 0.1% وهذا الهبوط السريع عائد إلى نسبة الولادات عند المسيحيين وهي أقل منها عند سواهم، وهو عائد أيضًا إلى الهجرة المتصاعدة جدًا منذ الثورة والحرب. (راجع المخططات رقم 4،5،6).
هذه الهجرة نحو الغرب هي كالوباء الذي يهدد وجود كل كنائس الشرق. وقد انهال بشكل عنيف وواسع على جماعاتنا في إيران. وحركة الهجرة تتابع بلا رحمة، على الأقل، عندما تستطيع العائلات ذلك. وقبل أن أعرض نتائجها وأسبابها، إليكم وصفًا للوضع:
1. إن المؤمنين الآشوريين الكلدان قد غادروا، من قبل، منشأهم التقليدي في القرى المحيطة بأورمياه، خصوصًا إبان المجازر، خلال الحرب العالمية الأولى، وقد كانوا، كما يقول أكثر الكتاب، حوالي 30.000 نسمة عشية هذا النزاع العالمي الأول[1]. فتوجهوا منذ ذلك الحين نحو أوروبا وأميركا، حيث كانوا يحققون الثروات قبل أن يعودوا إلى البلاد، أو على الأقل البعض منهم. أما الآخرون، وهم أكثر عددًا، فقد توجهوا، في إيران، إلى المناطق النفطية والمدن الكبيرة. وبهذه الطريقة تمدنوا أسرع من سواهم من مجموع الشعب الإيراني. أكثرهم قصد طهران، لكنهم لم يتجمعوا في »أحياء مسيحية« مثلما نعرف من المدن الأخرى المنتشرة في الشرق الأوسط. إن هذا التمدن يمثل، بالنسبة إلى الآشوريين الكلدان، وهم أقل عددًا من الأرمن، اقتلاعا مهمًا من الجذور يهدد انتقال لغة الجماعة وتقاليدها الكنسية.
2. فوق ذلك، جعلهم هذا الاقتلاع الأول يعبرون، إذا صح التعبير، من العالم التقليدي القرن أوسطي السائد في القرى، إلى عالم المدن الكبرى الحديث. وما ان يفقدون جذورهم القروية في هذا الانتقال الأول، حتى يتحضرون للهجرة نحو الغرب. وإليكم ما يقول الأب انطوان سوانداغ، وهو سكريتير اللجنة الفرنسية: »عدالة وسلام«: »المدن الكبرى هي أمكنة تتفكك فيها الحضارات التقليدية، أمكنة يتسرب فيها التأثير »الغربي«, فمن غادر قريته ليستقر في المدينة، تلقى صدمة ثقافية عنيفة بحيث يستعد بعدها إلى مغادرة بلاده ليستقر في مدينة كبرى في الغربة«. ويضيف في مكان لاحق لكي يسلط الضوء على آمالنا الوهمية: »إذا قرر بلد ما أن يعطي صورة الدولة الصارمة التي لم تعد تستقبل ـ مثل فرنسا حاليًا ـ فذلك لا يخفض عدد المهاجرين، بل يدفعهم إلى تغيير وجهتهم نحو بلد مجاور«[2]. لكن إحصاء 1996 يظهر إن الإيرانيين يتمدنون بنسبة 60.1%، فترتفع النسبة لدى المسيحيين إلى 99%. إنهم يتلقون إذاً ضربة قاصمة بعبورهم إلى »وعاء الذوبان« هذا، أي المدن الكبيرة الحديثة مثل طهران، حيث التجمع السكاني يبلغ 15 مليون نسمة، وهكذا يفقدون شخصيتهم.
3. أما بالنسبة إلى ضخامة حركة الهجرة هذه، فهي في إرتفاع مستمر، ويصعب إعطاء أرقام عنها. لكن نشرة »عمل الشرق«[3] (Œuvre d'Orient) تحاول شيئًا، واصفة جغرافية هجرة المؤمنين الكلدان، سواء أكانوا عراقيين أم إيرانيين وهم: 85000 في أميركا، 22000 في أوروبا، 1000 في أستراليا، وبضعة آلاف في بلدان الخليج. أما في البلدان التي يعبرونها أو ينتظرون فيها، فقد أحصي 20000 كلداني يبحثون عن بلد يستقبلهم. وهذا الوضع يعود إلى سنة 1992، ولم يتحسن منذ ذلك الوقت، بل بالعكس.
4. لا أملك إحصاءات موثوقة عن أرمن إيران، وهم أكثر عددًا من الآشوريين الكلدان كما رأينا. كنا نأمل حكمًا بأن يتوجه المهاجرون نحو أرمينيا القريبة، والمتحررة من النير السوفياتي منذ 1989. ففي هذه الجمهورية حوالي 4 ملايين نسمة. لكن بين 50.000 و 70.000 أرمني يغادرون بلادهم كل سنة[4]. فإذا كان الوضع كذلك، فإن إخواننا الأرمن الإيرانيين يغادرون، ليس إلى أرمينيا كما كنا نتمنى، إنما إلى الغرب هم أيضًا.
في المنظار الإنساني، ما من مبرر ليتوقف هذا الميل، ولا حتى أن يبطئ، طالما بقي للعائلات قدرة مادية على شراء تأشيرة, إننا إذًا أمام وباء حقيقي يتسارع حتى منذ أن توقفت الحرب، ويتابع تدمير العائلات والنسيج الكنسي في جماعاتنا. الآشوريون الكلدان هم بكل أسف، مثال هذه الهجرة السريعة الواسعة المخيف الذي يهدد كنائس الشرق الأخرى، لأن ما يحصل لنا اليوم، قد يصيب غدًا أقليات أخرى في الشرق هي في طريق الزوال.
إلا أنني علمت من جهات مختلفة ان ظاهرة مماثلة تتسارع بصورة خطيرة في قلب كنائس العراق، التي تمثل بالنسبة إلينا في إيران ما يمثله لبنان بالنسبة إلى كنائس سوريا والأردن. فإذا انكسرت ظهورنا، فماذا سيصيبنا؟ ونتائج هذا النزيف واضحة:
1. النخبة الإنسانية في جماعاتنا تتفرق. بالتأكيد، الأشخاص الأكثر ثراءً وطموحًا وثقافة هم الذين أخذوا المبادرة أولاً في الرحيل، ونجاحهم النسبي يجرّ آخرين وراءهم رغم أنهم أقل استعدادا للمغامرة هذه.
2. فوق ذلك، الشباب هم الذين يغادرون أولاً، خصوصًا الشبان، نتيجة ذلك: تقدم السن في جماعتنا وهذه مسألة جسيمة: إذا رحل الشبان فماذا يحل بالشابات؟ هل يتزوجن مسلمين حكمًا، ويصرن مسلمات كما هي الحال عندنا في حالات من هذا النوع؟
3. لا يستطيع الشبان طبعًا أن يضطلعوا بمسؤولية في كنيستنا، كأن يصيروا كهنة مثلاً، عندما تتنقل عائلاتهم من سفارة إلى قنصلية طلبًا لتأشيرة. وكل ما نسعى إلى بنائه بين شبابنا، يشبه البناء على الرمل: نظرة سريعة على دفاتر أرقام الهاتف المليئة بالأسماء المضروبة تكفي لتشهد بذلك.
4. أما الذين لم يرحلوا، فهناك بينهم من يتعرض لأزمات عاطفية ولردات فعل عرقية لا تمر بدون التأثير في قوة مشاركتنا الكنسية وفي شهادتنا، كل ذلك، بسبب إضعاف جماعتنا وانهيار ماضيها.
5. أخيرًا يمكننا أن نتصور، بلا صعوبة، نتائج هذا الاقتلاع على الذين لديهم بتأثير ذلك على توازنهم العائلي وعلى نقل إيمانهم.
6. يبدو مثاليًا، بكل أسف، التفكير بأن يتمكن مؤمنونا، على غرار ما حدث للمهاجرين الروس بعد الحرب العالمية الأولى، من الاحتفاظ بعادات كنيستنا، وتكييفها مع مجتمعهم الجديد، فهم ينشئون بذلك تنويعًا صحيحًا في قلب كنائس الغرب وحركة مسكونية أكثر عمقًا لديها ترسلها إلى الخارج. لأجل ذلك، على سلطتنا أن ترافق هؤلاء المؤمنين وتشجع هذا التجدد.
ومن بين أسباب هذه الهجرة، نحن نعي الأسباب الإنسانية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية والتاريخية، وهي في أكثرها أسباب لا علاقة لنا بها. ولكن هناك أسباب أخرى ترتبط مباشرة بالإنجيل وبمسؤوليتنا الرعوية:
1. فهل قمنا بكل ما في وسعنا لكي يتم فهم هذه الحالة المتكررة، حالة »الذمي«، كدعوة لعيش الفقر حسب الإنجيل بشكل أحسن: »فلنخرج إلى يسوع المسيح، في خارج المخيم حاملين عاره« (ع 13/13)؟
قديمًا، كانت حالة »الذمية« تجبر مسيحيين كثيرين على تغيير دينهم، لتجنب دفع ضرائب كبيرة، وتلقّي الإهانات المضنية. أما اليوم فالأوضاع تدفعهم إلى ترك كنيستهم ورسالتها، لست أتحمل أعباء الولد ولا أريد الحكم على أحد. لكني أخشى، على الصعيد العالمي، إن تابع مسيحيونا الهرب هكذا، أن يحتلوا مكان أشخاص آخرين قد يضطرون فعلاً في حالة الخطر إلى التفتيش عن مكان آمن آخر واللجوء إليه.
2. وربما هناك دافع آخر إلى الهجرة، هو فقدان الرجاء بمستقبل كنائسنا، المضطرة إلى البقاء على قيد الحياة في عقم روحي ورسولي ظاهر، إذ أن حرية الضمير لا تحترم وكل إمكانية ارتداد باتت مستحيلة. أليس في ذلك دعوة إلى تجديد عميق، خصوصًا التجديد الديري، لأن التاريخ يخبرنا كيف كانت تلك الأديار العديدة مراكز إشعاع ومقاومة أمام كل استيعاب وانحلال؟
3. وأخيرًا ألم نجرّ، نحن أنفسنا، مسيحيينا إلى تجربة الهجرة عندما علّمناهم في مدارسنا، ليس فقط اللغات الأجنبية، وإنما نمط حياة غربيًا وثقافة غربية أيضًا؟
ماذا سيبقى من جماعاتنا بعد سنوات، إذا استمر هذا النمط؟ ذخيرة باقية صغيرة دون شك، مؤلفة ممن لا يستطيعون الرحيل بسبب التقدم في السن، أو الفقر أو بسبب عاهة ما. وربما أيضًا بعض »المسيحيين الفرس« الذين لا عائلة له في الخارج، أو الذين اضطروا إلى قطع روابطهم العائلية. إني أرفض التشاؤم بالتأكيد. لكن ألم يقل لي أحد المسؤولين المطلعين جدًا إنه لم يبق في تركيا اليوم سوى 50 كلدانيًا فقط؟ »إذا لم نبن سدًّا أمام هذه الموجة، فالحضور المسيحي الأصلي في الشرق لن يتعدى في يوم من الأيام الذخائر والأبنية التذكارية« هذه النبوءة الحالكة التي يذكرها إيلي اسطا[5] لا تصدر عني، إنما عن كل رؤساء كنائس الشرق الذين إجتمعوا في قبرص، سنة 1990. ومنذ ذلك التاريخ، إقتربنا بشكل ملحوظ من تحقق تلك النبوءة، على الأقل في إيران. غير أني لا أهتم بالآثار. حتى ولو كانت تذكيرًا بماضٍ مجيد! لكني أهتم كثيرًا بالذين يبقون رغم كل شيء ومن أجل كل شيء، والبلاد الذين يستمرون في العيش فيها.
من الواضح، ربما، أننا نمر أكثر من غيرنا في فترة منفى. هل نحن في صدد أن نصير »بقية صغيرة أمينة« تنبثق منها الحياة من أجل عالمنا؟ لا أملك ان أؤكد ذلك، بل ان آمل به وأن أعمل لكي تثمر التجربة بفضل الروح القدس وإخلاص الجميع. لأننا إذا لم نصر تلك البذرة المقدسة بالتجربة، فلسنا،كما يقول علماء الإجتماع، سوى أقلية صغيرة في طور الزوال. رغم ذلك، فنحن مرسلون في خدمة حضارة قديمة جدًا، غنية بالقيم الإنسانية والدينية، في عز تطورها.
على أي حال، لا أرى ان هذا البلد، مثل سواه، يستطيع ان يأمل بأية فائدة من زوال كل أمل مسيحي.

--------------------------------------------------------------------------------
[1]. موضوع عالجته جامعة السوربون الجديدة. باريس III سنة 1998 فلورنس هيلو بيليي: »تاريخ المجازر المعلنة«: الأشوريون الكلدان في فارس، فارس والقوى الأوروبية 1896 ـ 1919 ص. 35.
[2]. »الهجران والتوسع« أنطوان سونداغ في »دفتر للإيمان اليوم«، 19/5/93، ص 25.
[3]. راجع »عمل الشرق« باريس، نيسان وحزيران 1993.
[4]. »البريد الدولي« رقم 328، 19/2/97 »إلى أين تهربون، أيها الأخوة الأرمن؟« فاليري آيدينيان مجلة »اوبشتشايا غازيتا«.
[5]. هجرة مسيحيي الشرق الكثيفة »دراسات« تموز، آب 1990 ص 160.

fouadzadieke
05-06-2007, 11:32 PM
جزيل الشكر لك يا دكتور فيليب على نقلك لهذه المحاضرة القيّمة لنا فكثيرون منّا لا يعرفون الكثير عن الكنائس في إيران و لا كيف تعيش في ظلّ حكم آيات الله الخمينية. معلومات مفيدة و غنية في هذه المحاضرة.