fouadzadieke
11-10-2005, 07:23 PM
"أن تولد فقيراً ليس ذنبك! لكن أن تتزوّج فقيراً فهذا ذنبك!"
لكلّ شعب من شعوب العالم أمثاله التي يعتزّ بها ويعمل على أنها مجموعة نظم غير قانونية تعدل ميزان العلاقات الإنسانية وتسير بها ضمن سلوكية تفرض أدبيّة التعامل مع هذه الأمثال على أنها خلاصة أفكار هذا الشعب وحكمته التي استطاع أن يصوغها من خلال ممارسة وتجارب أخفقت حيناً ونجحت حيناً آخر!
وتعتبر هذه الأمثال شبه محطّات في حياة هذه الشعوب وهي تختلف في تنوّعها وفي أغراض استخداماتها وكذلك في تبلور مفهومها السائد. وكما لدينا في العالم العربي أمثلة كثيرة تناولت جوانب مختلفة من حياة العرب وعاداتهم والمعارف التي اكتسبوها خلال مسيرة حياتهم فكذلك للشعوب الأخرى ومنها الشعب الألماني أمثال كثيرة تناولت عدة جوانب من الحياة بالنقد والتوجيه والتقييم أو تعرّضت إليها بأسلوب ساخر لم يخل من روح النكتة والفكاهة والمرح.
إن أغلب الأمثال الألمانية - كما عند بقيّة الشعوب الأخرى - تأتي لتعبّر عن حكمة أو مغزى أو تحمل في مضمونها توجّها تربوياً أو تأديبيّاً أو تشير إلى واجب الإلتزام بهدف أخلاقي معيّن وربّما للتحذير من مغبّة الوقوع في مشكل أو مأزق أو إشكال! وقد تسعى من خلال هذا التنوير المجّاني إلى تدارك صعوبات الحياة وتوفير السبل الكفيلة التي تعين على التعامل مع هذه المواقف أو تؤدي إلى تحذير من مغبّة الوقوع فيها قبل أن تحصل الكارثة ويقع المرء في يمّ طيشه أو عدم وعيه للمخاطر التي ترافق هذا التصرّف أو تعقبه.
لقد لفت انتباهي اليوم ومن خلال حديث تبادلته مع زميلي الألماني في العمل وحيث صدف أن كانت الفكرة موضوع النقاش هي "الفقر" فضرب هذا المثل على سبيل النكتة والمثل الألماني يقول:"wenn du zur Welt arm kommst ist nicht deine Schuld, aber wenn du arm heiratest ist " deiene Schuld
وهو يؤكد من خلال قوله على أن روحية العمل به كمضمون ونصّ إنما سليمة! ومنْ لا يسعى إلى العمل بما يدعو إليه هذا المثل فهو شخص جاهل وقد تفوته أمور هامة في الحياة وقد يفوّت على نفسه فرصة كسب حقيقيّة من جرّاء إغفاله لهذه النصيحة التي رآها محاوري صحيحة مع ما فيها من روح الدعابة والمزاح!
من المؤكد أن مشكلة الفقر أزلية وجدت مع الإنسان الأول وقد يكون الفقر وراثياً لكن كثيراً من الناس استطاعوا بعصاميّة وجدّ وتعب أن ينتقلوا من حالة الفقر إلى حالى أخرى كأن أصبحوا أغنياء أو تجاوزوا حدود الغنى العاديّ كذلك! وهناك بالطبع أمثلة كثيرة في التاريخ البشري على أناس استطاعوا أن يحدثوا نقلات هائلة في حياتهم المادية فهم انتقلوا من حالة العدم إلى ما فوق الريح كما نقول في عاميّتنا!
ربّما يكون الفقر أحياناً نعمة للإنسان والغنى نقمة عليه! فالفقير يعيش وهو لا يحمل أكثر من غمّ معيشته اليوميّة فيما يعيش الغني جحيم أفكار وتصورات وتهيؤات كثيرة كأن يفكر في كيفية زيادة ثروته فيغرق فكره ويحرق نفسه وجهد في السبل التي تعينه على تحقيق ذلك! أو يخشى من محاولات ابتزاز أو عمليات خطف تطاله أو أحد أفراد أسرته للمطالبة بفدية أو غيره وهذا ما يجعله يعيش حالة أرق دائم وخوف من السطو أو التعدّي عليه أو قتله وكم من فقراء عاشوا ويعيشون مرتاحي الفكر والبال فهم لا يفكرون في غيرهم كيف يعيشون؟ ولا ماذا يملكون؟.
بالعودة إلى المثل أعلاه فإن النصّ الذي يتضمنه هو عبارة عن حكمة وإرشاد وتوعية ودعوة إلى الفرد ليعي أمور دنياه ويسعى إلى ما فيه نفعه والإبتعاد عمّا يتعبه أو يؤذيه! لكن من المؤكد القول أن أشياء كثيرة فرضت على الإنسان دون رغبة منه أو اختياركالدين مثلا فهو لم يختر دينه بملء إرادته وحسن إدراكه وبمنطق عقله والوضع الماديّ فهو ولد فقيراً أو غنياً وهو أيضاً لا إرادة له في هذا! والانتماء الجنسي كأن يكون ذكراً أو أنثى والانتشار السكّاني كأن يكون أفريقياً أسود البشرة أو أوروبياً أشقر الجلد!
بقدر ما يحمل الشطر الأول من المثل من جوانب الحكمة والتعقّل والفهم كأن يبرّر الانسان ساحة مسؤوليته من ظروف الفقرالتي يعاني منها ولم تتوفّر له الظروف الكفيلة بتخلّصه منه في التغلّب على هذا الفقر واجتثاثه من عالم حياته! فإن الشطر الثاني من المثل يدعو إلى روح الانتهازية واللاعقلانية أو هو يدعو إلى وجوب نهج سلوك غير أخلاقي أو معقول وهو سلوك ملتو لا يدعو إلى سواء السبيل بل إلى إعوجاج فكري ومنهجي في مسعى إلى تغيير الواقع المادي. فأن يلد المرء فقيراً ليس له ذنب فيه أما أن يتزوج فقيرا! أي ألا يسعى إلى الزواج من فتاة غنيّة تنقذه من فقره وتوفّر له سبل العيش الرغيد فهنا يلام الإنسان لأنه (على قول المثل) لم يحسن التصرّف!
إن روح التذبذب وتفضيل المصلحة الذاتية على أية مصلحة أخرى هو ما يدعو إليه الشطر الثاني من هذا المثل وهو يبيح أن يتزوّج الرجل امرأة غنيّة ولا يهمّ لو كانت قبيحة أو غير خلوقة أو غير واعية أو الخ... إذاً الغنى جاء في المقام الأول وفاق جميع المقامات الأخرى والتي هي بكل تأكيد الأهم والأجدر بالانتباه في حال اختيار شريكة الحياة.
على العموم فإن هذا المثل يحمل الكثير من روح الدعابة والنكتة الموفقة! وقد يفهم العكس من ذلك أيضاً في ألا ينغرّ الرجل ويقع في فخّ زواج كهذا! ومتى تزوج الرجل وعاش فقيراً بعد زواجه ضرب به المثل وله. لكن لا يجوز تعميم هذا الرأي أو القول, ومع ذلك فإن أغلب الشباب يهمّهم في الوقت الحاضر أن يتزوجوا الصبية أو الفتاة الغنية التي توفّر لهم المال إلى جانب المتعة ناسين أنه قد يعيش بسبب مثل هذا الزواج تعاسة أبدية وتكون حياته مثل جهنّم الحمراء فلا تكون له كلمة ولا يعتدّ برأيه ويمكن من هنا أيضاً أخذ العظة من هذا المثل على أنه ليس سليماً وصحيحاً في كلّ مرّة وهو يحمل كما أسلفنا الكثير من التعقّل والحكمة والإرشاد في عملية فهمه سلباً أو إيجاباً.
فؤاد
ألمانيا في 11/10/2005 م
لكلّ شعب من شعوب العالم أمثاله التي يعتزّ بها ويعمل على أنها مجموعة نظم غير قانونية تعدل ميزان العلاقات الإنسانية وتسير بها ضمن سلوكية تفرض أدبيّة التعامل مع هذه الأمثال على أنها خلاصة أفكار هذا الشعب وحكمته التي استطاع أن يصوغها من خلال ممارسة وتجارب أخفقت حيناً ونجحت حيناً آخر!
وتعتبر هذه الأمثال شبه محطّات في حياة هذه الشعوب وهي تختلف في تنوّعها وفي أغراض استخداماتها وكذلك في تبلور مفهومها السائد. وكما لدينا في العالم العربي أمثلة كثيرة تناولت جوانب مختلفة من حياة العرب وعاداتهم والمعارف التي اكتسبوها خلال مسيرة حياتهم فكذلك للشعوب الأخرى ومنها الشعب الألماني أمثال كثيرة تناولت عدة جوانب من الحياة بالنقد والتوجيه والتقييم أو تعرّضت إليها بأسلوب ساخر لم يخل من روح النكتة والفكاهة والمرح.
إن أغلب الأمثال الألمانية - كما عند بقيّة الشعوب الأخرى - تأتي لتعبّر عن حكمة أو مغزى أو تحمل في مضمونها توجّها تربوياً أو تأديبيّاً أو تشير إلى واجب الإلتزام بهدف أخلاقي معيّن وربّما للتحذير من مغبّة الوقوع في مشكل أو مأزق أو إشكال! وقد تسعى من خلال هذا التنوير المجّاني إلى تدارك صعوبات الحياة وتوفير السبل الكفيلة التي تعين على التعامل مع هذه المواقف أو تؤدي إلى تحذير من مغبّة الوقوع فيها قبل أن تحصل الكارثة ويقع المرء في يمّ طيشه أو عدم وعيه للمخاطر التي ترافق هذا التصرّف أو تعقبه.
لقد لفت انتباهي اليوم ومن خلال حديث تبادلته مع زميلي الألماني في العمل وحيث صدف أن كانت الفكرة موضوع النقاش هي "الفقر" فضرب هذا المثل على سبيل النكتة والمثل الألماني يقول:"wenn du zur Welt arm kommst ist nicht deine Schuld, aber wenn du arm heiratest ist " deiene Schuld
وهو يؤكد من خلال قوله على أن روحية العمل به كمضمون ونصّ إنما سليمة! ومنْ لا يسعى إلى العمل بما يدعو إليه هذا المثل فهو شخص جاهل وقد تفوته أمور هامة في الحياة وقد يفوّت على نفسه فرصة كسب حقيقيّة من جرّاء إغفاله لهذه النصيحة التي رآها محاوري صحيحة مع ما فيها من روح الدعابة والمزاح!
من المؤكد أن مشكلة الفقر أزلية وجدت مع الإنسان الأول وقد يكون الفقر وراثياً لكن كثيراً من الناس استطاعوا بعصاميّة وجدّ وتعب أن ينتقلوا من حالة الفقر إلى حالى أخرى كأن أصبحوا أغنياء أو تجاوزوا حدود الغنى العاديّ كذلك! وهناك بالطبع أمثلة كثيرة في التاريخ البشري على أناس استطاعوا أن يحدثوا نقلات هائلة في حياتهم المادية فهم انتقلوا من حالة العدم إلى ما فوق الريح كما نقول في عاميّتنا!
ربّما يكون الفقر أحياناً نعمة للإنسان والغنى نقمة عليه! فالفقير يعيش وهو لا يحمل أكثر من غمّ معيشته اليوميّة فيما يعيش الغني جحيم أفكار وتصورات وتهيؤات كثيرة كأن يفكر في كيفية زيادة ثروته فيغرق فكره ويحرق نفسه وجهد في السبل التي تعينه على تحقيق ذلك! أو يخشى من محاولات ابتزاز أو عمليات خطف تطاله أو أحد أفراد أسرته للمطالبة بفدية أو غيره وهذا ما يجعله يعيش حالة أرق دائم وخوف من السطو أو التعدّي عليه أو قتله وكم من فقراء عاشوا ويعيشون مرتاحي الفكر والبال فهم لا يفكرون في غيرهم كيف يعيشون؟ ولا ماذا يملكون؟.
بالعودة إلى المثل أعلاه فإن النصّ الذي يتضمنه هو عبارة عن حكمة وإرشاد وتوعية ودعوة إلى الفرد ليعي أمور دنياه ويسعى إلى ما فيه نفعه والإبتعاد عمّا يتعبه أو يؤذيه! لكن من المؤكد القول أن أشياء كثيرة فرضت على الإنسان دون رغبة منه أو اختياركالدين مثلا فهو لم يختر دينه بملء إرادته وحسن إدراكه وبمنطق عقله والوضع الماديّ فهو ولد فقيراً أو غنياً وهو أيضاً لا إرادة له في هذا! والانتماء الجنسي كأن يكون ذكراً أو أنثى والانتشار السكّاني كأن يكون أفريقياً أسود البشرة أو أوروبياً أشقر الجلد!
بقدر ما يحمل الشطر الأول من المثل من جوانب الحكمة والتعقّل والفهم كأن يبرّر الانسان ساحة مسؤوليته من ظروف الفقرالتي يعاني منها ولم تتوفّر له الظروف الكفيلة بتخلّصه منه في التغلّب على هذا الفقر واجتثاثه من عالم حياته! فإن الشطر الثاني من المثل يدعو إلى روح الانتهازية واللاعقلانية أو هو يدعو إلى وجوب نهج سلوك غير أخلاقي أو معقول وهو سلوك ملتو لا يدعو إلى سواء السبيل بل إلى إعوجاج فكري ومنهجي في مسعى إلى تغيير الواقع المادي. فأن يلد المرء فقيراً ليس له ذنب فيه أما أن يتزوج فقيرا! أي ألا يسعى إلى الزواج من فتاة غنيّة تنقذه من فقره وتوفّر له سبل العيش الرغيد فهنا يلام الإنسان لأنه (على قول المثل) لم يحسن التصرّف!
إن روح التذبذب وتفضيل المصلحة الذاتية على أية مصلحة أخرى هو ما يدعو إليه الشطر الثاني من هذا المثل وهو يبيح أن يتزوّج الرجل امرأة غنيّة ولا يهمّ لو كانت قبيحة أو غير خلوقة أو غير واعية أو الخ... إذاً الغنى جاء في المقام الأول وفاق جميع المقامات الأخرى والتي هي بكل تأكيد الأهم والأجدر بالانتباه في حال اختيار شريكة الحياة.
على العموم فإن هذا المثل يحمل الكثير من روح الدعابة والنكتة الموفقة! وقد يفهم العكس من ذلك أيضاً في ألا ينغرّ الرجل ويقع في فخّ زواج كهذا! ومتى تزوج الرجل وعاش فقيراً بعد زواجه ضرب به المثل وله. لكن لا يجوز تعميم هذا الرأي أو القول, ومع ذلك فإن أغلب الشباب يهمّهم في الوقت الحاضر أن يتزوجوا الصبية أو الفتاة الغنية التي توفّر لهم المال إلى جانب المتعة ناسين أنه قد يعيش بسبب مثل هذا الزواج تعاسة أبدية وتكون حياته مثل جهنّم الحمراء فلا تكون له كلمة ولا يعتدّ برأيه ويمكن من هنا أيضاً أخذ العظة من هذا المثل على أنه ليس سليماً وصحيحاً في كلّ مرّة وهو يحمل كما أسلفنا الكثير من التعقّل والحكمة والإرشاد في عملية فهمه سلباً أو إيجاباً.
فؤاد
ألمانيا في 11/10/2005 م