المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منْ المسؤول عن الإرهاب؟


fouadzadieke
08-07-2005, 10:58 PM
مَنِ المسؤول عن الإرهاب؟



أظنّ جازماً أنه لا يصحّ بحالٍ من الأحوال أنْ يطلق المرءُ أحكاماً عامةً مجرّدة ويعمّم الاتهامات موزّعاً إياها كما يحلو له ليلصقها بهذا الدين أو ذاك، وأستطيع التأكيد وبوعي تامّ أنّ جميع الأديان –على اختلافها- تدعو إلى المحبّة والتسامح والتآخي وأنه لا يجوز ولا يصحّ أن نفتّق عبقريات الاتهام ونفتح أبواب الأحكام بشكل عشوائي ينال من حرمة معتقدات الآخرين لنصبّ عليهم جام غضبنا ونقمتنا لكون أشخاص من هذا الدين أو ذاك هم الذين قاموا بمثل هذه الأعمال الإرهابية أو مارسوا العنف بأشكاله المختلفة (وما أكثره).

إن هذه الممارسات غير السويّة التي يقوم بها أشخاصٌ لاعتبارات معيّنة سواء كانتْ دينيّة أو سياسيّة أو غيرها، لا يعقلْ أن نفكّر يوماً من الأيام بأن الدين الفلاني يدعو إليها أو يشجع على ارتكابها، وخاصة متى أقررنا بالإجماع بأنها سلوك شاذ وغير سويّ، إذ لا يمكنْ أنْ يدعو إلى ذلك دينُ أيّ دين فجميعُ الأديان تدعو إلى الرحمة والتراحم والأمثلة المتمثلة في معظم هذه الأديان تؤكد هذه المقولة وتدحض فكرة أن يتمّ لصق الإرهاب كعمل إجراميّ وغير مستحبّ بأيّ من أديان العالم، هناك في الحياة تطرّف نقولُ نعم، ويأتي هذا التطرّف من خلفيات كثيرة ويحصل لأسباب عدّة.

لقد وجد العنفُ مع الإنسان منذ نشأته وحيث لم تكن ديانات ولا من يحزنون، كما شهد العالم قبل فترة ظهور الديانات وشيوعها وتحكمها بمصائر المجتمعات لمدد طال أمده قروناً، حروباً طاحنة واقتتالا ودماراً، ومتى ارتأتْ فئةٌ من الناس أو شخصٌ ما أو مجموعةٌ بشرية تؤمن بمعتقد ما أو تدين بدين ما أن تمارس قوة قهرها وسلطتها الغاشمة وتأثيرها المفسد في إرهاب الآخرين لتحطيمهم وإزالتهم -لأنهم أصلا لا يؤمنون بالحوار ولا يقبلون بالتعاطي مع الآخر- فإنما هذه حالات لا تعبّر إلا عن توجهات أصحابها وعفونة أفكارهم وأمراضهم النفسية التي يعانون منها وليس من المعقول أنْ يصار إلى نسبها إلى الديانات التي ينتمي إليها هؤلاء.

توجد في الحياة مظاهر عنف مختلفة وأسباب هذا العنف تختلف هي الأخرى من مكان إلى آخر ومن فئة إلى أخرى ومن توجه إلى آخر، فالحروب التي دارتْ رحاها طويلا في إيرلندة بين البروتستانت والكاثوليك والحروب التي دامتْ ثلاثين عاماً وسميتْ بهذه التسمية في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت والفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية والاقتتال في السودان والمذابح اليومية في الجزائر وعمليات الإجرام والتخريب في اليمن والحرب في الشيشان وفلسطين ولبنان وحروب الخليج المتعددة، والحرب الدائرة في إقليم الباسك في إسبانيا والحربان الكونيتان الأولى والثانية و إبادة الأقليّات في مواضع عدّة والوضع في دارفور وحرب العراق وفي زوايا أخرى من هذا الكون المنغمس في أزلية من العنف والعنف المضادّ، هلْ يمكنْ اعتبار جميع هذه الحروب والصراعات أنها نشأتْ بسبب الانتماء الديني؟ هل يجوز القول أن الدين (أي دين) يحلّل مثل هذه الدعوات ويحرّض عليها؟ لا أظنّ ذلك فالأسباب الاقتصادية والركض وراء الهيمنة الدولية والمصالح الاستراتيجية هي التي تقف وراء مثل هذه الحروب والتناحرات البشرية فيتآكل البشر و يقتتلون جرياً خلف مثل هذه الأوهام التي لا نهاية لها!

إن مثل هذه الممارسات تسيء إلى الجميع وتجرف إلى أتونها البريء والمذنب دون استثناء وهو نتاج طبيعي للقهر والظلم والتعسف واغتصاب الحق وانتهاك الحرمات والتلاعب بمصير الشعوب المغلوبة على أمرها، الشعوب المقهورة التي تعيش تحت وطأة هذه المعاناة اللاانسانيّة وهي كردّ فعل قد تقع من جديد ضحية لتعسف وقهر وإرهاب من نوع جديد وهو ما يحصلُ في هذه الأيام، لكنْ لا أرى مبرراً لموجهة العنف بعنف آخر مضاد ولا الجبروت العاتي بجبروت تدمير النفس البشرية تحت أي مسوّغ أو مبرّر أو دعوى، فالإنسان مخلوق حرّ وكريم مقدّس الوجود لأنه جزء من أجزاء الروح الإلهية.

إذا أقررنا وسلّمنا بجدلية أن الدين اليهودي دينٌ متسامحٌ والدين المسيحيّ دينُ المحبّة والدينُ الإسلاميّ دينُ السلام وكذلك البوذية والهندوسية، فأين المشكل؟ أين موضع الخطر من هذه الديانات؟ وهل ممارسة الأشخاص وأهواؤهم يجب أن تحسب على الدين ثم يتمّ تقييم الدين من بعد ذلك؟ هراءٌ أحمقٌ وتفكيرٌ مشوّهٌ ومعتوه يلزم له تقييم وتنقية وهداية! إن موضع الخطورة الحقيقي يكمن في تسييس الدين وهو ما عانت منه أوروبا طويلا، فالأديان هي مجموعة قيم أخلاقية وحين يساء استخدامها لآغراض تتنافى مع روح الدين تصبح خطراً، وللعنف برأينا إلى جانب أسبابه الدينية أيضاً أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، ومتى سعى المرء إلى البحث عن سبل للجمع والتقارب والتآخي أزال هذا الهاجس ولم يترك له مبرراً لحصوله، وسعى إلى إزالة غبن هذه الفوارق الاجتماعية كان أكثر قرباً إلى الأمن والأمان.

يتوهّم مَنْ يعتقد بأن العنف مهما يكن نوعه- سواء بالقوة الغاشمة المسيطرة والراغبة في تدمير ما لا يخدم مصالحها ويحقق لها أرباحها وهي تستميت من أجل التدمير لبناء يكون من نوع آخر وفق ما رسم له وخطط- ولا أعتقد إلا أن هذا العنف يبدأ منْ داخل الإنسان أولا ومنْ ثمّ من فكره الذي يخطط لتحويله إلى ممارسة فعلية بواسطة الفعل وهو الخاضع لإرادة اتخاذ القرار والتنفيذ، ولو استطاع الإنسان أنْ يحجم عن أذية أخيه الإنسان ، ولو تمكن الإنسان من الكفّ عن الخداع والكذب والأنانية والحقد والكراهية وتسلّح بالمحبة والتسامح والفضيلة والخلق الحسن الذي يدعو إليه الدين لكان للإنسان صورة أكثر إشراقاً.

إذاً علينا بالبدء بأنفسنا أولا، كلّ منّا يلزم أن يقوم بثورة تغيرية وجذرية لكل أنماط السلوك السائد وخاصة المغلوط منها والمسيء، وأنْ يلغي جميع ما ترسّب في مجموع خلقيّاته وممارساته ومفاهيمه وتوجهاته ليدرك أنه ليس بامكانه أبداً أن يعيش بمعزل عن أخيه الآخر وحتى لو لم يشاركه المعتقد والدين فهناك رابط أشمل وأوسع هو الرابط الإنساني غير المجزأ والموحّد لكل عناصر الخير في النفس البشرية، وهذه هي سنّة الحياة الاجتماعية فالإنسان بفطرته وتكوينه اجتماعي أليف متضامن متحابّ ومتى غلب عليه الجانب الحيواني المقرف وهو الجزء الآخر من تكوين شخصيته تحوّل إلى مجرم وقاتل وسارق وإرهابيّ وقلْ ما تشاء!

خلاصة القول: إن الأديان بريئة من كل عنف يقترفه البشر وغير مسؤولة عن أي إرهاب وقهر وظلم يقع على أحد، لكنْ دعنا نفكّر ونحلّل على الرغم من عدم تبحرّنا في هذا وهو لا يحتاج ذلك فالأمر أكثر من بديهيّ وهو أنّ الرأسمالية بمورّثاتها التكنولوجية المعصوبة العينين- كي لا ترى مظالم هذا العالم- هي مولّده الأساس ومحرّضه الأوحد، فدعوا الأديان بعيداً عن تخرّصاتكم و تجنيّاتكم وابحثوا عمّنْ هو السبب في ذلك ومنْ هو المسؤول عن إرهاب النفس والجسد معاً!