كيف وصل الثالوث إلى العبادة الوثنية

[الأب القس ميخائيل يعقوب]

كيف وصل الثالوث إلى العبادة الوثنية ؟

العبادة الوثنية بالتعريف المختصر هي عبادة أي شيء إلا الله . فهي تعتمد بالدرجة الأولى على عبادة المخلوق دون الخالق وعلى عبادة آلهة من إبداع مخيلة البشر . وقد كان لكل شعب في مكان مختلف على سطح الأرض آلهته التي كان يعبدها . وإن العبادة الوثنية هي عبادة فاسدة لأنها صناعة شيطانية .
وتجدر الإشارة بعد هذا التعريف إلى أن شعوب الأرض قاطبة كان موطنها الأصلي هو بلادنا بلاد ما بين النهرين ، انطلقت منها إلى كل الجهات ( راجع تك11: 1- 9 )
وبالنسبة إلى الثالوث نقول : إن العبادة المسيحية تتجه إلى الله المثلث الأقانيم ( الآب والابن والروح القدس ) فإن الله كيانٌ شامل الآب فيه هو الذات الإلهية ، والإبن هو عقل الله الناطق بالكلمة ، والروح القدس هو روح الحياة الإلهي في الكيان الإلهي الشامل ، وإن كل أقنوم حيث له خاصية في كيان الله الشامل لذا فهو يأخذ اسم الله بحسب صفته الأقنومية . وبالطبع لن نتطرق إلى الصفات الأقنومية لكل من الثالوث الأقدس الإلهي لأن هذا ليس هو موضوع حديثنا ، إنما سوف أتكلم بإيجاز عن مسألةٍ لفتت انتباهي لدى قراءتي لكتاب ( عالم الأديان ) للكاتب فوزي محمد حميد ، وهذه المسألة هي وجود الثالوث في معظم العبادات الوثنية ، ونعطي أمثلة :
1- كان المصريون القدماء يقدسون الثالوث المكوّن من آلهتهم الوثنية التالية :
- أوزيريس وكانوا يسمونه بإله القيامة .
- إيزيس وكانت زوجة أوزيريس وكانوا يسمونها بإلهة الشمس .
- حورس وكان إبناً لهما وكانوا يسمونه بإله الروح .
2- لدى السومريين كان هناك الثالوث المكون من ( نمو , آن . إنكي ) ثم تطور إلى أن تزوج آن من إنكي وأنجبا إنليل .
3- عند البابليين ظهر في البدء الثالوث المكون من :
- أبسو وكانوا يلقبونه بإله الماء العذب .
- تهامة زوجة أبسو وكانوا يلقبونها بإلهة الماء المالح .
- حمو . وكانوا يلقبونه بإله الأمواج
4- بعض القبائل الأسترالية كان لديها الثالوث المكوّن من :
- بايام . وبحسب ظنهم كان يقيم في السماء وأولاده إثنان هما ( الشمس والقمر )
5- هناك قبائل تدعى قبائل الكولين كان لديهم الثالوث التالي ( بوندجيل وابنه بيبال وابنته كراكروك )
وكثيرة هي الأمثلة . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يقول : من أين جاء هذا الثالوث إلى العبادة الوثنية وخاصة إن الأمثلة التي ضرباناها هي عن شعوب متباعدة في المكان ؟
الجواب : لابد من اعتماد التحليل المنطقي في هذا الأمر ذلك أن سبباً بعينه لوجود الثالوث في العبادة الوثنية لا يوجد .
وإن التحليل المنطقي يرجع بنا إلى البداية حينما خلق الله الإنسان إذ نجد أن الله قبل أن يخلق الإنسان قال : نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا ( تك1: 26 ) . وبعد أن سقط الإنسان قال الله : هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا ( تك3: 23 ) .
فإن الملاحظ هو أن الله تكلم عن نفسه بصيغة الجمع ( نخلق أي نحن نخلق ... صورتنا ... شبهنا ) أي أن الله تبارك اسمه أشار في هذا القول إلى وجود الجمع في كيانه الإلهي وهذا الجمع هو الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس . ثم أكد ذلك في القول الثاني : هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا . وكان الإنسان يسمع ذلك من الله . ومن ناحية ثانية علم الإنسان بأنه كان مصوراً في الذات الإلهية ( الآب ) وإن الكلمة الإلهية ( الابن ) ترجمه إلى واقع إذ خلقه . وإن روح الله ( الروح القدس ) منحه نسمة الحياة وذلك لأن الإنسان قبل أن يسقط كان في انسجام تامٍ مع مجد الله ، وإن من يكون بانسجام تامٍ مع مجد الله فإنه يعلم خفاياً لا يعلمها آخر غيره . قال صاحب المزامير ( المعلم الإنسان معرفة مز94: 10 ) . وقال صاحب الأمثال : بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهمٌ ( أم9: 10 ) .
إذاً منذ البدء كان الإنسان يعلم بوجود الثالوث الأقدس في كيان الله الشامل وخاصة أن وجه الشبه الرئيس بين الإنسان والله هو الثالوث . فكما أن الله كيان شاملٌ هكذا الإنسان كيان شامل لنفسه ومثلما أن الله له ذات إلهية وعقل إلهي ناطق بالكلمة وروح الحياة الإلهي الذي هو الروح القدس هكذا الإنسان له ذات إنسانية وله عقل ناطق بالكلمة وله روحٌ وهو يعلم منذ البدء بهذا الشبه .
وحينما ابتدأ الإنسان الأول يتكاثر ونسله أيضاً وتعاقبت الأجيال إلى أو وصلت إلى نوح ثم ابتدأت بداية جديدة من نوح وأولاده في سهل شنعار صارت هذا الفكرة عن ثالوث الله القدوس تنتقل معهم من جيل إلى جيل ذلك إن ثقافة البشر وذاكرتهم التاريخية والتراثية في القديم السحيق كانت تنتقل مع الأجيال انتقالاً ذهنياً ، وحينما بددهم الله من هناك إلى كل جهات الأرض بعد أن بلبل ألسنتهم فإنهم انتقلوا إلى الجهات المختلفة وفي ذاكرتهم فكرة الثالوث . وإذ أن الأجيال حينما تتعاقب دون أن يكون لديها ما هو مكتوب فإن ما هو متناقل ذهنياً تتعلق به أساطير ومفاهيم أخرى مع المحافظة على الفكرة الأساسية ، وهذا ما حصل لفكرة الثالوث الإلهي فهي انتقلت من جيل إلى جيل عبر الذاكرة البشرية ولكن صارت لها صوراً ومفاهيم أبعدتها عن صورتها الحقيقية صورة الله الآب والابن والروح القدس وعن المفهوم الحقيقي بأن الثالوث الإلهي الأقدس هو الله الحقيقي خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا ير وأن العبادة لا تحقّ إلا له . وإذ إن الإنسان لا يستطيع أن يظلّ بدون إله يعبده لذا فإنه قام بإيجاد آلهة من بنات أفكاره ومن الموجودات الكونية وصاغها بصيغة ثالوث وصار يعبدها .
والحمد كل الحمد . والشكر كل الشكر على أننا نعبد الثالوث الحقيقي الله الآب والابن والروح القدس . الذي أن الأقنوم الثاني فيه تجسد بقوته الإلهية القادرة على كل شيء من القديسة الطاهرة مريم . وأنه صلب على خشبة الصليب عوضاً عنّا وخلصنا من الطبيعة الفاسدة مانحاً إيانا طبيعة جديدة مشاركةً لطبيعته الإلهية حلى حد قول الرسول بطرس : لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية ( 2بط1: 4 ) . والمجد للآب والابن والروح القدس إله واحد آميــن .

[فريدة زاديكه]

بارخمور أبونا !!!أستهل ردي بالشكر لله العلي العظيم *
والشكر كل الشكر على أننا نعبد الثالوث الحقيقي الله الآب والابن والروح القدس .
جزيل الشكر لموضوعك القيم ومنه عرفنا كيفية وصول الثالوث إلى العبادة الوثنية ومعنى الثالوث لديهم *
تقبل تحياتي وفائق إحترامي وبارخمور أبونا القس ميخائيل *