Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > شعر - قصة- نثر- مقالة الخ للأعضاء والمنقول

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2015, 02:57 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,842
افتراضي فهيم أبو ركن : أضواء على شعر حنا أبي حنا

فهيم أبو ركن : أضواء على شعر حنا أبي حنا



2009-05-2 07:10:57




بين أيادينا ديوان لا يمكن أن نعطيه حقه في
مقال واحد أو أمسية واحدة أو حتى في عدة أمسيات، ذلك لاتساع دائرة القضايا التي يعالجها أو يضمها، ولتعدد الأساليب التي يتبعها،



فهيم أبو ركن
وكثرة الزوايا التي يمكن أن نلقي الضوء من خلالها، ووفرة المميزات التي يلفت إليها.
بداية أريد أن أنوه بأن جوهر النقد الأدبي يقوم أولا على الكشف عن جوانب النضج الفني في النتاج الأدبي، وتمييزها مما سواها، عن طريق الشرح والتعليل، ثم يأتي بعد ذلك الحكم عليها، فلا قيمة للحكم على العمل الأدبي وحده، وإن صيغ في عبارات طلية طالما كانت تتردد محفوظة في تاريخ فكرنا النقدي القديم.
وكما قال الدكتور محمد غنيمي هلال: "قد يخطئ الناقد في الحكم ولكنه ينجح في ذكر مبررات وتعليلات تضفي على نقده قيمة، فيسمى ناقدا، بل قد يكون مع ذلك من كبار النقاد كما حدث للناقد العالمي سانت بوف1 في نقده لبعض معاصريه، على حين لا نعتبر من يصدر الأحكام على العمل الأدبي دون تبرير فني – ناقدا – وإن أصاب! إذ أنه حينئذ يشبه الساعة الخربة، تكون أضبط الساعات في وقت من الأوقات، ولكن لا يلبث أن يكتشف زيفها في لحظات.
( النقد الأدبي الحديث. د. محمد غنيمي هلال، القاهرة: (نهضة مصر – القاهرة) د.ت. ص 9.
في هذه المداخلة سألقي بعض الضوء على طريقة التعبير لشاعرنا حنا أبي حنا، حيث تظهر الرقة الدقة والعمق، في الصور الشعرية التي تعبر عن إحساس عارم بما يحيط بالشاعر، وانسجام متكامل مع الطبيعة كتلاحم طبيعي غير مصطنع، يعتمد على تفاصيل صغيرة لا يلتقطها إلا فنان بارع يرسم المشاعر بالكلمات ويصور الأفكار بالحروف.
وفي بداية الإبحار في خضم هذا الكتاب أحب الإلماع إلى نقطة هامة وهي إن شاعرنا لم يستسلم لإغراء الإطالة والتدفق، حين لا حاجة لها، فنجد العديد من قصائده قصيرة تنتهي عندما تستوفي الفكرة والحالة، بينما نجد الكثير من الشعراء يمطون قصائدهم دون حاجة، ليس إلا لاعتقادهم الخاطئ أن القصيدة الطويلة تشير إلى مقدرة الشاعر وقوته!
ولنأخذ مثلا هذه الصورة من قصيدة "حضور"، ص14 حين يقول: حضورك نبع الذهول
لم يأت هذا الوصف صدفة فقط كصورة مستحدثة، إنما تستتر فيه خبرة وتجربة ومهنية، فالذهول حالة نفسية تنجم عن حدث مفاجئ، والذهول لا يدوم طويلا بل تخف درجته مع مرور الوقت. وهكذا حضورها، لقد وصف الشاعر حضورها بالذهول وأضاف إليه النبع الذي ينبجس متفجرا في بدايته، ولكن انحداره وانسيابه يخفان مع مرور الوقت وقطع المسافة ليستقر في انسياب هادئ. لقد مزج الشاعر المعنيين في صورة متناسقة، إذ شحن الحضور بهذه المشاعر الجياشة التي تؤثر فيه لتجعل مسامات جسمه حدائق من نار، وهذا طبعا تعبير عن قمة الانفعال والحساسية.
ثم ينتقل الشاعر ليوظف الطبيعة في صوره الشعرية، فيشبه القلب بغابة أو كرم أو حديقة، فيها العصافير على الأشجار تغني فرحة، وفي خضم هذا الفرح تولد مشاعر عميقة وتساؤلات فلسفية، فيقول: لماذا يطوق وجهك مرآة روحي؟ لماذا أرى عبر عينيك أنت الوجود؟
إنها صور كبيرة رسمت بأحرف صغيرة، ونثرت هنا وهناك في النص كلمسات ريشة فنان تشير إلى نضوج التجربة، فالصورة هي الوسيلة الفنية الجوهرية لنقل التجربة، وفي الشعر البرهانية العقلية تضعف الصورة، لأن الاحتجاج أقرب إلى التجريد من التصوير الحسي، الذي هو من طبيعة الشعر.
ولنعد إلى قوله: لماذا أرى عَبْرَ عينيك أنت الوجود.
لم يضع الشاعر هنا أية علامة ترقيم، وبهذا فتح أمامنا أكثر من قراءة لهذه الصورة التساؤلية، إذ يمكننا أن نقرأها بوضع فاصلة بعد كلمة الضمير المنفصل أنت، فتكون القراءة: (لماذا أرى عبر عينيك أنت، الوجود؟) وأنت هنا تكون توكيدا لضمير المخاطب الكاف المضاف إليه، والوجود يكون مفعولا به معمولا لأرى، يراه الشاعر من خلال عينيها. بينما يمكن أن نقرأها بوضع فاصلة بعد عينيك، لتصبح القراءة على هذا النحو: (لماذا أرى عبر عينيك، أنت الوجود؟) وهنا "أنت الوجود جملة اسمية في محل نصب مفعول به لفعل أرى، وهكذا يختلف المعنى ليصبح أن الشاعر يرى عبر عينيها أنها هي الوجود.
ولننتقل إلى صورة أخرى حيث يقول: فأنت التي تسكرين الكؤوس\ وأنت التي تكسرين القدح! أولا نلاحظ الاستخدام الجميل للتجنيس الحرفي في كلمتي تسكرين وتكسرين، ثم من ناحية بناء الصورة، وموافقة الشكل للمعنى، أتبع الشاعر حالة السكر بالكؤوس التي تحمل ميزة الامتداد تعبيرا عن حالة السكر، بينما جاء بالقدح في الشق الثاني من الصورة، هذه الكلمة القصيرة التي تخلو من حروف المد توافقا مع فعل الكسر الحاد.
وفي وصفه للعطش الروحي جاء شاعرنا أبو الأمين بصورة مبتكرة حين قال: على شفتيّ \ تُحَلق فوق مروج اللهيب \ ظباءُ الظما (ص16)
فنحن نعرف أن الظباءَ لا تحلق، وهنا استعارة جميلة لأن الظباء تجرنا إلى معاني الصحراء، وميزة الصحراء الظمأ، فكيف إذا سارت فوق اللهيب؟ لا يمكن أن تصمد فيجب أن تقفز إذن فوقه حتى التحليق!
لنأخذ قصيدة "خارطة الجنة"! كيف يرى شاعرنا الجنة؟ في هذه القصيدة، يوظف الأعضاء الأنثوية غريزية الدلالة في بداية الصورة – النهدين، الردفين – ثم ينتقل إلى الأعضاء روحانية الدلالة - الجفنين – ليصل في النهاية إلى مفاجأة القارئ بالاستنتاج الذي يريده، أو نقطة التنوير إذا اقتبسنا قواعد القصة القصيرة.
إذا فالجنة لديه هذا المزيج من جمال الروح والجسد في تناغم جميل، وقد حصرها في النهاية في عبارة "ما بين القرطين" وما بين القرطين هو الوجه، والوجه يتمتع بأشرف مرتبة في جسم الإنسان، ففي القرآن الكريم، يقول الله تعالى" { فأَقِمْ وَجْهَكَ للدين حَنيفًا }
أما المعاني المادية والروحانية فقد اهتم بها القدماء أيضا، وفي هذا المعنى تحضرني قصة عتب الخليفة عبد الملك بن مروان على عبيد الله بن قيس الرُّقَيَّات حيث مدحه قائلا:
يَأتلق التاج فوق مَفرِقه على جبين كأنه الذهب
بينما مدح مصعب بن الزبير قائلا:
إنما مصعبٌ شهابٌ من الله تجلت عن وجهه الظلماءُ
فوجه عتب عبد الملك: إنما هو من أجل أن هذا المادح عدل به عن الفضائل النفسية، ودخل في جملته إلى ما يليق بأوصاف الجسم في البهاء والزينة. بينما أعطى شاعرنا مكانة للمعنيين وأهمية للمزج بين الروح والجسد. (نقد الشعر. لأبي فرج قدامة بن جعفر: تحقيق كمال مصطفى: حلوان القاهرة 1962، ص 189.)
ولنأخذ مثلا آخر قصيدة "دعيني" ص19.
في هذه القصيدة يريد أن يعرف مكانته لدى الحبيبة، إنه يستعمل تعبير "خارطة العمر" والخارطة هي عبارة عن مجموعة مواقع، والعمر رحلة لتحديده يجب تعريف مواقعه، وهنا يأتي التساؤل صائبا بعد أن يمهد له بأجواء تراثية "كالفتح في فنجان القهوة، وقراءة الأبراج، كل ذلك أوجزه الشاعر في خمسة اسطر يقول فيها:
" دعيني
أُقلّبُ فنجان قهوتك العنبري
أقرأ أبراج عينيك
أنظر في راحتي راحتيك:
هل موقعي
في خريطة عمرك؟
إن بعض القصائد تصور لنا حالات نفسية، أجاد شاعرنا بسبكها في قوالب إيحائية انفعالية وكنموذج أسوق قصيدة "وراء الباب" ص 145.
لاحظوا معي كيف بدأ الشاعر بالنفي شكلا ومعنى، فقد استعمل كلمة "ينفي" واستعمل حرف لا ثم جعل العتمة مفعولا به مقدما، لأنها أساس الصورة إذ لا نستطيع أن نستغني عنها، بينما يمكن أن نستغني عن "القمر" "بالنجم" مثلا.
بعدها يبدأ المقطع الثاني بنفي أيضا حين يقول: " ليس وراء الباب" سوى العتمة، هنا ينتقل التركيز على من هو وراء الباب لذلك أعطاه شرف الصدارة، وفي المقطع الثالث يأتينا بالحل أو بالجواب، حين يجتاز عالم المدركات والمتخيلات ليقرر أن الموعود بفيء الجنة سيبقى خلف الباب، محترقا بجحيم الشوق.
وإذا تجاوزنا هنا التحليل الصوري والتعبيري، نجد عمقا فكريا ورؤيا فلسفية لما يمكن أن يعرف بالإيمان أو السعادة الأبدية المتمثلة بالجنة الموعودة.
شاعرنا في قصائده يجعلنا نشاركه أحاسيسه ويعيشنا حالته، ويحرك أفكارنا بموضوعاته، لأنه استطاع أن ينسج صورة شعرية بأدوات أصيلة، ومعرفة وإدراك عميقين لرسالة الشعر، وبخبرة ساعدته على خلق الجو الملائم للفكرة أو الحالة التي يعبر عنها، موظفا في ذلك العبارة الصائبة. ففي كل صور القصيدة، الحالة اللغوية وسيلة وليست غاية، فالحرف جزء من الفكرة والكلمة وشاح لها، ترتقي عن التقريرية لتبقي في النفس هذه النكهة الساحرة نكهة الشعر الأصيل.

__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:51 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke