Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف > قصة

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-08-2008, 11:24 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي حيصة وسلال العنب

حيصة وسلال العنب

قصّة قصيرة

كان لنا أيام زمان، حمارة تعرج قليلاً، اشتراها والدي بعشرة ليرات سوريّة من أحد الفلاحين الوافدين من القرى المجاورة لديريك، فيما كان والدي يتفاوض على سعرها مع صاحبها،نظر إليها وإذ (بصمّكتها) حافرها الأيسر طويل إلى حدٍّ ما، لهذا حسم صاحبها لنا من قيمتها، كانت تعرج لأن حافرها ما كان يساعدها على الارتكاز على الأرض بشكل جيّد، هزَّ والدي رأسه متمتماً، عندها مشكلة في "صمّكتها" لكنّي سأحلُّ هذه المشكلة أفضل من أن أشتري حمارة بعشرين ليرة.
حالما أصبحت ملكنا، خطَّطَ الوالد في اليوم الثاني أن يلملم عدّته التي يحتاجها كييبدأً بحفِّ نهايات حافرها، يقصّه ويبرده على مراحل بهدوء غير مسبوق في عالمِ الفلاحين، كنتُ أنظر إلى والدي من بعيد، كم كان شغوفاً في قصِّ حافرها بشكل دقيق، وكلّما كان يجد له وقتاً كان يحفُّه برغبة متواصلة، كأنه يكتب أبهى ما لديه من نفائس الأدب، جميلٌ أن يكون الإنسان مخلصاً، وفيَّاً مع أهدافه وعوالمه.

الآن! عندما أتذكّره وأتذكّر هذه الأحداث والمواقف بكلِّ تفاصيلها، أهمس في سرّي قائلاً، يبدو أنَّ هذه الطَّاقات الصَّابرية والتحمُّلية استمدَّيتها من ذلكَ الوالد الذي كان هادئاً وصبوراً وقادراً على الوصول إلى أهدافه من خلال صبره واستمراريته الدَّؤوبة في العمل، وبعد فترة أصبحت حمارتنا تسير من دون أن تعرج، فجمعنا والدي في حوشنا الكبير في بيتنا العتيق، وقال لنا اليوم سأطلق اِسماً على حمارتنا.
نظرتُ إليه قائلاً: ماذا ستسمِّيها يا بابا؟
سأطلق عليها إسم "حيصة".
وماذا تقصد بهذا الاِسم، وهل له معنى ما لديكَ؟
ضحك والدي وبدأ يسخر منّي، قائلاً أنا أدخلتكَ في المدارس كي تتعلَّم شيئاً ما وتفيدنا به، لا أن تسألني عن معنى حيصة؟!
يا بابا أنا الآن في الصف الأول وهذه الكلمة جديدة علي، فنوّرنا أنتَ ما تعنيه بـ "حيصتكَ؟!
ضحك وقال، حيصة يا ابني تعني سريعة مثل الحصاية، أي كالحصى.
لكنَّها ليست سريعة مثل الحصاية.
بالنسبة لي هي مثل الحصاية فهي أسرع منّي ومنكَ ومن اِخوتكَ ومن نساء ورجال الحيِّ وهي محمَّلة بأربعةِ سلالٍ من العنب!
نظرتُ إلى والدي مندهشاً لأفكاره، وطريقة تحليله، أتذكَّر جيّداً أنَّني كنتُ أركب على حمارتنا عندما كنّا نذهب إلى كرمنا وعندما كنّا نعود، ما كان والدي يسمح لي أن أركب عليها، لأنها كانت محمّلة بسلال العنب، فكنتُ أقول له، لماذا يا بابا لا تسمح لي أن أركب عليها؟ فكان يجيبني: خطيّة، الدّابة حيوان الله، تتعب هي أيضاً، فأربعة سلال عنب وأنتَ لو ركبتَ عليها، سيصبح حملها ثقيلاً، ثم أنّكَ تستطيع أن تمشي أكثر منّا، فلماذا لا تمشي وتتركها مرتاحة في حملها؟!

أتساءل، كم من السِّلال حملت حيصتنا على امتداد سنوات وسنوات، وكم من الخدمات الجانبية، وما كانت تتأفَّف أبداً، تكتفي بقليل من العشب والعلف، بينما الآن أجد قادة العصر، بعض قياديي القرن الحادي والعشرين يهطلون وابل سمومهم على البلاد والعباد، ولا يقلقون على موت آلاف الرائعين والرَّائعات في هذا الكون الفسيح، أنا متأكِّد أن حمارتنا حيصة ذات الحافر المتطاول قدَّمت خدمات لنا، للإنسان أكثر ممّا يقدِّمه هؤلاء القادة، سخفاء آخر زمن! ماذا تفيدني تقنياتهم وتكنولوجياتهم وعلومهم وطائراتهم طالما يهطلون سمومهم على أطفال وكهول وشيوخ بلدان مشتعلة بالنّار، دون أن يرمش لهم جفن؟! أنا أرى أن حيصة، نعم حيصة أفضل منهم ومن كلّ مَنْ يفكِّر بهذا الشَّكل الوحشي الأهوج، أراهم متعطِّشين للدم بشكلٍ مخيف، وكأنّهم من فصائل وحوشِ البراري!

ستوكهولم: 7 . 8 . 2006
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke