Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2007, 06:48 PM
hasaleem hasaleem غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: لبنان, بغلبك, النبي رشادي
المشاركات: 102
افتراضي رشادي النبي

رشادي النبي

بقلم
حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس
HASALEEM
الوقت طال كثيرا في هذا الليل, قضيت جزئا من هزيعه الأول, أتقلب ذات اليمين وذات اليسار, رغم تعبي الجسدي وإرهاقي العقلي وإحباطي النفسي, ورغم كل أوجاعي وآلامي التي هدت جسمي وحولته رميما, لم تغمض لي عين ولم يرف لي جفن... لست أدري ماذا يحرض جوارحي, ويثير أعصابي ويلهب شغافي, على رفض فعل الهدأة والسكينة في جوف هذا الليل... حاولت القراءة فلم أفهم شيئا مما قرأت ولم أستوعب, حاولت الكتابة فعجزت عن البوح بحرف رغم سهولته, وشعرت باليراع قد جف في قلبه المداد رفضا, خرجت إلى الطريق فإزددت إرباكا على إرباكاتي, جلست كعادتي على مقعد حجري, تحت شجرة التوت المعمرة, أمامي المنزل الذي أقطن, فما شعرت إلا بالحرج والضيق والكوابيس تفترسني, وقعت في حيرة من أمري من حيث لا أدري, فماذا دهاني من وساوس في هذا الليل, وماذا يشغل عقلي الباطني من أفكار, دون أن أعي ماذا يحدث في خفايا أعماقي؟؟؟!!!...

الساعة الزمنية مالت عن منتصف الليل, لتعلن تباشير قدوم يوم جديد, ومن حيث لا أدري إرتديت ما تيسر لي من ملابسي, ونسيت تسوية شعر رأسي المنفوش كالعهن, وكأن مظهري يوحي للمشاهد بالجنون, وحملت قلمي وأوراقي ونظاراتي وهاتفي الشخصي الجوال, وأخذت زجاجة من المياه البارد وكوبي الخاص, ولم أنس سبحتي التي تأبى إلا مرافقتي أينما توجهت, وتأبطت آلة التصوير الرقمية وعدستها المقربة, وبطارية إضافية مشحونة, وبطاقتين ممغنطتين لحفظ الصور الرقمية, وحليت في نفسي السيجارة رغم أني لست من نافثي السواجروالتدخين, وإمتطيت سيارتي الصغيرة, حاشرا جسدي في المقعد الجلدي أمام إكليل التحكم بالعجلة, أدرتها, ويممت وجهي حيث يطيب لمزاجيتي المتقلبة التوجه, ورحت أجوب الشوارع بعد الشوارع, ألتف في الدروب والطرقات, أرود الأزقة والزواريب, أطوي المسافات تلو المسافات, بين الوهاد والجبال والسفوح, أميل مع المنعطفات وأنا أزيد من السرعة, على نور ساطع ينبعث من ضوئي سيارتي الغازيين, في جوف ظلمة حالكة, لا أرى فيها سوى بعض النجوم السواطع, في تشكيلات من الكوكبات الليلية, التي قاربت أن تودع السماء, مع إقتراب الفجر الصادق, وقدوم تباشير أشعة الشمس مع الصباح... وكأنني في سباق مع الوقت, للوصول إلى المستقر فأنا على موعد مع شروق نجمة الصبح, في الأفق الشرقي من بلادي, مبشرة بطلوع الشمس...

لاحت لي تباشير الفجر, وأنا واقف عند باب مقام نبي الله رشادي, الكائن في قرية النبي رشادي البقاعية, إلى الغرب من مدينة الشمس بعلبك, عند نهايات جبل صنين المطل على القرية مكللا ببعض الثلوج... لقد كنت محظوظا جدا, فأبواب المقام ما زالت مفتوحة على مصراعيها, أو ربما فتحت قبل وصولي بقليل, ترقبا لقدوم زوار, أو تخاطر بقدومي زائرا إلى المقام... فتوضأت على عجل بماء قراح بارد, تمهيدا لدخول في قيامة صلاة الصبح, مترقبا رفع الآذان, وولجت الصرح المضاء, المتألق بمجموعة من نقاط الضوء الكهربائية التي تزداد تألقا في فضاءات صرح المقام, فوق ضريح من الرخام الأبيض الناصع, الذي تنعكس عليه الأضواء, لترسم لواحات من الخشوع في أرجاء الصرح المبارك, مشكلة جمالية من نوع آخر, في تجريديات لونية, تنعكس من الرخام إلى القبة, المتعامدة مع الضريح, الممتدة فوق السطح, تعانق النجوم ليلا, وتدق أبواب السماء نهار, وإلى جانبها المئذنة الممتدة طولا عاموديا, تحمل مكبرات الصوت, لتنشر الآذان لأبعد مسافة في كل الإتجاهات, بحيث تغطي أرجاء القرية مع خوافق الرياح اللطيفة الهبوب, تحديا للغربي من هوج الرياح...

دخلت الصرح من الباب الحديدي الرئيسي المطلي بالأسود, إلى الرواق الموصل للباب الحديدي المزجج الخاص بالصرح, بعد أن خلعت حذائي الجلدي في الخارج, ووضعته على مرأى من مرمى نظري, أحرسه خوفا من إفتقاده عند غفلة عيني بلا إنتباه, فأنا لي تجارب عديدة, مع فقدان الأحذية في زيارات المقامات, خاصة عندما تعج بالزوار, وكم عانيت من العودة بلا حذاء, أضحك من غباء نفسي على طيبة نفسي... رفع الآذان في المسجد المحاذي لصرح المقام, فصليت قربة لله ركعتي زيارة, وإنتحيت جانب المقام أتفكر في الرفات في قلب الضريح تحت التراب, وأنظر بعيني الصغيرتين جدا, في كل جهات الصرح متفحصا... وأرقب السماء من نافذة مواجهة لي, أنتظر شروق نجمة الصبح الفلكية, التي تحيي في نفسي ذكرى نجمة الصبح القدرية, التي أحببتها وعشقتها من حيث لا أدري, وغدت ملهمتي في بوح كلماتي وكتاباتي, وشاء القدر لها أن تبتعد عني, تجاوبا مع طبيعة أعمالها في بلاد الله عند الخليج الحر... وأعود لأركز بصري مجددا, على بلاطات المقام الرخامية, أسترق النظر في خلسة المترقب, داخل القفص المزجج, بزجاج رمادي اللون, وكأنني أنتظر رفات النبي رشادي, ترتعش بالروح من أمر الله تعالى, وتكتسي مجددا بلباس نسيج الجسم, وينتفض القلب عازفا سيمفونية الحياة, يضخ الدماء والحرارة في الشرايين, ويتحرك اللسان كارزا بالحكمة والموعظة الحسنة والهداية لرب السماء, وتخرج الجثة حية من جديد, من حفرة القبر, لتجلس فوق البلاط الرخامي, تحدثني بما لديها من الأسرار, وتستمع لي بوحي, في غفلة من فضول عيون الناس, التي بدأت تتوافد لزيارة المقام, تتبارك في الصباحات من رمي نظرة الخشوع للضريح, أحتراما وحبا وتقديرا وقربة لله...

ما زلت في هجعتي الساكنة, عند طرف الضريح النبوي لجهة الغرب, أسند ظهري لوسادة من ديثار مشغول من شعر الماعز, الموضب لحزم من القش المجدول, وأنا مفترش سجادة من الصوف المشغول في بلدة الفاكهة البقاعية, الواقعة شمال مدينة الشمس بعلبك, ميمما وجهي لجهة الشرق, أمتع نظري بمشهديات نجمة الصبح, ترسل أشعتها الوامضة في البعد لتضيء وجهي, وكأنها عرفت بسوء حالي تخاطرا, وأني أتيت زائرا في مقام رشادي النبي, فأشرقت قبل الموعد, ووقفت في الفضاء الصباحي, ساكنة لفترة طويلة دون حراك, توميء إلي في وميض سيالات أشعتها, المنسابة إلي على صهوات ثنايا الأثير, وأنا أبحر في ضوئها المنعكس على صفحة وجهها, من نور الشمس الذهبي قبل الشروق, أرى صورة حبيبتي القدرية, لوحة شفقية الإحمرار, تتشكل من سيالات نورها المنساب في البعد, توحي لي بغمز عينيها المشرقتين فوق ثغرها الباسم, من الكتابات والخواطر, ما لم يتهادى إلي من قبل على صهوات التخاطر في الخيال...

ما زلت في غيبوبة السكينة, تسيطر على جوارحي هدأة الخشوع, في فضاءات روحانية المقام, أرقب الأضواء تشع في رحاب المقام, وقد بدأت أشعة الشمس, تتسلل من خلال فتحات النوافذ, إلى الداخل من خلال زجاج النوافذ المتشحة بأطياف الألوان, حيث يحس الزائر, بأن كل البهو يشرق بأشعة الشمس, ومما يزيد في روحانية الموقع, القبة التي تعلوه, ذات النوافذ الكثيرة الملونة, والتي أيضا تعكس أشعة الشمس إلى الداخل, بحيث تتساقط عامودية على بلاطات المقام الرخامي الأبيض, مما يزيد في جمالية المظهر, الذي يحيط به سوار من الزجاج الملون, ضمن إطارات من المعدن الناعم, ذات اللون الأسود, وحول المقام, مجموعات من السجاجيد الصوفية الملونة, ذات الصناعات المختلفة, تشغل كل المساحات المحيطة بالمقام, وفي زاوية من زوايا الصرح, بعض الفرش على شاكلة مقاعد من القماش الملون, محشوة ببعض من صوف الضأن, وعدد من متكآت مساند الظهر, تستند إلى زاوية الجنوب الشرقي من باحة المقام, يقابلها مكتبة صغيرة, تحتوي بعض نسخ المصاحف, وبعض كتب الأدعية, وعددا من اللوحات الدينية, ولوحة دعاء خاص بسيرة النبي رشادي, تتلى كلماتها بصوت خافت من قبل بعض الزوار, ويصر آخرون على الجهر في الدعاء... وأنا تأخذني الغيبوبة جنونا في هدأة الجوارح, وكأن سكينة رفات الضريح أثرت في نفسي, فكبوت على رخام الضريح شاخرا, تراودني الرؤى في تخاطر الأحلام, أناجي الله من قبة المقام, أخاطر حبيبتي في بعدها النائي مغمض العينين, فتنكشف سوءات النفس, لتتطهر في إرتمائي فوق الضريح من قداسة المقام...

مقام رشادي النبي, قائم في وسط البلدة, تحيط به البيوت والمنازل من كل الجهات, وتطل قبته ومئذنته إلى مساحة واسعة, تحتضن في ترابها رفات الأموات, من أهالي القرية, وفي رواقه باحة أخرى تضم بعض الرفات, ومئذنة الصرح ممتدة تشق فجاجات السماء, ترقب الأرض الممتدة شرقا وشمالا, ملكيتها تعود وقفا لمقام النبي, إنتهك حرمتها زورا وبهتانا قوم لا وجدان لهم, ولعب البعض فعل اللصوصية في إمتلاك بعض المساحات, وإنتهبوا الخيرات الموسمية آخرون على ذمة الإجتهادات, وجردوا النبي من ممتلكاته, فهل هناك كفرا أشد من هذا الكفر؟!, وتتالى الضربات ولا من منتبه للأمر؟؟؟!!!...

كتبت مساء هذا اليوم الإثنين الواقع في 05 / 11 / 2007 في مدينة بيروت من وحي زيارة ليلية لمقام نبي الله رشادي
__________________
حسين أحمد سليم آل الحاج يونس
hasaleem
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:16 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke