Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 02-07-2006, 10:56 PM
سليم سليم غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 70
افتراضي الأختلاف في الرأي 000000

تحية لأبناء المهجر الأبرار 000 في البدء أحترم وأقدر عاليا كلّ ردٍ من قبل الأعزاء في بلاد المهجر على الموقع المحترم ( فؤاد زاديكي ) ردا على خاطرة كتبتها في 12/ 5/ 1995 علماً أن ما جاء فيها غير موجه لأحد وعلى الرغم من ذلك فأنا أتحمل وتوضيحا لبعض الأفكار مثل ( العمل غير المحبذ ) أقصد منه المقارنة بين ما كان يقوم به الشخص هنا وما قام به هناك من عمل كما أني أتقبل كل نقد مفيد وبناء وموضوعي كما جاء في ردودكم تحياتي لكم جميعاً
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02-07-2006, 11:01 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,908
افتراضي

أشكر روحك الكبيرة كما أشكر جميع الأخوة المتحاورين وأشد على أياديكم جميعا لما فيه المزيد من المحبة. والنقد كما تفضلت يا أخي سليم كان عاما كما أن جميع الآراء عبرت عن ظروفها التي تعيشها وعما تتعامل معه يوميا في بلاد المهجر والغربة. إني مسرور لروح التعاطي السليمة مع الموضوع من قبل الجميع ودمتم جميعا بكل خير ودائما على الأخوة والمحبة نلتقي بارك الرب فيكم جميعا يا إخوتي وأحبتي.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 03-07-2006, 12:01 PM
سليم سليم غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 70
افتراضي

بدون مجاملات و لا أحلى و لا أجمل من المشاركين بالحوار و أرجو التواصل مهما كانت الظروف التي تحيط بنا أو تحاك لنا فالحوار أقوى من كل الصعاب ان وجدت و ان شاء الله سوف لن تجد بيننا مكاناً لأن ما يربطنا أمتن من كل الصعاب 000 مبسوط لأن المقالة حققت الهدف ألا و هو التواصل و ابداء الرأي الذي احترم و أجل 000 و شكراً

التعديل الأخير تم بواسطة سليم ; 03-07-2006 الساعة 12:03 PM
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 28-07-2006, 10:21 PM
توما بيطار توما بيطار غير متواجد حالياً
Power-User
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
المشاركات: 153
افتراضي غريب

قبل أيّ شئ أريد أن أسلّم عليك سلاماً ملؤه الشوق لك ولكل الأحباء.
غريب هذا الرأي يا أستاذ سليم ، وأظنك تعرفنا كشخص ممن وجهت اليهم عباراتك ، مع تقبلنا لاعتذاراتك المسبقه، وأقول أننا معروفون بالوطنية وحب الأرض والعرض، ولا أحد يعشق سوريا مثلنا ، ولم نتركها من أجل البحث عن المال ، ولكن تركناها للبحث عن راحة البال ، وكن مطمئن نحن نعيش بكامل الكرامة وليس حولنا فسق أو مجون وبالحقيقة في بلدنا كان يوجد كما يوجد هنا ، فالذي يبحث عن المجون هنا يراه والذي لايبحث لا يراه كما في البلد تماماً، والذي يبحث عن الكنيسة لايرى غير الكنيسه، وأنا مستغرب من رأيك ، أم هناك أناس ينتظرون للتصفيق ، غريب!

مع حبي الكبير
توما بيطار

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 29-07-2006 الساعة 04:56 PM
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 30-07-2006, 06:42 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

الأستاذ العزيز سليم غريب

تحية يا صديقي
بادئ ذي بدء هذه التي سمَّيتها خاطرة غير مناسبة للنشر لأنها تؤذي عن قصد أو غير قصد مشاعر مئات بل آلاف المهاجرين والمغتربين الذين يكنّون كل المحبة والتواصل الحميم لأوطانهم ومساقط رؤوسهم، ربّما أكثر بكثير ممن هم في أوطانهم، لأن الغربة والحنين يشدّهم إلى مرابع الطفولة والصبا، ناهيك عن أن أسباب الهجرة والاغتراب عديدة ولا حصر لها، فكما أن هناك الكثير ممن هاجر من دنيا الشرق إلى عالم الغرب واسكندنافية وأوربا، هناك الكثير الكثير من السويد وأوربا يهاجرون إلى بلدان أخرى طلباً لمزيد من الهدوء والاستقرار وتحسين سبل العيش، أو طلباً لتغيير الأجواء والى آخر ما هنالك من الأسباب ..
أعود وأتوقَّف عند بعض تصوُّراتكَ حول الأسباب التي دفعت بعض المهاجرين للهجرة وقلت:
يا لطموحه الجشع في بعض الأحيان!
صديقي، الطموح لا يدرج في سياق الجشاعة! الطموح حق شرعي ومنطقي لدى بني البشر كل البشر، وكل من ليس له طموحاً لتحسين أوضاعه على أي صعيد يرغبها ويتمنَّاها ويراها مناسبة هو إنسان جامد وخمول وغير متجدِّد وغير حضاري وغير تطوري وغير منطقي وغير عملي!
لم تتقاذفه أمواج الطمع نحو بلاد الغربة بل جذبته أمواج العيش الكريم والحضارة المتقدمة وكرامة الانسان وحرية الحياة إلى أوج ما يطمح إليه!
ولم يذهب المغترب كما تظن إلى حيث الترف والبذخ والمجون! فالترف والبذخ والمجون موجود في بلاد الكون وإنّما ذهب إلى حيث المستقبل الكريم والحرية المفتوحة على شهقة الشمس، وإلى الهدوء والاستقرار، وإلى تحقيق مستقبل أفضل لأبنائه وحياته على كافة الأصعدة!
الطريف بالأمر أنكَ أشرتَ إلى مسألة العمل، والأطرف من هذا قولكَ: أنه أي المغترب بدون عمل في أكثر الأحيان! هل تعلم يا صديقي أن اللاعمل له هنا، له حياة كريمة وضمان اجتماعي وطبابة ومستقبل أكثر من الذين يعملون في كل بلدان العالم الثالث بدون اسثناء خاصة ذوي الدخل المحدود وهو محدود جدّاً، وإلا كيف يتوافد مئات العائلات في فترات عطلتهم الصيفية من بلاد الاغتراب حاملين معهم آلاف المؤلفة من الكرونات والدولارات والفرنكات السويسرية واليوروات والعملات الصعبة وهي أكبر دخل ومردود سياحي للوطن الأم؟! هل هبطت عليهم من السماء؟! ان هذه الأموال هي حق من حقوقهم وهي إحدى نتاجات عيشهم الكريم والرفاهية التي لا يمكن أن تتحقق حتى في أحلام الإنسان في دنيا العالم الثالث!
أيُّ عملٍ محبّذ أو غير محبّذ تتحدَّث عنه؟!
صديقي، العمل مقدس، أي عمل يكون، ثم أن الذين لا يعملون وعاطلين عن العمل يعيشون في بحبوحة فكيف الذين يعملون إضافة إلى أن الذين يجتهدون وأغلبهم يجتهدون خاصة الجيل الجديد فبكل بساطة ممكن أن يحققوا حضوراَ يرفع الرأس إلى أن يصل إلى مرحلة وزير دولة أو أكثر كما حقق أحد المغتربين وهو ابراهيم بيلان وزيرا للتربية والشباب على مستوى السويد، فنحن لسنا في وارد المقارنة ما بين السويد والعالم الثالث ولا بين أوربا والعالم الثالث، ببساطة المقارنة غير واردة إطلاقاً، لأن الفارق بين بلدان أوربا والعالم الثالث هي قرون من الزمان من حيث ما يتم تحقيقه للإنسان على كافة الاصعدة من دون أي استثناء! فمثلاً المواطن العاجز، المقعد في السويد يكلف الدولة السويدية أرقاما خيالية ما بين خمسين إلى مائة ألف كرون سويدي شهرياً وأحياناً أكثر، وهذا الرقم لا يُقدَّم إلى مائة عاجز ومقعد في العالم الثالث وأسمح لي أن أقول أن دول الكثير من بلدان العالم الثالث تحتاج إلى قرون كي تفهم معنى الإنسان والحياة والعيش الكريم!
وتضيف مندهشاً غريب أمرهم وعجيب تصرفهم! وأنا بدوري أندهش على إندهاشكِ! وإلا لماذا لدى أغلبيّة أصدقائي وأحبائي في دنيا الوطن بما فيهم أسرتي وأقربائي الاستعداد أن يخصصوا ويرصدوا الأخضر واليابس وما يملكون وما لا يملكون كي يصلوا إلى السويد أو أية دولة أخرى من دول الغرب ما لم يجدوا أن هناك مستقبلاً أقرب ما يكون للخيال ينتظرهم عندما تستقر بهم الأحوال في هذه البلاد؟!
مَن قال لكَ أن المغترب يفقد كلّ ما لديه من أجل المال؟! ومَن قال لكَ أن المغتربين هاجروا من أجل المال فقط؟! هناك عشرات الاسباب التي دفعت المغترب كي يغامر ويغترب وربما يكون الاقتصاد وتحسين أوضاعه أحد الأسباب لكنها ليست الأولى والأخيرة!
وأكثر ما أغاظني هو تساؤلكَ: وما نفع المال عندما يفتقد الإنسان لكرامته وحرّيته أو عندما تطمس شخصيته؟! وانطباعكَ يا عزيزي عبر هذا التساؤل هو عكس الواقع الذي يعيشه المغترب تماماً حيث أن الكرامة والحرية والشخصية من بديهيات العيش في البلد الجديد وأصلاً لولا هذه المميزات لما قصد المغترب عالم الاغتراب؟!
أطمئنكَ يا صديقي أن كرامتنا وحريتنا وشخصيتنا محفوظة ومصانة إلى درجة تفوق الخيال؟!
وأودُّ أن أشير إلى أنني قبلت اعتذاركَ الذي نوّهت إليه في نهاية ما سمَّيته خاطرة، ولفت انتباهي قولكَ أن الخاطرة كانت مجرد رأي كتبتها منذ أكثر من عقد من الزمن!
أسألكَ الآن: هل توافقني الرأي يا صديقي أن وجهة نظركَ التي كتبتها منذ أكثر من عقد من الزمن لا تناسب ما نراه الآن، من خلال ما حقَّقه ويحقِّقه المغترب؟!
من جهة أخرى أودّ الإشارة إلى أنه إلى جانب كل ما أشرتُ إليه حول إيجابيات الغربة والهجرة إلا أن هناك بعض السلبيات وربما هذه السلبيات لا أهمية لها لما يتوفر من إيجابيات، ومن السلبيات التي ربما يعدها البعض كارثة الكوارث مع انني من جهتي لا أعدها سلبيات بقدر ما أعدها طريقة وأسلوب الحياة الجديدة في البلد الجديد، وهي أن الجيل الجديد في بلاد الغربة لربما يتكلم بلغة الدولة الجديدة أكثر مما يتكلم بلغة الأم وأنه مع الزمن يسلك سلوكاً أشبه ما يكون بسلوك وأسلوب ما يسلكه الأوربي وربما هذا يغيظ بعض المهاجرين أو بعض ممن هم في الوطن الأم، من جهتي أعتبر هذا الأمر إحدى ضريبة الهجرة والغربة لكنها ضريبة غير ضارة على أية حال، ثم أن الحياة أينما كنّا في تغيير وتجديد فلِمَ لا نعتبر هذه التغيُّرات من سنن الحياة إضافة إلى أن الجيل الجديد يصبح بطريقة أو بأخرى جزءاً من نسيج المجتمع الذي يعيش فيه ناهيك عن أن المغترب له حرية الاختيار والعيش بالطريقة التي يريدها فما يريد الجيل الجديد أن يفعله ويحققه عائد له، وهذا ينسحب علينا عندما كنّا في الوطن الأم، هل كنّا نطبق رؤى وتوجهات آبائنا بحذافيرها، أتذكر جيداً أنَّني كنتُ في صراع دائم واختلاف دائم مع والدي في طريقة التفكير ومع الجيل العتيق القديم وليس لأنه عتيق وقديم بل لأن كل جيل له طريقة تفكيره في الزمان والمكان الذي يعيش فيه!
يستهويني أخيراً أن أشير إلى أمرٍ ربما يكون شاهداً مناسباً في الكثير مما ذهبت إليه في دنيا الاغتراب!
لو نظرنا مثلا إلى آل زاديكه، وهم أصدقائي وأصدقائك، ممَّن هاجروا على مراحل! والجميع يعرف ويشهد أن كل آل زاديكة من أذكى الأذكياء في ديريك! وكانوا منتجين وفعالين وحققوا ما لم يحققه الكثير في ديريك! بإختصار هاجروا طلباً لتحسين أوضاعهم ولتحقيق مستقبلهم، ولعشرات الأسباب الأخرى، أتساءل: لو ظل آل زاديكه في ديريك لما كنّا نتواصل الآن مع بعضنا من خلال موقع الصديق فؤاد زاديكه الذي نتواصل عبره الآن، لأن بكل بساطة مؤسس الموقع هو ابن عزيزنا فؤاد وهو مهندس ومبرمج كومبيوتر وأخيه الثاني أيضا مهندس وصديقنا يشتغل عن أحد أولاده وقد حقق أولاده وألاد البقية الباقية من آل زاديكه ما لم يحققه فؤاد نفسه! وباختصار شديد، ما حققته عائلة آل زاديكه ككل في بلاد الاغتراب من كافة النواحي لا يمكن لهم ان يحققونها لو عاشوا في الوطن الأم ديريك قرناً كاملاً؟! فهم على أقل تقدير أنتجوا ما لا يقل عن مليون دولار، بحسب تقديراتي! وليست مهمة تقديراتي الآن ولا يهمني ولا أظن أنّه يهمهم الآن في هذا السياق لغة الملايين، لكن فقط أتساءل ماذا كانوا سيحققوا لو ظلوا في ديريك؟! أعتقد أقصى حلم لهم كان سيكون شراء كل فرد منهم مقسم أرض في مكان ما من ديريك ثم بناء هذه الأرض بطريقة ترهق كاهلهم؟! فيا صديقي لا أنسى أبداً كيف كان أديب زاديكه وهو مراهق يفوز أحياناً على الصديق نعيم إيليا في الشطرنج ، في الوقت الذي كان هذا الأخير قد فاز في إحدى الدورات على بطولة الجمهورية للرجال في الشطرنج، فلماذا لا يكون أديب زاديكه إذا في موقع الرعاية لربما يصبح لاعباً عالمياً طالما يتفوق على بطل الجمهورية وهو مراهق؟! وعندك آلاف الحالات والحالات مثل الحالة الزاديكية، ولست أنا بصدد المقارنة وإنما فقط بصدد الردّ على وجهات نظركَ وانطباعكَ الذي كان منذ أكثر من عقد من الزمن!
وأخيراً وليس آخراً: تصوَّر ما حقَّقه أحد طلابي الرائعين، وهو جان شمعون الحلاق، حيث فاز على بطولة أوروبا لكمال الأجسام للرجال مرتين متتاليتين وكنت بصدد إعداد حوار تلفزيوني معه لأنه كان بصدد الإعداد والتحضير لخوض مباريات كمال الأجسام على مستوى العالم! وإتصلت معه شخصياً للتأكد مما كنتُ أقرأه عبر الشبكة العنكبوتية، فقال لي نعم يا أستاذ أنا حصلت على بطولة أوروبا لكمال الأجسام وأحضّر فعلاً لبطولة العالم!
فيا صديقي هل جان شمعون الحلاق جاء إلى أروبا من أجل المال والبحث عن الترف والبذخ والمجون؟! انه تدرّب يومياً عشرات الساعات إلى أن حقق هذا الفوز الرائع الذي نفتخر به لأنه من مسقط رأسنا ومن الوطن الأم، وهل لو ظل في ديريك كان سيحقق بطولة على مستوى قرى ديريك؟!
ببساطة كلّنا، وأنا شخصيّاً أعتزّ في مسقط رأسي، وأحب ديريك على فقرها وروعتها وعلاتها وآهاتها، وكتبت عشرات القصص والقصائد على ديريك وعلى الوطن، وأحب الوطن وكلّ الأوطان، ولا أخفي عليك ولا على القارئ العزيز أنني انتمي إلى وطن اسمه القصيدة، اسمه الإنسان، اسمه الكون، اسمه التطوير والتجديد، اسمه الحق والعدالة، اسمه المحبّة!

مع خالص مودّتي وإحترامي
صبري يوسف ـ ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com

http://www.rezgar.com/m.asp?i=10

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 28-11-2007 الساعة 01:07 AM
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 31-07-2006, 12:10 AM
سليم سليم غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 70
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة توما بيطار
قبل أيّ شئ أريد أن أسلّم عليك سلاماً ملؤه الشوق لك ولكل الأحباء.
غريب هذا الرأي يا أستاذ سليم ، وأظنك تعرفنا كشخص ممن وجهت اليهم عباراتك ، مع تقبلنا لاعتذاراتك المسبقه، وأقول أننا معروفون بالوطنية وحب الأرض والعرض، ولا أحد يعشق سوريا مثلنا ، ولم نتركها من أجل البحث عن المال ، ولكن تركناها للبحث عن راحة البال ، وكن مطمئن نحن نعيش بكامل الكرامة وليس حولنا فسق أو مجون وبالحقيقة في بلدنا كان يوجد كما يوجد هنا ، فالذي يبحث عن المجون هنا يراه والذي لايبحث لا يراه كما في البلد تماماً، والذي يبحث عن الكنيسة لايرى غير الكنيسه، وأنا مستغرب من رأيك ، أم هناك أناس ينتظرون للتصفيق ، غريب!

مع حبي الكبير
توما بيطار
ألف قبلة وقبلة لشاعرنا وحبيبنا الغالي توما بيطار 0 لا يمكنني إلاّ أن أنحني لشفافيتك وجرأتك وأخلاقك الحميدة ولن أرد على ماذكرت لأن ممن هم في مرتبة الغالي توما أرفع وأعلى شأناً من كل ما ذكر في كتابتي 00 أقول لك ولكل من يشعر بشعورك هذا 00 أنا لم ولن أتوجه بكلمة لأحد 000وأتسائل : هل من المعقول أن جميع من في المهجر هم كما وصفتهم إذا كان الأمر كذلك 00 فأعتذر للجميع أشد الأعتذار 000 صافي يا لبن 00 أخوك الذي يحبك حباً جماً سليم غريب 0

التعديل الأخير تم بواسطة سليم ; 31-07-2006 الساعة 12:13 AM
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 31-07-2006, 02:56 PM
athro athro غير متواجد حالياً
VIP
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 1,746
افتراضي

الأستاذ صبري يوسف
اسمح لي بأن أعلق أو بالأحرى أستفسر عن بعض النقاط التي ذكرتها في معرض ردك على الأستاذ سليم

أولا أنت ذكرت وسأنقل ما كتبته :
....هو إنسان جامد وخمول وغير متجدِّد وغير حضاري وغير تطوري وغير منطقي وغير عملي!
لم تتقاذفه أمواج الطمع نحو بلاد الغربة بل جذبته أمواج العيش الكريم والحضارة المتقدمة وكرامة الانسان وحرية الحياة إلى أوج ما يطمح إليه!

وهل يعني ذلك أن أنك تعتبر أن كل من يعيش في أرض الوطن يعيش بغير كرامه أو أنه نسي شيء اسمه الكرامه ...
وتضيف لتقول:
......وهي أن الجيل الجديد في بلاد الغربة لربما يتكلم بلغة الدولة الجديدة أكثر مما يتكلم بلغة الأم وأنه مع الزمن يسلك سلوكاً أشبه ما يكون بسلوك وأسلوب ما يسلكه الأوربي وربما هذا يغيظ بعض المهاجرين أو بعض ممن هم في الوطن الأم، من جهتي أعتبر هذا الأمر إحدى ضريبة الهجرة والغربة لكنها ضريبة غير ضارة على أية حال، ثم أن الحياة أينما كنّا في تغيير وتجديد فلِمَ لا نعتبر هذه التغيُّرات من سنن الحياة إضافة إلى أن الجيل الجديد يصبح بطريقة أو بأخرى جزءاً من نسيج المجتمع الذي يعيش فيه ناهيك عن أن المغترب له حرية الاختيار والعيش بالطريقة التي يريدها فما يريد الجيل الجديد أن يفعله ويحققه عائد له،
أي أنك تعتبر أن الجيل الثاني من المهاجرين سوف يذوب في المجتمع الغربي وترى هذا شيء طبيعي( أي أنك تبارك ذلك)وتبرر بفارق التفكير بين الأجيال وتضرب في ذلك أمثله ..... لا أريد أن أنسخ الكثير من الأفكار التي ذكرتها كالفارق الزمني بين العالم الثالث والبلاد التي تعيش فيها وتؤكد أن أبناء بلدك لو استطاعوا المجيء سوف يتخلون عن كل شيء في سبيل الهروب الى بلاد الغربه ....وتذكر أسرتك كمثل على ذلك.
وسؤالي لو سمحت..... ولعلمي أن لك برنامج في صوريوي تي في
طالما أنك مؤمن بما تقول أتمنى أن تناقش هذه المواضيع في هذا البرنامج وتعطي رأيك بصراحه ...وخاصة النقاط التي ذكرتهاأعلاه
وسأكون لك من الشاكرين
تقبل تحياتي
اثرو
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 31-07-2006, 04:19 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

عزيزي أثرو

بادئ ذي بدء، اسمكَ جميل لأنه يعني الأرض! وهذا يوحي لي أنكَ تحب الأرض ومتمسّك بالأرض، فأحييك هذا أولاً ..
ثانياً أشكرك يا صديقي على مروركَ الطيَّب، وعلى تساؤلاتكَ العميقة لأنها تضيء جوانب هامّة ممَّا أشرتُ إليه في سياق ردّي على صديقي العزيز الأستاذ سليم غريب.
لا يا عزيزي أثرو، لم أقصد إطلاقاً أنَّ كل مَن يعيش في أرض الوطن، يعيش بغير كرامة أو نه نسي شيء اسمه الكرامة! لا وألف لا، لم أقصد هذا إطلاقاً، لكني قصدت بالضبط أن لكل إنسان على وجه الدنيا طموح، ولا بدّ أن يسعى المرء لتحقيق طموحه فمنه من يجد طموحه تتحقق من خلال الهجرة أو خلال الانتقال من رقعة جغرافية إلى أخرى، وهكذا طبقاً لما يراه هذا الكائن أو ذاك، ومن أهم أسباب الهجرة هي البحث نحو الأفضل وهذا حق شرعي لكل إنسان، وليس بالضرورة أن يهاجر المرء من بلد ما إلى أخر ان تكون كرامته مهدورة، فلربما يشعر في قرارة نفسه انه سيحقق وضعاً أفضل مما لو هاجر، مقارنة فيما هو عليه في بلده أو رقعته الجغرافية، فهناك الهجرة الداخلية داخل الوطن نفسه، حيث ينتقل أو يهاجر المرء من الريف إلى المدينة ثم من المدينة إلى مدينة أكبر، ثم ربما إلى العاصمة ثم ربما تتوسع مشاريعه وطموحاته فيهاجر إلى عاصمة أخرى أو بلدان أخرى فكل هذه الهجرات هي نوع من التطلع نحو الأفضل، ولا تتعلق فيما إذا لديه كرامة أو لا، هي متعلقة أولاً وأخيراً في البحث عن حياةٍ أفضل، وأظن في هذا السياق ينطبق ما يتم حتى في أوروبا، حيث أنَّ هناك الكثير ممن يهاجر من بلده إلى بلد آخر، وهكذا يا صديقي القضية أعمق مما يظن المرء للوهلة الأولى، من جهتي كنتُ أجد نفسي في سماء ديريك أن ديريك ومع عميق حبي لها أنها بلدة صغيرة جدّاً علي! وهذالا يعني أنني أتعجرف عليها وعلى من يسكنها فهي مني وإلي، وأنا أحب ديريك الآن أكثر مما لو كنتُ فيها لأنني بسبب غربتي أشعر بالحنين المضاعف إليها، ولأنني الوحيد من أسرتي، مغترب!، فلا يوجد من أسرتي أحداً سوى بعض الأهل المتفرقين داخل أوروبا، ناهيك أنني متوحّد مع عالمي الشعري إلى حدّ الاشتعال، فلا أرى أن من يعيش في الوطن الأم هو بدون كرامة، ولكني أرى أنه له أسبابه في البقاء أو في الهجرة كما شرحت آنفاً!

حول تساؤلكَ الثاني واقع الجيل الجديد، لا، لا أبارك إذابة الجيل الجديد بالمجتمع الجديد بل حلَّلت وفنَّدت واقع الحال، ولا يتم هذا الذوبان عبرالجيل الأول والثاني وإنما يأخذ هذا ربما أكثر من جيل لأن المرء ابن بيئته وواقعه ولهذا فأنا أرى أن المغترب عبر مراحل جيلية عديدة سيصبح وكأنه ابن البلد الذي ترعرع فيه من حيث طريقة العيش والسلوك وطريقة التفكير واللغة والخ مع الحفاظ على بعض عاداته وتقاليده التي يمارسها أحياناً وستظل بحسب ما يتلقاها من الأسرة وهذا الأمر يختلف من أسرة إلى أخرى ويختلف من بلد إلى آخر بحسب عدد المغتربين وهكذا فليس كل ما يراه ويتمناه الأبوان يتحقق في البنين لأن للبنين أيضا لهم رؤاهم وتطلعات هموم مآربهم وطوحهم! فمثلاً أصادف بعض الشابات والشباب من الجيل الجديد وإذ بهم يقولون أنهم غير مرتاحين للعيش بقية عمرهم في السويد فانهم ينوون حالما أن ينتهوا من دراساتهم وبعض مشاريعهم الدراسية أو العملية أن يهاجروا إلى اسبانيا أو كندا أو أميركا أو أيطاليا أو الخ من البلدان التي تستهويهم طريقة العيش هناك! وهذا لا يعني انهم يجدون أنفسهم بدون كرامة هنا وسيهاجرون إلى حيث الكرامة ولكن يعني أن المرء دائماً في حالة بحث دائم نحو الأفضل، وأحياناً يكون هذا البحث مجرد فضول ومجرد توقع ومجرد حلم! وربما يتحقق الهدف وربما لا، وكم من المهاجرين هجروا بلدانهم الأم ثم عادوا إليهم لأنهم وجدوا أنفسهم فقدوا أكثر مما أخذوا، فالقضية تختلف من كائن إلى آخر، فمن جهتي أرى أنّني غير قادر على العيش في مدينة صغيرة مثل ديريك مع اني أعتبر ديريك أجمل مدينة على وجه الدنيا لأنها مسقط رأسي! ( تحية إلى ديريك!) ولا داعي للدخول في عوالم تكويني الشعري والقصصي المستوحى من عوالم ديريك فهذا يعرفه الجميع!
فلا أبارك الذوبان في المجتمع الجديد وإنما حلَّلت ظاهرة وحالة، وهذه سنّة الحياة، فلو هاجر أجدادي من آزخ إلى استامبول منذ قرابة نصف قرن، كنتُ الآن سأتكَّلم التركية وأحمل ثقافة تركية، والخ فلا ضير أبداً من أن يهاجر المرء من مكان إلى آخر فالكرة الأرضية هي وطن الإنسان، وببساطة أنا أعتبر الكون برمته وطني فأنتقل من وطن إلى آخر بحسب توقي وشوقي ورغبتي ومزاجي وطموحي إلى هذا الوطن أو ذاك! وأنا لست أبداً ضد الأوطان المهاجرة منها بقدر ما أنا بصدد تطوير نفسي أينما ذهبت وإينما حللت، وبالنتيجة أنا محسوب على الوطن الجديد مغترب سوري ولهذا أسعى دائماً أن أعكس حالة راقية إلى الحد الذي أستطيعه سواء عبر الكلمة والحوار والرسم والتواصل مع الآخر كائنا مَن كان هذا الآخر ..
أعود إلى نقطة هامة لربما يسألني أحدهم طالما تشعر أنكَ لا تستطيع أن تعيش إلا في عاصمة أو مدينة كبيرة فلماذا لم تختَر دمشق مثلاً أو بيروت أو القاهرة أو الخ من عواصم الشرق، الجواب بسيط للغاية وهو أن مرتبي لو كنتُ منتجاً في أية عاصمة من هذه العواصم كمدرس بإلكاد يكفي للإيجار فقط، للمسكن! فكم سيكون إيجار شقة في دمشق أو القاهرة؟! هذا من جهة وعندك عشرات الجهات الأخرى غير المشجعة لاختيار هذه العاصمة أو تلك! ولهذا كي أعالج كل هذا الأمور جملة وتفصيلاً، اخترت الغربة لما لها من مميزات تتواءم مع تطلعاتي وأهدافي وطموحي، ولا أخفي على القارئ العزيز أنني اخترت الغربة بهدف الغوص في تجارب جديدة كي أكتب نصّاً من رحم الغربة والحياة، فأنا بصراحة ليس هدفي من الهجرة الهجرة وإنما هو الكتابة وربما بعضهم يسخر أو يندهش من هذه المسألة أو هذا الطموح، لكني فعلاً هكذا كنت وما أزال أنوي، لهذا كنت وما أزال أرى أن الكاتب بكل ما تعني الكلمة من معنى، نارداً ما يستطيع أن يكتب في بلاد الشرق بحرية مفتوحة بالطريقة التي يعيشها المبدع في دنيا الغرب فهناك النصوص لها رقيبها وحسيبها ولها ما لها من مقصّات ومنزلقات ومطبّات لها أوّل وليس لها آخر والنشر! يا حبيبي أن تنشر كتاباً أو رواية أو ديواناً يمر نصَّكَ تحت أيدي غريبة وعجيبة، ويضع ألف خط وخط أحمر تحت رحيق ما تكتب، والكتابة برأيي وبالدرجة الأولى هي تمرُّد على واقع اجتماعي حياتي فاسد أو غير جيد في بعض جوانب الحياة، ويحاول المبدع أن يعيد صياغات جديدة لواقع يراه مخلخلاً ومتصدعاً كي يصبح أفضل مما هو عليه ولهذا فليس من السهل أن يحقق من له رؤى فسيحة في دنيا الشرق أن يدرج ويصوغ أفكاره كما يشاء، فالمقصات تخيف الكتاب الكبار فكيف بالصغار أو المبتدئين! فأودّ التوقف عند نوال السعداوي مثلاً، لقد صدر أكثر من مرة قرارات من بعض دول الشرق أن وضعوا رأسها في قائمة هدر الدم دمها، وأسقطوا الجنسية عن المبدع العبقري الراحل عبدالرحمن منيف، ومنعوا فلان من الدخول إلى البلد الفلاني، والقائمة لا تحصى في قمع المبدع! وفي هذا الإطار، واختصاراً أن الشرق لا ينهض إلا بأن يهتم الاهتمام الكبير بالمبدعين، وأصلاً الذي يبيض الوجه في بلاد الغرب والشرق والشمال والجنوب هو هذا المبدع أو ذاك الفنان!
وحول سؤالكَ الأخير حول طرحي لهذه المواضع عبر برنامجي في صورويو تي في أو لا أدري إن قصدتَ سوريويو سات الجديد الذي هو قيد التجريب!
اشتغلت فترة من الزمن كمدير برنامج بطاقات ثقافية في صورويو تي في، كان عملي تطوعي ومجاني لبضعة شهور قدمت خلالها أكثر من عشرين برنامج حواري مع كتاب وشعراء وفنانين ومبدعين! وكنتُ أنوي فعلاً الاستمرار في عملي وبرنامجي لكن إدارة التلفزيون لم تتِح لي المجال للتفرغ كعمل، لهذا اعتذرت عن متابعة تقديم برنامجي بشكل مجاني! لأن وقتي أهم من تلفزيونات الكون برمتها!
أما إذا كنتَ تقصد التلفزيون الجديد سوريويو سات، الذي هو قيد التجريب، فقد تواصلوا معي فعلاً وأبديت الاستعداد التام للعمل لكن كمتفرغ للعمل وليس بشكل تطوعي أو مجاني، ولدي فعلاً مخطط لتقديم هكذا برنامج أطرح فيه قضايا الغربة والاغتراب، وعشرات المواضيع المتفرعة عنها والمتعلقة في قطاع الشباب والرجال والكهول و ..، إضافة إلى اللقاءات الحوارية مع مبدعين من كافة الأجناس الأدبية والفنية، وكل هذا في القسم العربي، لكن حتى تاريخه لم أتلقَ ردّاً بخصوص فيما إذا سأعمل في التلفزيون الجديد أم لا، وحالما أتلقى ردّاً من إدارة التلفزيون بالموافقة على العمل، سأقدم برنامج حول ما أشرت إليه، لكن من غير الممكن أن أقدم برنامجاً واحداً إلا ضمن إطار التفرغ للعمل، لأن الوقت يعصرني ولدي عشرات المشاريع الإبداعية، الكتابة، قصة، شعر، نصوص، سيناريو، رواية، رسم، الخ الخ فليس لدي ساعة واحدة لعمل تبرعي أو تطوعي، لهذا أنا بصدد البحث عن عمل في إطار تخصصي في المجالات التي أتمكن الولوج في رحابها!

بقي أن أقول، المغترب صديقي، المغتربة صديقتي، أحبائي في الوطن الأم أصدقائي بدون استثناء، فأنا أحب الجميع لأن هدفي من الكتابة أولا وأخيراً هو الإنسان، كائناً مَن كان هذا الإنسان فكيف لا أحب مَن ترعرعت بين أحضانهم!
ختاماً: تفضل يا صديقي أترك بين يديك نصّاً سردياً كتبته من وحي مشاهدتي لبعض الصور من ديريك، شاهدت الصور عبر الشبكة العنكبوتية فما وجدت نفسي إلا وأنا أذرف دمعتي فهرت إلى قلمي مقتنصاً هذا النصّ الَّذي وُلِدَ من رحم الحنين إلى سماء ديريك!


ديريك يا شهقة الروح!


[نصّ]





طفرَتْ دموع ساخنة من عينيّ، وأنا ألقي نظرة على صورٍ من شوارعِ ديريك، بلدتي الّتي ترعرعتُ فيها، وتبيّن لي كم أنا قاسٍ على نفسي وأهلي وأصدقائي وشوارعي وأزقّتي الترابيّة التي تبرعمتُ فيها!، وكم تمنّيتُ لو كنتُ داخل كادر الصورة، وأنتم تلتقطون تلكَ الصور.

أتساءل باشتعال: هل نحنُ الّذينَ عبرنا المسافات على أجنحة الريح، وتركنا شوارعنا تصرخ في أعماق الليل، تمتَّعنا في ضجيج الغربة، ودهاليز الأقبية الغارقة في موجات الحزن، وسط جموح شوق الروح المنسابة في أعماق الحلم؟! هل ثمَّةَ أجمل من أن يحضنَ الإنسان معابر الصبا، ومخارج الفرح في واحات الطفولة التي احتضنته سنوات طوال، أين نسير يا قلبي، وهناكَ آلاف الصور في الذاكرة تبكي وتنوح من شدّةِ الشوق، أريدُ أن أبكي حتّى أتوازن مع شوقي العميق إلى سماء الأحبّة، كلّ الأحبّة! ..

عندما نظرتُ إلى شوارعي وأزقّتي ومعالم فرحي التي خبّأتها بين حنايا الروح، لم أستطِعْ أن أحبسَ دمعتي، فأنا لا أختلفُ عن أيِّ طفلٍ فقد ألعابه الحميمة، ويشتاقُ إليها كلّما هبَّ النسيم العليل من سماء المالكيّة وكرومها وسهولها الفسيحة، نظرتُ إلى المرآة للتأكّد من نقاوةِ دمعتي فوجدتها معفّرة بكلّ أنواع الغربة، وتأكّدتُ أنَّ الحصادَ الّذي حصدته في بحار غربتي، مكثّفٌ بالشوكِ والبربورِ والزؤانِ، ولم أعثر على أيّةِ معالم فرحٍ في تجاعيدِ غربتي سوى هذا الشوق المجنون إلى تلكَ التلالِ وخدودِ الأهل؛ وكلّما أحاولُ أن أعانقَ خلاني، أجدني محاصراً ببحيرات ستوكهولم من كلّ الجهات!.. أنا التائه في أعماق الحرف والبحار والحلم المشنفر بكلِّ أنواع العذاب، لا تصدّقوني يا أحبّائي إن قلتُ لكم أنني سعيدٌ في غربتي، ولا تصدّقوا حرفي عندما يلامس وجنةَ الشفقِ؛ فحرفي وإن علَت قامته، فإنّه يعلو فوق جبهة الروح، تاركاً قلبي يبكي ليل نهار شوقاً إلى ذواتٍ تائهة خلف البحار من الجهةِ الأخرى من جموحِ الروح، كنتُ أظنُّ أنَّ روحي ستهدأُ، لو لملمتُ ديريك حول خاصرة القلب، ديريك مسقط الرأس، تاجٌ من الذهب الصافي، أفرشه فوق روحي، فوق نداوة حرفي، فوق معابر الحنين، فوق طراوة الحلمِ، ديريك صديقتي الأبقى، حبيبة من لونِ البابونج، أوّل أنثى عانقتها من ديريك، أوّل قصّة كتبتها في ديريك، أوّل حرف نقشته في ديريك، أوّل دمعة ذرفتها في ديريك، أوّل حلم مسربل بالإبداع اندلع في ديريك، أوّل نجمة عشقتها، تلألأ وميضها في سماء ديريك، أوّل نورج ركبته في ديريك، وأوّل منجل حملته وحصدتُ فيه سنابل العشق في ديريك، أوّل بيدر فرشتُ فوقهُ أكوام الحنطة في ديريك، أوّل صديقة نبتتْ بين تجاعيد فرحي من ديريك، وأوّل صديق سطعَ فوق خميلةِ القلب من ديريك؛ أحمل ديريك فوق وجنةِ روحي، وأفرشها فوق شهقتي العميقة، أدلقها فوق نهدِ صديقة من نكهةِ الياسمين، أوّل مرّة أشعر بأهمية شوق والدي إلى "آزخ" أو "كوفخ" مسقط رأسهِ، ديريك هي وطني السرمدي الذي أشتاقُ إليه بطريقةٍ صارخة وحارقة، أشتاقُ أكثر ما اشتاقُ إلى أكوامِ الطيّنِ التي رافقتني ثلث قرن من الزمان! لا أنسى أبداً كرومها، أزقتها، أشجارها، ترابها، صيفها ونجومها التي تضحكُ في سمائها القمراء، ألعاب الطفولة تنفرش أمامي فأتذكّر لعبةَ (القتيلة والدامة، والباقوش، والمزعار، والطفش، والشميطونكة، والسيخ، والداربولكة، والكيبالة، والغلوغلو، والكارشو بشّّ، والاعتماد على (التسطو مسطو) قبل بداية كل لعبة، فيرتعش قلبي شوقاً إلى تلالِ الذاكرة البعيدة، فتقفز في أعماق الروح ألعاباً متلألئة بدموعِ الحنين، فأشتاق إلى لعبةِ (البرّي والتوش والبيبة والصلابة والبوكة والصنم والكيلافرّي والبرو برفانو بري وا جاوايا)، ثمّ تأخذني الذاكرة إلى سهول القمح الفسيحة، عابراً البراري مع أحبّتي نبحث عن (الحرشف والحِمحِم والقيفارات والقولكات والبيشّكات وعين البقرة وزهور الختمية)، نلملم بمتعة باقات (القنجرّيه).. نقطِّعها ونخلطها مع الثوم والجبنة الناعمة كي نصنع منها (سيركة) للشتاء الطويل، وكم كنت أفرح عندما كنتُ أشاهد (زيغلانة) في أرضٍ خصبة، كنتُ أستأصلها من أعماق جذورها، وأقشّرها وآكلها بلذّة طيّبة، وكأنّها نبتة الحياة!

طفولة من لون النعناع البري، تتراءى أمامي شامخة مثل باقات النرجس البرّي عندما كنّا نقطفها من (كفري حارّو) ونحن صغار، ثم نأتي ونقدّمها لأساتذتنا، حيث يملأ أريجها معابر الصفوف، أشعر الآن وكأنني أشمّ عبق شذاها، فتخرّ دمعتي شوقاً إلى عوالمِ طفولتي الفسيحة المتلألئة مثل سنابل الروح، طفولة متناثرة فوق معابر أزقّتي البعيدة، مترامية حول ضفافِ الأنهار، نلمُّ باقات (القرّامِ) ونصنع منه (ريسيّات) كي نقطع مجرى النهر لإصطياد سمكِ الشبوطِ، أتذكّر كيف كنتُ أركض خلف الفراشات و(الجزجزوكات) والجراد وفرس الأمير، هسيس الحشرات يعبر مخابئ الحلم، نلملم باقات السنابل والحمّص الأخضر والعدس و(شولكة) العصفور وشولكة (الشايكْ)؛ إنّي أتوه شوقاً إلى هواءٍ عليل، إلى أزقّةٍ طينيّة غارقة في شهقات الحنين..


ما كنتُ أظنُّ أنّ لملمةَ شواطئ الذاكرة لا يروي غليل الحنين المحفور في جبهة الروح، هل نحن الذين نرسم أزقّتنا بلون المحبّة، وتهنا خلف البحار، وجدنا مخدّة مريحة أكثر راحة من مخدّة الأم؟، أين أنتِ يا أمّي، لتري كم مخدّتي قاسية وخشنة كأنها مصنوعة من بقايا التبنِ، لا راحة ولا فرح يلوحُ لي في الأفقِ. لماذا ابتعدتَ كثيراً عنّي يا أفقي، وهل ثمّةَ أفقٍ مريح لما أرنو إليه في سماءِ الغربةِ؟ هناكَ ألف سؤالٍ وسؤال يراودني، وكلّ سؤال يذبحني من الوريدِ إلى الوريدِ قبلَ أن أجيبَ عنه، فلا أجيب عن أسئلتي، وأهرب منها بإنهزاميّة قاتلة، ولا أجد سوى حرفي، فأدلقه بكلّ شهوة فوق نصاعةِ الورقِ، لعلّي أخفِّفُ قليلاً من وهجِ الشوق إلى سماءِ الطفولةِ آهٍ.. يا طفولتي البائسة، لماذا أشتاقُ إليكِ رغمَ بؤسكِ، ورغم كثافات الطين التي كانت تحيق بي حتّى ركبتي؟!

وجعٌ لا خلاص منه مرّةً، وأنا غائصٌ في أكوامكِ الطينيّة ومرة شوقاً إلى تلكَ الأكوامِ، معادلاتٌ لا أجدُ لها حلاً ولا توازناً، فلا أجدُ نفسي متوازناً مع نفسي، إلا عبر الحرفِ، وحده حرفي يعيد إليّ قليلاً من توازنات معالمِ تيهي المتطاير بين أجنحةِ الليل، ليل غربتي، لو تعلموا كم من الساعات بكيتُ في رحابِ غربتي، تسربلني كآبة الشتاءات الطويلة، أريد أن أفضحَ لكم هذا الذي يدعى (صبري)، هذا الّذي يفرشُ حرفه فوق لجين الغسقِ، غير آبهٍ لجمرةِ الشوقِ المتلألئِ في سماءِ الحلقِ، إلى متى ستكابر أيّها الكاتب (الخياليّ)، أيّها المجنّح في سماواتِ الحرفِ، أينَ المفرُّ من الحنانِ والشوقِ إلى أحضانِ الأحبّةِ وعظامِ الأهلِ؟

البارحة رأيتُ والدي في حلمي، رأيته يحلّقُ فوق البحار عابراً المسافات، بقامته القصيرة وعقاله و(شرواله)، رأيته واقفاً أمامي بهيكله العظميّ، وليس بهيئته الطبيعيّة، خرجَ من قبره غير مكترث بأبجديات الموتِ، جاء كي يعرّي خشونتي، وعدم اكتراثي لجمرةِ الشوقِ، زارني في الحلمِ كي (يشرشحني)، عبر غربتي وأنا غائصٌ في تضاريس الحلمِ، هزّني من كتفي، اندهشتُ من صلابة العجائزِ رغمَ ذوبانِ البدنِ: هيكلٌ عظميّ بكل عنفوانه، جاءني، كي يوقظني من نومي، ويحقِّقَ لي ولو قليلاُ لما تبقّى من خصوبةِ الحلمِ، احتنضتُ العظام الحنونة، فتراءت لي سهول القمح وكروم الفرحِ واخضرار الأيام والشهور والسنين التي عشتها بين أحضانِ الأسرةِ، حلمٌ من لون الادهاش والاندهاش، أسرة ملوّنة بكلّ أنواع الفرح والبكاء، ما يزال حنوناً حتّى بعدَ الموتِ وسيبقى إلى ما بعدَ الموت، استبدلَ مخدَّتي بوسادة من طراوةِ السنابل، وزيّن لحافي بعناقيدِ المحبّة والأبوّةِ، عبرتُ دهاليز أزقّتي، نهضتُ من نومي فجأةً وإذ بي أجدُ وسادتي مطرّزة بنداوةِ الدمعِ، شعرتُ بالإرتعاشِ والخوفِ من خشونةِ غربتي ومن وجعِ الشوقِ، ثمَّ ارتسمت أمامي مشاهدُ الوداع الأخير، وتراءت أمامي الأحبّة، ثمَّ تغلغلَ الحزن في أعماقِ الروح والبدنِ، وتساءلتُ:

كيفَ عبر والدي كلّ هذه البحار؟ جاءني كي يبدّدَ آهاتي ويفجِّر بي وهجَ الحنان إلى العظامِ، عظام الّذين أنجبوني للحياةِ!.. هل ثمّةَ شيء في الدنيا أغلى من عظامِ الأمِّ، من عظامِ الوالدِ الحنونِ؟ عجباً أرى كيف تحمّلتُ كل هذه السنين، وأنا بعيد عن شهقةِ الأحبّة؟ هل أنا طبيعي ومن لحمٍ ودمّ؟ يراودني أنَّ قلبي تصلّبَ من خشونةِ المسافات، ربّما من شدّة الحزنِ أو من وطأةِ الشوقِ أو ربّما من وجعِ الحنين، لهذا تجاوزت كل أنواع الشوق، وتهتُ في عوالم ما بعدَ الشوق، لأنّ الشوقَ لم يعُدْ يبلسمُ خدّي، فما وجدتُ في سماء غربتي مَنْ يعانق وجع الشوق غير حرفي، اعذروني يا أحبّتي لو كنتُ قاسياً بحقّكم أكثر من حجرِ الصّوانِ فقد خلخلت الغربة أجنحتي فلم أجد نفسي إلا وأنا أندفع في رعونةِ الريحِ وغدرِ البحرِ، فتأكسدتْ لغة الشوق مع أحجار الصوان من شدّةِ حزني وألمي فلم أجد ما يسعفني سوى قلمي كي أكتبَ عن غزارةِ الدموع بعدَ هبوطِ الليلِ، وعن جمرةِ الشوقِ بعدَ أن حلّقت في أعماقِ السماء، لكنّي خبّأتُ كلّ تلاوين الحنان بين خميلةِ الروحِ، فلم أستطِعْ أن أفشي لكم بكلّ أسراري، كي لا تقلقوا على خشونة الانتظار، لكن آنَ الأوان أن أفضحَ لكم نفسي وأصارحكم وأنا بكاملِ قيافتي: أنَّ عينيَّ لم تذُق طعمَ الفرح منذ أن عبرتُ البحار، ومنذ أن تسلَّلتُ من بين أحضانكم الدافئة ولم أجد حضناً أدفأ من أحضانكم ومع كلّ هذا الإنشراخ، لا تقلقوا، فأنا لم ولن أنساكم يوماً واحداً، سأعود يوماً إلى مساحات طفولتي المتناثرة بين خدودكم الطافحة بالعذوبةِ، كي أفرشَ لهيبَ غربتي وشوقي فوقَ أحضانِكم الفسيحة، وأشهقُ بكلِّ فرحٍ شهقةً عبقة أكثر من بهجةِ الإنتشاء!


ستوكهولم: 1 . 9 . 2003 صياغة أولى
13 . 7 . 2004صياغة أخيرة
صبري يوسف
sabriyouse1@hotmail.com
www.sabriyousef.com

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 31-07-2006 الساعة 07:21 PM
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 31-07-2006, 04:19 PM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي

عزيزي أثرو

بادئ ذي بدء، اسمكَ جميل لأنه يعني الأرض! وهذا يوحي لي أنكَ تحبالأرض ومتمسّك بالأرض، فأحييك أولاً ..
ثانياً أشكرك يا صديقي على مروركَ الطيب، وعلى تساؤلاتكَ العميقةلأنها تضيء جوانب هامة مما أشرتُ إليه في سياق ردّي على صديقي العزيز الأستاذ سليمغريب.
لا يا عزيزي أثرو، لم أقصد إطلاقاً أن كل مَن يعيش في أرض الوطن،يعيش بغير كرامة أو نه نسي شيء اسمه الكرامة! لا وألف لا لم أقصد هذا إطلاقاً، لكنيقصدت بالضبط أن لكل إنسان على وجه الدنيا طموح، ولا بدّ أن يسعى المرء لتحقيق طموحهفمنه من يجد طموحه تتحقق من خلال الهجرة أو خلال الانتقال من رقعة جغرافية إلىأخرى، وهكذا طبقاً لما يراه هذا الكائن أو ذاك، وان أسباب الهجرة هي البحث نحوالأفضل وهذا حق شرعي لكل إنسان، وليس بالضرورة أن يهاجر المرء من بلد ما إلى أخر انتكون كرامته مهدورة، فلربما يشعر في قرارة نفسه انه سيحقق وضعاُ أفضل مما لو هاجرمقارنة فيما هو عليه في بلده او رقعته الجغرافية، فهناك الهجرة الداخلية داخل الوطننفسه، حيث ينتقل أو يهاجر المرء من الريف إلى المدينة ثم من المدينة إلى مدينةأكبر، ثم ربما إلى العاصمة ثم ربما تتوسع مشاريعه وطموحاته فيهاجر إلى عاصمة أخرىأو بلدان أخرى فكل هذه الهجرات هي نوع من التطلع نحو الأفضل، ولا تتعلق فيما إذالديه كرامة أو لا، هي متعلقة أولا وأخيراً إلى البحث عن حياةٍ أفضل، وأظن في هذاالسياق ينطبق ما يتم حتى في أوروبا، حيث أنَّ هناك الكثير ممن يهاجر من بلده إلىبلد آخر، وهكذا يا صديقي القضية أعمق مما يظن المرء للوهلة الأولى، من جهتي كنتُأجد نفسي في سماء ديريك أن ديريك ومع عميق حبي لها أنها بلدة صغيرة جدّاً علي! وهذالا يعني أنني أتعجرف عليها وعلى من يسكنها فهي مني وإلي، وأنا أحب ديريك الآن أكثرمما لو كنتُ فيها لأنني بسبب غربتي أشعر بالحنين المضاعف إليها، ولأنني وحيد منأسرتي، لا أخ ولا أخت!، فلا يوجد من أسرتي أحداً سوى بعض الأهل المتفرقين داخلأوروبا، ناهيك أنني متوحّد مع عالمي الشعري إلى حدّ الاشتعال، فلا أرى أن من يعيشفي الوطن الأم هو بدون كرامة، ولكني أرى أنه له أسبابه في البقاء أو في الهجرة كماشرحت آنفاً!

حول تساؤلكَ الثاني واقع الجيل الجديد، لا أبارك إذابة الجيلالجديد بالمجتمع الجديد بل حلَّلت وفنتّدت واقع الحال، ولا يتم هذا الذوبان عبرالجيل الأول والثاني وإنما يأخذ هذا ربما أكثر من جيل لأن المرء ابن بيئته وواقعهولهذا فأنا أرى ان المغترب عبر مراحل جيلية عديدة سيصبح وكأنه ابن البلد الذيترعرع فيه من حيث طريقة العيش والسلوك وطريقة التفكير واللغة والخ مع الحفاظ علىبعض عاداته وتقاليده التي يمارسه أحياناً وستظل بحسب ما يتلقاها من الأسرة وهذاالأمر يختلف من أسرة إلى أخرى ويختلف من بلد إلى آخر بحسب عدد المغتربين وهكذا فليسكل ما يراه ويتمناه الأبوين يتحقق في البنين لأن للبنين أيضا لهم رؤاهم وتطلعاتهمومآربهم وطوحهم! فمثلاً أصادف بعض الشابات والشباب من الجيل الجديد وإذ بهم يقولونأنهم غير مرتاحين للعيش بقية عمرهم في السويد فانهم ينوون حالما أن ينتهوا مندراساتهم وبعض مشاريعهم الدراسية أو العملية أن يهاجروا إلى اسبانيا أو كندا أوأميركا او أيطاليا أو الخ من البلدان التي تستهويهم طريقة العيش هناك! وهذا لا يعنيانهم يجدون أنفسهم بدون كرامة هنا وسيهاجرون إلى حيث الكرامة ولكن يعني أن المرءدائماً في حالة بحث دائم نحو الأفضل، وأحياناً يكون هذا البحث مجرد فضول ومجرد توقعومجرد حلم! وربما يتحقق الهدف وربما لا، وكم من المهاجرين هجروا بلدانهم الأم ثمعادوا إليهم لأنهم وجدوا أنفسهم فقدوا أكثر مما أخذوا، فالقضية تختلف من كائن إلىآخر، فمن جهتي أرى أنّني غير قادر على العيش في مدينة صغيرة مثل ديريك مع اني أعتبرديريك أجمل مدينة على وجه الدنيا لأنه مسقط رأسي! ( تحية إلى ديريك!) ولا داعيللدخول في عوالم تكويني الشعري والقصصي المستوحى من عوالم ديريك فهذا يعرفهالجميع!
فلا أبارك الذوبان في المجتمع الجديد وإنما حللت ظاهرة وحالة، وهذهسنّة الحياة، فلو هاجر أجدادي من آزخ إلى استمبول منذ قرابة نصف قرن، كنتُ الآنسأتكَّلم التركية وأحمل ثقافة تركية، والخ فلا ضير أبداً من أن يهاجر المرء من مكانإلى آخر فالكرة الأرضية هي وطن الإنسان، وببساطة أنا أعتبر الكون برمته وطني فأنتقلمن وطن إلى آخر بحسب توقي وشوقي ورغبتي ومزاجي وطموحي إلى هذا الوطن أو ذاك! وأنالست أبداً ضد الأوطان المهاجرة منها بقدر ما أنا بصدد تطوير نفسي أينما ذهبت وإينماحللت، وبالنتيجة أنا محسوب على الوطن الجديد مغترب سوري ولهذا أسعى دائماً أن أعكسحالة راقية إلى الحد الذي أستطيعه سواء عبر الكلمة والحوار والرسم والتواصل معالآخر كائنا مَن كان هذا الآخر ..
أعود إلى نقطة هامة لربما يسألني أحدهم طالما تشعر أنكَ لاتستطيعأن تعيش إلا في عاصمة أو مدينة كبيرة فلماذا لم تختَر دمشق مثلاً أو بيروت أوالقاهرة أو الخ من عواصم الشرق، الجواب بسيط للغاية وهو أن مرتبي لو كنتُ منتجاً فيأية عاصمة من هذه العواصم كمدرس بإلكاد يكفي للإيجار، للمسكن فكم سيكون إيجار شقةفي دمشق أو القاهرة؟! هذا من جهة وعندك عشرات الجهات الأخرى غير المشجعةلأختيار هذه العاصمة أو تلك! ولهذا كي أعالج كل هذا الأمور جملة وتفصيلاً، اخترتالغربة لما لها من مميزات تتوائم مع تطلعاتي وأهدافي وطموحي، ولا أخفي على القارئالعزيز أنني اخترت الغربة بهدف الغوص في تجارب جديدة كي أكتب نصّاً من رحمالغربة والحياة، فأنا بصراحة ليس هدفي من الهجرة الهجرة وإنما هو الكتابة وربمابعضهم يسخر أو يندهش من هذه المسألة أو هذا الطموح، لكني فعلاً هكذا كنت وما أزالأنوي، لهذا كنت وما أزال أرى أن الكاتب بكل ما تعني كلمة من معنى، نارداً مايستطيع أن يكتب في بلاد الشرق بحرية مفتوحة بالطريقة التي يعيشها المبدع في دنياالغرب فهناك النصوص لها رقيبها وحسيبها ولها ما لها من مقصّات ومنزلقات ومطبّات لهاأوّل وليس لها آخر والنشر! يا حبيبي أن تنشر كتابا أو رواية أو ديواناً يمر نصَّكَتحت أيدي غريبة وعجيبة، ويضع ألف خط وخط أحمر تحت رحيق ما تكتب، والكتابة برأييوبالدرجة الأولى هي تمرُّد على واقع اجتماعي حياتي فاسد أو غير جيد في بعض جوانبالحياة، ويحاول المبدع أن يعيد صياغات جديدة لواقع يراه مخلخلاً ومتصدعاً كي يصبحأفضل مما هو عليه ولهذا فليس من السهل أن يحقق من له رؤى فسيحة في دنيا الشرق أنيدرج ويصوغ أفكاره، فالمصات تخيف الكتاب الكبار فكيف بالصغار أو المبتدئين! فأودّالتوقف عند نوال السعداوي مثلاً، لقد صدر أكثر من مرة قرارات من بعض دول الشرقأن وضعوا رأسها في قائمة هدر دمها، وأسقطوا الجنسية عن المبدع العبقريالراحل عبدالرحمن منيف، ومنعوا فلان من الدخول إلى البلد الفلاني، والقائمة لا تحصىفي قمع المبدع! وفي هذا الإطار، واختصاراً أن الشرق لا ينهض إلا بأن يتم الاهتمامبالمبدعين، وأصلاً الذي يبيض الوجه في بلاد الغرب والشرق والشمال والجنوب هو هذاالبمدع أو ذاك الفنان!
وحول سؤالكَ الأخير حول طرحي لهذه المواضع عبر برنامجي في صورويوتي في أو لا أدري إن قصدتَ سوريويو سات الجديد الذي هو قيد التجريب!
اشتغلت فترة من الزمن كمدير برنامج بطاقات ثقافية في صورويو تي في،كتان عملي تطوعي ومجاني لبضعة شهور قدمت خلالها أكثر من عشرين برنامج حواري مع كتابوشعراء وفنانين ومبدعين! وكنتُ انوي فعلاً الاستمرار في عملي وبرنامجي لكن إدارةالتلفزيون لم تتِح لي المجال للتفرغ كعمل، لهذا اعتذرت عن متابعة تقديم برنامجيبشكل مجاني! لأن وقتي أهم من تلفزيونات الكون برمتها!
أما إذا كنتَ تقصد التلفزيون الجديد سوريويو سات، الذي هو قيدالتجريب، فقد تواصلوا معي فعلاً وأبديت الاستعداد التام للعمل لكن كمتفرغ للعملوليس بشكل تطوعي أو مجاني، ولدي فعلاً مخطط لتقديم هكذا برنامج أناقش فيه قضاياالغربة والاغتراب، وعشرات المواضيع المتفرعة عنها وما هم قطاع الشباب، إضافة إلىاللقاءات الحوارية مع مبدعين من كافة الأجناس الأدبية والفنية، وكل هذا في القسمالعربي، لكن حتى تاريخه لم أتلقَ ردّاً بخصوص فيما إذا سأعمل في التلفزيون الجديدأم لا، وفي أتلقى ردّاً من إدارة التلفزيون بالموافقة على العمل، سأقدم برنامج حولما أشرت إليه، لكن من رابع مليون المستحيل أن أقدم برنامجاً واحداً إلا ضمن إطارالتفرغ للعمل، لأن الوقت يعصرني ولدي عشرات المشاريع الإبداعية الكتابة، قصة شعر،نصوص، سيناريو، رواية، رسم، الخ الخ فلا لدي ساعة واحدة لعمل تبرعي أو تطوعي، لهذاأنا بصدد البحث عن عمل في أطار تخصصي في المجالات التي أتمكن الولوج فيرحابها!

بقي أن أقول، المغترب صديقي، المغتربة صديقتي، أحبائي في الوطنالأم أصدقائي بدون استثناء، فأنا أحب الجميع لأن هدفي من الكتابة أولا وأخيراً هوالإنسان، كائناً مَن كان هذا الإنسان فكيف لا أحب مَن ترعرعت بينأحضانهم!
ختاماً: تفضل يا صديقي أترك بين يديك نصّاً سردياً كتبته من وحيمشاهدتي لبعض الصور من ديريك، شاهدت الصور عبر الشبكة العنكبوتية فما وجدت نفسي إلاوأنا أذرف دمعتي فهرت إلى قلمي مقتنصاً هذا النصّ الَّذي وُلِدَ من رحم الحنين إلىسماء ديريك!


ديريك يا شهقة الروح!

[نصّ]


طفرَتْ دموع ساخنة من عينيّ، وأنا ألقي نظرة على صورٍ من شوارعِ ديريك، بلدتي الّتي ترعرعتُ فيها، وتبيّن لي كم أنا قاسٍ على نفسي وأهلي وأصدقائي وشوارعي وأزقّتي الترابيّة التي تبرعمتُ فيها!، وكم تمنّيتُ لو كنتُ داخل كادر الصورة، وأنتم تلتقطون تلكَ الصور.

أتساءل باشتعال: هل نحنُ الّذينَ عبرنا المسافات على أجنحة الريح، وتركنا شوارعنا تصرخ في أعماق الليل، تمتَّعنا في ضجيج الغربة، ودهاليز الأقبية الغارقة في موجات الحزن، وسط جموح شوق الروح المنسابة في أعماق الحلم؟! هل ثمَّةَ أجمل من أن يحضنَ الإنسان معابر الصبا، ومخارج الفرح في واحات الطفولة التي احتضنته سنوات طوال، أين نسير يا قلبي، وهناكَ آلاف الصور في الذاكرة تبكي وتنوح من شدّةِ الشوق، أريدُ أن أبكي حتّى أتوازن مع شوقي العميق إلى سماء الأحبّة، كلّ الأحبّة! ..

عندما نظرتُ إلى شوارعي وأزقّتي ومعالم فرحي التي خبّأتها بين حنايا الروح، لم أستطِعْ أن أحبسَ دمعتي، فأنا لا أختلفُ عن أيِّ طفلٍ فقد ألعابه الحميمة، ويشتاقُ إليها كلّما هبَّ النسيم العليل من سماء المالكيّة وكرومها وسهولها الفسيحة، نظرتُ إلى المرآة للتأكّد من نقاوةِ دمعتي فوجدتها معفّرة بكلّ أنواع الغربة، وتأكّدتُ أنَّ الحصادَ الّذي حصدته في بحار غربتي، مكثّفٌ بالشوكِ والبربورِ والزؤانِ، ولم أعثر على أيّةِ معالم فرحٍ في تجاعيدِ غربتي سوى هذا الشوق المجنون إلى تلكَ التلالِ وخدودِ الأهل؛ وكلّما أحاولُ أن أعانقَ خلاني، أجدني محاصراً ببحيرات ستوكهولم من كلّ الجهات!.. أنا التائه في أعماق الحرف والبحار والحلم المشنفر بكلِّ أنواع العذاب، لا تصدّقوني يا أحبّائي إن قلتُ لكم أنني سعيدٌ في غربتي، ولا تصدّقوا حرفي عندما يلامس وجنةَ الشفقِ؛ فحرفي وإن علَت قامته، فإنّه يعلو فوق جبهة الروح، تاركاً قلبي يبكي ليل نهار شوقاً إلى ذواتٍ تائهة خلف البحار من الجهةِ الأخرى من جموحِ الروح، كنتُ أظنُّ أنَّ روحي ستهدأُ، لو لملمتُ ديريك حول خاصرة القلب، ديريك مسقط الرأس، تاجٌ من الذهب الصافي، أفرشه فوق روحي، فوق نداوة حرفي، فوق معابر الحنين، فوق طراوة الحلمِ، ديريك صديقتي الأبقى، حبيبة من لونِ البابونج، أوّل أنثى عانقتها من ديريك، أوّل قصّة كتبتها في ديريك، أوّل حرف نقشته في ديريك، أوّل دمعة ذرفتها في ديريك، أوّل حلم مسربل بالإبداع اندلع في ديريك، أوّل نجمة عشقتها، تلألأ وميضها في سماء ديريك، أوّل نورج ركبته في ديريك، وأوّل منجل حملته وحصدتُ فيه سنابل العشق في ديريك، أوّل بيدر فرشتُ فوقهُ أكوام الحنطة في ديريك، أوّل صديقة نبتتْ بين تجاعيد فرحي من ديريك، وأوّل صديق سطعَ فوق خميلةِ القلب من ديريك؛ أحمل ديريك فوق وجنةِ روحي، وأفرشها فوق شهقتي العميقة، أدلقها فوق نهدِ صديقة من نكهةِ الياسمين، أوّل مرّة أشعر بأهمية شوق والدي إلى "آزخ" أو "كوفخ" مسقط رأسهِ، ديريك هي وطني السرمدي الذي أشتاقُ إليه بطريقةٍ صارخة وحارقة، أشتاقُ أكثر ما اشتاقُ إلى أكوامِ الطيّنِ التي رافقتني ثلث قرن من الزمان! لا أنسى أبداً كرومها، أزقتها، أشجارها، ترابها، صيفها ونجومها التي تضحكُ في سمائها القمراء، ألعاب الطفولة تنفرش أمامي فأتذكّر لعبةَ (القتيلة والدامة، والباقوش، والمزعار، والطفش، والشميطونكة، والسيخ، والداربولكة، والكيبالة، والغلوغلو، والكارشو بشّّ، والاعتماد على (التسطو مسطو) قبل بداية كل لعبة، فيرتعش قلبي شوقاً إلى تلالِ الذاكرة البعيدة، فتقفز في أعماق الروح ألعاباً متلألئة بدموعِ الحنين، فأشتاق إلى لعبةِ (البرّي والتوش والبيبة والصلابة والبوكة والصنم والكيلافرّي والبرو برفانو بري وا جاوايا)، ثمّ تأخذني الذاكرة إلى سهول القمح الفسيحة، عابراً البراري مع أحبّتي نبحث عن (الحرشف والحِمحِم والقيفارات والقولكات والبيشّكات وعين البقرة وزهور الختمية)، نلملم بمتعة باقات (القنجرّيه).. نقطِّعها ونخلطها مع الثوم والجبنة الناعمة كي نصنع منها (سيركة) للشتاء الطويل، وكم كنت أفرح عندما كنتُ أشاهد (زيغلانة) في أرضٍ خصبة، كنتُ أستأصلها من أعماق جذورها، وأقشّرها وآكلها بلذّة طيّبة، وكأنّها نبتة الحياة!

طفولة من لون النعناع البري، تتراءى أمامي شامخة مثل باقات النرجس البرّي عندما كنّا نقطفها من (كفري حارّو) ونحن صغار، ثم نأتي ونقدّمها لأساتذتنا، حيث يملأ أريجها معابر الصفوف، أشعر الآن وكأنني أشمّ عبق شذاها، فتخرّ دمعتي شوقاً إلى عوالمِ طفولتي الفسيحة المتلألئة مثل سنابل الروح، طفولة متناثرة فوق معابر أزقّتي البعيدة، مترامية حول ضفافِ الأنهار، نلمُّ باقات (القرّامِ) ونصنع منه (ريسيّات) كي نقطع مجرى النهر لإصطياد سمكِ الشبوطِ، أتذكّر كيف كنتُ أركض خلف الفراشات و(الجزجزوكات) والجراد وفرس الأمير، هسيس الحشرات يعبر مخابئ الحلم، نلملم باقات السنابل والحمّص الأخضر والعدس و(شولكة) العصفور وشولكة (الشايكْ)؛ إنّي أتوه شوقاً إلى هواءٍ عليل، إلى أزقّةٍ طينيّة غارقة في شهقات الحنين..


ما كنتُ أظنُّ أنّ لملمةَ شواطئ الذاكرة لا يروي غليل الحنين المحفور في جبهة الروح، هل نحن الذين نرسم أزقّتنا بلون المحبّة، وتهنا خلف البحار، وجدنا مخدّة مريحة أكثر راحة من مخدّة الأم؟، أين أنتِ يا أمّي، لتري كم مخدّتي قاسية وخشنة كأنها مصنوعة من بقايا التبنِ، لا راحة ولا فرح يلوحُ لي في الأفقِ. لماذا ابتعدتَ كثيراً عنّي يا أفقي، وهل ثمّةَ أفقٍ مريح لما أرنو إليه في سماءِ الغربةِ؟ هناكَ ألف سؤالٍ وسؤال يراودني، وكلّ سؤال يذبحني من الوريدِ إلى الوريدِ قبلَ أن أجيبَ عنه، فلا أجيب عن أسئلتي، وأهرب منها بإنهزاميّة قاتلة، ولا أجد سوى حرفي، فأدلقه بكلّ شهوة فوق نصاعةِ الورقِ، لعلّي أخفِّفُ قليلاً من وهجِ الشوق إلى سماءِ الطفولةِ آهٍ.. يا طفولتي البائسة، لماذا أشتاقُ إليكِ رغمَ بؤسكِ، ورغم كثافات الطين التي كانت تحيق بي حتّى ركبتي؟!

وجعٌ لا خلاص منه مرّةً، وأنا غائصٌ في أكوامكِ الطينيّة ومرة شوقاً إلى تلكَ الأكوامِ، معادلاتٌ لا أجدُ لها حلاً ولا توازناً، فلا أجدُ نفسي متوازناً مع نفسي، إلا عبر الحرفِ، وحده حرفي يعيد إليّ قليلاً من توازنات معالمِ تيهي المتطاير بين أجنحةِ الليل، ليل غربتي، لو تعلموا كم من الساعات بكيتُ في رحابِ غربتي، تسربلني كآبة الشتاءات الطويلة، أريد أن أفضحَ لكم هذا الذي يدعى (صبري)، هذا الّذي يفرشُ حرفه فوق لجين الغسقِ، غير آبهٍ لجمرةِ الشوقِ المتلألئِ في سماءِ الحلقِ، إلى متى ستكابر أيّها الكاتب (الخياليّ)، أيّها المجنّح في سماواتِ الحرفِ، أينَ المفرُّ من الحنانِ والشوقِ إلى أحضانِ الأحبّةِ وعظامِ الأهلِ؟

البارحة رأيتُ والدي في حلمي، رأيته يحلّقُ فوق البحار عابراً المسافات، بقامته القصيرة وعقاله و(شرواله)، رأيته واقفاً أمامي بهيكله العظميّ، وليس بهيئته الطبيعيّة، خرجَ من قبره غير مكترث بأبجديات الموتِ، جاء كي يعرّي خشونتي، وعدم اكتراثي لجمرةِ الشوقِ، زارني في الحلمِ كي (يشرشحني)، عبر غربتي وأنا غائصٌ في تضاريس الحلمِ، هزّني من كتفي، اندهشتُ من صلابة العجائزِ رغمَ ذوبانِ البدنِ: هيكلٌ عظميّ بكل عنفوانه، جاءني، كي يوقظني من نومي، ويحقِّقَ لي ولو قليلاُ لما تبقّى من خصوبةِ الحلمِ، احتنضتُ العظام الحنونة، فتراءت لي سهول القمح وكروم الفرحِ واخضرار الأيام والشهور والسنين التي عشتها بين أحضانِ الأسرةِ، حلمٌ من لون الادهاش والاندهاش، أسرة ملوّنة بكلّ أنواع الفرح والبكاء، ما يزال حنوناً حتّى بعدَ الموتِ وسيبقى إلى ما بعدَ الموت، استبدلَ مخدَّتي بوسادة من طراوةِ السنابل، وزيّن لحافي بعناقيدِ المحبّة والأبوّةِ، عبرتُ دهاليز أزقّتي، نهضتُ من نومي فجأةً وإذ بي أجدُ وسادتي مطرّزة بنداوةِ الدمعِ، شعرتُ بالإرتعاشِ والخوفِ من خشونةِ غربتي ومن وجعِ الشوقِ، ثمَّ ارتسمت أمامي مشاهدُ الوداع الأخير، وتراءت أمامي الأحبّة، ثمَّ تغلغلَ الحزن في أعماقِ الروح والبدنِ، وتساءلتُ:

كيفَ عبر والدي كلّ هذه البحار؟ جاءني كي يبدّدَ آهاتي ويفجِّر بي وهجَ الحنان إلى العظامِ، عظام الّذين أنجبوني للحياةِ!.. هل ثمّةَ شيء في الدنيا أغلى من عظامِ الأمِّ، من عظامِ الوالدِ الحنونِ؟ عجباً أرى كيف تحمّلتُ كل هذه السنين، وأنا بعيد عن شهقةِ الأحبّة؟ هل أنا طبيعي ومن لحمٍ ودمّ؟ يراودني أنَّ قلبي تصلّبَ من خشونةِ المسافات، ربّما من شدّة الحزنِ أو من وطأةِ الشوقِ أو ربّما من وجعِ الحنين، لهذا تجاوزت كل أنواع الشوق، وتهتُ في عوالم ما بعدَ الشوق، لأنّ الشوقَ لم يعُدْ يبلسمُ خدّي، فما وجدتُ في سماء غربتي مَنْ يعانق وجع الشوق غير حرفي، اعذروني يا أحبّتي لو كنتُ قاسياً بحقّكم أكثر من حجرِ الصّوانِ فقد خلخلت الغربة أجنحتي فلم أجد نفسي إلا وأنا أندفع في رعونةِ الريحِ وغدرِ البحرِ، فتأكسدتْ لغة الشوق مع أحجار الصوان من شدّةِ حزني وألمي فلم أجد ما يسعفني سوى قلمي كي أكتبَ عن غزارةِ الدموع بعدَ هبوطِ الليلِ، وعن جمرةِ الشوقِ بعدَ أن حلّقت في أعماقِ السماء، لكنّي خبّأتُ كلّ تلاوين الحنان بين خميلةِ الروحِ، فلم أستطِعْ أن أفشي لكم بكلّ أسراري، كي لا تقلقوا على خشونة الانتظار، لكن آنَ الأوان أن أفضحَ لكم نفسي وأصارحكم وأنا بكاملِ قيافتي: أنَّ عينيَّ لم تذُق طعمَ الفرح منذ أن عبرتُ البحار، ومنذ أن تسلَّلتُ من بين أحضانكم الدافئة ولم أجد حضناً أدفأ من أحضانكم ومع كلّ هذا الإنشراخ، لا تقلقوا، فأنا لم ولن أنساكم يوماً واحداً، سأعود يوماً إلى مساحات طفولتي المتناثرة بين خدودكم الطافحة بالعذوبةِ، كي أفرشَ لهيبَ غربتي وشوقي فوقَ أحضانِكم الفسيحة، وأشهقُ بكلِّ فرحٍ شهقةً عبقة أكثر من بهجةِ الإنتشاء!


ستوكهولم: 1 . 9 . 2003 صياغة أولى
13 . 7 . 2004صياغة أخيرة
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyouse1@hotmail.com
www.sabriyousef.com
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:46 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke