Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف > نص أدبي

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-07-2009, 01:43 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي تسطع ديريك فوق خميلة الروح

تسطع ديريك فوق خميلة الروح



إهداء: إلى ديريك، مسقط رأسي!


ملأت الزغاريد فناء الحوش، كليليليليلي! العرق والفرح والعناق يتصبَّب من جباهِ الجميع، يرقصون أمام العروس، وقبل أن تقترب من عتبة باب الزوجية، يفسحون المجال لواحدٍ من أهل العريس كي يكسر "الشَّرْبِه"،أمام العروس، عربون فرحهم لقدومها.
تنكسر الشربة: جرّة صغيرة، فتتناثر السكاكر والفرنكات فيهجم الأطفال لالتقاط السكاكر والفرنكات، ويحرصُ مرافقو العروس أن لا يتقدّم الأطفال عند بياض فستان الاكليل الجميل، لكن مع هذا فجموح الأطفال وفرحهم لا يمكن كبحه فيرفع أحياناً طفلٌ حافّات الثوب ليلتقط فرنكاً ثم يقف والبهجة مرسومة على محيّاه، ترقص الأمُّ وفي يدها المغرفة، معلقة خشبية كبيرة، وفي الأخرى رغيف خبز تنوّر، تنضح البهجة من عيون الأم والأخوة والأخوات.

تعبر العروس متربّعة صدر عشّ الزوجية، تلمع عينا العريس فرحاً، يزداد قلبه خفقاناً وسروراً، مشاعر دافئة تغمر أجواء المكان، فسحة صغيرة للرقص أمام العروسين، الطبل والمزمار يخيّمان على الفرح فيمنحان الفرح فرحاً عميقاً، يعقدون الدبكات والرقص يأخذ مداه الحميم، هذا يلتقط صوراً للعروسين وذاك يرقص وآخر يمتلئ قلبه بهجة، أحد الشبَّان يغمز فتاةً في مقتبل العمر، تتفاجأ، يحمّر وجهها خجلاً، يقترب منها، ترقص الفتاة بعد قليل فينتهز الفرصة ويرقص معها على اِيقاعات "خانمان"، يضحكُ العريس والعروس هائمة في رحاب الفرح، والديّ العريس يموجان سروراً.
تطير الحمام فوق أرجاء المكان، تفرح الأزقّة وأطفال الحيّ، الدبكات تزدادُ ألقاً، يقوم عازف المزمار بتلاوة عبارات "الشاباش" على رأس العريس، ثم على رأس العروس فرؤوس أهل العريس والعروس والأصدقاء، تتناثر اللَّيرات فيلتقطها عازف المزمار بإنحناءة شكر وإحترام، سؤالٌ لا يفارقني، هل تمَّ تسجيل وقائع حفل الاكليل على شريط فيديو، كيف فاتنا أن لا نسجِّل حفلات زفاف أيام زمان أم أنَّ كاميرات الفيديو ما كانت قد وصلت آنذاك إلى ربوع ديريك؟!..

ديريك آهٍ يا ديريك، سأخبِّئكِ بين أجنحةِ القصائد، بين خميلة الذاكرة، بين حنين الرُّوح إلى تلكَ الأزقّة المزدانة بالطين والخير الوفير، كم كنتُ أتمنّى لو تمّ التقاط وتسجيل دوران النَّوارج، وهي تدرس "قوشات الحنطة"، كانت أكداس الحنطة تملأ البيادر فيوزّعها والدي دوائر دوائر ثم يدرسها بالجَرْجَر: النَّورج، ساعات وساعات وأيام وأيام، وعندما تكتمل، يكوّمها كومات كبيرة، وفي ليلةٍ قمراء يهبُّ نسيم الليل الغربي فيقوم والدي بتذرية التبن كي يفصل حبَّات الحنطة عن التبن، فيتشكل تبن ناعم جدّاً يسمُّونه العُوْر، والتبن العادي ثم الخشن، وكانوا يطلقون على هذا الأخير القسْره، كانت مخصَّصة للتنّور مع روث البقر، "الجلّة"!
كم يؤلمني أن لحظات التذرية وذكريات كثيرة أخرى في منتهى الروعة والبهاء غير مسجلة على شرائط فيديو، آلاف الذّكريات كان لها من الجمال الخلاب ما لا أتخيَّله، كيف تتحمل الذاكرة كل هذه الحميميات، تبكي ذاكرتي شوقاً إلى معالمِ دفء الطفولة واليفاعة، حفلات الأعياد، حفلات الأعراس، بهجة الرحلات والمشاوير، تزغرد أم العريس مرة أخرى ثم يزغردن بقية الأمَّهات وتقوم التهاني ركباً ما بين الأمّهات، كانت لأمّي تهلهيلة ولا كلَّ التهاليل، تهلهلُ بنَفَسٍ طويل وصوتٍ نقي ومفتوح على شهقةِ اللَّيل.

آهٍ لو تمَّ تسجيل صوت تهاليلها، أشعر أن كلّ قصائدي باهتة أمام رنين تهاليلها، مَن يدري ربما استمدّيت رحيق شعري من حبق زغاريدها، من نقاوةِ تلكَ التهاليل، وقصصي! .. ربّما نبتتْ من بركات منجل والدي الذي كان يحصد باقات الحنطة على اِيقاعات بهجة الطَّبيعة، ترقص النُّجوم مشاركةً فرحة العروسين، ينام اللَّيل على اِيقاع الفرح، تدور الأيام والشهور والسنين وتبقى ديريك بكلِّ أفراحها وأتراحها ساطعةً فوقَ خميلةِ الرُّوح!


ستوكهولم: 25 . 9 . 2005
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-07-2009, 07:18 AM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

ديريك آهٍ يا ديريك، سأخبِّئكِ بين أجنحةِ القصائد، بين خميلة الذاكرة، بين حنين الرُّوح إلى تلكَ الأزقّة المزدانة بالطين والخير الوفير، كم كنتُ أتمنّى لو تمّ التقاط وتسجيل دوران النَّوارج، وهي تدرس "قوشات الحنطة"،
اقتطفت مقطعا جميلا مما أبدعت به شكرا لك أخ صبري لما تدونه فكتاباتك رائعة
تبهج النفس وتفرح القلب
دمت بصحتك ياأخي والرب يزيدك إلهاما وتألقا
...
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:03 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke