Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > منتدى فرعي خاص بالأديب الشاعر صبري يوسف > قصة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-07-2009, 01:32 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي احمرار السواقي

احمرار السواقي



قصّة قصيرة

كنّا نتواصل معهم عبر خيطٍ من الدُّموع .. نسمع نحيبهم المتواصل فتتلظّى قلوبنا من الاحتراقات المتفاقمة هناك حول مهودِ الأطفال.
آهٍ وألف آه .. أيَّتها النّيران المتربِّصة بأرواحِ الشبَّان! وأنتِ أيَّتها المعارك الغادرة، لماذا أرخيتِ جسدكِ الثقيل بوحشيّةٍ بربريّة على أقدامِ الأطفالِ الطريّة، تهشِّمينَ أصابعهم الرَّفيعة تارةً، وتهرسينَ أجنحتهم المخضوضرة تارةً أخرى.
توغَّلَ الحزنُ شيئاً فشيئاً في جذوعِ الأشجارِ، وارتعشَتْ شفاه الطبيعة من الغضب، والكهول! .. غاصوا في بحرٍ من القلقِ والاغتياظ وأعلنوا حدادهم، رافعين أيديهم للسَّماء، مستنجدين بالآلهة، لكنَّ الآلهة كانت منهمكة بجنازات هذا العالم!

تناهى نحيب النساء إلى مسامعِ الأشجار. الأشجار التي تكسَّرَت أجنحتها الشَّامخة وبدأت هي الأخرى تبكي كالأطفال، وترمقُ التراب المخضَّب بالدماء بحزنٍ عميقٍ .. عميق!
وقفَتِ الأمَّهات بجانبِ إحدى السواقي الفائرة بدماءِ الشَّباب. الشَّباب الَّذين طحنتهم المعارك الحمقاء تحتَ عجلاتها الثقيلة، تاركةً خلفها عيون الأمَّهات متورِّمةً ومحدِّقةً في الفراغِ .. الفراغ!
إزاء هذه السيمفونيّة الألميّة أعلنَتِ السَّماء بكاءها المستديم، وغضبَتْ من الشرارات الملتهبة التي أدمَتِ خاصرةَ المساءِ الحنون.
أشارَت إحدى النِّساء بيدها المرتجفة نحوَ ساقيةٍ مخضّبة بالدماء قائلةً:
هوذا ابني، هوذا ابني! .. ثمَّ توجَّهَتْ باندفاعٍ غامض نحوَ السَّاقية.
اندهشَتِ النِّساء وغمرهنَّ البكاء متسائلات: أين هو ابنكِ يا أختاه؟
أجابت بقلبٍ منكسر، أما رأيتم ذلكَ الشَّاب الّّذي كان يطفو فوق الدماءِ الجارية، مادَّاً يديه نحونا بتلهُّفٍ كبير؟
هزَّتِ النِّساء رؤوسهنَّ ناحباتٍ، وأخذهنَّ الشرود بعيداً. شعرَتِ الأمُّ في تلكَ اللحظة أنَّها روحٌ بلا جسد .. وجسدٌ بلا روح، ثمَّ اقتربَت من السَّاقية وعيناها تقدحانِ ألماً .. رفعَت يديها للسماء مردِّدةً:
اللعنة عليكِ أيَّتها الحرب الغادرة .. الغادرة! .. وملعونٌ كل مَنْ كان سبباً في تشكيلِ احمرارِ السَّواقي. (اجتاحَتِ الأشجار موجةً من البكاء!).

كانتِ الطيورُ آنذاك مترامية على امتدادِ السَّاقية .. كم كانت عطشى! .. لكنّها أبَتْ أن تشربَ من مياهِ السَّاقية الممزوجة بالدِّماءِ السَّميكة!
مزَّقَتْ أصوات الدبّابات والطائرات أغشية الآذان، وتوغَّلَت في مخِّ العظام. الشَّباب في خنادقهم الضَّيقة يتخيَّلونَ شبحَ الموت يحومُ حولهم، ويتمنَّونَ العبور في باطنِ الأرضِ، بعيداً عن مخالبِ الإنسان!
وفيما كانَ الشَّباب ينتظرونَ الموت، كانت قامات آبائهم وأمَّهاتهم تتماثل أمامهم فتكتملُ معهم سيمفونية الموت على إيقاعات هذا الزمن المجنون!
وأمَّا فراخُ الطيورِ! فكانت تفتحُ مناقيرها الغضَّة، تنتظرُ أمَّهاتها كي تبلِّلَ ريقها الجاف، ولكنَّ أمَّهات الطيور ماتَتْ وهي في طريقها إلى فراخها.
مَنْ سيبلِّغُ الفراخ على موتِ الأمَّهات؟
ومَنْ سيبلِّلُ ريقها الجاف بعدَ موتِ الأمَّهات؟

فجأةً تكسَّرَتْ أغصان الأشجار وبدأت تتهاوى على الحشائش المحروقة، وسقطَتْ أعشاش الطيور وتكسَّرَت بيوضها قبل أن ترى النُّور!
.. وعلى امتدادِ الأقبية العميقة، كانت الخرائط الطبوغرافية ترتعدُ تحتَ الأيدي القاسية. أحدهم أشارَ إلى أحدِ الأمكنة يريدُ اختراقه وابادته تماماً. وآخرون ترتجف قلوبهم، ويهزُّون رؤوسهم نحو اليمينِ واليسار، ويتخيَّلون الأطفال الَّذينَ هناك، يمدُّونَ أعناقهم نحو أثداءِ أمَّهاتهم.

دقَّتْ أشجارُ النَّخيل ناقوس الموتى .. وأعلنَتْ نفيرها العام بغضبٍ شديد. نهضَت الأمّهات الثُّكالى وبدأنَ يرتِّلنَ ترتيلةَ الأحزان، فجاءت ترتيلتهنَّ كأنَّها صدى لخريرِ السواقي الّتي تراكمت فيها أجنحةِ الشباب المهروسة وجماجم الأطفال الغضَّة، مفقوءة العيون و ...
آهٍ يا أيُّها الزَّمن الأحمق! .. لماذا يأكل الإنسان بعضهُ بعضاً؟!
وهناك! .. بجانبِ أحدِ الشَّواطئ البعيدة، وقفَ جنرالٌ أهوج يمسكُ (قصبةً) وينظر إلى وجهِ المياه .. ينتظر اهتزازات الخيط المتدلِّّي في الماء .. وعلى مقربةٍ منه راديو صغير. كان المذيع يقرأ نشرةَ الأخبار .. وكان الجنرال الأهوج يمعن النَّظر في صفحةِ المياه ويقهقهُ بأعلى صوته وكأنَّ الجماجمَ البشريّة التي أكلتها نيران الحرب دُمى خشبيّة يتسلّى بها كما يتسلّى (بقصبته) على شواطئِ البِّحار!!


غوثيمبورغ: صيف 1990
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-07-2009, 07:53 AM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

اللعنة عليكِ أيَّتها الحرب الغادرة .. الغادرة! .. وملعونٌ كل مَنْ كان سبباً في تشكيلِ احمرارِ السَّواقي. (اجتاحَتِ الأشجار موجةً من البكاء!).

نص أدبي مؤثر وقصة حزينة
هكذا هي الحروب تدمر وتدمر وتدمر
شكرا لك أخ صبري لفكرك النير وإنسانيك الجميلة
سلمت يداك وقواك الرب
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke