Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الأزخيني > ازخ تركيا > شخصيات و رجالات

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-04-2010, 09:25 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,595
افتراضي المعلم والرياضي حنا شيعا. بقلم: فؤاد زاديكه

المعلم والرياضي حنا شيعا
1937 - 1970



المقدمة

لقد شرّفني الأخ والصديق فهد شيعا وعدد آخر من الزملاء الشباب في موقع مالكية ديلان وغيرهم من الأخوة الذين كانت لهم رغبة شديدة في معرفة بعض جوانب حياة هذه الشخصيّة المحبوبة وكنت منذ زمن قد وضعت كتيّباً عن حياته وهو الصديق والمعلّم والأخ ونظراً لكون العلاقة التي جمعت بيننا كانت متينة ووثيقة العرى وظلّت على ما هي عليه إلى أن وافته المنية في العام 1970.

لقد كانت حياة المرحوم حافلة بالعمل والحيويّة والنشاط ولغنى هذه الشخصية في مجمل ما تميّزت به وما حملته من طموحات وآمال، احترت بيني وبين نفسي من أين أبدأ؟ من أية زاوية آخذ هذه الشخصيّة النادرة بالدرس والتحليل؟ وبمقدور المتناول لهذه السيرة أن يكتب عنه مجلّداً ضخماً لأن ينابيع شخصيته ومنابع اهتماماته ودفق عطاءآته لم يكن لينحصر في مجال معيّن أو منحى أحاديّ الجانب، بل هي تعدّتْ كلّ ذلك وتجاوزته لتخلق لها وجوداً مؤثّراً ومميّزاً في معالم مختلفة ومناح كثيرة من حياة شعبنا وبلدتنا ديريك التي أحبّها وقدّم لها ولأبنائها كلّ ما استطاعه وملكه من خبرة ودراية وتثقيف وتوعية فكان نموذجاً حيّاً خلاّقاً مبدعاً يمكن الإقتداء به وهو منح معظم شباب الجيل المتوسط - وهم تلامذته في حقول التحصيل العلمي والسياسة والرياضة - لم يكنْ ليكلّ أو يملّ أو يعرف اليأس طريقاً إلى قلبه أو إرادته أو يثني شيئاً من عزيمته أو يحبط بعضاً من معنويّاته المتأهبة دائماً والقويّة أبداً تدفعه استمراريّة العطاء وديمومة البذل.
سأحاول قدر الامكان الإيجاز فلو أطلقت لقلمي العنان وحرّرته من عقال الصمت لكتب... وكتب... وكتب دون نهاية.



بطاقته العائليّة
هو حنا بن گورگيس شيعا ويعرف في الدوائر الرسمية ب حنا جورج من بيت (حطبو) وهو برصومكيّ العشيرة، أمه فريدة ابنة مسعود شيعا، أخواله اسحق وأبلحد شيعا وعمه سفر شيعا.

ولد في آزخ في عام 1937 وبينما كان صغيراً قدم به والداه من آزخ إلى قرية برا بيصا حيث سكنوا فيها، ومن ثمّ انتقلوا للسكن في ديريك بعد ذلك، ويذكر لي والدي أن المرحوم كان صغيرا في برا بيصا عندما سقط من على السطح وكسرت رأسه (فدغ).
ولد في أسرة فقيرة وله من الأخوة ميشيل وأفرام وسمير ومن الأخوات خاتون وسميرة وجانيت ومارين. متزوج من صارى ابنة توما حنا صليبا من أسرة آل حبيب وأنجب من الأولاد جبرائيل (گابي) وفهد ورياض. كان يعلّم في مدارس السريان الخاصة في أوائل وأواسط الستينات من القرن الماضي ثم عمل في حقول نفط الرميلان في قسم الإطفاء ولغاية وفاته في العام 1970.



نبذة عن حياته
في مراحل شبابه الأولى كان له ولع شديد بكرة القدم وبالكرة الطائرة وكان يمارس يوميا رياضة الألعاب السويدية في غرفة كانت مخصصة لهواياته في الدار كما كان يعلّم في مدرسة السريان الخاصة في مدينة المالكية (ديريك) والمعروف عنه قسوته وحبه للنظام والانضباط والاجتهاد وبالرغم من كل ما عرف عنه من هذه القسوة وذلك الحب الشديد للانضباط فإنه كان شخصية مميزة ومحبوبة جداً.

صرامته كانت من أجل مصلحة التلاميذ أولا وأخيراً حتى أنه كان يلاحقهم خارج أوقات الدوام من شارع لشارع ومن زاوية لأخرى، حتى أنه كان يفاجئهم وهم نيام، وويل للذي كان حنا شيعا يزوره في المساء فيراه نائماً لا ينكب على الدرس! وكان يعرف التلميذ لدى استيقاظه من النوم في الصباح أن أستاد حنا (هذا ما كان يحلو لنا مناداته به) كان عنده ليلا بدليل وجود المسمار والخيط الذي كان يشد إليه شعر التلميذ النائم إلى الحائط ولم يكن ليجرؤ أحد من أولياء الأمور الاعتراض على تصرفات المرحوم حنا شيعا هذه، بل كانوا يرون فيها حرصاً أكيدا منه على مصلحة أبنائهم وكان يطيب لهم فعله لذلك وهم يشجعونه.

لقد قدّم من الجهد والتعب الشيء الكثير وكانت لذلك نتائج مرضية وإيجابية فتلاميذ مدرسة السريان كانوا المتفوقين على زملائهم من المدارس الأخرى كالريفية ومدرسة ناظم الطبقجلي وغيرهما كما كانوا دائما القدوة للمدارس الأخرى في النظام والانضباط وكان ترتيب مدرسة السريان بفوجها الكشفي المتميّز الذي أنشأه المرحوم في المقدمة لدى الخروج في مسيرة أو تظاهرة أو مناسبة وكان يضرب المثل بهذا التنظيم وهذه الروعة في التشكيلة الكشفية، كما أسلفنا كان تلاميذ مدرسة السريان المثال المجدّ والنشيط والمتقدم على بقية المدارس وكل ذلك بفضل الجهد الكبير الذي كان يبذله المرحوم من وقته وجهده وكان يستحق الاحترام والتقدير.

الروح الرياضية العالية التي كان يتحلّى بها كانت كبيرة وطيّبة لكنه مع ذلك لم يكن ليقبل اعوجاجا من أحد أو تعدياً على أحد وكان سريعاً في المعاقبة والمجازاة لمن يسيء دون هوادة. أفنى من عمره زهرة شبابه في خدمة الحركة الرياضية والكشفية في بلدة ديريك وكان رائداً من روادها الأوائل ومن أوائل الذين وضعوا أساساً لهذه الحركة الرياضية، فهو أنشأ فريق الدجلة ومن ثمّ سمّي بفريق (الرافدين) للرجال لطائفة السريان وأشرف على تدريبه طول الوقت كما أنشأ فريقاً للأشبال أسماه فريق (نينوى) وأذكر من لاعبيه: أفرام شيعا، يعقوب سليم ججو، نعيم حنا رشكو، ميخائيل موسى دورى، عيسى اسحق عورى، فؤاد كبرو زاديكه، أفرام يعقوب زيزو، نظير مراد حكيم، نبيل رزقو محبوبه (فؤاد) وأخوه جورج، بهيج يوسف القس وحنا ملكى وردوك وغيرهم، وقد لعب في فريق الرجال في مركز قلب الدفاع كما كان عضواً ورئيسا لفريق كرة الطائرة.
أما على صعيد كرة القدم فقد كان التنافس في تلك المرحلة حادا وشديداً حيث ظهرت فرق كثيرة تمثّل الانتماءات القومية في البلدة فمنهم فريق الهومنتمن للأرمن وكان من أهم لاعبيه فاسكين وكيفو وابن ساغاتيل باسيل (لم أعد أذكر اسمه) و فريق الكلدان كان من أهم لاعبيه سرگون شليمون وجورج سنونو، أما فريق النهضة للأكراد فكان رئيس الفريق ومن أهم لاعبيه يوسف كامل.



صفاته الشخصيّة
على الرغم من عدم توفيقه في التحصيل العلمي وأخفق في أكثر من امتحان في الحصول على الشهادة الإعدادية إلا أن مستواه الثقافي وتمكنه من اللغة العربية وقواعدها كان بارزاً ولعب دوراً كبيراً في تقوية هذا الجانب اللغوي لدى تلاميذه فهو كان يأتي بنا بعد الدوام الرسمي ليعطينا دروساً خاصة في النحو والإعراب ومن لا يذكر أبيات الشعر الحماسية التي كان يدربنا على إعراب مفرداتها وجملها وحيث أدين له كما يدين غيري له بهذا الفضل في التمكن من قواعد اللغة وعلمت فيما بعد "أن الإعراب هو مفتاح الوصول إلى الصواب فيما يتناوله الأدباء والكتّاب" هذا ما استخلصته من نتائج تلك المرحلة ومن ذلك التعب الذي كان يقوم به حنا شيعا من أحل البلدة وشعبها ومن هذه الأبيات:


إذا الشعب يوما أراد الحياةفلا بدّ أن يستجيب القدر.ووللحرية الحمراء باببكل يد مضرجة يدقّ.

وهو كان يقول: يشقّ بدل يدقّ.

لقد كان شخصية رياضية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهو كان لاعب كرة قدم لامع كما كان مدرّبا ناجحاً وله خطط كثيرة أعدها في طرق اللعب منها الهجومي ومنها الدفاعي وأذكر جيداً ذلك الكرّاس الصغير الذي كان يدوّن فيه كل ذلك ولا أعرف هل فقد بعد وفاته أم أن أبناءه حافظوا عليه؟ وكم من مرة جلسنا معاً وكان يقرأ لي ويشرح تلك الخطط ولم يكن ذلك في مجال كرة القدم وحدها بل الطائرة أيضاً.
كان عدّاءا ممتازاً وتمكن في الستينات من القرن الماضي أن يتغلّب على بطل سوريا في الجري في ذلك الوقت (عطيش) حين كان المرحوم يؤدي واجب خدمة العلم وقد أهدي في ذلك كأساً وشهادة تقدير على هذا التميّز والتفوّق وعرض عليه بشدّة أن يتطوّع في الجيش ولن يكون له عمل سوى الجري وتمثيل سوريا في المسابقات الدولية غير أنه رفض وأظن أن السبب في ذلك كان زواجه من جهة ومسؤولية الأسرة ومن ثم حبه لشعبه وبلدته التي أراد أن يستمر في خدمتها.
كان المرحوم ملاكماً جيداً ورأيته يتدرّب طويلا وأثبت من خلال مواقف ومصادمات مع بعض أصحاب النفوس المريضة كيف يمكن التعامل معهم وأذكر جيداً ويذكر معي هذا كل أبناء المالكية في تلك الفترة كيف قام يضرب جمعة الكردي صاحب طاحون النار في ديريك وصاحب معمل البوز عندما اجتاز الملعب راكباً دراجته الهوائية في أثناء إقامة مباراة في كرة القدم وكان حينها الملعب البلدي عند إعدادية يوسف العظمة وكان هذا لدى حنا شيعا من المحرّمات ومن أعظم الأمور ألا يحترم المرء القانون ونظام كرة القدم الذي كان يحبه إلى درجة العبادة.

كان المرحوم شخصية تربوية بكل تمييز ناجحا في عمله، يحب هذا العمل وله الأولوية الأولى لديه ولست أدري هل شخصيته التربوية الحازمة كانت لازمة في تلك الفترة أم لا؟ وفي باحة مدرسة السريان لم تكن كرة القدم تفارق قدمه فهو دائم المداعبة لها وكان كلما ضربها وأبعدها نتسابق في الجري إليها لنجلبها له ثانية فيما كان ينادي بنبرته المعهودة: "الطابة فين؟ الطابة إتأخّرت ليه؟" باللهجة المصرية وكان الكل قد تعوّد على طباعه وخبر ما يحبه حنا شيعا وما يكرهه.

كان شخصية اجتماعية محبوبة من الجميع والدليل على محبة الجميع له، أنه كان يستطيع دخول بيوتهم ساعة يشاء دون استئذان أو علم مسبق كما كان له تأثير على الأولياء وكلمة مسموعة لكن أسلوبه هذا يبدو أنه لم ينجح مع والدي فحينما حصلت على الشهادة الإعدادية كانت لي رغبة عارمة في دراسة البكالوريا ومن ثم دخول فرع اللغة العربية التي كنت ولا أزال أحبها لكن إصرار والدي على إرسالي لدار المعلمين بزّ كل محاولات المرحوم التي أذكرها جيداً وكيف كان يقول له: "حرام تقضي على مستقبل فؤاد فهو شاطر". إلا أن الرغبة السريعة من أجل كسب المال لدى والدي ربما كانت الدافع له ومن جهة أخرى التزامات الدراسة ربما لم يكن بمقدوره القيام بها وبأعبائها المادية ليقوم بإرسالي إلى دار المعلمين.

كان شخصية كشفية - رحلاتية. وتمثل ذلك بوضوح في الإنجازات الكشفية التي قام بها والتفوق الذي حصلت فرقه عليها أما في مجال الرحل المدرسية فحدّث ولا حرج، إنه كان دائما المحرّض على مناداتنا: تنزهة... تنزهة... تنزهة، وهذا ما كان يغضب مدير المدرسة الأستاذ يعقوب توما عبده (أبو شوكت) كان يصرخ حنا شيعا في وجهنا علناً ليقول: ما في تنزهة ثم يشير إلينا بيده من وراء ظهره ب: نعم ويهزّ يده لنزيد مطالبتنا بها، خاصة متى كان الطقس مشمساً وجميلا وكم كانت سعادتنا لا تقدّر عندما نذهب إلى البيت ونقول لأهلنا اليوم ما في مدرسة، اليوم في رحلة (تنزهة) فيقولون على الفور: أكيد حنا شيعا وه، كان ذلك بكل تأكيد يؤثر على العملية التربوية بيد أن حنا شيعا كان يعوّضه بحصص دراسية إضافية ويتدارك النقص بل ويزيد من المعلومات لدينا.

كان مرشدا اجتماعياً، يساهم في حل مشاكل التلاميذ ويلتقي أهلهم ويدرس معهم هذه المشاكل وعوقبت ذات مرة منه عقاباً كان قاسياً بالمعنى الأدبي وليس الجسدي، فحنا شيعا معلمي كان يحب التلميذ المبرّز والمتفوّق في صفه كثيراً ولا أبالغ متى قلت أنني كنت أحد هؤلاء، ولاحظ المعلم بنظرته الثاقبة أن تلميذه لم يعد كسابق عهده في النشاط والجد الذي عهده فيه، فأخبر والدي عن تقصيري هذا وكانت المصيبة كبيرة جداً بالنسبة لي فوالدي والذي أثر فيه كلام الأستاذ وحيث كان يفتخر دائما أمام الآخرين بتفوقي صعق عندما علم من حنا شيعا أنني لم أعد أكتب وظائفي ولم أعد أبدي حماساً كما في الفترة الماضية، فجاء والدي إلى البيت ورأى ما كان بيدي وهو قصة حمزة البهلوان فارس العرب والحجاز وكانت مجلدات أربعة، وكنت لا أرمي بالكتاب من يدي حتى آتي على نهايته وكان هذا هو الشأن مع قصة الزير سالم أبو ليلى المهلهل ومجراوية الزير وقصة عنترة بن شداد العبسي وقصة فيروز شاه ابن الملك ضاراب وقصة سيف ابن ذي يزن و سيرة بني هلال وتغريبتهم وكذلك وقصص ألف ليلة وليلة، وكان أبي اشترى لي جميع هذه القصص لأزيد بها ثروتي اللغوية وعندما أدرك أنها صارت سبباً في تراجعي المدرسي أمسك بها جميعاً وهو محموق أشد الحمق وبدأ بتقطيعها وبرميها في الصوبة (المدفأة) و كأنه كان يقطع قلبي وجسدي قطعاً قطعاً وأنا أنظر إلى هذه الكتب التي كانت بمنزلة عظيمة لدي وهي تذوب بين ألسنة اللهب التي طاب لها هي الأخرى أن تلتهمها دون أن أتمكن من إبداء رأي أو اعتراض لقد كان قدراً قاسيا وعليّ تحمّله.

ومما أستطيع تأكيده على مدى حب تلاميذه له على الرغم من قسوته التربوية، وعندما تعثّر عليه الحصول على الشهادة الإعدادية، كان تلاميذه وتلميذاته ينذرون الذهاب حفاة إلى الكنيسة وهم يصلون من أجل نجاحه إنه كان شعوراً عفوياً يشير إلى المشاركة الوجدانية والإحساس بما كان يعاني منه، وأسجل للتاريخ أنه ضرب ذات مرة شرطياً كان يقوم بمراقبة امتحانات الشهادة الإعدادية في مدرسة الريفية (التي تحولت فيما بعد إلى مكتب لمستودع الكتب المدرسية ومعتمدية رواتب المعلمين) وكان من طبع المرحوم أن يساعد التلاميذ فكان ينتظر خروج أحد الممتحنين فيأخذ منه ورقة الأسئلة ويجيب عنها ثم يذهب إلى نافذة غرفة الامتحان ويقرأ السؤال والجواب بصوت مرتفع ليتمكن التلاميذ من الإجابة الصحيحة.

كان المرحوم قد اجتاز دورة تدريبية لتأهيل الحكّام بنجاح وأصبح حكما محلياً تحق له إدارة مباريات رسمية وأذكر أنه كلما كان يأتي من الدورة يحاول أن ينكت معنا ويشير إلى ما كان تعلّمه في هذه الدورة فيسألنا: هل تعرفون أين يقف الحكم في مباراة كرة القدم؟ فيجيب بعضنا: في منتصف الملعب فيما يقول الآخر: يتنقّل مع الكرة وهكذا وبعد أن نفرغ مما لدينا من الإجابات التي يمكن أن تكون يضحك مليّاً ثم يقول: إنه يقف خلف الصافرة أعني بهذا أنه كانت لديه روح النكتة مع جديته وكان يمارسها على الرغم من جبروته وقسوته، فهي كانت القسوة الحنونة والجبروت العادل.

كان محبّا لشعبه وطائفته وكان متديّناً، ربما لا يصدق أحد أن حنا شيعا الشيوعي كان مؤمناً ومتديّناً ولهذا أسوق لكم دليلي: أنه لم يكن يقبل بأن يمسّ أي كان أحدا من أبناء الطائفة السريانية بأذى كما أنه كان يواظب على الذهاب إلى الكنيسة وكان وعلى حساب وقته يقوم بدعوتنا إلى الكنيسة خارج أوقات الدوام ليعلّمنا الصلوات والتراتيل الدينية ويقوم بتعليمنا اللغة السريانية وكان يغضب عندما يتأخر أحدنا عن الموعد المحدد أو يغيب.

كان انضباطيا ويحب النظام والدقة في المواعيد وقد اكتسب هذه الصفات عندما أصبح عضوا في الحزب الشيوعي السوري وكان عنيدا ومناضلا شرسا من أجل مبدأه وقد دافع عن هذه العقيدة بقوة وكان نشيطاً استطاع أن يضم إلى صفوف الحزب كثيرين وكنت وعيسى عورى من هؤلاء كان ملتزما جدا وقد اضطهد وعذّب وسجن وأذكر أننا قدمنا إليه ذات مرة بعد خروجه من السجن لنسلّم عليه فلم يكن يستطيع المشي على قدميه لشدة الضرب والتعذيب الجسدي الذي تعرّض له ولم يثنه كل ذلك عن عقيدته التي دافع عنها ومات عليها.
أشيع في أواخر أيام حياته أنه تم فصله من الحزب وعمم علينا كأعضاء أن نقاطعه ونتهجم عليه ونحاربه ونتهمه بالتخلي عن مبادئ الحزب وغير ذلك وكانت هذه خطة موضوعة من قبله وقبل مسؤول الحزب في ديريك يومئذ الأستاذ يعقوب توما عبده، لكشف محاولات بعض الجهات المعادية للحزب والتي كانت تخطط لعمليات فيها خطورة على أمن وحياة قياديين في الحزب وكان حنا شيعا يلتقي بهؤلاء العملاء والذين يعملون كطابور خامس، بعدما أمنوا جانبه بسبب الحملة الإعلامية الشديدة التي شنتْ على حنا شيعا فصاروا يثقون به ويتحدثون له عن خططهم ومراميهم، وتحت جنح الظلام كان يأتي يعقوب توما إلى طرف حنا شيعا دون علم أحد سوى زوجة حنا (صارة) فيأخذ جميع الأخبار وقد استطاع الحزب الشيوعي في ديريك في تلك الفترة من كشف أمور خطيرة كانت ستودي بأرواح بعض القياديين الشيوعيين، لم يمت حنا شيعا غير شيوعي شريف بخلاف ما كان يروى عنه في الأيام الأخيرة من حياته.

كان المرحوم سبّاحاً ماهراً ورأيته أكثر من مرة يقطع نهر دجلة سباحة على الظهر بالقرب من عين ديوار وأستغرب بل أتعجب حين يقال أنه غرق في بحيرة صغيرة في مدينة الرميلان! إن في موته لغزاً محيّراً لا يزال وبعد 35 عاما غير قابل للحل وإني أضع عليه بحكم معرفتي اللصيقة بحنا شيعا ألف سؤال وعلامة استفهام!!!

وككلمة معبرة وموجزة أقول عنه: إنه كان متكلما، ملتزماً، منضبطاً، شجاعاً، جريئاً، نشيطاً، غيوراً على المصلحة العامة ومصلحة شعبه، صبوراً وما كل الذي تحمله في آخر أيام حياته من هجوم على سمعته وأخلاقه إلا الدليل القاطع على صحة ما أقول، نبيلا، كريماً، أميناً، متديناً، رياضياً، واعياً، مثقفاً، مدرباً ناجحاً، سياسياً عنيداً وصلباً وجدت في أواخر أيام حياته بعض الأمور كادت تعصف بكل شيء إلا أنه استطاع بصبره وقوته أن يعيد التوازن إلى حياته.
حنا شيعا أعطى هذا البلد من روحه ودمه وتعبه وعرقه وتضحياته، وأفاد أبناء شعبه وأمته وطائفته على قدر استطاعته وهو ترك بصمات لن يمحوها الزمن فوق جبين هذه البلدة الطيبة التي نستطبع تسميتها (بآزخ الصغرى) يبقى أن نذكر لهذا الإنسان - رحمه الله - ولعه الشديد باللغة العربية وقد غرس فينا بذور هذا الحب وإني مدين له في هذا المجال وفي مجالات أخرى بالشيء الكثير.
كان نبأ وفاته كالصاعقة ولم يصدق أحد نبأ الوفاة فحنا شيعا الرياضي والشاب يموت هكذا وعلى هذا النحو؟ كان أمراً غير قابل للتصديق أو لم نكن نحن على الأقل نريد تصديقه فقد فقدت ديريك والطائفة السريانية بفقده قوة تواجد وعنفوان شباب كان ذا أثر سلبي كبير علينا جميعاً وأذكر أننا كنا في تلك اللحظة في چردغ حنا مراد پسي أنا وصامو اسحق گورو وأفريم عبد الأحد ونظير پولص العربانجي فدهشنا وانعقدتْ ألسنتنا.
قمت برثائه بكلمات دونتها له ولذكراه أرجو أن يتسع المجال هنا لكتابتها مثلما كتبتها في تلك الأثناء فهو كان لي أباً وأخا وصديقا وأستاذاً وكان يثق بي جداً ويحترم رأيي وكثيراً ما كان يعرض علي بعض أموره الشخصية ليأخذ رأيي، ومنها أننا في أكثر من مرة كنا نتجول سيراً على الأقدام لساعات طويلة ونحن نتحدث في كل شيء وأكثر ما كان يشغل باله في تلك الأيام الأخيرة هو رغبته الشديدة في العودة إلى حقل التعليم وممارسة مهنة العمر التي أحبّها وعمل فيها لسنوات طويلة إلى أن قامت الحكومة بإقفال المدارس الخاصة في خطوتها المعروفة وكنت أشجعه على ذلك و أتمنى لو عاد إلى التعليم مستفيدا من قرار تثبيت المعلمين الذي كان صدر في تلك الآونة.



كلمة أخيرة
إلى روحك أيها المعلّم والصديق والحبيب... إلى روحك أيها المشعل الذي لم يحترق إلا ليضيء ويخلد... أكتب إليك إلى روحك الراقدة في جنات النعيم... إليك يا حنا.
تعرّفت إليك ويا ليتني ما تعرّفت... وتقرّبت منك ويا ليتني ما تقرّبت... لأنك حللت فيّ حلول الطيف الحالم وغادرتني مغادرة الفراشة. أجل... أجل ليتني ما عرفتك... أجل ليتني ما تقرّبت منك. لقد أحببتك يا حنا حبّاً ملك عليّ كل وجداني وسيطر على شعوري وأحاسيسي مجتمعةً، فصرتُ لا أستطيع العيش من دونك لا استطيب الحياة إلا وهي تريني حنّاي، ولساعات طويلة أستريح إلى نبرة صوتك الهادئة وأسرح في مقلتيك الصادقتين الصافيتين اللتين كانتا تتحدثان إليّ بكل حنان أبوي وعطف أخوي وحب مجرّد عن كل غاية أو منفعة أو ما يمكن أن يكون غير الحب الأخوي والأخوي وحده.
لقد ترعرعت على يديك مذ كنتُ طفلا في صفوق المرحلة الإبتدائية، وكان هذا نصيب الكثيرين من أبناء جيلي من طائفتنا السريانية في مدينة المالكية (ديريك) تعرّفت إليك من خلال براءتي والتصقت بك بعدما أدركتُ أنك المعلم الحنون الذي كان يرأف بنا مادّاً إلينا يد حنانه وفاتحاً صدر عطفه ليضمّنا إليه ويداعب خدودنا ويمسح برفق بيده على جبهتي لكأنه كان يريد القول لي: لن تهنأ يا فؤاد... نعم كنتُ أدرك نبرة صوتك المتهدّج وأعي أنك تعاني من أمر وأن حدثاً جللا سيقع.
حنّاي عرفتك الرجل الشجاع الذي لم يعرف الخوف طريقاً إلى قلبه النابض بالدفق والحيوية والنشاط ولا الجبن والتهاون معنى أو ممارسة، وقد قاسى ما قاساه وتعذّب بما فيه الكفاية من أجل مبدأ أحبّه وهدف سعى جاهداً إلى تحقيقه. لقد أهنتَ ونعرف جميعاً أنك كنت تأبى الذلّ وترفض الخنوع، لكنّ الأمر كان خارج حدود التأثير وإمكانية التغيير فيه كان قدراً مفروضاً ودفعت من أجله ثمناً باهظاً كانت لحياتك معان جليلة وعزيزة.
لقد صمدت من أجل صخرة العقيدة وتحمّلت الأذى ودافعت بشرف وكبرياء وضحّيت بعزّة نفس فكنت مثال القدوة الحسنة... أجل كنت كلّ ذلك أيّها المعلّم الكبير. تعرّفتُ إليك من خلال قلبي ودنوتُ منك أفصح لك عن مكنونه، فكنت الذي يمسك بيدي ويد الكثيرين يقودنا إلى حيث يجب، إلى الطريق الذي كنا نراه صحيحاً ونؤمن به عادلا، تعطف علينا، تدللنا، تسبغ علينا من لطفك ومحبتك الشيء الكثير، وكنتُ أراك لهذا الصديق الصدوق والحبيب المخلص والمعلّم الأب، هذا المعلّم الجليل فأنا إن تحدّثتُ إليك بعبارة مفخمة وأسلوب جزل فذلك لأنه من صنع يديك وإنجاز تعبك ونتاج تضحيتك، لقد نهلتُ من معين علمك الصافي واهتمامك الأدبي المبدع، نعم كنت هذا. كان يقرع جرس الخروج إلى فرصة الإستراحة فتسرع إلى حبيبتك الكرة وهي الأخرى كانت تنتظر قدومك، فهي كانت بمثابة الوريد لتلهو بها لهواً بريئاً وتغازلها بعفاف وعذوبة وتحنو عليها قدمك فتطير هنا وهناك فنركض لنأتي بها إليك ثم تعيد الكرة و لأكثر من مرة وإلى أن يقرع الجرس ثانية معلناُ بدء الحصة الدرسيّة التالية. كنت تودّع الكرة وتغيب علائم الاطمئنان والسلامة والدعة والفرح وتبدأ ساعة الجد بعبوسه المعهود فيك لكأنك لم تكن أنت هو الشخص الذي كان قبل لحظات في باحة المدرسة يتواضع إلى أقصى درجات التواضع وهو فرح مرح مشغول بطابته وفرح تلاميذه المنتشرين من حوله.
لم أكن أحسّ وأنا بالقرب منك إلا بكل شعور هادىء وراحة بال وكل سعادة، لم أكن أشعر وأنا بالقرب منك إلا بكل فخر وعزّة نقس وثقة لأنك كنت الواثق من نفسه والذي انعكس إيمانه بنفسه وبالله وثقته غير المحدودة على كل نفسي فكان لها الطلّ الربيعي الذي يسقي تعطّشها للعلم والمعرفة وكان الشمس المنيرة الدافئة لظلمة طفولتي. أجل عرفتك يا حنا فيما شكّلت من الفرق الرياضية وتعبت من أجل رفع شأن الرياضة في هذه البلدة النائية التي عرفتك الرجل النشيط الذي ضحّى بعشرين سنة من عمره في خدمة الأجيال الرياضية والشباب الرياضي.
فتحت الأندية ودرّبت الشباب فصقلت نفوسهم وهذّبت سواسبهم، أنعشت الرياضة في بلدتنا بكل معنى الكلمة فكنت نبراساً للأجيال القادمة واستطعت أن تفلح بالرغم من كل الصعوبات والمعوّقات التي اعترضت طريقك سواء عن قصد أو عن غير قصد، لقد حطّمت كل ذلك بكبرياء الرجل المقتدر و بشموخ ظاهر في الإرادة الانسانية المتمكنة، لم تكن بلدتنا الصغيرة هذه تعرف عن الرياضة الشيء الكثير وكانت معرفتها لا تتجاوز حدود كونها نظرية ليس إلا فعلمتهم فنون كرة القدم والطائرة وتعلم الروح الكشفية واخترعت الخطط الدفاعية والهجومية في لعبتي كرة القدم والطائرة.
أعزائي أبناء بلدتي ديريك من منكم لم يعرف المرحوم حنا شيعا؟ من منكم لم يستشره في رأي أو أمر؟ أو يأخذ رأيه في مشكل اعترض طريق حياته؟ الكل يعرفه ويعرف أنه كان مثال الرجل الصادق.
قمْ أيها المعلّم القدير... قمْ وانظرْ إلى أصدقائك الذين تركتهم في وحشة واغتراب فهم لن يذهبوا بعد الآن إلى الرحلات برفقتك وهم لن يهربوا من الشوارع خوفاً منك كيلا تراهم مثلما كانوا يفعلون وهم صغار، لقد تركتهم في حزن دائم إنهم ينظرون إلى هذه الحجارة القاسية والخرساء التي سقطت على صدرك العامر بالحب دون رحمة، ومن ثمّ التراب الذي صار حاجزاً أبدياً بينك وبينهم.
أي حنا... قم أيها المعلم والق بنظرة على أولائك النسوة اللأئي تركت حسرة في قلوبهن لأنهن كنّ يحترمنك كل الاحترام، انظر إلى أرملتك المسكينة التي أحبّتك وعملت من أجلك الشيء الكثير وتحمّلت ما لا تتحمّله الجبال، أنظر إلى أحبائك الذين تركتهم وهم في أشدّ الحاجة إليك فلا يزالون في زغب القطا، لم يشبعوا من حنانك ومن عطفك ومن النظر إليك.
انهض واترك يديك تجلوان عن جبهات أولادك الغمّ والحزن، لماذا غادرتنا هكذا وعلى غير ميعاد ودون إشعار مسبّق، دون أن تقول لنا الوداع، وكم كانت أنشودة "ودّعوني يا رفاقي، وامشوا إلى قبري" هذه الأنشودة علّمتنا إياها وكنا نرددها عندما نودع حبيباً وصديقاً وعزيزاً وقد غنيّناها لك لنعيد إلى الذكرى البعض من أمانيك.
آه لقد مات معلمي وأخي وحبيبي، مات صديقي حنا وإني لن أراه بعد اليوم، لن أجالسه لآخذ منه حكمة ومعرفة وأدباً، لقد متّ يا حبيب الكل وكان موتك فاجعة لكل الذين عرفوك، إنك اقتطفت زهرة في ريعان الشباب والنضارة، كان يجب أن تعيش فترة أطول لأنه كانت تنتظرك مهمات أخرى لم تتمكن من إنجازها.
صمت العندليب المغرّد وسكت سكوتاً أبديّاً فأدخل الحزن إلى القلوب بعدما كان أطربها ردحاً من الزمان.

حنا شيعا ستظلّ شهاباً نيّراً أبدياً ولحناً جنائزياً خالداً.
حنا شيعا كنت عظيماً بعملك وستظلّ عظيماً بذكراك.
حنا شيعا أبكيت العيون وأدميت القلوب وأدخلت حسرة وحزناً إلى النفوس.
حنا شيعا (استاد حنا) هذا ما كان يناديك به محبّوك.
حنا شيعا المحب، فإلى ذمّة الخلود وسقى الله روض ذكراك بعطر العرف والطيب.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-04-2010, 09:43 PM
د.جان شمعون د.جان شمعون غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 51
افتراضي

شكرا لك يا ابن بلدي الغالي ويا صاحب القلب الطيب وشاعرنا الحبيب الاستاذ فؤاد ذاديكه لتقدمتك لنا بلمحة عن ابن المالكية البطل الرياضي والمحبوب المرحوم حنا شيعا
نعم المرحوم حنا شيعا غني عن التعريف فقد ترك رحيله المبكر عن محبيه واصدقائه مكانة طيبة لما قدمه في مجال العلم والرياضة . ونشكرك استاذ فؤاد لانك من خلال هذه اللمحة عرفنا الكثير عن ابن مالكية االبطل وعن مسيرته وحياته الشخصية الغنية .
الرحمة لروح البطل حنا شيعا
وتحية وتهنئة من القلب لاولاد المرحوم حنا شيعا ونقول لهم هنيئا لنا ولكم بوالدكم البطل والمعلم والمربي المرحوم حنا شيعا الذي نعتز ونفتخر وتفتخر به كل ابناء المالكية لانه خلد ذكرى لاتنتسى وسطر اسمه في دفتر الابطال لتبقى محفوظة في ذهن كل الاجيال الى الابد .
شكرا استاذ فؤاد وننتظر منك المذيد المذيد لنتعرف على شخصيات عظيمة من المالكية .
محبتي-

الدكتور جان عيسى شمعون - ارمينيا

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Cristiano_Ronaldo___CR9_by_Indax.jpg‏ (87.9 كيلوبايت, المشاهدات 9)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-04-2010, 10:49 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,595
افتراضي

أشكرك يا دكتور جان على مرورك الحبيب. ‘ني لا أزال بانتظار أن يرسل لي أخوك سهيل صورة لوالدك و بعض الإجابات التي طرحتها عليه لكي أكتب النبذة التي يستحقها والدك الكريم أبو جان عيسى البلدية كما عرف بهذا الاسم. إنه رجل عصامي و له دور عظيم في حياة ديريك. لكن بكل أسف لا تزال المعلومات التي لدي غير كافية لاتمام العمل. شكرا لمرورك الحبيب و سلام و تحية لك و للدكتورة و الأولاد الأحبة.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:59 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke