Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الهجرة المسيحيّة إلى ديريك بقلم/ فؤاد زاديكى
الهجرة المسيحيّة إلى ديريك بقلم/ فؤاد زاديكى قبل الحديث عن هجرة المسيحيين من تركيا العثمانيّة إلى ديريك في محافظة الحسكة – سوريا يجب البحث عن جذور كلمة (ديريك) ومن ثمّ عن بنائها والظروف التي رافقت تلك الفترة. فكلمة (ديريك) مهما حاول البعض تحريفها و تزوير معناها فهي تعني الدير وهو كنيسة العذراء الموجودة في ديرك منذ حوالي المائة الرابعة للميلاد, وقد كانت ديريك تتبع أبرشيّة بازبدى (آزخ) شأنها شأن قرية برا بيثا (بار بيثو) والتي تبعد عن آزخ شمالًا حوالي 9 كم وعن ديرك جنوبًا حوالي 10 كم وكانتا تتبعان الكنيسة الشرقيّة وتعود ملكية هاتين القريتين إلى العائلة الأبويّة منذ القرن الثاني عشر ميلادي وكانت لديهما أراضٍ زراعية واسعة وأديرة كثيرة منتشرة في أرجاء تلك المنطقة قبل أن تحصل مجازر وتعديّات على المسيحيين سكان هذه المنطقة فيضطرون إلى مغادرة أراضيهم و أملاكهم ملتجئين إلى العراق وغيرها من الدول الأخرى والأماكن التي شعروا بالأمان فيه. وبالعودة لمعنى ديريك نقول إنّ مَن فسّرها على أنّها كلمة من مقطعين هما دير (إشارة إلى الدير المذكور سابقًا) و (يَك) الكردية والتي تعني واحد, فإنّنا نستطيع التأكيد على أنّ الكلمة بالأصل كانت تُلفَظ (دِيرِكّ) وليس ديريك أو دير يَك أي أنّها للتصغير وحالة تصغير أسماء الأماكن و الأعلام معروفة في تاريخ ولغات الشعوب, خاصة شعوب منطقتنا في الجزيرة السورية. ونستدلّ على ذلك بحقيقة أنّها لو كانت تعني الدير الوحيد كما يُقال فإنّه لم تكن هناك كنائس وأديرة أخرى في تلك المنطقة ففي ديرِك وبالقرب من الثكنة العسكرية - على سبيل المثال - أخذنا في الخمسينيات من القرن الماضي أستاذنا رحمة الله عليه (كريم بيطار) حين كنّا تلاميذًا في الصف الرابع الابتدائي لزيارة آثار وأطلال كنيسة هناك قيل لنا اسمها كنيسة مار قرياقس وقد أخذ لنا بها بعض الصور التذكاريّة المعلّم (كريم بيطار). ولا يبعد موقع الثكنة العسكرية كثيرًا عن دير مريم العذراء في ديرك القديمة, حيث لم تكن ديرك الجديدة قد تمّ إنشاؤها بعد أي أنّ هذا الدير لم يكن الوحيد لتأتي تسميته بالدير الوحيد, إنّها تسمية تفتقر إلى المنطق والموضوعيّة كما إلى الدقة و الأمانة التاريخيّة. لقد بدأ الاحتلال أو الانتداب أو الاستعمار الفرنسي على سوريا عام 1920م تحديداً في اليوم الرابع والعشرين من شهر تموز بعد أن هزمت قوات المملكة السورية في معركة ميسلون، وأقرت عصبة الأمم الانتداب رسمياً على سوريا عام 1922م، واستمر احتلال فرنسا عليها حتى عام 1946م تحديداً في اليوم السابع عشر من شهر نيسان. و أثناء هذا الاحتلال ثبّت الفرنسيون أقدامهم في الجزيرة السورية خاصة ما بين الأعوام 1930 – 1935 م واتّخذوا من قريتي ديرك وعنديور (عين ديوار) مركزين هامّين لتمركز الجيش الفرنسي, كانت (ديرِك) المالكية قرية قديمة صغيرة لا يتجاوز عدد بيوتها العشرة منازل, يتوسّط هذه المنازل الدير القديم, والذي أخذا القرية اسمها منه, وكان الدير مُهَدّمًا خَرِبًا هناك من يقول إنّه يعود للمائة الثالثة للميلاد وهناك من يُرَجِّحْ عودته للمائة الرابعة. وعلى أثر المظالم الكثيرة والتعديات التي جرت بحق المسيحيين في تركيا من مختلف المناطق من طور عبدين وغيرها و خاصة من آزخ لكونها على مقربة من الحدود التركية – السورية فإنّ هجرات فرديّة بدأت منذ سنة 1922 تلتها هجرات شملت عائلات برمتها لتأتي وتسكن في ديرك ثم انخرط الشباب والرجال ضمن الجيش الفرنسي (الكردموبيل) وكان من الطبيعي لهذه العائلات أن تعود إلى أرض الأجداد, التي سُلبت منهم. (جدي الياس حنا هاجر من آزخ إلى ديرك للمرة الثانية واستقر فيها سنة 1926 ) هجرة المسيحيين لسورية بدأت منذ أن احتلّت فرنسا سوريا. بعد انخراط الرجال والشباب المسيحي وخاصة الآزخي في صفوف الجيش الفرنسي بدأت عملية الإعمار, فتمّ بناء البيوت من اللبن الترابي (كربيج) والسقوف من خشب, ليسكنوا فيها مع عوائلهم, و بنوا فيها فندقًا (فندق رازاي) وزرعوا شتلات الكروم التي جلبوها معهم من آزخ لتصبح ديرك مركزًا تجاريًّا كبيرًا من الدرجة الأولى بفضل أهل آزخ وغيرهم من المسيحيين الذين قدموا إليها بفعل الهجرة. وفعلوا مثل ذلك أيضًا في قرية عين ديوار حيث بناها المسيحيون وهي كانت قرية أثرية تطلّ على نهر دجلة على بمحاذاة الحدود التركية. وصار فيها 4 ملاهي للترفيه (تياترو). لكثرة الإشاعات التي راجت في تلك الفترة والتي كانت تقول بأنّ فرنسا ستقوم بتغيير الخارطة الحدودية بين تركيا وسوريا بحيث تضم بلدة آزخ إلى الأراضي السوريّة, لهذا اكتفى الشعب الآزخي الذي سكن ديرك ببناء بيوته من اللبن بانتظار ما سيحصل ولكن بعد مغادرة فرنسا لسورية سنة 1946م فإنّ حقيقة بقاء الحدود على ما تمّ رسمها بات أمرًا واقعًا و ثابتًا لهذا ابتدأ شعب آزخ والمسيحيون في ديرك ببناء البيوت من الحجارة و من الاسمنت المسلح الخ... لهذا قاموا بالتوسع في عملية شراء الأراضي وبالحديث عن ملكيّة أراضي ديرك فإنّه يمكن جلاء الحقيقة أكثر وهي أنّ أملاك ديرك كما سبق وقلنا كانت تتبع لكنيسة المشرق, لهذا جاء السيد صبري يوسف سعيد من زاخو (العراق) حيث كانت الأراضي باسمه من قبل الطائفة, ولكونه سمع بأخبار آزخ وبطولات رجالها أيام مجازر السيفو في تركيا, فإنّه قرّر أن يبيع الأراضي بأسعار رمزيّة, كتقدير منه لموقف شعب آزخ البطولي, ليصير لكلّ واحد من أبناء شعب آزخ الحقّ ببيت يسكن فيه مع أسرته, على أثر ذلك تشكّلت لجنة شراء برئاسة قريبي المختار (كبرو مراد الحكيم) وعضوية كلّ من كوركيس رشكو ويعقوب شمعون غزو وعبد الله عبد الأحد (أجدان عبدو) وكيل أوقاف السريان الأرثوذكس بتاريخ 20/5/ 1954 (ولدينا صور عن محاضر البيع و الشراء) وقد تمّت عملية البيع والشراء في فندق الفردوس في مدينة القامشلي وتمّت الموافقة على شراء ثلثي ملكية أراضي ديرك, التي يملكها صبري يوسف وقدره 11 ألف ليرة سورية. وحيث لم يكن المبلغ متوفّرًا في صندوق أوقاف كنيسة السريان الأرثوذكس بديرك لهذا تمّ استدانة المبلغ المطلوب من السيد مسعود أفندي (آل اصفر و نجَار) بواسطة كوركيس رشكو ويوسف لحدو مراد, بكفالة السيد كوركيس رشكو لكونه كان صاحب أملاك و أراضٍ وهو معروف من قبل السيد مسعود أفندي فإذًا وبموجب ذلك العقد صار ثلثي أملاك ديرك يعود للشعب الأزخيني دون غيره, بينما الثلث المتبقي كان يعود لملكية السيد قدري عبد الغني والذي كان اشتراها من السيد عبد الكريم ملّا صادق صهر نايف باشا من ابنته. أما بخصوص الزعم بأنّ أوّل من سكن ديرك هو شخصٌ يُدعى (حَمكو) فهو كلام لا أساس له من الصحة, بدليل أنّ حمكو هذا ليس مسيحيًّا بل هو شخص كردي كما يُشاع, ولو صدقت هذه الرواية فهل حمكو هو الذي بنى هذا الدير؟ ثمّ لماذا لم يبنِ جامعًا في ديرك ليُشير إليه؟ يمكن أن يكون هذا الشخص مرّ مرورًا بهذا المكان وهذا لا يعني أنّه امتلكه؟ فأين هي صكوك ملكيته (طابو) لهذه الأراضي؟ وعلى غرار الأحاديث يقولون حدّثنا فلان وذكر لنا فلان أنّ حمكو هذا كان هنا. لم يعد مثل هذا الكلام يُقنع أي عاقل, ولغاية نهاية التسعينات فإن دور المسيحيين في ديرك كان الأكثر عدًدًا وفاعليّة دون غيرهم من القوميات الأخرى و خير دليل على ذلك انتخابات مجالس الإدارة المحليّة بديرك في 20/2/1983 حين قامت معركة سياسية – قومية – طائفية – دينية – حزبية – شخصيّة طاحنة بين جميع أطياف الشعب في ديرك فاز بالأكثرية الساحقة المسيحيون من آزخ و إسفس لما يدل على ثقل مسيحي كبير في ديرك. و من باب المنطق و العقلانيةّ أنْ لا يكون هذا صحيحًا بدليل أنّ هذا الدير لم يكن لوحده في هذا المكان و أنّ الذي بناه عاش قبل المسيح, و أنّ الذين تعاقبوا على سكن هذا المكان لم يكونوا مسلمين و إلّا فإنّ هذا الدّير كان سيتحوّل إلى مسجد أو جامع, و لما بقي ديرًا و من ثمّ كنيسةً بعد ذلك و من ثمّ فلا يمكن أن يكون الدير قائمًا في صحراء بلا بشر يسكنون بالقرب منه, و إلّا فما الغاية من بنائه؟ اليس لكي يكون دارًا للعبادة و الصلاة و ممارسة الطقوس الدينية؟ إذًا ففكرة أن يكون حمو أو حَمكو هو أوّل من بنى ديريك فكرة غير دقيقة و غير صحيحة و تحتاج لإثبات تاريخي أو لتحليل منطقي على أقلّ تقدير, فالدّير كان قبل حمكو هذا و الدير لم يكن بمفرده بل كان هناك مؤمنون يقومون على خدمة هذا الدّير و يتعبّدون أو يصلّون فيه, هناك إذًا مكوّن اجتماعي حيّ كان يعيش قبل قدوم حمكو هذا و ملكية ديريك لم تكن عائدة لحمكو بل لرزق الله (رزقو البلدية) الذي يوجد قبره في باحة الدير و هو كان من أكبر ملاّكي المنطقة و مناطق أخرى وهو من أقارب صبري يوسف سعيد.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|