Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى المسيحي > موضوعات متنوّعة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-03-2015, 11:53 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,072
افتراضي ردا على رواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير 2

كما أن كل ما تفترضه وتزعمه بل وتلفقه لا أساس له من الصحة وهذه هي الأسباب:

(1) المسيح نفسه تجسد في مدينة بيت لحم ونشأ في الناصرة التي كانت خاضعة لليهودية التابعة لولاية سوريا واليهود من أبناء إبراهيم وأصلهم يرجع لما بين النهرين، أي العراق، وولد من العذراء القديسة مريم سليلة بيت داود الذي من سبط يهوذا ابن يعقوب، ويهوذا هذا هو الذي أخذ اليهود منه اسمهم، فهل المسيح بهذا الصفات يعتبر عربي؟! وهل تعترف أن اليهود عرب؟ أم توافق على ما يقولونه للعرب: نحن أبناء عمومه؟! وبصرف النظر عما ستقوله أو ما تقوله نظريتك نسألك؛ هل قال المسيح عن نفسه أنه مجرد إنسان أم أنه الإله المتجسد؟ وهل قال أنه مجرد نبي، بناء على هذه النظرية، أم أعلن عن مجيئه ونزوله من السماء؟! ونقول لك بكل صراحة ووضوح: أن المسيح نفسه أكد أنه الإله المتجسد الذي يضم في ذاته اللاهوت والناسوت، الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، فقد تكلم عن نفسه كإنسان كما تكلم عن نفسه كالإله النازل من السماء والآتي إلى العالم: " وليس احد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان " (يو3: 13)، " لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يو6: 38)، وهنا تحير اليهود " وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وأمه. فكيف يقول هذا أني نزلت من السماء؟ " (يو6: 42). كما أكد أنه الكائن في كل زمان: " قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو8: 58). كما تكلم عن كونه الابن من الآب، الذي من الآب والذي في الآب (يو14: 11)، في حضن الآب (يو1: 18)، والواحد مع الآب في الجوهر(يو10: 30)، وفي ذات الآب قبل كل خليقة (يو17: 3)، وأن حقيقة كونه ابن الله، الابن من الآب، هي حقيقة إلهية أعلنت بالروح القدس (مت3: 17). هذه الحقيقة التي لا يعرفها أحد ولا يقدر أن يعلن عنها أحد غير الابن ذاته فقال مؤكداً: " كل شيء قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (لو10: 22)، أي أن معرفة الآب والابن لا تتم إلا عن طريق الابن، لماذا؟ يعلل هو ذلك بأنه يعرف الآب لأنه منه " أنا أعرفه لأني منه " (يو7: 29)، فهو الذي " من الآب " و " في الآب "؛ " أني أنا في الآب والآب فيّ ... أني في الآب والآب فيّ " (يو14: 10و11)، " الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " (يو1: 18)، والكائن في ذات الآب: " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو5: 17 و24)، والموجود قبل كل وجود " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو8: 58)، وكما أعلن عن نفسه: " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " (رؤ21: 6)، " أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر " (رؤ22: 13).

كما تكلم عن الآب باعتباره المصدر الذي آتي هو منه، من الآب، من عند الآب، من ذاته، وغير المنفصل عنه، الواحد معه، والمساوي له في كل شيء، بل واستخدم كلمة " الآب " باستمرار سواء في حديثه عن الله أو في حديثه مع الله بطريقة تؤكد العلاقة الفريدة بين الآب والابن؛ ففي الإنجيل للقديس مرقس (14: 36) ينادي الآب بالتعبير الآرامي " أبا "؛ " يا أبا الآب " الذي يعني " daddy "، أي أباه بصفة خاصة، أبيه الذي هو منه، وهو لقب لم ينادي به أحد الله من قبل (رو8: 15وغل4: 6). ودائما يقول " أبي وأبيكم " (يو20: 17) ولم يقل قط " أبانا ". وقد فهم اليهود من أحاديثه عن علاقته الخاصة بالله الآب: " فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله. فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك. لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء. لان الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن " (يو5: 17-22)، " لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته " (يو5: 26)، ولما قال لهم: " أنا والآب واحد فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها " (يو10: 30-33)، " ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه " (يو10: 38).

(2) الأبيونية: وهي شيعة يهودية صرفة وليست عربية، فقد خرجت هذه الفئة بعد خراب لهيكل ودمار أورشليم سنة 70م من جماعة اليهود المتنصرين، أو كما سماهم بعض العلماء، مثل هيبوليتوس، المسيحيين اليهود، لتمسكهم بالعوائد والتقاليد اليهودية والناموس وحفظهم للسبت على الرغم من احتفالهم بالأحد مع المسيحيين! وقد دعاهم رجال الكنيسة بالابيونيين من كلمة أبيون بالعبرية (אֶבְווֹן - Ebion) والتي تعني فقير، وجمعها ابيونيم والتي تعني الفقراء لفقر تعاليمهم وحقارتها. وهم جماعة مميزة ومختلفة تماما عن جماعة الناصريين. ولم يقل عنهم أحد قط أنهم مسيحيون أو أن فكرهم ينتمي لرسل المسيح وتلاميذه وكنيسته. فقد ظهروا في المشهد التاريخي بعد دمار هيكل أورشليم النهائي (134م) في النصف الثاني من القرن الثاني وليس قبل ذلك على الإطلاق.

وقد نظر فريق من هؤلاء إلى الجانب الإنساني فقط من شخص الرب يسوع المسيح، وقالوا: أن يسوع لم يولد من عذراء وإنما ولد ولادة طبيعية من يوسف ومريم، وقد تبرر فقط بسبب فضيلته السامية. وقال بعضهم بولادته من عذراء. وكان هناك فريق آخر بنفس الاسم، وقد آمنوا بسمو المسيح وعظمته وأنه أكبر من مجرد إنسان ولم ينكروا أن الرب وُلد من عذراء ومن الروح القدس. هذا الفريق الثاني زعموا أن المسيح إله ولكنه لم يولد من الآب إنما خلق كواحد من رؤساء الملائكة ... وأنه يحكم على الملائكة وكل مخلوقات القدير[76]. فهو بالنسبة لهذا الفريق إلهاً ولكن بدرجة أقل من الآب!! فقد صار، من وجهة نظرهم، أعظم من الأنبياء والملائكة والكائن الثاني في الكون بعد الله!! أي أنهم برغم يهوديتهم الشديدة لم يكونوا على رأي واحد ولا عقيدة واحدة، وقد قال عنهم العلامة إيريناؤس (175م) أنهم كانوا: " يعيشون بحسب عادات اليهود زاعمين أنهم يتبررون بإتمام الناموس. ولذلك فقد سمي مسيح الله ويسوع، لأنه لا احد غيره من حفظ الناموس تماماً. لأنه لو حفظ الشريعة أي أحد أخر وتمم والوصايا (المحتواة) في الناموس سيكون هذا مسيحاً "[77].

وقال عنهم أبيفانيوس (حوالي315 - 403م)، أسقف سلاميس أنهم يتأرجحون في حديثهم عن المسيح فهو: " مجرد إنسان بروح إلهية متبناة من جهة، ومن جهة أخرى يقولون أحيانا أنه رئيس ملائكة متجسد "[78].

كما قال أيضا " أنهم ليسوا مسيحيين ولا يهود ولا وثنيين ... أنهم يقفون في منتصف الطريق فليسوا هم شيئا "[79].

ونظرا لأن فكرهم هذا جاء من خارج الكنيسة وكان غريباً تماماً على ما جاء في الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس وعن التسليم الرسولي الذي تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله، فقد واجهتهم الكنيسة وقاومتهم بسبب اعتقاداتهم الفقيرة والوضيعة هذه. وكان عددهم محدود جداً، كمجرد فرقة عاشت فترة في مدينة ألبا السورية وانتهوا تماما في القرن الرابع الميلادي!!

(3) كان آريوس مصريا ليبيا ولم يكن عربيا، فمصر تعربت بالثقافة الإسلامية، وهناك عبارة شهيرة للشيخ الراحل محمد الغزالي كان يقول فيها " أنا مصري عربني الإسلام "، ونحن يمكننا أيضاً أن نقول مثله: " نحن مصريين عربتنا الثقافة العربية واللغة العربية ". كما أن آريوس لم يقل مطلقاً أن المسيح إنسان بل أن آريوس كان يؤمن بعقيدة الثالوث (الآب والابن والروح القدس) ولم يقل أن المسيح مجرد إنسان، كما زعم الكاتب، بل وألغي إنسانية المسيح تماماً!! وركز على قول الآية " والكلمة صار جسدا " (يو1: 14)، وفسرها بمفهوم أقرب إلى التحول من اللاهوت إلى شكل جسد، أو كما تصور البعض أنه قال أن المسيح بلاهوته حل في جسد خالي من الروح محل الروح الإنسانية!! كما أن فكر آريوس يقوم أساساً على لاهوت المسيح وله قانون إيمان، أرسله للإمبراطور قسطنطين، يشبه قانون إيمان مجمع نيقية باستثناء بعض العبارات التي يمكن أن تفسر بأكثر معنى، فيقول " نؤمن بإله واحد، الآب القدير؛ وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض. الذي نزل وصار متجسدا؛ وتألم، وقام ثانية؛ وصعد إلى السموات؛ وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. [ونؤمن] أيضا بالروح القدس. وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، وبكنيسة الله الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها. الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدسة، حيث يقول الرب لتلاميذه - " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس "[80].

وقد وصل آريوس إلى هذا الفكر الهرطوقي لأنه لم يتبع الفكر الإنجيلي ولا منهج التسليم الرسولي الذي تسلمه آباء الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله، بل أعتمد بالدرجة الأولى على الفلسفة اليونانية الرواقية، وبصفة خاصة على فكر الفيلسوف فيلو الفيلسوف اليهودي الاسكندري (20ق م – حوالي 40م)، المعروف بفيلو اليهودي، والذي جمع ما بين فكر العهد القديم والتقليد اليهودي والفلسفة اليونانية، خاصة الرواقية، إلى جانب بعض العناصر الشرقية، لذا فكان فكره وعقيدته خليط بين اليهودية والفلسفة اليونانية. فكيهودي آمن بالله كما هو في العهد القديم، ونظرا لأن الفلسفة اليونانية ترى أن المادة أزلية مثل الله وأنها شر، وأن الله لا يتصل بهذه المادة التي هي شر، لذا فصل فيلو بين الله والعالم تماماً، وجعل الله بدون أي صلة بالعالم، وقال أنه لا توجد أي صلة بين الروح المحض (الله) والعالم المحسوس. ونظرا لأن هذا الفكر أوجد فجوة وهوة لا قرار لها بين اللاهوت السامي والفائق وغير المدرك وبين العالم المادي المحسوس، لذا فكر فيلو في إيجاد، معبر، كوبري، وسيط، يعبر هذه الفجوة أو الهوة، وسيط يربط بين الله والمادة، ولكن لا بحسب الكتاب المقدس أو التقليد اليهودي بل بحسب فكرة القوات الوسيطة والمُثل الأفلاطونية. ونتيجة لذلك فقد قدم فكرة مصغرة لهذه القوات الفاعلة هي اللوجوس (Logos). هذا المصطلح الذي يحتمل أنه أخذه من العهد القديم ولكن بمحتوى وأسلوب وفكر غنوسي يوناني كما هو في فكر أفلاطون في الُمثل وفكر الرواقيين عن الأسباب والقوات.

ومن ثم يعني اللوجوس عند فيلو المثال الأولي، الفكرة الأولية، التي تتفق مع عقل الله، العقل الملازم لله، وأيضاً مبدأ الإعلان في الطبيعة الإلهية. ويعتبر اللوجوس عنده هو العقل الجوهري الذي يوصل الفكر الغير منطوق به في الإنسان، هذا اللوجوس فائق وغير مدرك مثل الله نفسه، ولكن في وجهه الآخر فهو القوة والنشاط وموصل للفكر المنطوق به في الإنسان. اللوجوس هو وسيط الله الذاتي الذي يكشف به الله عن نفسه وعن عنايته الإلهية. هذا اللوجوس أو الكلمة المنطوقة هو الخالق الذي خلق به الله العالم وهو العامل في الكون باستمرار والفاعل فيه دائماً، وفيه توجد كل الحكمة الإلهية والخير الإلهي، بل هو الابن البكر لله، الملاك الأعلى والإله الثاني في الكون[81].

فيقول فيلو في كتابه: " De Plant Noe ": " لأن أولئك الذين لا يستطيعون أن ينظروا للابن نفسه، ينظرونه في نوره المنعكس، حتى ولو باعتباره صورة الله، الذي هو ملاكه، فاللوجوس (logos- Memra) كالله (Elohim) نفسه ".

ويقول في كتابه " On The Confusion Of Tongues p. 247 "[82]: " حتى لو لم يكن هناك من هو مستحق ليسمى بابن الله، ومع ذلك فهو يعمل بلا كلل ليكون مزيناً بحسب كلمته البكر [Logos]، أقدم ملائكته، كرئيس الملائكة العظيم ذو الأسماء الكثيرة؛ لأنه يدعى ذو السيادة واسم الله والكلمة [Logos]، وإنسان بحسب صورة الله والذي يرى إسرائيل ".

ويقول في كتابه " Allegorical Interpretation, III. "[83]: " ظل الله هو كلمته [Logos] الذي استخدمه كوسيلة عندما خلق العالم. وهذا الظل، وكما كان، نموذجاً، النموذج الأولي للأشياء الأخرى، لأنه كما أن الله نفسه النموذج لهذه الصورة الذي يدعى الآن الظل، هكذا أيضاً هذه الصورة هو النموذج للأشياء الأخرى. وكما بين عندما أوصى معطيا الناموس للإسرائيليين، وقال: " وعمل الله الإنسان على صورة الله (تك1: 26)، لأن الصورة كانت على نموذج الله، ولأن الإنسان كان على نموذج الصورة التي أُخذت، هكذا، قوة وصورة النموذج ".

كما قال في كتاب: " On Dreams, 1, "[84]: " لأنه يوجد، كما يبدو، هيكلان لله؛ واحد هو العالم، الذي فيه الكاهن الأعلى الذي هو الكلمة الإلهي [Logos]، ابنه البكر .. ".

وقال في كتاب " On The Migration Of Abraham. P. 253 "[85]: " كيف نتوقع الكلمة [Logos]، الذي هو أقدم من كل الأشياء التي كانت موضوعات الخليقة، وبأي وسيلة هو حاكم الكون .. "[86].

هذا الاعتماد على الفلسفة والفكر البشري أعترف به آريوس في كتابه الشهير " ثاليا "، أي المأدبة، حيث يقول: " وأنا على الأقل تعلمت هذه الأمور من أناس لهم نصيب كبير من الحكمة. أناس مدهشون من المعلمين لأمور الله. وعموماً فأنهم يعتبرون من الحكماء. وقد اقتفيت أنا آثار هؤلاء وسرت على دربهم. وها أنا أسير في نفس الطريق، معلماً لنفس هذه المبادئ، أنا الذائع الصيت ".



ويمكن أن نلخص فكر آريوس وعقيدته في المسيح والثالوث في النقاط الثلاث الآتية:

(1) الله هو الواحد الوحيد ولا يوجد إله آخر معه، وهو وحده غير مولود، ابدي وبلا بداية، لا يعبر عنه ولا يدرك، لا مثيل له ولا من يساويه. وقد خلق كل شيء بإرادته الحرة ولا يوجد معه شيء غير مخلوق. وأن تعبير " يلد "، بالنسبة لله، هو ببساطة مرادف ل " يخلق "، وإذا لم يكن الأمر كذلك فستدمر بساطة الله وروحانية طبيعته. ولا يمكن أن يصدر الله شيء من جوهره؛ ولا يمكن أن يصل جوهره بما هو مخلوق، لأن جوهره غير مخلوق. ولذا فلم يكن الله أبا في كل حين (دائماً)(&)، بل كان هناك وقت حين كان الله وحده، ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد، ولم يكن أبا بعد، بل قد صار أبا فيما بعد، فقد كان أولا في حالة كان فيها كما كان ببساطة إلها وليس آبا. كان الله واحداً مطلقاً في " فردية " بسيطة، بعيد وغير معروف، غامض، لا يدرك ولا يمكن الالتقاء به، مخفي بسر أزلي، ومنفصل عن الخليقة بهوة غير محدودة، ولم يكن هناك خلائق ولا أحد في الكون غيره[87].

(2) ثم يقول: وقبل أن يُوجد العالم خلق الله بإرادته الحرة جوهر (أوسيا – ousia - ούσία) مستقل أو أقنوم (هيبوستاسيس - ὑπόστασéò – hypostasis) كوسيلة خلق بها (بواسطته أو عن طريقه) كل المخلوقات الأخرى لأنه بدون هذا الكائن، المخلوق الخالق، لا تقدر هذه المخلوقات على الاتصال باللاهوت. وقد سُمي هذا الكائن في الأسفار المقدسة بالحكمة والابن والصورة والكلمة. هذا الابن هو خالق الكون؛ لقد خلق الآب الابن لأجلنا كوسيلة يخلقنا الله بها، لقد خلق الآب الابن ليخلقنا به، خلق الآب الابن والابن خلق سائر المخلوقات الأخرى، فهو، الابن، المخلوق الخالق!! حيث يقول " الابن لم يكن موجودا دائما، لأن كل الأشياء قد خلقت من العدم، وكان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودا، ولم يكن له وجود قبل أن يصير، بل هو نفسه كان له بداية تكوين وخلقة ... الله كان وحده، ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد .. من ثم فعندما أراد الله أن يخلقنا، فأنه قام بصنع كائن ما وسماه اللوجوس والحكمة والابن كي يخلقنا بواسطته "[88].

(3) كما قال أن الروح القدس مخلوق ويضعه في عداد القوات المخلوقة بواسطة الابن، كما يضعه بجانب الابن كجوهر أو أقنوم ثاني مستقل، فهو يؤمن بثلاثة جواهر أو أقانيم (أشخاص) مستقلة ومختلفة؛ الآب والابن والروح القدس، وقال أن الروح القدس مخلوق بواسطة الابن وخاضع له. أي أنه يؤمن بثلاثة آلهة؛ الآب الخالق، والابن المخلوق الخالق، والروح القدس المخلوق بواسطة الابن!!

ومن ثم يقول آريوس بثالوث غير متماثل، ثلاثة أقانيم غير متماثلة ولا متساوية في الجوهر (όυσια - ousia)، وهم ثلاثة منقسمين ومنفصلين وغير مشاركين أحدهم للآخر، ولكن متحدين اتحادا أدبيا محضا، وحدة في الإرادة والتدبير وليس في الطبيعة أو الجوهر أو المجد، فالكلمة مختلف تماما عن الآب وهكذا الروح القدس، " أن لكل من الابن والآب والروح القدس جوهر منفصل عن الآخر حسب الطبيعة، وأنهم منقسمون ومتباعدون وغرباء عن بعضهم البعض، وليس لهم شركة أحدهم مع الآخر ... أنهم غير متشابهين تماما في الجوهر والمجد بلا نهاية "[89].

وهذا يوضح لنا أن آريوس لم يؤمن بإله واحد بل بثلاثة واحد خالق والثاني مخلوق وخالق والثالث مخلوق، ولم يقل مطلقا بأن المسيح إنسان بل قال: أن الابن لما تجسد، صار جسدا، تحول إلى جسد، حل في جسد بلا روح إنسانية، وأن الكلمة، الابن، حل في الجسد محل الروح الإنسانية!! أي أنه لم يكن إنساناً مطلقا بل إله حل في جسد إنسان فقط ولم يتخذ الطبيعة الإنسانية الكاملة، بل احتجب في جسد بلا روح.

والسؤال هنا هل قال آريوس أن المسيح مجرد إنسان كما زعم د زيدان؟! وهل يتفق هذا الفكر مع نظريته عن اللاهوت العربي المزعومة؟! لقد كان فكر آريوس خليط من اليهودية والفلسفة اليونانية التي عبرت إلى آريوس عن طريق الفيلسوف السكندري اليهودي فيلو.



(4) وقد خرج فكر نسطور من منطلق رفضه للآريوسية ومقاومته لها، وهذا عكس ما زعمه وادعاه وكرره د زيان طوال الرواية!! فقد نادى آريوس، كما أوضحنا، بأن المسيح لم يتخذ الطبيعة الإنسانية كاملة بل أخذ جسدا بلا روح وحل فيه اللاهوت، الكلمة، الابن، محل الروح الإنسانية، وجاء بعده شخص يدعى أبوليناريوس قال أن الابن من ذات الآب وواحد معه في الجوهر ولكنه قال مثل آريوس أنه أتخذ جسدا بلا روح إنسانية وحل لاهوت الابن فيه محل الروح وأن الكلمة هو حياة الجسد، اللاهوت الذي حل في الجسد محل الروح الإنسانية العاقلة قائلاً: " حققت الطاقة الإلهية دور الروح المحيية (psyche) والعقل البشري (nous) "[90]. وكرد فعل لذلك نادى نسطور بطريرك القسطنطينية (428 - 431م)، بما يسمى " اللوجوس - إنسان؛ Logos - Man؛ أو Logos - Anthropos؛ ανθροπος - λογος ". أي أن الكلمة، اللوجوس، تجسد في الإنسان يسوع الناصري، وأن المسيح مكون من عنصرين أساسيين، ولكن مختلفين في الجوهر، اللاهوت والناسوت. وفي شرحه لهذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت ميز بشدة بين اللاهوت والناسوت حتى وصف اتحادهما بالاقتران أو المصاحبة، وقال أنه مجرد اتحاد أدبي، وليس اتحاد بالمعنى الدقيق للكلمة، طبيعي، اتحاد أقنومي (Hypostatic Union)[91]، كما يؤكد الكتاب المقدس وكما علمت الكنيسة منذ أيام الرسل. وقال أن الكلمة، الابن، المسيح بلاهوته، حل في يسوع، منذ اللحظة الأولى للتجسد، وكان هذا الحلول يهدف إلى فداء كل الجنس البشري، كما أنه الظهور الأكمل للنشاط الإلهي.

وبرغم قوله أن هذا الحلول الإلهي في التجسد بدأ من اللحظة الأولى للحمل في بطن العذراء، إلا أنه بدا وكأنه ينادي بمسيحين لا مسيح واحد!! ورفض تسمية العذراء بوالدة الإله (Theotokos - θεοτοκος) ودعاها بوالدة المسيح (χριτοτοκος - Christotokos)، قائلا أنها لم تلد سوى المسيح الإنسان، أي الناسوت وأن الكلمة كان في ذاك الذي ولدته[92]. وتجاهل أو جهل أن اللاهوت أتحد بالناسوت في بطن العذراء!

وقد نشأ فكر نسطور أساسا من معارضته لتلقيب " العذراء، بلقب، والدة الإله (Theotokos - θεοτοκος) كوصف للعذراء القديسة مريم والدة الكلمة المتجسد، الإله المستأنس، فقد سئُل نسطور في بداية عهده بالبطريركية سنة 428م عن رأيه في هذا التعبير، وكان، نسطور تلميذ مدرسة إنطاكية، قد تعلم من معلمه ثيؤدور أسقف موبسوستيا Mopsuestia الذي كان يعلم بالتمييز بين الطبيعتين كرد فعل لهرطقة أبوليناريوس. وفي إجابة نسطور على هذا السؤال، الخاص بتعبير " والدة الإله "، أعتمد على فكره الذي يميز بشدة بين اللاهوت والناسوت وشك في ملائمة هذا التعبير إلا إذا استُخدم معه تعبير " والدة الإنسان - anthropotokos - ανθροποτοκος " ليعبر الأول عن لاهوته ويعبر الثاني عن ناسوته، كما كان ينادي بذلك أيضا ثيؤدور، وأوجد نسطور تعبير آخر يتناسب مع فكره وهو تعبير " والدة المسيح -Christotokos - χριτοτοκος ". ثم استخدم نسطور لغة مبالغ فيها ومثيرة في شرحه لفكرته هذه، فقال، في عظاته ضد والدة الإله؛ أن الله ليس له أم ولا يمكن أن تلده امرأة وما ولدته مريم لم يكن هو الله بل ولدت الطبيعة الإنسانية التي اتخذها الكلمة، ولدت الناسوت الذي كان حاملا للاهوت، وسيلة اللاهوت، حامل اللاهوت، وزاد في مبالغاته المغلوطة والمبنية على الباطل وقال لا يمكن أن يحُبل بالله مدة تسعة شهور في رحم امرأة ويلف بالأقمطة وأن يتألم ويموت ويدفن[93]!!

وتصور نسطور أن أقواله هذه كانت كافية لحماية عقيدة التجسد ضد الآريوسية والأبوليناريوسية[94]. ونسي أنه وصل بفكره هذا إلى وجود مسيحين؛ المسيح الإله والمسيح الإنسان، اللذان تصاحبا معاً منذ اللحظة الأولى للحمل، فهو لم ينكر لاهوت المسيح مطلقاً ولم ينكر عقيدة الله الواحد في ثالوث مطلقا، كما حاول أن يصور د زيدان، بل آمن بلاهوت المسيح وعقيدة الثالوث ودافع عنهما بشدة، ولكنه بسبب تطرفه في الرد على كل من أبوليناريوس وآريوس، استخدم تعبير المصاحبة الذي يفصل المسيح إلى مسيحين، إله وإنسان، تصاحبا معا منذ اللحظة الأولى للحمل في بطن مريم العذراء وظلا كذلك إلى الأبد!! كما أن سوء فهمة للقول أن العذراء والدة الإله وتصوره أن هذا يؤدي إلى أن العذراء ولدت المسيح بلاهوته، ولدت الإله، ولدت الله، جعله يتطرف في استخدام تعبير والدة المسيح ويبتعد عن تعبير الاتحاد بين لاهوت المسيح وناسوته ويستخدم تعبير المصاحبة!! وهنا نسأل بماذا يقول الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والأنجليكان ويؤمنون في الذي ولد من العذراء؟ هل ولدت العذراء إله؟ أم ولدت إنسان؟ والإجابة أنها لم تلد، أي لم يخرج من رحمها، إنساناً فقط ولا إلهاً فقط! فالذي خرج من أحشائها ليس مجرد إنسان، كما أنها لم تلد الإله، لأنها كإنسانة لا يمكن أن تلد الإله، لأن اللاهوت الغير مخلوق لا يمكن أن يولد من مخلوقة، فهو ربها وخالقها، هي مخلوقة في زمان معلوم وهو غير مخلوق، بل مولود من الآب، بلا بداية ولا نهاية، أزلي أبدي، ولكنها ولدت الإله المتجسد، المسيح الذي هو الله الظاهر في الجسد، أو كما يقول الكتاب: " الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً " (كو2: 9). فقد حل اللاهوت في الطبيعة الإنسانية منذ اللحظة الأولى للحمل في بطن العذراء، ومن ثم فمن خرج من أحشاء العذراء هو الإله المتجسد، فهي لم تلد اللاهوت بل ومن المستحيل أن يحدث ذلك بل حل اللاهوت في الناسوت في رحمها، أتحد اللاهوت بالناسوت في أحشائها، ولأن الناسوت لم يوجد لحظة ولا طرفة عين في رحم العذراء بدون اللاهوت، بل وكما يتكون الإنسان في بطن أمه من اتحاد العناصر الوراثية للرجل بالعناصر الوراثية للمرأة، وقبل ذلك لا يكون هناك إنسان، هكذا ومع الفارق، لم يكن الناسوت بدون اللاهوت، وجد الناسوت متحدا باللاهوت. ولهذا نقول أنها والدة الإله المتجسد وأم المسيح الذي هو كلمة الله المتجسد، صورة الله وبهاء مجده ورسم جوهره الذي أخلى نفسه أخذا صورة عبد. ولا يمكن أن نتصور المسيح كمجرد إنسان فقط. ولم يتصوره لا آريوس ولا نسطور هكذا، برغم هرطقاتهم وفكرهم الهرطوقي، بل هو بالنسبة لآريوس كلمة الله المتجسد والخالي من الروح الإنسانية! وبالنسبة لنسطور ابن الله وابن الإنسان، المسيح الإله والمسيح الإنسان!!

أننا نقول مع أليصابات التي قالت عن العذراء بالروح القدس " أم ربي " (لو43: 1)، كما نقول معها أيضا " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو1: 42)، ونقول مع القديس بولس بالروح عن اليهود " لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد "(1كو2: 8).



2 - الحوار اللاهوتي بين البابا كيرلس عمود الدين ونسطور:

حاول نسطور نشر فكره هذا وهرطقته بين رهبان مصر واللذين كان لهم دور مؤثر جدا في الأمور العقائدية واللاهوتية، ولما سمع القديس كيرلس، بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين (412 - 444م)، والمُلقب بعمود الدين ومعلم المسكونة ومعلم الأرثوذكسية، بما نادى به نسطور أرسل رسالة إلى الرهبان في الأديرة يوضح لهم فيها العقيدة القويمة في المسيح كما تسلمتها الكنيسة عن رسل المسيح، " الإيمان المسلّم مرة للقديسين " (يه1: 3)، وخطورة ما ينادي به نسطور، وذلك دون أن يذكر اسمه صراحة في رسالته والتي جاء فيها: " اضطربت جدا لأني قد سمعت أن بعض الإشاعات قد وصلت إليكم، وأن بعض الناس يتجولون لهدم إيمانكم البسيط، ويتقيأون كثرة من سفه الأقوال الجزافية غير النافعة. ويضعون تساؤلات ويقولون: " هل ينبغي أن تدعى العذراء القديسة مريم والدة الإله أم لا؟ " ... فأني دُهشت من أن البعض يتساءلون فيما إذا كان ينبغي أن تدعى العذراء القديسة " والدة الإله "، أم لا. لأنه أن كان ربنا يسوع المسيح هو الله، فكيف لا تكون العذراء القديسة التي ولدته هي " والدة الإله "، أن التلاميذ الموحى إليهم سلموا إلينا هذا الإيمان، حتى وأن كانوا لم يذكروا هذا التعبير. ونحن قد تعلمنا من الآباء القديسين أن نعتقد هكذا ".



وقد وصلت أخبار هذه الرسالة إلى نسطور فأرسل أكثر من رسالة إلى القديس كيرلس يعاتبه فيها ولكنه يصر على تعاليمه التي ينادي بها من ثم يقول " وأنا امتدح تمييز الطبيعتين، وارتباطهما معا في شخص واحد، وعدم القول أن الله الكلمة كان محتاجا أن يُولد مرة ثانية من امرأة "، ثم استفاض في شرح ما للطبيعتين وكأنه يتكلم عن شخصين لا شخص واحد.

ومن ثم فقد أرسل القديس كيرلس رسالة إلى نسطور قدم فيها شرحا مستفيضا لعقيدة الكنيسة الجامعة في شخص المسيح وكانت هي الوثيقة الرئيسية التي أعتمد عليها مجمع أفسس في الرد على هرطقة نسطور وقد جاء فيها[95]:

" لأنه لم يولد أولا إنسانا عاديا من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذي من أحشائها، فيقال أن الكلمة قد قبل الولادة الجسدية، لكي ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.

" وهكذا نقول أيضا أنه تألم وقام، ليس أن كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرب أو طُعن أو قبل الجروح الأخرى، لأن الإلهي غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمي. لكن حيث أن جسده الخاص، الذي وُلد عانى هذه الأمور، فأنه يقال أنه هو نفسه أيضا قد عانى هذه الأمور لأجلنا. لأن ذاك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضا عن موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطي الحياة. ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس (عب9: 2)، لذلك يقال أنه هو نفسه قد عانى الموت لأجلنا ".

" وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس أننا نعبد إنسانا مع الكلمة، حتى لا يظهر أن هناك انقساما باستعمال لفظة " مع " ولكننا نعبد واحدا هو نفسه الرب حيث أن جسده لا يخص غير الكلمة الذي باتحاده به يجلس عن يمين أبيه. ليس كابنين يجلسان مع الآب، بل كابن واحد متحد مع جسده الخاص ".

فحاول نسطور أن يفرض فكره وهرطقته عن طريق بابا روما فكتب إلى كليستينوس بابا روما يشرح له فيها ما يعلم به، وكان كليستينوس قد سمع من كثيرين عن بدعة نسطور وأنه قسم أقنوم المسيح إلى اثنين، فأرسل إلى القديس كيرلس يستوضحه الأمر، فأرسل له في رسالة شرحا مستفيضا عن بدعة نسطور وتعاليمه الهرطوقية مع نسختين من رسائله إلى نسطور والتي شرح له فيها الإيمان القويم للكنيسة الجامعة الرسولية. وهنا عقد الأسقف كليستينوس مجمعا من أساقفته، أقروا فيه بأن ما يعلم به نسطور هو بدعة وهرطقة، كما اقروا بأن ما يعلم به القديس كيرلس هو الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة للكنيسة الجامعة الرسولية، وبعث إلى نسطور بكتاب يقول فيه " لقد وافقنا على رأي أسقف الإسكندرية ولقد نصحك، فإن شئت أن تبقى معنا لا بد أن تنكر ما ناديت به، وأن تنادي بما ينادي به هو، فأن أصررت على رأيك ولم تر ما يراه أخونا كيرلس فأنت مقطوع من عداد زملائنا، ولا يمكن أن تكون لك شركة معنا، فأن كنت بعد عشرة أيام من وصول تنبيهنا هذا إليك لا تؤمن بما تؤمن به كنيسة الإسكندرية، ومعها كنيسة روما والكنيسة الجامعة فستقطع من الشركة كلها "[96].

ولما لم يراجع نسطور نفسه ولم يرتدع، لمخالفته للتسليم الرسولي وما تؤمن به الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية، بل وأيضاً ما يؤمن به أهل القسطنطينية وأساقفتها الذين كانوا من المفترض أن يقفوا معه ضد القديس كيرلس، لذا عقد القديس كيرلس مجمعا مكانيا في الإسكندرية، عرضت عليه هرطقة نسطور وتليت رسائل القديس كيرلس التي أُرسلت أليه وللأساقفة. وبعد الدراسة حكم المجمع على نسطور بالهرطقة. أي حكم على نسطور بالهرطقة في كل من روما والإسكندرية، ولم يكن مجرد خصما للقديس كيرلس، بل خصما للكنيسة الجامعة في الشرق والغرب.

وهكذا كان الصراع بين نسطور الذي وقف بهرطقته وفكره الذي أنساق إليه وتمادى فيه وقد منعه كبرياؤه من التراجع عنه، وأن كانت كتابته التي كتبها في المنفى، وبعد أن هدأت العاصفة والأمور، والتي اكتشفت حديثاً، والتي حاول فيها التراجع والتقارب مع فكر الكنيسة الجامعة، إلا أنه ظل بعيدا عن عقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية، فقد أنساق وراء فكره الخاص وترك التقليد الرسولي وما تسلمه عن آباء الكنيسة جيلا بعد جيل والذي كان يحتفظ به البطاركة في مكتباتهم.

ومع ذلك لا يمكن أن يكون ما نادى به هو لاهوت عربي، بحسب نظرية د زيدان، فهو يؤمن بلاهوت المسيح وناسوته، وقد دافع عن لاهوت المسيح وعقيدة الله الواحد في ثالوث بشدة، وهذا يتناقض بشدة مع ما أفترضه د زيان في نظريته المزعومة. وإذا كان اللاهوت العربي يتمثل في علم الكلام الإسلامي والذي لا يؤمن بلاهوت المسيح ولا بعقيدة الثالوث، فلا يمكن أن يسمى لاهوت آريوس أو نسطور باللاهوت العربي لأن كل من آريوس ونسطور يؤمنان بعقيدة الثالوث، الأول يؤمن بالآب الخالق والابن المخلوق من الآب والذي في نفس الوقت هو خالق الكون ومدبره وفاديه وديانه، أي الله الظاهر للخليقة، خالقها وفاديها وديانها ومدبرها، والروح القدس المخلوق من الابن والذي يقدس الخليقة، والثاني يؤمن بعقيدة الثالوث كما يؤمن بها سائر المسيحيين، والخلاف هو في مفهومه للتجسد وليس الثالوث.



3 – هل كان لعلماء المسيحية في الإسلام لاهوت عربي أم مسيحي؟

يصر الدكتور زيدان على نظريته التي لا سند لها ولا وثيقة ولا برهان والتي تزعم بوجود لاهوت عربي وأن كل من أبيون وآريوس ونسطور وبولس السموساطي هم من اللاهوتيين العرب!! وقد بينا أعلاه بطلان هذا الكلام؛ ونؤكد مرة ثانية أنه لم يوجد شخص باسم أبيون بل هو صفة بمعني الفقير وقد وصف بها آباء الكنيسة فكر الهرطقة الأبيونية لفقرها الفكري! وأن آريوس كان مؤمناً بالثالوث ولكن بفكر فلسفي وأنه لم يكن عربياً! أما نسطور فلم ينكر قط لاهوت المسيح، إنما فهم عقيدة التجسد خطأ، وكان من أشد المدافعين عن عقيدة الله الواحد في ثالوث! وكان بولس السموساطي متخبطاً في فكره وتراوحت أقواله بين كون المسيح كلمة الله الذي من ذات الله وأنه حل عليه الكلمة بدرجة أكبر من حلول الروح القدس على الأنبياء!!

وهناك فئة من علماء المسيحية تدحض تماما رأي د زيدان ونظريته الموهومة، وهذه الفئة تتكون من الفلاسفة المسيحيين الذي عاشوا في قصور الخلفاء والولاة المسلمين وكانوا الرواد الأوائل للنهضة الإسلامية، حيث قاموا بترجمة التراث اليوناني والسرياني والقبطي إلى جانب تراث شعوب قديمة أخرى وبرعوا في الفلسفة وعلوم المنطق، بل وكما يقول الآب سليم دكاش اليسوعي في كتابه عن الفيلسوف العراقي أبو رائطة التكريتي المسيحي أن هؤلاء العلماء المسيحيين، الذين عاشوا فيما بين 750 و950م، عاشوا: " في مرحلة مهمة من حياة الكنائس الشرقية؛ مرحلة تكونت فيها المصطلحات الفلسفية والتعابير اللاهوتية باللغة العربية. وانبرى عدد منهم للدفاع عن عقيدة ديانته باللغة التي أصبحت أداة الاتصال الثقافي "[97]. كما أنهم برعوا أيضا في علم الكلام " وقد خاض المسيحيون غماره في العصر الوسيط دفاعا عن عقيدتهم ". وتحاوروا مع الفلاسفة والعلماء المسلمين وعملوا مناظرات حول صحة المسيحية وعقائدها ودافعوا عنها جميعا، سواء كانوا نسطوريين أو سريان أو أقباط أو غيرهم، عن أخص العقائد المسيحية مثل لاهوت المسيح والثالوث واستخدموا في ذلك كل المصطلحات الفلسفية والمنطقية ومصطلحات علم الكلام، أو كما يقول الأب سليم دكاش اليسوعي أن هذا الجيل: " انبرى للإجابة بلغة عربية عن الكثير من الأسئلة والآراء والتعليلات التي طرحها مفكروا الإسلام الأوائل وجلهم من المعتزلة حول بعض الحقائق الأساسية التي يجتمع حولها النصارى، ومنها التوحيد من ضمن تثليث الألوهة، تجسد الابن، والفداء والصلب والقيامة "[98]. وكان لاهوتهم هو نفس لاهوت الكنيسة المسلم مرة من رسل المسيح ولم يقولوا أو يعرفوا ما ادعاه د زيدان عن اللاهوت العربي!! ومن أشهر هؤلاء أبو رائطة التكريتي، من القرن التاسع، وخاصة رسالته في الثالوث المقدس الذي استخدم فيها كل فنون المنطق والفلسفة وعلم الكلام لإثبات عقيدة الله الواحد في ثالوث. والشيخ يحي بن عدي (893-974م) في كتابه " مقالة في التوحيد " الذي أثبت فيه توحيد الله مع وجود الثلاثة اقانيم. ويوحنا الدمشقي الذي عاش في القرن العاشر وكان أكثر من كتب في لاهوت المسيح والثالوث في تلك الفترة. وعبد المسيح الكندي والأنبا بولس البوشي وغيرهم. وهناك الكثير غير هؤلاء مما لا يسع المجال هنا لذكره. مما يؤكد لنا بطلان كل مزاعم وإدعاءات ونظرية د زيدان الوهمية عن اللاهوت العربي!!



---

1 د جواد على في كتابه المفصل في تاريخ العرب 6: 628.

2 السابق ج 6: 628 و629.

3 السابق ج 6: 631 و632.

[76] NT Apoc. Vol. 1 p, 158.

[77] Refutation of All Heresies 7.22 (230 AD, written from Rome).

[78] Epiphanius, in his Panarion (section 30).

7 الأنبا أغريغوريوس مذكرة في الأبيونية، هامش ص 5.

[80]Socrates Church History 1: 26.

[81] George B. Stevens. The Johannine Theology. P. 83, 84.

[82] http://www.earlyjewishwritings.com/t...lo/book16.html

[83] http://www.earlyjewishwritings.com/t...ilo/book4.html

[84] http://www.earlyjewishwritings.com/t...lo/book21.html

[85] http://www.earlyjewishwritings.com/t...lo/book16.html

[86] http://www.thevineone.org/download/r...VH_English.ppt

(&) Adolf Harnack, Hitory of Dogma, vol. 4. p. 24, 25.

15 الكنيسة القبطية ص 84، The Search for P. 81. See also

16 السابق 3: 5.

17 مقالة 1: 6.

[90] Millard Erickson. The Word Became Flesh p. 59.

[91] Catholic Enc. Incarnation.

[92] Catholic Enc. Incarnation.

21 رسالة القديس كيرلس إلى نسطور 3: 10.

[94] Millard Erickson. The Word Became Flesh p. 63.

24 رسائل القديس كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي ترجمة د. موريس تاوضروس ود. نصحي عبد الشهيد ؛ ومجموعة الشرع الكنسي ص 301 306 مع ANF Ser.2 vol.14: 201 – 205.

25 عصر الجامع للقمص كيرلس الأنطوني ص 134.

26 أبو رائطة التكريتي ورسالته في التوحيد ص 18 و19.

27 السابق ص 29.

الفصل الخامس

أحداث الإسكندرية

كما ذكرها د يوسف زيدان

هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟



1 – صورة كنيسة الإسكندرية:

وصف الدكتور يوسف زيدان كنيسة الإسكندرية ب " الكنيسة التي أظلمت العالم "[99]!! وجعل منها رمزا للقسوة بل والإرهاب والجبروت والدمار! ووصف قادتها بدءًا من القديس مرقس الرسول، متخذاً صورة الأسد الذي كان رمزا وشعاراً للإنجيل للقديس مرقس، وأتخذ من معنى أسم القديس مرقس اللاتيني " المطرقة " إيحاء لما وصفه بقسوة وجبروت الكنيسة متمثلة في رجالها بدأ من البابا ثاوفيلوس (385- 412م) خال البابا كيرلس عمود الدين (412 -444م) وسابقه إلى كهنة الإسكندرية ورهبان وادي النطرون .. الخ ووصفهم بأوصاف لا تنطبق إلا على كهنة الشيطان! وجعل منهم أشرار الرواية! هذا الوصف الذي كان يوصف به الأشرار في الروايات القديمة التي عفا عليها الزمن والتي كانت تصور الشرير بحجم معين وملامح معينة ثبت علمياً أنها غير صحيحة وقد توقف كتُاب الرواية وكتُاب السيناريو في التليفزيون والسينما، عن استخدامها لمناقضتها للواقع! فراح يصور البابا كيرلس عمود الدين ورجال الدين المسيحي في عصره بكائنات فظة قاسية غليظة القلب، ضخام الأجسام، تكتنز أجسامهم لحما، وتهتز كروشهم المتخمة ولهم صوت أجش، وقد وصف أحدهم بقوله " قس ضخم، أجش الصوت "[100]! وأنهم " كالجراد، يأكلون كل ما هو يانع في المدينة، ويملئون الحياة كآبة "[101]! " كنيسة الإسكندرية بحسب المشهور من أخبارها قوية وحاسمة، ورجالها الآن اغلبهم قساة "[102]! والإيمان بالنسبة لهم " لا يكون إيمانا، إلا إذا كان يناقض العقل والمنطق "! كما " إنهم يتكاثرون حولنا كالجراد، يملأون البلاد مثل لعنة حلت بالعالم "[103]! وراح يقول بلسان الراهب: " على باب الكنيسة، استوقفني رجل يلبس ثوبا كنسيا ضيقاً، يكاد ينفزر معه بدنه الضخم. كانت هيئته غريبة: بدن مصارع مكسو بثياب قس! في عينيه حدة، وفي عبوس وجهة قسوة سياف لا وداعة قسوس. ولأن ملابسي تدعوه لاحتقاري، فقد نظر إلى باستهانة وهو عاقد ذراعيه على صدره "[104]! كما يصف البطريرك ثيوفيلوس ب " الأسقف السابق ثيوفيلوس وأعماله العنيفة "[105]!

كما صور المسيحيون ورجال الدين المسيحي ككل بالوحوش الكاسرة والقتلة والمجرمون الذين يقتلون باسم ربهم العجيب " لا يرحمون ضعيف أو مقهور، وجوههم دائما مكفهرة، يقتلون كل من هو غير مسيحي، سواء كان يهودي أو وثني بلا شفقة ولا رحمة! "، وبالتعبير البلدي؛ عليهم غضب الله!

وهذا عكس الصورة الحقيقية التي كانت هي طابع رهبان مصر والإسكندرية والسمة العامة التي كانت تميزهم وهي الزهد والتقشف وكثرة الأصوام. د زيدان يكتب هنا بوحي من عزازيله الشرير وشيطانه الذي لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه! ويبدو أنه متأثر هنا بشدة بالصور الهابطة والمفتعلة وغير المنطقية التي صور بها كتاب السيناريو ومخرجي السينما الأفلام الدينية التي كانت تصور الكفار والمشركين في شبه الجزيرة العربية وكأنهم كائنات شيطانية جاءت من كواكب أخرى لا يعيش فيها سوى الشياطين ذات الصور القبيحة كما تصورهم الروايات القديمة! هذه الصورة المقززة التي تحاول أن توهم المشاهد أن الكفار الذين كانوا يحاربون الأنبياء ما هم إلا أشخاص نهمون ذووا أجساد بدينة من كثرة نهمهم وأن أديانهم كانت تدعوهم لذلك! وكأن لا عقول لهم ولا فكر ولا مبدأ! وعكس ذلك على رجال كنيسة الإسكندرية والذي يبدو أنه يراهم هكذا!

ونقول له يا أستاذ الفلسفة أن من يسميهم المؤمنون بالكفار لم يكونوا شياطين متجسدة بل كانت لهم عقائد وأديان ورثوها عن آبائهم وتربوا عليها وكانوا يرون أنها الحق كما ترى أنت في إيمانك، أياً كان، من وجهة نظر الأخر، أنه الحق!

بل أن الصورة التي تصور بها الأفلام القديمة كفار قريش وشبه الجزيرة العربية في الأفلام والمسلسلات الدينية أفضل بكثير مما صورته لقادة الكنيسة! علما بأنك تعاملت مع الرهبان وبعض قادة الكنيسة وكنت صديقا لبعضهم فهل رأيت فيهم هذه الصورة؟! أم أنك انقلبت عليهم هكذا بدون مقدمات وانسقت وراء عزازيلك وشيطانك الشرير فغرر بك وصور لك ما كتبته؟! وأن ما خطته يداك لا يمكن أن تكون قد استقيته إلا من الأفلام الدينية العربية القديمة ووصفها الهابط لمن يوصفون بالكفر والشرك! فمن الواضح جداً أن عزازيلك الذي هو شيطانك، الذي لم يعينك إلهك المألوه عليه، أو عقلك الباطن، والذي لم يفارقك طوال الرواية تمكن منك جيداً فصرت كصدى لأفكاره ووحيه وخياله!

وراح د زيدان يقارن بوحي من عزازيله أو شيطانه، الذي من الواضح أن إلهه المألوه لم يعينه عليه، فافلت الزمام من قلمه، يقارن بين سمو المسيحية التي شوهها بتصويره الباطل لرجالها ومقارنتهم بالعشيقات الوثنيات اللواتي جعل راهبه، الذي اخترعه له عزازيله، يمارس معهن الجنس المحرم الذي أحله د زيدان بوحي من عزازيله أو شيطانه، واعتبره الجنة الموعودة، جنة عزازيل د زيدان وشيطانه! بل وتفضيله لأولئك العشيقات اللواتي يقدمن الحب والجنس المحرم والمتعة المحرمة، بعيدا عن الزواج، على المسيحيين ورجال الدين المسيحي دائماً! وعلى سبيل المثال عندما يقارن بين أم الراهب المسيحية والمتزوجة من مسيحي وبين عشيقة راهبه أو عزازيله أوكتافيا فيقول: " أمي التي تنام كل ليلة، في حضن رجل آثمة يداه. أنني اكرهه واكرهها. الكراهية ستقتلني، أنا الذي يجب عليه أن يحب أعداءه، ويحسن لمن أساء إليه، كي يكون مسيحيا حقا، ومحبا حقا ... لم أر المحبة الحقة، إلا في امرأة وثنية لقيتني صدفة علي شاطئ البحر، وأدخلتني جنتها ثلاث ليال سويا، وأربعة أيام لا تنسي ... لو عدت إلى اوكتافيا ثانية، هل ستقبلني، أم تصفني ثانية بالوضاعة والحقارة؟ "[106].

ولا ندري ما هي المحبة الحقيقية التي أعطتها لها عشيقته والتي يقصدها؟! هل هي ممارسة الجنس المحرم بدون زواج ولا قيود، وكسر نذره كراهب؟ ومخالفة الوصية القائلة " لا تزن " (خر20: 4)، والمعروف أن الزنا وشهوة الزنا بالنسبة للراهب يعتبر من أكثر الخطايا التي يحاربها بشدة! بل وبالنسبة لله فهو يحرم الإنسان، في حالة عدم التوبة، من الحياة الأبدية، حيث يقول الكتاب " من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " (مت5: 28)، " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني " (رؤ21: 8). بل ولا ندرى أن كان هذا، من وجهة نظر عزازيل د زيدان وشيطانه، يجعلها مفضلة على أمه المتزوجة وتعيش مع زوجها، بصرف النظر عما زعمه من سكوتها على مقتل زوجها، أبيه، هذا القتل الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة والتاريخ والذي أختلقه وهم وخيال وعزازيل د يوسف زيدان وشيطانه الشرير؟! أم لأنها أنسته نذره وبتوليته اللذين نزرهما لله؟! أم لأنها نزعت من قلبه كل أثر لوجود الله في حياته؟!

وبالمثل عندما يتكلم عن لهفة الراهب لرؤية هيباتيا والتي يربط شوقه ومحبته لها ولهفته لجمالها بالمقارنة بمن يسميهم جماعة " محبي الآلام " والتي صورها عزازيله أو شيطانه لجماعة وصفها بالإرهابية! يقول: " لن أنجو من وشايات الجماعة الرهيبة المسماة محبي الآلام، وسوف القي بسببهم مصير أبي، ويسعدون هم مثلما سعدت امي00 "[107]، بل ويصف الرهبنة والرهبان بأسوأ الصفات التي وصفت بها الأفلام القديمة كهنة عبدة الأوثان بصورة هابطة! ومن ثم راح يصف صوت راهب طاعن في السن بأنه مثل: " فحيح الأفاعي، وكانت لهجته لاذعة كلسع العقارب "[108]!

أما اكبر شخصية نالها بالإساءة والتشويه، وكأنه يوجد ثأراً شخصياً بينهما، د زيدان والبابا كيرلس عمود الدين! والذي تكلم عنه كإرهابي وشرير قاسي القلب، متكبر ومغرور! فوصفه بالذي يحب أخوته اليهود لدرجة موتهم وطردهم خارج أسوار الإسكندرية[109]! كما يصف كنيسة الإسكندرية ب " الكنيسة التي أظلمت العالم "[110]! ويقول عن البابا كيرلس بلسان أوكتافيا: " كيرلس .. عجلت الآلهة بنهاية أيامه السوداء، لقد جعل المدينة كئيبة كالخراب منذ تولى أمرهم "[111]! هل هذا قول أوكتافيا التي أنطقها به عزازيل د زيدان وشيطانه الشرير أم رأيه الخاص الذي وضعه على لسانها؟! وفي مقارنة بين المسيح والبطريرك كيرلس يقول: " لما رأيت الأسقف أول مرة، هي شرفة واحدة، فوقها صليب ضخم من الخشب، معلق عليه تمثال يسوع المصنوع من الجص الملون. من جبهة المسيح المصلوب ويديه وقدميه، تتساقط الدماء الملونة بالأحمر القاني. نظرت إلى الثوب الممزق في تمثال يسوع، ثم إلى الرداء الموشي للأسقف ... ملابس يسوع أسمال بالية ممزقة عن صدره ومعظم أعضائه، وملابس الأسقف محلاة بخيوط ذهبية تغطيه كله، وبالكاد تظهر وجهه. يد يسوع فارغة من حطام دنيانا، وفي يد الأسقف صولجان أظنه، من شدة بريقه، مصنوعا من الذهب الخالص. فوق رأس يسوع أشواك تاج الآلام، وعلي رأس الأسقف تاج ذهبي براق ... بدا لي يسوع مستسلما وهو يقبل تضحيته بنفسه علي صليب الفداء، وبدا لي كيرلس مقبلا علي الإمساك بإطراف السماوات والأرض "[112]! وهنا يصور القديس كيرلس بصورة لم يقل بمثلها أي كاتب عبر التاريخ بل وعكس ما كتب عنه الكاتب والعالم الإنجليزي والمؤرخ والروائي وأستاذ الجامعة تشارلز كنجزلي، الذي استوحى د زيدان منه فكرة روايته، والذي كتب في وصف القديس كيرلس والمكان الذي كان يعيش فيه: " كان أثاث الغرفة بسيطاً، وثياب البطريرك ومرافقوه خشنة عادية "[113]. وإلى جانب تجنيه على التاريخ الحقيقي للقديس كيرلس الذي وصفه بعكس صفاته سقط في خطأ لا يسقط فيه اصغر طفل مسيحي يدرس في مدارس الأحد وهو أنه تكلم عن وضع التماثيل في مقر البطريركية! في حين أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحرم استخدام التماثيل أو وضعها في الكنائس مطلقاً! كما يزعم أنه كان يمسك صولجانا ذهبيا في يديه وهذا من وحي خيالة لأن جميع بطاركة الكرازة المرقسية لا يمسكون صولجاناً بل عصا الرعاية! وهناك فرق كبير بين الصولجان الذي يشير للسلطة الأرضية والملكوت الأرضي، الذي يوحي به عزازيل د زيدان وشيطانه الشرير لتعطش القديس كيرلس للسلطة الدنيوية بعكس ما يقوله التاريخ، وبين عصا الرعاية البسيطة التي ترمز لرعياته لشعبه!

كما وصف القديس كيرلس بالذي يكره العلم ويرفض العلماء! فعند الإجابة على سؤال يقول: "- ومن هو أعظم المتبحرين في علوم الطب؟

- يا صاحب القداسة، يقال إنه مصري قديم اسمه أمنحوتب، أو هو اليوناني الشهير أبقرات. أم تراك يا أبت تقصد الذين جاءوا بعدهما من الأطباء الإسكندرانيين، من أمثال هيروفليوس، أو الذين درسوا بالإسكندرية من أمثال جالينوس؟

- خطأ .. إجاباتك كلها خاطئة، فالذين ذكرتهم كلهم وثنيون، ولم يستطع واحد منهم أن يبرئ المجذوم والأبرص، وأن يحيى بلمسة من يده إنساناً ميتاً!

- عفواً يا صاحب الغبطة، لكنني لم أفهم ما تقصد إليه.

- إن ربنا يسوع المسيح، أيها الراهب، هو بحر الطب. فتعلم منه، ومن سير القديسين والشهداء، واغتراب البركات بيد تقواك وإخلاصك "! ثم يكمل وصفه له بقوله: " وما هي يا صاحب القداسة، العلوم التي لا نفع لها. حتى أعرفها، وأحرص على الابتعاد عنها؟

- هي أيها الراهب، خزعبلات المهرطقين وأوهام المشتغلين بالفلك والرياضيات والسحر. فاعرف ذلك وابتعد عنه، لتقترب من سبل الرب وطرق الخلاص. إن كنت تريد تاريخاً؟ إليك التوراة وسفر الملوك. أو تريد بلاغة؟ إليك سفر الأنبياء. أو تريد شعراً؟ إليك المزامير. وإن أردت الفلك والقانون والأخلاق، فإليك قانون الرب المجيد "[114]. والسؤال من أين أتيت بهذا الهراء يا دكتور؟! فقد أضلك عزازيلك وتحكم في كل أفكارك! فلا يوجد أي كتاب تاريخي واحد قال بمثل هذا الهراء، وقد كتب القديس كيرلس عشرات الكتب والرسائل اللاهوتية ولم يشر فيها لا من قريب أو من بعيد لمثل هذا الكلام المكذوب!

وهكذا وضع شيطان الكاتب أو عزازيله الشرير، ذو الخيال الشيطاني المريض، صورة وهمية من خياله الذي نتمنى أن يتخلص منه على يد طبيب متخصص في علاج من يسيطر عليه عزازيله! وتجاهل أن الكنيسة تؤكد دائما على حقيقة كون القديس لوقا، مدون الإنجيل الثالث، كان طبيباً وحكيماًَ ومؤرخاً ورساماً، بل وكان معظم آباء الكنيسة من المدافعين في القرنين الثاني والثالث من أمثال يوستينوس (150م)، وكاتب الرسالة إلى ديوجانيس (120 – 150م)، وأريستيدس الأثيني (حوالي 140م)؛ وأثيناغوراس الأثيني (كتب حوالي 180م) وأكليمندس الإسكندري (150 - 215م) والعلامة هيبوليتوس الروماني (استشهد في 235م)، والعلامة ترتليان (160- 230)، والعلاَّمة ثيؤغناسطس الإسكندري (متوفى سنة 282)00 الخ. وكلهم كانوا من المدافعين والفلاسفة والذين ناقشوا المسيحية ودافعوا عنها وقدموها للعالم اليوناني بحسب ما تسلموها من التسليم الرسولي ولكن بأسلوب فلسفي يتناسب مع أصحاب الديانات والفلسفات التي كانت معاصرة. وفوق كل ذلك مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي نشأت في الإسكندرية صاحبة المدرسة العريقة والمكتبة العريقة والتي دمرها من لا يدركون قدرها ومضمونها ومحتواها! بل وأن كل علماء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية كانوا الشعلة المضيئة والمنار الذي اهتدت به كل سفن العالم المسيحي في القرون الأربعة الأولى، وأنها لم تقف في يوم من الأيام ضد العلم أو العلماء، وخاصة أن العلوم في عصرها كانت في بدايتها، وأن كان بعض البسطاء من عامة المسيحيين فهموا خطأ المخترعات العلمية الفلكية في عصرهم فهذا لا يحسب لا على الكنيسة ولا على القديس كيرلس لأن الكنيسة كانت منشغلة بأمور كانت تشغلها أكثر مثل مواجهة الوثنية واليهودية والهراطقة إلى جانب الاضطهاد المتكرر والمتواصل أو المتقطع للمسيحيين والمسيحية، سواء قبل قانون ميلان (313م) الخاص بالحرية الدينية أو بعده، إلى جانب الصراع المتواصل وغير المتوقف بين المسيحية والهراطقة مثل الآريوسية والنسطورية وما بينهما وما بعدهما.



كما وصف، على لسان راهبه، الذي ألفه شيطانه وعزازيله، هيبا، تعامل كنيسة الإسكندرية مع خصومها اللاهوتيين بالأسد الذي ينشب بأنيابه ومخالبه في فريسة حتى يجهز عليها، فيقول: " بعدما أنتهي (نسطور) وقد هدا تماما، سألته متلطفا: ولماذا لا نترك لعوام أهل الديانة، والجهال، اعتقاداتهم المختلطة بالأوهام المريحة لهم، والمناسبة لإدراكهم. ونشرح الحقائق لعلماء اللاهوت ورجال الاكليروس، وكهنة الكنائس، لأن هؤلاء قادرون على فهم هذه المسائل اللاهوتية الدقيقة، ثم نترك العوام يفهمون منهم، جيلا من بعد جيل، من دون أن نصدمهم.

- ولماذا نلجأ لهذه المناورة

- مضطرون يا نيافة الأسقف، مضطرون. حتى نتفادى أنياب ومخالب الأسد المرقسى! أبتسم نسطور لدعابتي الرامزة، وقد أدرك بذهنه الملوح أنني أشير إلى ما ينتشر في الإسكندرية من إيمان بان القديس مرقس رسول الإسكندرية اتخذ من الأسد شعارا. أو بالأحرى، أعطاه الاسكندرانيون وأعطوا أنفسهم رمز الأسد بان رسموا القديس مرقس الرسول في كتبهم وعلى جدران بيوتهم، وهو يكتب الإنجيل والأسد رابض بجواره يتأمل ما يكتبه "[115].

وهنا سقط الكاتب في خطأ لا يقع فيه طفل من أطفال مدارس الأحد بالكنيسة وهو أن القديس مرقس لم يتخذ من الأسد شعارا ولا كنيسة الإسكندرية فعلت ذلك، بالمفهوم الذي قدمه شيطان أو عزازيل د زيدان، بل أن آباء الكنيسة الأولى وصفوا الأناجيل الأربعة بالوصف الذي جاء في (رؤيا4: 7) عن المخلوقات الحية التي تحيط بالعرش الإلهي " الكائن الحي الأول شبه أسد والكائن الحي الثاني شبه عجل والكائن الحي الثالث له وجه مثل وجه إنسان والكائن الحي الرابع شبه نسر طائر ". فوصفوا الإنجيل للقديس متى بوصف الإنسان لأنه يقدم المسيح أبن الإنسان والإنجيل للقديس مرقس بالأسد لأنه يقدم المسيح في قوته والإنجيل للقديس لوقا بالثور لأنه يقدم المسيح باعتباره الفادي والإنجيل للقديس يوحنا بالنسر الذي يحلق في الفضاء لأنه يقدم المسيح في لاهوته. أي أن آباء الكنيسة هم من وصفوا الإنجيل للقديس مرقس بهذا الوصف لأن القديس مرقس يبدأ الإنجيل بقوله: " صوت صارخ في البرية "، وكأنه صوت أسد يدوي في البريّة كملك الحيوانات يهيئ الطريق لمجيء الملك الحقيقي ربنا يسوع المسيح. هذا وإذ جاء الإنجيل يُعلن سلطان الرب يسوع المسيح لذلك لاق أن يُرمز له بالأسد، إذ قيل عن الرب يسوع أنه " الأسد الخارج من سبط يهوذا " (رؤ5: 5). لذا قال أمبروسيوس من آباء القرن الرابع: " أن مار مرقس بدأ إنجيله بإعلان سلطان لاهوت السيد المسيح الخادم " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (1: 1)، لذلك بحق يرمز له بالأسد ". كما أن أهل البندقيّة، بإيطاليا، يتشفعون بالقديس مرقس وقد جعلوا الأسد رمزًا لهم، وأقاموا أسدًا مجنحًا في ساحة مار مرقس بمدينتهم.

كما تجاهل الكاتب أو جهل حقيقة هامة أنستها له أوهامه أو أنساها له عزازيله الشرير، وهي أن كنيسة الإسكندرية برغم مكانتها وقوتها في تلك الفترة إلا أنها كانت إحدى الكراسي الرسولية الخمسة مع كنائس روما وإنطاكية وأورشليم والقسطنطينية، وأن جميع هذه الكراسي الرسولية كانت قد تسلمت نفس التقليد الرسولي الذي تسلمته كنيسة الإسكندرية من الرسل مباشرة، وهؤلاء الرسل كانوا 12 (تلميذاً) + 70 (رسولاً) + أكثر من 500 أخ، أي حوالي 600 رسولاً، غير الذين تتلمذوا على أيديهم، كانوا شهودا للمسيح وكان لسان حالهم يقول مع القديس يوحنا: " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة قد أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا " (1يو1: 1-3)، ومع القديس بطرس " لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته " (2بط1: 16). كما أن جميع قادة الهراطقة، في القرون الخمسة الأولى، لم يكونوا إلا مجرد أفراد عددهم لا يزيد على أصابع اليد، والذين اعتمدوا على فكرهم الخاص وتأثروا ببعض الفلسفات المعاصرة، مثل آريوس الذي تأثر بفكر معلمه لوسيان السوري بل وبدرجة أكبر بفكر الفيلسوف فيلو اليهودي السكندري الذي مزج بين الفلسفة اليونانية، خاصة الرواقية، واليهودية وتجاهل التقليد الرسولي للكنيسة وكان مؤيدوه من الأساقفة مثل يوسابيوس النيقوميدي وغيره من زملائه الذين تتلمذوا معه على يد لوسيان، ولذا وصفوا في بعض مراحل الحوار الأرثوذكسي الآريوسي باللوسيانيين نسبة على لوسيان! والذين لم يزد عددهم في مجمع نيقية عن سبعة أفراد من بين 318 أسقفاً، (أي اقل من 3%)، مثلوا جميع إيبارشيات وبلاد العالم المسيحي وكل الكراسي الرسولية في ذلك الوقت! وهؤلاء تراجعوا عن فكرهم اللوسياني الآريوسي في مجمع نيقية حتى ولو كان تراجعهم ظاهريا لأنهم لم يستطيعوا أن يواجهوا قوة حجة الكنيسة الرسولية متمثلة في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية والتي أيدتها جميع الكنائس المسيحية بكراسيها الرسولية الخمس بما فيها الكنائس التابعة لها في كل بلاد دول حوض البحر المتوسط (في أوربا وآسيا وأفريقيا) وما بين النهرين (سوريا والعراق) وفارس والعربية وجنوب الهند. كما أعتمد نسطور على فكره الخاص وخاصة صعوبة استيعابه لحقيقة التجسد الإلهي وكيفية اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية للرب يسوع المسيح في بطن مريم العذراء، وأن الذي خرج وولد من رحمها هو الإله المتجسد، وأعتمد على فكره الخاص وتجاهل التسيلم الرسولي نهائياً!

ويكمل د. زيدان أو شيطانه، عزازيله الشرير، وصفه السيئ لكنيسة الإسكندرية ويقول: " فالذي يخرج من الإسكندرية مغاضباً أو مغضوباً عليه، لا ينبغي له العودة إليها. تجارب الأيام دلت على ذلك وأكدته! فقد عاد إليها اوريجين بعدما ذهب عنها مغاضباً، فإذاقة أسقف زمانه ديمتريوس الكرام كؤوس المرار. جرى ذلك قبل مائتي عام، ولم يكن أسقف المدينة أيامها بمثل قوة أسقفها اليوم، ولم تكن الإسكندرية وقتها تعرف بالمدينة العظمى، ولم تكن واجهات بيوتها وجدران كنائسها قد امتلأت بصور مرقس الإنجيلي وبجواره الأسد الرابض، ولم يكن اوريجين مسكيناً مثلى! ومع ذلك ذاق على أيديهم المرار والويل .. وبعده بثمانين عاماً، استدرج الاسكندرانيون الراهب آريوس إلى القسطنطينية من منفاه ببلاد القوط (إسبانيا) بعدما كان قد استقر هادئا هانئاً بأقصى العالم. استدرجوه، بعدما حرموه وعزلوه ومثلوا بسمعته. لم يرضوا له أن يموت في سلام. ولما انخدع وذهب ليلتقي بالأسقف إسكندر في بلاد قسطنطين الإمبراطور، أملاً في الوفاق وحل النزاع اللاهوتي الذي أغضب الإسكندرية، لقي آريوس مصيره المفجع ومات مسموماً. ولم يكن أسقف الإسكندرية أيامها بمثل قوة أسقفها اليوم، ولا كان آريوس مسكيناً مثلى! "[116]!

وهو هنا يجزم بموت آريوس مسموما ويوحي بأن كنيسة الإسكندرية هي التي فعلت ذلك! وهذا الكلام لم يقل به أي مؤرخ سواء مسيحي أو غير مسيحي على الإطلاق بل هو خيال عزازيل د يوسف زيدان وشيطانه الشرير!

ومن الواضح هنا أنه يدخل في مناطق يجهلها أو يستغلها بعكس حقيقتها وبدون الكشف عن خلفياتها التي أدت بها إلى ما آلت إليه؛ فقد تحدث عن اوريجانوس وصوره كشهيد مغضوب عليه وتجاهل أن الكنيسة لا تزال تحتفظ بكتاباته ومكانته برغم سقطاته الكثيرة التي سقط فيها بسبب تأثره الشديد بالفكر الغنوسي وجراءته الشديدة في الإعلان عن كل ما يفكر فيه علانية بصرف النظر عن مطابقته للتسليم الرسولي والكتاب المقدس، ومن ثم فقد سقط في أخطاء كثيرة مثل القول بأزلية المادة وأزلية الأرواح وأنها كانت موجودة منذ الأزل، ولأن المادة أزلية والروح أزلي وأن الله يخلق منذ الأزل، لذا فالإنسان خلق منذ الأزل كروح، ويكون الإنسان بهذا المفهوم أزلي وأن أزلية الله ما هي إلا واقع نظري أو منطقي، كما نادى بأن نهاية كل البشرية ستكون بحسب المسيح نهاية واحدة ومصير واحد بما فيها الشيطان نفسه! وهذه الأفكار فلسفية بل مزيج من الغنوسية وفكر أفلاطون مع محاولاته التوفيق بين قول الفلاسفة بأزلية المادة وقول الكتاب المقدس بخلق المادة! هذه الأفكار وغيرها جاءت صادمة للكنيسة ومضادة للتسليم الرسولي مما جعل بعض آباء الكنيسة يختلفون بشأن آرائه، لمدة سنوات طويلة، بين مؤيد لأفكاره مثل من تسموا بالأخوة الطوال[117]، ومعارض لها، مثل أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، وبين من حاول أن يميز بين معتقداته وما قدمه للقراء من آراء افتراضية مثل القديس أثناسيوس الرسولي والقديس جيروم[118]. هذا إلى جانب فهمه الخاطئ لقول الرب يسوع المسيح: " لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع أن يقبل فليقبل " (مت19: 22)، والتي قصد بها الرب يسوع المسيح المعنى الروحي فطبقها اوريجانوس على نفسه حرفيا فخصى نفسه مخالفا بذلك تعاليم الكنيسة.

أما زعمه وإيحاؤه بأن كنيسة الإسكندرية استدرجت آريوس وقتلته بالسم فهذا افتراء على الكنيسة وتاريخها وكذب لم يقل به أي مؤرخ مسيحي أو غير مسيحي من الذين عاصروا الأحداث، بل أجمع المؤرخون أن موت آريوس كان عقابا إلهيا له لأنه مزق جسد المسيح وأدخل الكنيسة في صراعات عطلت كرازتها ورسالتها سنوات طويلة! فهو يقول زاعما في كذب واضح ومكشوف بل ومفضوح: " استدرج الاسكندرانيون الراهب آريوس إلى القسطنطينية من منفاه ببلاد القوط (إسبانيا) بعدما كان قد استقر هادئا هانئاً بأقصى العالم. استدرجوه، بعدما حرموه وعزلوه ومثلوا بسمعته. لم يرضوا له أن يموت في سلام. ولما انخدع وذهب ليلتقي بالأسقف إسكندر في بلاد قسطنطين الإمبراطور، أملاً في الوفاق وحل النزاع اللاهوتي الذي أغضب الإسكندرية، لقي آريوس مصيره المفجع ومات مسموماً "! وهذا كذب مفضوح وافتراء على التاريخ وكنيسة الإسكندرية:

(1) فكنيسة الإسكندرية كانت رافضة بصورة مطلقة لعودة آريوس إلى الإسكندرية بأي شكل من الأشكال ولم تطالب بعودته ولم تستدرجه، كما افترى شيطان د يوسف زيدان وعزازيله الشرير على الكنيسة! بل أن أنصاره وعلى رأسهم يوسابيوس النيقوميدي هم الذين سعوا بشدة وإلحاح عند الإمبراطور قسطنطين وجعلوا آريوس يتظاهر بقبوله لقانون الإيمان الأرثوذكسي، قانون مجمع نيقية وكتب إقرار بذلك بل وكتب قانونا ذكرنا نصه في حينه ولكن شعب الإسكندرية وأساقفتها رفضوه بصورة مطلقة وحدث بسبب ذلك اضطراب شديد، فطلب الإمبراطور من أليكساندر أسقف القسطنطينية أن يقبله حتى تحتذي به بقية الكنائس ولكن أليكساندر كان رافضا فهدده مناصرو آريوس بأن الإمبراطور سيعزله إذا لم يقبل آريوس، وهنا حدث اضطراب شديد وانتقلت الفوضى من الإسكندرية إلى القسطنطينية، وكما يقول عبد العزيز جمال الدين في تعليقه على كتاب تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع: " وتحرج موقفه (أي أليكساندر) أمام الإمبراطور الذي حدد يوما يتم فيه ذلك على مرأى من الجميع، وتعقدت المشكلة ولكنها لم تلبث أن حلت فجأة بوفاة آريوس في نفس اليوم من عام 334م. وعد خصومه وفاته دليلا على الغضب الإلهي، كما جرت بذلك أقلام مؤرخي الكنيسة جميعهم "[119].

(2) وكما هو واضح فأن كنيسة الإسكندرية كانت رافضة له ولم تستدرجه من الأساس بل أن من ألح في عودته هم أنصاره وحاولوا إعادته للإسكندرية بأمر الإمبراطور، بل وكان في القسطنطينية بأمر الإمبراطور، ومات وهو محاط بأنصاره ومحمي برجاله ورجال الإمبراطور، فكيف يزعم عزازيل د يوسف زيدان وشيطانه الشرير زورا وبهتاناً بأن كنيسة الإسكندرية هي التي استدرجته وقتلته؟! أتق الله يا د. وأبعد عنك عزازيلك الذي من الواضح أن إلهك المألوه لم يعنيك عليه فغلبك وتغلب على فكرك! بل أنصحك أن تذهب لأحد كهنة كنيسة الإسكندرية ليصلي لك فربما يجعلك تنتصر على عزازيلك، الذي لم يستطع إلهك المألوه أن يعينك عليه، فتعود إلى صفاء نفسك!



2 – أكذوبة تدمير السيرابيوم والمعابد الوثنية!

كما صور د زيدان البابا ثاوفيلوس وهو يدمر معبد السيرابيوم ولا يبقي منه إلا تمثال سيرابيس، فيقول بلسان الراهب: " كل ما حولي يومها كان بديعا، إلا ذلك التمثال البائس الذي يتوسط الطريق. عرفت بعد أسابيع، أنه تمثال لإله كانوا يسمونه سيرابيس وقد استبقاه أسقف الإسكندرية السابق ثيوفيلوس من معبد السيرابيوم الكبير، بعدما هدمه على رؤوس الوثنيين المعتصمين فيه. وقد أقام الأسقف التمثال البائس في وسط الطريق، ليفجع الوثنيين بمصير معبودهم، ويخلد انتصاره عليهم بإهانة آلهتهم إلى الأبد. جرى هدم المعبد الكبير في العام الذي ولدت فيه، أعني سبع عشرة ومائة للشهداء، الموافقة لسنة إحدى وتسعين وثلاثمائة للميلاد المجيد "[120].

وهو هنا كعادته يربط المصائب، التي أوحى له بها عزازيله وشيطانه الشرير، بسنة 391م السنة التي أعلنت فيها المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية، وكأن السنة التي أُعلنت فيها المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية هي سنة مبتدأ المصائب والكوارث! ولست أدري عن أي مسيحية يتكلم د زيدان؟! هل هي في كوكب المشترى أم في كوكب زحل، أم في كتاب أساطير ألف ليلة وليلة؟! ولا كيف أوحى بها له عزازيله الشرير الذي لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه فغرر به؟!

كما يصور المسيحيين وهم يهللون لهدم الأوثان: " مررت بجماعة من رجال الكنيسة يتجهون شمالا، وحولهم عمال يحملون معاول. كان العمال يرددون خلفهم: باسم يسوع الإله الحق، سنهدم بيوت الأوثان ونبني بيتا جديدا للرب "[121]!. ويحكي بلسان أوكتافيا ما صوره وزعمه أن المسيحيين قتلوا زوجها فيقول: " غلب عليها الأسى وهي تقص ما جري مع زوجها، في اليوم الذي وصفته بالمشئوم .. فقد كان زوجها الوثني، يوصي دوما سيده الصقلي أن يجلب له البخور من أسفاره، ويوصله للمعابد، ويعود في المساء سعيدا. كانت تخشي عليه، وكان يستهين بقلقها. لم يكن يعتد بأن المعابد صارت أماكن خطرة، وكان يردد علي مسامعها العبارات الجوفاء التي لا معني لها: إلهنا سيرابيس هو اله العالم، ولابد من أن نظهر احترامنا له رغم انف كل المسيحيين، بمن فيهم الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني نفسه ... وكانت تكمل حكايتها فتخبرني أن زوجها خرج ذات صباح ليضع البخور في المعبد الصغير الذي كان قائما بشرق الميناء، فحوصر هناك، تقصد حاصره أهل ديانتنا ... أجهشت وهي تقول: قتله المجرمون وقادتهم من الرهبان، وهم يدمرون المعبد.

- ما هذا الذي تقولين؟00 الرهبان لا يقتلون00

- رهبان الإسكندرية يفعلون .. باسم ربهم العجيب، وببركات الأسقف ثيوفيلوس المهووس، وخليفته كيرلس الأشد هوسا.

- أرجوك يا اوكتافيا.

- طيب، ما علينا من هذا الكلام الآن. ولكن لماذا تبدو يا حبيبي متألما هكذا، ومنحازا لهم؟ أنهم يطاردوننا في كل مكان، ويطردون أخوانهم اليهود، ويهدمون المعابد علي رؤوس الناس، ويصفوننا بالوثنيين الأنجاس. إنهم يتكاثرون حولنا كالجراد، يملأون البلاد مثل لعنة حلت بالعالم "[122].

وهنا يصب عزازيل د زيدان وشيطانه الشرير لعناته على رب الكنيسة المسيحية الذي يصفه ب " ربهم العجيب " الذي يقتلون باسمه! ويصف البابا ثاوفيلس والبابا كيرلس ب " الأسقف ثيوفيلوس المهووس، وخليفته كيرلس الأشد هوسا "! بل ويصف المسيحيين باللعنة التي حلت على العالم " أنهم يطاردوننا في كل مكان، ويطردون أخوانهم اليهود، ويهدمون المعابد علي رؤوس الناس ... إنهم يتكاثرون حولنا كالجراد، يملأون البلاد مثل لعنة حلت بالعالم "! فهل يوجد سب وازدراء أكثر من هذا؟! الدكتور يتباكى في كل مكان ويدعي أنه لم يسء لا للكنيسة ولا عقائدها ولا قادتها! فماذا كان يمكن أن يفعل أكثر من هذا حتى يعتبره إساءة؟! أن ما قاله د يوسف زيدان وعزازيله الشرير لم يقل به الشيطان نفسه!

كما جانب عزازيل د زيدان وشيطانه الشرير الصواب خاصة عندما يقول أن أسقف الإسكندرية السابق ثيوفيلوس هدم " معبد السيرابيوم الكبير، بعدما هدمه على رؤوس الوثنيين المعتصمين فيه ". ووضع على غلاف كتابه هذه الصورة المجاورة التي تشير إلى انتصار البابا ثاوفيلس على الوثنيين. وهنا نقل الحدث بعكس ما قاله المؤرخون المعاصرون له، حيث يقول المؤرخون الكنسيون الذين كانوا معاصرين للأحداث، سوزومين (Sozomen) وروفينوس (Rufinus) وسوقريتس (سقراط -Socrates)، أن الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (Theodosius I، 379 – 395م) هو الذي طالب بتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس وليس هدمها كما زعم عزازيل د زيدان! فلم يقم البابا ثاوفيلس ولا غيره من باباوات الإسكندرية بهدم معبد واحد، بل حولوا بعضها أو أجزاء داخلها إلى كنائس وتركوا الباقي كما هو، والدليل على ذلك العدد الكبير من بقايا المعابد التي ما تزال قائمة حتى اليوم مثل معبد حتشبسوت بالدير البحري ومعبد الرامسيوم الذي بناه رمسيس الثاني ومعبد أبي سمبل الذي بناه رمسيس الثاني أيضاً ومعبد منتوحتب الثاني الذي بجوار معبد حتشبسوت بالدير البحري ومعبد الكرنك والذي كان يعد أكبر دار للعبادة في العالم القديم ومعبد الأقصر ومعبد ادفو لعبادة الإله حورس ومعبد الملك خفرع بجوار هرم خفرع ومعبد مصطبة بجوار هرم زوسر المدرج .. الخ

وتنقل لنا الراحلة إيزيس المصري في كتابها قصة الكنيسة القبطية عن الأب ميشيل جوليان الفرنسي الذي زار مصر سنة 1902م وتم نشر ملاحظاته في مجلة " الآثار القبطية " العدد السادس (1940م) بعنوان " الآثار القبطية تبعا لملاحظة الأب جوليان (بالفرنسية) "، والذي زار عددا من المعابد القديمة التي تركها الفراعنة ولاحظ أن المصريين اعتنقوا المسيحية ولم يهدموا معابدهم القديمة بل حولوها إلى كنائس وفي بعض الأحيان كرسوا جزءًا من المعبد كنيسة ولم يجدوا حرجا أن يقيموا صلواتهم داخل هذه المعابد القديمة. وقد وجد الأب جوليان كنيسة في صحن معبد دندرة واثنتين في معبد الأقصر واثنتين أخريين في معبد الكرنك. كذلك وُجد أن معبد الملكة حتشبسوت قد تحول إلى دير أطلقوا عليه الدير البحري. على أنه لم يبق الآن أثر لهذا الدير غير الصلبان المرسومة على جدرانه[123].

وقد بدأ المسيحيون، الذين كانوا في ذلك الوقت يمثلون الأغلبية، في تحويل السيرابيوم إلى كنيسة بعد موافقة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول وقاموا بإنزال تمثال سيرابيس وكشفوا تمثال الإله الوثني ديوناسيوس الذي كان مخفياً وعرضوه أمام الجميع وقطعوا الأجزاء التناسلية منه والتي كانت ترمز للخصوبة والتي كانت ظاهرة ورأوا أن بقاءها يخل بالآداب العامة. وتصور المسيحيون أن كشف هذه التماثيل للعامة والطواف بها يخجلهم ويجعلهم يؤمنون بالمسيحية، ولكن ذلك أثار حفيظة الوثنيون من ذلك فدبروا مؤامرة في صمت وقتلوا عدداً كبيراً من المسيحيين وجرحوا آخرين وأحاطوا بمعبد السيرابيوم (أي معبد سيرابيس) الذي كان يقف كالقلعة فوق هضبة مما اقتضى بناء مئة سلم للوصول إليه، وكان بناؤه الضخم يضم بين جوانبه هيكلي إيزيس وسيرابيس والمتحف والمكتبة. وقبضوا على الكثير من المسيحيين وقاموا بتعذيبهم وأجبروهم أن يقدموا ذبائح للأوثان والذين رفضوا، من المسيحيين، تقديم هذه الذبائح صلبوهم وكسروا أرجلهم وقتلوا البعض بطريقة وحشية جداً فسادت الفوضى وعمت الفتنة فجاء الحكام وحثوا الوثنيين على أتباع القوانين وأن يضعوا سلاحهم ويسلموا السيرابيوم، وجاء إيفاجروس (Evagrius) (391م) حاكم الإسكندرية ورومانوس (Romanus) قائد الكتائب بمصر ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيء فأرسلوا للإمبراطور ليبلغوه بما يحدث. فأغلق الوثنيون السيرابيوم على أنفسهم وأعدوا مقاومة شرسة بسبب خوفهم من عقاب الإمبراطور بسبب ما اقترفوه. وكان يقودهم ويغذي ثورتهم شخص كان يرتدي زي الفلاسفة يدعى أوليمبيوس Olympius والذي استغل أنهم كانوا ثائرين بسبب تدمير آلهتهم وكان يقول لهم أن الموت أفضل من ترك آلهة آبائهم وأن القوى التي تختبئ فيها ستترك التماثيل وتصعد إلى السماء بسبب تدميرها. ولما علم الإمبراطور بهذه الأحداث أعلن أن المسيحيين الذي قتلوا في هذا الحدث يعتبرون من الشهداء لأنهم تألموا لأجل الإيمان، وأمر بالعفو والحرية للذين قتلوهم وكان يأمل بذلك أن يدركوا الحب المسيحي ويقبلوا الإيمان وأمر بهدم المعابد في الإسكندرية والتي كانت سببا في التحريض العام على الفتنة. وعند قراءة الأمر الإمبراطوري على العامة صاح المسيحيون صيحة عالية من الفرح لأن الإمبراطور ألقى بالكرة في ملعب الوثنيين، فأرتعب الوثنيون الذين كانوا يحرسون السيرابيوم عند سماع هذا الصياح فأخذوا في الهرب وسيطر المسيحيون على المنطقة وصارت لهم[124].

ولم يتعرض المسيحيون مطلقا للوثنين أثناء فرارهم من السيرابيوم ولم يلحقوا بهم أي أذى لأنهم رأوا أن الانتقام هو أهدار لدم الشهداء الذين لا ينتقم لهم إلا الله وحده. كما لم يفكر المسيحيون في هدم المعبد أو إشعال النار فيه بل أن بعض الوثنيين هم الذين أشعلوا النار عند خروجهم وانسحابهم من السيرابيوم غضبا وحنقاً. فسارع المسيحيون على إلى إخمادها حرصا منهم على الكنوز التي تضمها المكتبة. وهكذا استطاع المسيحيون أن يحافظوا على مبنى السيرابيوم ولم يتهدم منه غير هيكل سيرابيس[125].

وهنا يؤكد لنا المؤرخ سوزومين ومعاصرة روفينوس أيضاً أن الوثنيين هم الذي قتلوا عدداً كبيراً من المسيحيين وعذبوا عدد آخر وأجبروا الكثيرين على تقديم ذبائح للأوثان، هذا الفعل الذي كان يعد من أشنع الخطايا بالنسبة للمسيحيين لأنه يخالف قول الكتاب " للرب إلهك تسجد وإياه وحدة تعبد "، وصلبوا الذين رفضوا منهم ذلك وعذبوا الكثيرين، ومع ذلك لم يعاقبهم الإمبراطور المسيحي على ذلك بل منحهم عفوا وحرية. وهذا عكس ما أدعاه عزازيل د زيدان وشيطانه كذبا وتلفيقاً، ثم هربوا من المعبد بعد أمر الإمبراطور بهدم المعابد ومن كان يقودهم هرب إلى إيطاليا ولم يمس أحدهم لا من المسيحيين ولا من الإمبراطور!

والسؤال الآن: من أين أتي د زيدان بأن البطريرك ثاوفيلوس قد دمر المعبد على رؤوس من فيه؟! ولا توجد أي إجابة سوى أن شيطانه أو عزازيله الشرير قد تغلب عليه وخدعه أو أوهمه، ولم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه فراح يلفق ذلك متأثرا بأفكار بعض الكتاب الغربيين العصريين المتحاملين على الكنيسة دون سند أو دليل تاريخي أو وثائقي سوى قولهم أن البابا ثاوفيلوس كان يميل أحياناً إلى العنف! وكما بينا أعلاه فقد أكد جميع المؤرخين الذين كانوا معاصرين للحدث عكس ذلك تماما. وقد أكد مصداقية هؤلاء المؤرخين الكاتب أفوتيوس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي حيث قال في كتابه (وصف جبانة الإسكندرية): " أن هذه المكتبة (مكتبة السيرابيوم) التي كانت مفتوحة للجمهور في ساعات النهار كانت دعوة مستمرة تهيب بأهالي المدينة أن يستقوا من منابع الحكمة[126].

وفي هذا المعنى يقول الأرشمندريت جيتي (تأييدا لهذه الشهادات): " لقد أنب بعض الكتاب مسيحي مصر لحرقهم مكتبة السيرابيوم، وبما أن هذا التأنيب قد تجدد في أيامنا هذه فقد أذعنا نشرة أثبتنا فيها ما يلي:

(1) أن السيرابيوم الذي كان يتألف من عدة مبان لم يحرق.

(2) أن الجزء الوحيد الذي هدم من ذلك المبنى هو محراب سيرابيس.

(3) أن مباني السيرابيوم قد ظلت قائمة بعد هذا الحريق المزعوم بعدة قرون.

(4) أن المؤرخ أوروز الذي عاش في أيام ثيودوسيوس الصغير قد رأى بعينية الخزانات المليئة بالكتب في معبد السيرابيوم كما رآها في غيره من المعابد. وقد أساء بعض الكتاب فهم ما صرح به أوروز هذا فبنوا عليها تهمة الحريق الذي الصقوها بالقديس ثاوفيلس[127].

وهنا نقول للدكتور يوسف زيدان؛ يا دكتور أتق إلهك المألوه لعله يجعلك تتغلب على عزازيلك وشيطانك الذي تغلب عليك وأوقعك في كل هذه التلفيقات والأكاذيب، بدون أي سند أو دليل وثائقي إلا تخمينات بعض الكتاب المتحاملين على الكنيسة!



3 – إلصاق تهمة مقتل هيباتيا بالبابا كيرلس عمود الدين:

وعلى عكس المسيحيين الذين صورهم شيطانه أو عزازيله، لم يمكنه إلهه المألوه أن يتغلب عليه، ووضعهم كأشرار الرواية، والكنيسة التي صورها له عزازيله الشرير بالشيطانية المتخلفة! فقد صور الفيلسوفة الوثنية هيباتيا بصورة إلهية ملائكية، بل ككائن إلهي وفي الصورة التي تخيلها الراهب للمسيح! وذات نور سمائي! وهذا عكس الأوصاف التي وصفها بها الكاتب والمؤرخ الإنجليزي كنجزلي الذي أخذ د زيدان فكرة روايته عنه! وكممثلة للخير والجمال والنقاء والبر، يتكامل فيها عنصري الأنوثة والعلم بل والسمو والرقي فيقول بلسان الراهب: " من قبل أن تنطق الأستاذة (هيباتيا) بشي، ظل قلبي يرتجف ويزداد خفقانه، حتى خشيت أن يسمع الجالسون حولي دقاته المضطربة00 هيباتيا امرأة وقور وجميلة، بل هي جميلة جدا. أو لعلها أجمل امرأة في الكون. كان عمرها في حدود الأربعين، وكان أنفها جميلا جدا وفمها، وصوتها، وشعرها، وعيناها ... كل ما فيها، كان أبهي من كل ما فيها. ولما تكلمت زاد بهاؤها تألقا. عرفت بعدما رايتها بشهور، أنها اشتغلت بالعلم من صغرها، علي يد أبيها الرياضي الشهير ثيون، وعرفت أنها ساعدته، وهي بعد مراهقة، في شروحه التي دونها علي أعمال كلوديوس بطليموس صاحب كتاب الجغرافيا، والكتاب الكبير في الفلك "[128].

" هيباتيا ... أكاد أن اكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت علي منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر الناس بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوما ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال .... في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل ما يحف بالإلهة من بهاء .. من أي عنصر نوراني خلقت هذه المرأة؟ ... كانت تختلف عن بقية الناس؟00 فأن كان الإله خنوم هو الذي ينحت أجسام الناس، فمن أي صلصال طاهر نحتها، وبأي عطر سماوي سبكها؟ ... يا الهي، أنني اجدف00 "[129].

" كنت أتابعها بنظرات لاهثة، وقد نظرت هي نحوي أثناء كلامها مرتين، فروعتني عيناها. كنت قد درست الفلسفة سنين في أخميم غير أني لم اسمع من غيرها، مثل هذا الذي قالته. كانت تشرح لنا بلغة يونانية راقية، كيف يمكن للعقل الإنساني أن يستشف النظام الكامن في الكون، وأن يصل بالفهم إلى معرفة جواهر الأشياء، وبالتالي يميز أعراضها وصفاتها المتغيرة ... كان يجري علي لسانها عبارات من مبادئ الفلسفة، عبارات طالما سمعتها من غيرها، لكنها نطقت بها وكأنها تفتح عقلي وتدسها فيه. حتى المشهور من كلام الفيثاغورسيين، مثل قولهم: العالم عدد ونغم .. شعرت من عمق إحساسها بالعبارة، ومن رهافة نطقها بها، أن الكائنات كلها إيقاعات منظومة واحدة ... وعلي هذا النسق، فهمت من عباراتها ما لم افهمه قبلها من أهل الفلسفة ".

" قبل نهاية المحاضرة، خايلتني فكرة أن ابقي تابعا لهيباتيا بقية عمري، أو خادما يسير وراءها. وفكرت في أنني لو عدت إلى أوكتافيا، واعتذرت إليها عن خداعي لها طيلة الأيام الثلاثة، فقد تسامحني. سأتعلل لها بأنني خشيت أن افقدها، فأثرت الصمت، لأنني ارتبكت، ولسوف تسامحني اوكتافيا، وتقبلني ثانية، فأعيش معها، وأنسي الأوهام التي تملؤني وتسير خطاي إلى حيث لا اعلم " (ص137).

ثم يصور له عزازيله أو شيطانه رفض الكنيسة بصورة متخلفة للفلسفة والفلاسفة فيقول: " لما أخبرته (احد رجال الدين) يوم السبت بنيتي الخروج غدا للذهاب لمحاضرة هيباتيا صاح في: يا أخي، هذا لا يجوز أبدا ... واخبرني فزعا، بأن هذا الفعل لو اقترف، فهو مما لا يغتفر .. ونصحني إلا اذكر اسمها مرة ثانية. أضاف ما معناه: أنها خطية عظمي، ألن تسمع خطبة الأحد من البابا كيرلس، الأسقف الأعظم من اجل الذهاب لرؤية شيطانه .. لن يغفر لك هذا الذنب إذا اقترفته، أما من ناحيتي، فلا تخش شيئا. سوف اعد ما سمعته منك مزاحا ثقيلا، ولن احدث به أحدا أبدا "[130].

ويضيف أنه لو عرف رجال الكنيسة أنه يذهب لمحاضرات هيباتيا لعاملوه كالمرتد عن الإيمان: " سوف يعدونني مارقا، ويعصفون بي مثلما عصفوا بالذين ارتدوا عن الديانة أيام الإمبراطور جوليان. والمسيحية اليوم، هي الدين الرسمي للإمبراطورية كلها. لن أنجو من وشايات الجماعة الرهيبة المسماة محبي الآلام، وسوف القي بسببهم مصير أبي، ويسعدون هم مثلما سعدت امي00 ولكنني أتحرق شوقا لرؤية هيباتيا غدا، ولسوف أناقشها في المسائل الفلسفية، فيزداد تقديرها لي، وهي علي كل حال تقدر كل إنسان. أنها مصداق لمعني اسمها هيباتيا في اللغة اليونانية: السامية ... هي تكبرني بعشر سنوات فقط أو خمسة عشر عاما، وهو فارق ليس بالكبير ... فلتتخذني ابنا لها أو أخا اصغر، أو يأتي يوم فتحبني، ويكون الحال بيننا مثلما ذكرت اوكتافيا من أن النساء اللواتي أحببن رجالا اصغر منهن سنا، جعلن منهم السعداء ... ولكن، لا سعادة ولا غبطة في هذا العالم "[131].

هكذا يفتري على الكنيسة دون أي سند أو دليل إلا ما يوحي له به شيطانه أو عزازيله الشرير الذي لم يعينه إلهه المألوه عليه؟؟! ولنسأله أن كان له أي إلمام بتاريخ الكنيسة أن يقول لنا: من أين أتي بما نسبه زورا وتضليلاً بأن البابا كيرلس عمود الدين وصف هيباتيا بالشيطانة وأن الاستماع لها كان يعتبر في نظر الكنيسة والبابا ذنباً لا يغتفر؟! هل يمكن أن يصل التلفيق إلى هذا الحد من التجني على الحقيقة والتاريخ؟! كما نسأله ونقول له: كيف عصف رجال الكنيسة " بالذين ارتدوا عن الديانة أيام الإمبراطور جوليان "؟! أن الكنيسة لم تقرر أي عقوبة ضد الذين ارتدوا عن الإيمان ولم تكن تملك ذلك لأنهم ارتدوا في عصور كانت الكنيسة المسيحية مضطهدة بشدة بأوامر من الحكام ولما توقف الاضطهاد لم تفعل شيئاً ضد العائدين منهم ثانية إلى الإيمان، بل في البداية كان يطرح السؤال؛ هل يحتاج المرتد للمعمودية مرة ثانية أم أن عودته كافية لكونه مؤمناً، وأنتصر الرأي الثاني.

ويصور المواجهة بين الحاكم أورستُس وكأن السبب فيها هو غطرسة وشدة البابا كيرلس عمود الدين: " كانوا يقولون أن الحاكم أورستُس طرد رجلا مسيحيا من مجلسه، فغضب البابا ويقولون أن الحاكم يعارض ما يريده البابا من طرد اليهود بعيدا عن الإسكندرية، بعدما طردهم الأسقف ثيوفيلوس إلى ربع اليهود الكائن بالجهة الشرقية، وراء الأسوار. ويقولون أن الحاكم كان يفترض فيه أن يصير لأهل ديانتنا، إلا أن الشيطانة هيباتيا تدعوه إلى غير ذلك. ويقولون أنها تشتغل بالسحر، وتصنع الآلات الفلكية لأهل التنجيم والمشعوذين .. قالوا أشياء كثيرة، لم يطمئن إليها القلبي.

اخذ الأسقف يعيد الصلاة، حتى اخذ الناس النشيج وهم يرددون الدعاء وراءه ... ثم صار صوت ناريا متأججا وهو يقول لهم: يا أبناء الله، يا أحباء يسوع الحي، أن مدينتكم هذه، هي مدينة الرب العظمى. فيها استقر مرقس العظيم. وعلى أرضها عاش الآباء، وسالت دماء الشهداء، وقامت دعائم الديانة. ولقد طهرناها من اليهود، المطرودين. أعاننا الرب على طردهم، وتطهير مدينته منهم. ولكن أذيال الوثنيين الأنجاس، مازالت تثير غبار الفتن في ديارنا. أنهم يعيثون حولنا فسادا وهرطقة، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لا يعرفون، ويلعبون في مواطن الجد ليشوهوا إيمانكم القويم، يريدون إعادة بيت الأوثان الكبير الذي أنهدم على رؤوسهم قبل سنتين، ويودون تعمير مدرستهم المهجورة التي كانت تبث الضلال في العقول، ويفكرون في إعادة اليهود من الربع الذي سكنوه إلى داخل أسوار مدينتكم. لكن الرب، يا جند الرب، لن يرضى بذلك أبدا. ولسوف يحبط مساعيهم الدنيئة، وسوف يبدد أحلامهم المريضة، وسوف يرفع قذر هذه المدينة العظمى، بأيديكم أنتم. مادمتم بحق، جنود الرب. ما دمتم بحق جنود الحق00 لقد صدق ربنا يسوع المسيح، حين نطق بلسان من نور، فقال: الحق يطهركم! فتطهروا يا أبناء الرب، وطهروا أرضكم من دنس أهل الأوثان. اقطعوا السنة الناطقين بالشر. ألقوهم مع معاصيهم، في البحر، واغسلوا الآثام الجسمية. اتبعوا كلمات المخلص، كلمات الحق، كلمات الرب. واعلموا أن ربنا المسيح يسوع، كان يحدثنا نحن أبناءه في كل زمان، لما قال: ما جئت لألقى في الأرض سلاما، بل سيفا! ".

وهنا يفتري لا على القديس كيرلس فقط بل على المسيح نفسه عندما يستخدم قوله: " ما جئت لألقى في الأرض سلاما، بل سيفا! " أما جهلا بمفهوم ومغزى كلام المسيح أو تجاهلا لحق هو يعلمه! وفي كلتا الحالتين فقد خذله عزازيله الشرير وأوقعه فيما لا يجب أن يقع فيه من يحصل على درجات علميه مثله! فقد كان الرب يسوع المسيح، عندما قال هذا الكلام، يتحدث عن اقتراب صلبه وما سيحدث للتلاميذ أثناء كرازتهم للعالم بالإنجيل فقال لهم: " فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى ... ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم ... ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السموات لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فاني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من اجلي يجدها. من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني " (مت10: 19-40). إذا فالرب يسوع يتكلم عن اضطهاد سيقع على التلاميذ وعن قتال سيحدث للمؤمنين بالمسيح من أخوتهم ووالديهم .. الخ في البيت الواحد بسبب إيمان البعض ورفض البعض للإيمان بالمسيح، وليس عن حرب يمكن يشنها المسيحيون باسم المسيح! وقد أكد ذلك عندما حاول تلميذه بطرس أن يدافع عنه بالسيف " فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا استطيع الآن أن اطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة " (مت25: 52و53).

ويواصل د زيدان نقل كلام شيطانه أو عزازيله الشرير، الذي لم يعينه إلهه المألوه عليه، فيقول: " اهتزت الجموع مهتاجة، حتى كاد اهتياجها يبلغ الغاية ... وراح كيرلس يكرر بهديره الحماسي الآسر، قول يسوع المسيح: ما جئت لألقى في الأرض سلاما، بل سيفا! فيزداد هياج الجموع، ويقارب بحدته حدود الجنود. بدا الناس، يرددون وراءه العبارة ولم يكفوا إلا حين قطع الترداد بصرخة كالرعد، ذلك الضخم المعتاد على إنهاء خطب يوم الأحد النارية، أعنى بطرس قارئ الإنجيل توما بكنيسة قيصرون الذي أنفجر من بين الجموع قائلا: بعون السماء، سوف نطهر أرض الرب من أعوان الشيطان. سكت الأسقف، فسكن الناس إلا بطرس القارئ .. ثم أخذ بعضهم يعيد وراء عبارته، وأضاف إليها احدهم الترنيمة المرعبة: بسم الإله الحي سنهدم بيت الأوثان، ونبنى بيتنا جديدا للرب ... بعون السماء سوف نطهر أرض الرب من أعوان الشيطان ... بسم الإله الحي سنهدم بيت الأوثان.

استدار الأسقف، فتناول صولجان، ورفعه في الهواء ليرسم به علامة الصليب، فاجتاح الكنيسة هوس الجموع ... تداخلت الهتافات واصطخبت، عمت العقول، وعمت القلوب منذورة بحادث جسيم.

كان بطرس القارئ أول من تحرك نحو الباب، ثم تحرك من خلفه الناس جماعات وهم يرددون عبارته الجديدة: بعون السماء سوف نطهر أرض الرب "[132].

وهنا يلفق عبارة مقدسة ويحولها إلى عبارة مرعبة عندما قال: " وأضاف إليها احدهم الترنيمة المرعبة: بسم الإله الحي سنهدم بيت الأوثان، ونبنى بيتنا جديدا للرب "! وهنا نقول له، فضلا عن أن ذلك لم يحدث ولم يقل به أحد من المؤرخين، ونسأله هل استخدام عبارة " الله أكبر " التي استخدمها المسلمون عند فتح مكة، بل وعندما استخدمها المصريون عند عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف في نصر أكتوبر 1973م وإعادة سيناء كانت عبارة مرعبة بهذا المفهوم؟! أتق إلهك المألوه يا دكتور لعله يعينك على عزازيلك الشرير ويخلصك منه فيعود إليك صفاء نفسك!

ثم يصور المسيحيين بقيادة الشماس بطرس وبتحريض من البابا كيرلس عمود الدين وهم يقتلون هيباتيا بطريقة بشعه ثم يقول:

" اكتب يا هيبا اكتب باسم الحق المختزن فيك

- يا عزازيل ... لا قدر.

- اكتب ولا تجبن، فالذي رأيته بعينك لن يكتبه احد غيرك، ولن يعرفه احد لو أخفيته

وفي الوقت الذي يصور فيه بشاعة المسيحيين وهم يقتلون هيباتيا يصور عشيقته أوكتافيا وهي تضحي بنفسها لإنقاذ هيباتيا فتموت تحت الأقدام! أي يصور قادة الكنيسة بالإرهابيين المتوحشين والعشيقة الوثنية بالشهيدة المتفانية التي تضحي بنفسها من أجل غيرها فيقول: " المرأة المسرعة نحونا كان ثوبها وشعرها يرفان وراءها، وكنا قد اقتربنا من ناحية البحر ... أقبلت المرأة تجرى نحو الجمع، حتى ارتمت فوق هيباتيا، ظانة أنها بذلك سوف تحميها. فكان ما كان متوقعا. أندست فيها الأذرع، فرفعتها عن هيباتيا، وألقتها بقوة إلى جانب الطريق. اصطدم رأسها بالرصيف. وأنشج وجهها، فتلطخ بالدم والتراب. حاولت المرأة أن تقوم، فضربها احدهم على رأسها بخشبة عتية، بأطرافها مسامير فترنحت المرأة وسقطت من فورها على ظهرها، أمامي، والدم يتفجر من أنفها وفمها، ويلطخ ثوبها عند سقوطها أمامي، صرخت من هول المفاجأة ..

فقد عرفتها .. هي لم تعرفني، فقد كانت تنتفض وهي تلفظ أخر أنفاسها وهكذا ماتت أوكتافيا، يوم الهول، تحت أقدامي، من دون أن تراني.

رجعت خطوات حتى التصق ظهري بجدار بيت قديم، لم أستطع انتزاع عيني عن جثة اوكتافيا التي أهاجت دماؤها الصخب، فاشتدت بجند الرب تلك الحمى التي تمتلك الذئاب حين توقع صيدا وصارت عيونهم الجاحظة مثل عيون المسعورين، وهاجت بواطنهم طلبا لمزيد من الدم والافتراس ... تجمعوا فوق هيباتيا، حين وقف بطرس ليلتقط أنفاسه. امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أباد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرأ، واتسخ بالدماء والتراب00

أمسكوا بإطار الثوب المطرز وشدوا فلم يتخلع، وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدة المباغتة "[133].

ويكمل وصفه في تصوير قسوة المسيحيين ودمويتهم التي تخيلها بخياله المريض فيقول " على ناصية الطريق الممتد بحذاء، صاحت عجوز شمطاء تلوح بصليب: اسحلوا العاهرة ... وكأن العجوز نطقت بأمر الهي!

صارت هيباتيا عارية تماما، ومهانة تماما لا اعرف من أين أتوا بالحبل الخشن الذي لفوه حول معصمها، وأرخوه لمترين أو ثلاثة، ثم راحوا يجرونها به وهي معلقة من معصمها ... وهكذا عرفت يومها معنى كلمة السحل التي أوحت به المرأة إلى بطرس القارئ وأتباعه "[134].

ويستفيض في وصف قسوة قتل هيباتيا وهو يريد أن يرسخ الفكرة في ذهن القارئ

بطريقة تحرض القارئ على المسيحيين في عدة صفحات متتالية[135].

ويختم الكاتب هذه السرد عندما يصل إلى الغاية التي خطط لها منذ البداية وهي إلقاء الراهب للصليب على الأرض وكأن الصليب هو سبب كل البلايا، فيقول بلسان الراهب: " بعد كبوتين، اجتهدت حتى وقفت منتصبا. بيدي اليسرى أمسكت الصليب المعلق فوق صدري وانتزعته، فأنقطع الخيط الذي كان يلفه حول عنقي، وتركته يسقط على الأرض وسط ذهول الثلاثة. الراهب أنحنى فالتقطه، والصبي تراجع خطوتين نحو الجدار، والمرأة انتحبت ... ومضيت مبتعدا عنهم، فارا منهم، ومن كل شيء ... وبلا تدبر لمسعاي. لم التفت لشيء في طريقي، حتى خرجت من بوابة الشمس ساعة المغيب ... فور خروجي من البوابة، شققت رداء الرهبان عن صدري، فتخدل على جنبي. مررت من ربع اليهود الممتدة بيوته عند السور الشرقي. كانت كلابهم تنبح خلفي، وتكاد تأخذ بردائي المتهدل ورائي، وكان الليل ثقيل السواد.

لم أجد احد في طريقي، لا من اليهود ولا من غيرهم، فكان الكون خلا تماما من الحسيس، والأنيس عن الأنس والجن والملائكة والشياطين. وكان الرب غائب عنى، أو كان يستريح من خلق جديد، صنعه في ستة أيام أخرى. كنت وحدي أجوس بين الطين، والرمال وأطراف البحر والبحيرات، والأرض والسبخة ... مبتعدا عن الإسكندرية ... هناك رميت على صفحة الماء ردائي الكنسي المشقوق وغطاء رأسي، وبقى على جلبابي الداخلي المصنوع من الكتان.

لما رميت الرداء، أنزاح بعض الثقل عن روحي "[136].

" وأعطيت لنفسي في لحظة الإشراق المفاجئ هذه، اسما جديدا00 هو الاسم الأول الذي اعرف به إلى الآن ... هيبا ... وما هو، إلا النصف الأول من اسمها " (ص165).

وهنا يستبدل اسمه المسيحي باسم " هيبا " مختصر " هيباتيا "، ويلقي برداء الرهبنة والصليب أرضاً معلنا تركه النهائي للإيمان المسيحي وأتباعه لفكر هيباتيا، بل كما يبدو فيما بعد، التخلص من أي اثر للإيمان إلا بما يقوده إليه عزازيل وما وجد فيه سلوته وعزاؤه وهو ممارسة الجنس، الذي رأى فيه الجنة المفقودة التي خرج بسببها آدم وحواء من جنة عدن!! والذي شرحه باستفاضة في ممارسته مع أوكتافيا ومارتا والذي كان يتمنى أن يفعله مع هيباتيا!!

هذه هي وجهة نظر الكاتب، د زيدان، واضحة لا لبس فيها فلحظة الإشراق بالنسبة لراهبه المزعوم هي إلقاء الصليب على الأرض ونزع الثوب الرهباني والتخلص من الرهبنة والمسيحية في آن واحد والتركيز على ممارسة الجنس!؟؟

كان من المقبول أن يقول لنا أنه تصدى لمن يرتدون الصليب دون أن يستحقوا ذلك، وأن يوبخ من يلبسون الثوب الرهباني بدون استحقاق، ولكن أن تكون لحظة الإشراق بالنسبة لراهبه الذي خلقه شيطانه أو عزازيله الشرير، الذي لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه، هي الإلقاء بالصليب على الأرض وتمزيق الثوب الرهباني وإلقائه في البحر! أليس في أقواله هذه قمة الازدراء بالمسيحية والرهبنة؟! بل وما يخرجه عن دائرة الحياد تماما ويضعه في مصاف المزدرين بالمسيحية وعقائدها ورموزها!

ثم يزعم كذبا على لسان راهب قمران أن الإمبراطور أرسل لجنة للتحقيق في مقتل هيباتيا ولكن البابا كيرلس عمود الدين قام برشوتها! " أن القضاة الذين أرسلهم الإمبراطور للتحقيق فيما جرى لهيباتيا لم يصلوا لشيء، ولم تتم إدانة واحد من قاتليها، وأن الواقعة مرت كأنها لم تكن! "[137].

ويقول على لسان نسطور " وهل أخبرك الحجاج يا هيبا، بأن كيرلس دفع لهذه اللجنة القضائية رشاوى كثيرة، وبذل لهم الهدايا النفيسة حتى ينطمس الأمر؟ نعم يا أبت، قالوا ذلك. وقالوا أيضا أن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني اكتفي كي يطوى الصفحة الدامية، بإرسال تنبيه إلى الرهبان السكندريين بعدم اختلاطهم بالناس في الأماكن العامة بالمدينة!

وهنا يتجنى د زيدان على القديس كيرلس عمود الدين ولم يرجع للمصادر الأقدم والتي سجلت الحدث في حينه بل أعتمد مثل الكثيرين من الكتاب الغربيين على ما كتبه إدوارد جيبون (1737- 1794م) في كتابه " تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية " والذي كان متحاملا على الكنيسة، مثل الكثيرين من كتاب القرن الثامن عشر بدرجة شديدة، والذي بالغ مبالغة شديدة في الإساءة للمسيحية! كما أن د. يوسف زيدان نفسه وصفه في موقعه على النت بالقول " إن كتاب (جيبون) هو اليوم من الأعمال الكلاسيكية التي يرجع إليها القارئ العام، لا المتخصصون. فقد عاش مؤلفه في القرن الثامن عشر واجتهد في التأريخ لانهيار الرومان، فصار كتابه مشهوراً في زمانه. ولكن في زماننا هذا، هناك دراسات أخرى أكثر تقدماً وتخصصاً. مما يجعل كتاب (جيبون) عملاً ممتعاً لعموم القراء، لا مرجعاً لأساتذة الفلسفة. إذاً كان على د زيدان أن يرجع للمصادر الأقدم لو أنه كان يريد أن يقدم الحقيقة كما حدثت، ولكنه وللأسف وجد ضالته في كتاب جيبون الذي يرى هو نفسه أن هناك دراسات أخرى أكثر تقدما وتخصصاً منه! إلا يدل ذلك على تناقض واضح وميكيافلية في تناول الحدث؟!

وعند الرجوع لأقدم مصدر تاريخي للحدث والذي دونه المؤرخ الكنسي سوقريتس من القرن الخامس، وهذا المؤرخ كان أقرب للنسطورية وكان متحاملاً بشدة على القديس كيرلس بسبب مواجهته للهرطقة النسطورية، ومع ذلك نرجع إليه لأنه المصدر الأقدم في هذا الحدث والذي سجل بتفصيل لا يخلوا من تحيز ضد كنيسة الإسكندرية، ومع هذا لم يشر من قريب أو بعيد لأي دور للقديس كيرلس، وهذا نص ما قاله: " أنها (هيباتيا) سقطت ضحية للغيرة السياسية التي سادت في ذلك الوقت لأنها كانت تقابل أُورستٌس كثيرا وشاع بين عامة المسيحيين أنها هي التي تمنع أُورستٌس من استشارة البطريرك وبسبب هذه الغيرة أسرع بعضهم وعلى رأسهم قارئ يسمى بيتر وهي في طريقها لمنزلها وجروها من مركبتها وأخذوها لكنيسة تسمى قيصرون حيث قتلوها ومزقوا جثتها إلى قطع وأخذوها إلى مكان يدعى سينارون وأحرقوها "[138].

ويؤكد جون أسقف نوكيو (John of Nikiû) من القرن السابع، والذي كان يحتفظ بتقليد قبطي قديم، نفس التفصيلات ولكن يعلل سبب ذلك بأنها كانت تشتغل بالسحر، وهو أيضاً لا يشير لأي دور للقديس كيرلس في ذلك، فيقول: " في تلك الأيام ظهر في الإسكندرية فيلسوفة وثنية تسمى هيباتيا وقد كرست كل وقتها للسحر والإسطرلاب والآلات الموسيقية فأغوت أناس كثيرين بمكائدها الشيطانية ... فنهض جموع من المؤمنين بالله تحت قيادة القاضي بيتر ... وبدئوا يبحثون عن المرأة الوثنية التي أغوت شعب المدينة والحاكم بفتنتها. وعندما علموا بالمكان التي كانت فيه فتبعوها ووجدوها ... وسحبوها حتى وصلوا بها إلى الكنيسة العظمى المسماة بقيصرون. وقد كان ذلك في أيام الصوم، فمزقوا ملابسها وجروها ... في شوارع المدينة حتى ماتت وحملوها إلى مكان يسمى سينارون (Cinaron) وأحرقوا جسدها بالنار "[139]. وفي سنة 1990م كتب كل من Soldan and Heppe يقولان أن هيباتيا قد تكون الساحرة الأولى الشهيرة التي عانت عن طريق السلطات المسيحية[140].

وقد أنتشر بعد موتها خطاب مزيف نشره المؤرخ الوثني داماسيوس (458 – 538م)، والذي كان يكره القديس كيرلس بسبب موقفه من الوثنية، والذي كان " متلهفا لإثارة فضيحة موت هيباتيا "[141]، والصق فيه تهمة قتلها بالقديس كيرلس! وكان هو المؤرخ القديم الوحيد الذي زج باسم القديس كيرلس في الموضوع[142]!

ويبدو أن من جاء بعده مثل جيبون (Edward Gibbon) وأعداء المسيحية من الملحدين مثل فولتير الذي كما يقول د. مراد وهبه: أنه استعان بصورة " هيباتيا " للتعبير عن اشمئزازه من الكنيسة ومن الدين الموحى (يقصد: الموحى به!) وبرتراند رسل الذي " وصف جيبون لقتل " هيباتيا " وقال معلقا بامتعاض إن " الإسكندرية، بعد هذا الحادث، خلت من متاعب الفلاسفة ". وقال جيبون " انتشرت شائعة بين المسيحيين أن ابنة ثيون (Theon) كانت العقبة الوحيدة بين الحاكم ورئيس الأساقفة؛ وأن هذا العائق أزيل سريعاً. ففي اليوم المحتوم وفي الموسم المقدس للصوم الكبير حُملت هيباتيا من مركبتها وجردت من ملابسها وجروها إلى الكنيسة وذبحت بطريقة غير إنسانية بأيدي بطرس القارئ وحشود متوحشة متعصبة بلا رحمة وكشط جسدها من عظامها بأصداف المحار وسلمت أوصالها المرتعشة للهب "[143].

ويقول كريستوفر هاس في كتابه " إسكندرية في القدم المتأخر" أن الكُتاب الذين كتبوا عن مقتل الفيلسوفة الوثنية هيباتيا كتبوا تبعا لثقافتهم ونظرتهم الحضارية، فقد كتب جيبون رأس العقلانية الغربية وضد المسيحية أن تعصب كيرلس وجماعته الإسكندرية تطلب " التضحية بعذراء اعترفت بالديانة الإغريقية وزرعت الصداقة مع أُوريستُس "، في حين أن تشارلز كنجزلي تكلم عنها كمناظرة أكثر منها للمصادر القديمة، في حين أن المدافعين عن كيرلس وضعوا اللوم في قتلها بعيدا عن البطريرك إلى العناصر التي لم يكن هناك سيطرة عليها في الإسكندرية، ولكن أكثر المؤرخين المدققين اختاروا أن يتبعوا تفسير سوقريتس الفلسفي اللاهوتي لذا وصفوا هيباتيا " كضحية للغيرة السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت ". ففي نظر سوقريتس كان مقتل هيباتيا يعتبر ضروري لأنها كانت تقف كحجر عثرة في طريق الصلح بين كيرلس وأُورستُس. بل ويؤكد كريستوفر هس على أن سوقريتس لم يكن منزها أبدا من التحيز في تقديمه للحقائق عن كيرلس بسبب حقده على كيرلس لاضطهاده للنسطوريين[144].

أما العالم الإنجليزي والمؤرخ والروائي وأستاذ الجامعة تشارلز كنجزلي Charles Kingsley (1918- 1875م)، والذي وصف مقتل هيباتيا بأسلوب روائي فقد نفى تماما أي تهمة عن القديس كيرلس بل أنه يؤكد تحذير القديس كيرلس للعامة من الفوضى والمساس بهيباتيا: " أنهم (العامة) يبغضونها، وينسبون إليها جرائم رهيبة. ولقد كانوا يدبرون الهجوم على منزلها في الليلة الماضية لولا خوفهم من كيرلس ... ولكن يبدو أن الشعب خشى من غضب الأنبا كيرلس الذي اصدر تحذيره لهم بالأمس أنه أن تجاسر أحد وقام بتعكير الصفو فسيكون نصيبه الحرم والعقاب "[145].

كما أشاع البعض، بدون أي سند أو دليل، أن رهبان وادي النطرون اشتركوا في قتل هيباتيا، وحجتهم في ذلك أنهم جاءوا من وادي النطرون لمؤازرتهم لبطريرك الإسكندرية! وهنا يجب أن نميز، كما يرى العلماء المحايدين، بين الحوالي خمسمائة راهب الذين جاءوا إلى المدينة من صحراء النطرون ليدافعوا عن بطريركهم والحشود المسيحية التي قتلت هيباتيا، فلم ينغمس الرهبان الخمسمائة في قتلها، بل كان اللوم كله يقع على العامة من المسيحيين. ويعلق H. Wace and W.C. Piercy على ذلك بقولهما: " كانت [هيباتيا] معتادة على الاتصال بأورستُس [الحاكم]؛ وهذا أثار العداوة ضدها بين شعب الكنيسة. وكان الاتهام هو أنها كانت السبب في عدم وجود علاقة جيدة بين أورستُس والأسقف (كيرلس). ولهذا السبب أنقاد بعض من المتعصبين السريعي الغضب وراء بيتر القارئ وتأمروا معاً وانتظروها عندما كانت عائدة إلى البيت بعد رحلة ما، وجذبوها من مركبتها وسحبوها إلى الكنيسة المسماة قيصرون (Caesarium)، وعروها وقتلوها بأصداف المحار "[146].

ويقدم J.A. McGuckin في كتابه (كيرلس أسقف الإسكندرية والصراع الكريستولوجي)[147]، مناقشة موجزة عن حادثة هيباتيا ويشرح بمنطقية أن هؤلاء المؤرخين الذين اتهموا القديس كيرلس بقتل هيباتيا يتكلمون عن الأحداث التاريخية خارج سياق الكلام تماماً وهم مخطئون بوضعهم عبء مقتل هيباتيا على كتفي القديس كيرلس فيقول: " يقول سقراط أن هذه الحادثة لم تلق بأي لوم على كيرلس وكنيسة الإسكندرية. ولكن البعض وأشهرهم جيبون الذي يدعي القتل " عمل بطولي لكيرلس- an exploit of Cyril’s " وقد أساء صراحة بهذه الملاحظة عندما اعتبر القتل كعمل تورط فيه هو شخصياً ... وقد عد الفيلسوف الوثني داماسيوس أيضاً الحادثة ونسب اللوم والتواطؤ لكيرلس شخصياً، ولكنه كان يكتب بعد الأحداث ب 130 سنة وكل روايته متحيزة بوضوح من البداية وكان مغمور بكراهية مرة للطريقة التي قمع بها المسيحيون حرفته وطريقته في الحياة. وقد تلا جيبون تشارلز كنجزلي والذي أعطى اعتبار أكثر للناحية الرومانسية أكثر من الحقيقة في روايتها " هيباتيا " ولم يترك الفرصة لكي يصبغ كيرلس كالبطل الشرير للجزء والكاريكاتير الأسطوري الذي قدمه وأصبح نموذجاً".

وفي خط واحد مع تحليل ماكجوكين يقول ويس وبيرسي: " فيما يختص بتأكيد داماسيوس بأن كيرلس حرض فعلا على القتل ... لا يمكن أن نعتبر جملة فيلسوف وثني، عاش بعد الحدث ب 130 سنة وكان يكره المسيحية، بشدة كدليل. ونحن نعتبره مع روبرتسون كانون ... ك " افتراء غير مؤيد "[148].

هذا ما قاله العلماء والمحققون ولكن الدكتور يوسف زيدان انحاز تماما لنظريات أضداد المسيحية وفكرهم المبني على عداء وكراهية شديدة للمسيحية، ولم يرجع للمؤرخين المحايدين، بل قدم أحكام تناسب فكر عزازيله وهوى شيطانه الشرير! وهذا يخرجه تماما من دائرة العلماء الجادين والبحث العلمي السليم ولا يجعل لكتابه أي قيمة علمية على الإطلاق!



5 – مقتل الأسقف النصف آريوسي جورج الكبادوكي:

ثم ينسب قتل الأسقف النصف آريوسي جورج الكبادوكي لكنيسة الإسكندرية دون أن يذكر الظروف والملابسات وما قام به هذا الأسقف من أفعال مع الوثنيين والأرثوذكس على السواء فيقول: " فقد قتل الاسكندرانيون قبل خمسين سنة أسقف مدينتهم جورجيوس، لأنه كان يوافق على بعض أراء آريوس السكندري. وقتل الناس باسم الدين، لا يجعله دينا. أن الدنيا التي ورثها ثيوفيلوس، وأورثها من بعده ابن أخته كيرلس. فلا تخلط الأمور ببعضها يا ولدي، فهؤلاء أهل سلطان لا أصحاب إيمان .... أهل قسوة دنيوية، لا محبة دينية "[149].

وهو هنا ينحرف عن البحث العلمي ويسير وراء رغبته في تشويه صورة المسيحية ويتجاهل الحقائق التاريخية والتي أجمع المؤرخون عليها وهي أن جورج الكبادوكي هذا فرض فرضا من قبل الإمبراطور الروماني كونستانتيوس بعد نفي القديس أثناسيوس الرسولي بطريرك الإسكندرية الأرثوذكسي، فحكم هذا الرجل النصف آريوسي لا كأسقف ورجل دين بل حكم بقوة الجيش الروماني وأثار اضطهادا عنيفا على الأرثوذكس والوثنيين معاً مما تسبب في ثورة عارمة ضده من كل السكندريين، الأرثوذكس والوثنيين، فأضطر أن يهرب لحياته ثم استعاد سلطته بالقوة العسكرية مرة ثانية ثم عاد واضطهد الأرثوذكس والوثنيين على السواء بطغيان وقسوة فأثار العامة والجماهير لدرجة أنه عند اعتلاء يوليان نادوا بسقوطه فقبض عليه ووضع في السجن فجروه وقتلوه، أهل الإسكندرية من الأرثوذكس والوثنيين، والقوا بجثته في البحر في 24 ديسمبر 361م. وهنا قتل بسبب طغيانه في ثورة شعبية قومية عارمة من كل أهل الإسكندرية كأسقف غير أرثوذكسي وكمفروض بالقوة العسكرية على شعب الإسكندرية وبسبب اضطهاده القاسي والعنيف لكل من الأرثوذكس والوثنيين على السواء[150]! فقد كانت ثورة قومية على أجنبي مفروض بقوة الجيوش على كل أهل الإسكندرية وليست ثورة دينية ولم يقتل على أساس عقيدته بل بسبب جبروته وسطوته! هذا ما أجمع عليه المؤرخون، سواء المعاصرين للحدث أو الذين كتبوا بعد ذلك، ولكن لعزازيل الدكتور يوسف زيدان وشيطانه الشرير الذي لم يعينه عليه إلهه المألوه عليه، وجهة نظر أخرى وهي تشويه صورة المسيحية الأرثوذكسية وكنيسة الإسكندرية على حساب الحق والتاريخ[151]!



6 – طرد اليهود من الإسكندرية:

ولكي يكمل عزازيل الدكتور زيدان وشيطانه الشرير الصورة السوداء التي رسمها للمسيحية راح يصف يهود الإسكندرية بالمساكين الأتقياء الذي طردهم المسيحيون القساة القلوب وبطريركهم الذي وصفه بالمهووس المتكبر الذي يطارد كل ما هو غير مسيحي بكل قسوة وبلا شفقة ولا رحمة!" أنهم يطاردوننا في كل مكان، ويطردون أخوانهم اليهود، ويهدمون المعابد علي رؤوس الناس، ويصفوننا بالوثنيين الأنجاس. إنهم يتكاثرون حولنا كالجراد، يملأون البلاد مثل لعنة حلت بالعالم "[152]. ويقول أيضاً على لسان أحد رجال الدين: " سيأتي اليوم الذي لن نسمح فيه للوثنيين، ولا لليهود بالمبيت. لا في الإسكندرية، ولا في المدن الكبيرة كلها .. غداً سوف يسكنون جميعا خارج كل الأسوار، وتكون المدن كلها لشعب الرب "[153]!

وهنا نسأل لماذا تم طرد اليهود من مدينة الإسكندرية؟ وهل كانوا أبرياء ومساكين أم كانوا جناة وقد جنوا على المسيحيين ثم على أنفسهم؟ ولا نتوقع الإجابة الصحيحة من د زيدان لأن شيطانه الشرير وعزازيله الذي لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه أضله وخدعه! ولتوضيح ذلك يجب أن نقدم لمحة سريعة عن تاريخ اليهود في الإسكندرية وكيفية تعاملهم مع المصريين بصفة عامة ومع المسيحيين بصفة خاصة. ونعتمد هنا بالدرجة الأولى على كتاب " الإسكندرية في القدم المتأخر " للكاتب للمؤرخ كريستوفر هاس[154]، وبعض المراجع الأخرى مثل دائرة المعارف ويكيبيديا[155] ودائرة المعارف الكاثوليكية[156] ودائرة المعارف البريطانية[157]، حيث يبينون لنا أسباب ما حدث من اليهود وما حدث لهم في نهاية سنة 414 وبداية سنة 415م، ورجعوا بنا إلى بداية تواجدهم في الإسكندرية منذ أيام الملك بطليموس الأول (283-304 ق م) عندما هاجر بعض يهود فلسطين إلى الإسكندرية، خلال القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، بل ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس (36-100م)[158] أنه عندما استولى بطليموس على اليهودية أخذ 120.... أسيراً يهوديا من أورشليم والسامرة وجبل جرزيم، بل وذهب معهم عدد كبير من اليهود بسبب خصوبة الأرض المصرية والحرية التي أعطاها لهم بطليموس وقد تم اكتشاف نقش يسجل تكريس مجمع يهودي لبطليموس و Berenice بالإسكندرية في أواخر القرن التاسع عشر[159]، وقد أزداد عددهم بصفة خاصة في أيام الملك السلوقي السوري انتيوخس الرابع الذي حاول تحويل اليهود إلى الثقافة الهيلينية، وكان عدد اليهود في مصر في منتصف القرن الأول الميلادي، بحسب تقييم الفيلسوف اليهودي السكندري، مليون شخص أو تقريباً ثمن تعداد الشعب المصري (أي 12،5 %)، وكان في الإسكندرية وحدها أكثر من 200،... (مأتي ألف) يهودي. وكعادتهم في كل المدن الكبرى التي سكنوا فيها كانوا يتجمعون معا في مكان واحد يسمى بالجيتو، وكما يقول فيلو، الفيلسوف اليهودي السكندري (20 ق م -40م)، فقد كانوا يتجمعون في عدة أماكن أو جيتوهات في المدينة، وكانوا يعيشون بالقرب من السواحل والمواني في الإسكندرية، في أعلى مستوى اقتصادي. وكان اليهود في تاريخ علاقتهم مع بقية الجماعات السكندرية غير مستقرين وربما كان لأحداث ثورة 115- 117م التي قام فيها شخص يهودي يدعى لوكواس Lucuas أدعى أنه الملك المسيح وأشعل ثورة اشتعلت من القيروان والإسكندرية وفيما بعد في قبرص وما بين النهرين وفلسطين وكان ذلك في السنة الثامنة لحكم الإمبراطور الروماني تراجان (98 -117م). وقد بدا العصيان أو الثورة بثورة صغيرة كالتي كانت تحدث عادة في بلاد اليونان ثم تحولت إلى حرب كبيرة عندما ثار يهود القيروان وراء لوكواس الذي أدعى أنه الملك المسيح، وسار يهود القيروان الثائرين تجاه مصر سنة116م وأنضم إليهم عدد كبير من اليهود المصريين وكان الهدف النهائي لهذه الثورة هو فلسطين أو الأرض الموعودة بالنسبة لهم، وحولوا الحرب بينهم وبين القوات الرومانية إلى حرب أخروية تقول بتجميع كل شتات اليهود، اليهود المشتتين في جميع أنحاء العالم، إلى الأرض الموعودة حالما ينتصرون على أعدائهم. وعندما أدرك تراجان خطورة الموقف وأعد لإرسال قوات رومانية لردع هذه الثورة. وقبل أن تصل هذه القوات كان لليهود اليد الطولى على كل كور مصر في حرب دموية راح ضحيتها آلاف المصريين لدرجة أن أحد المؤرخين الذين كانوا معاصرين للحدث ويدعى أبيان (Appian) يشرح لنا كيف هرب بحياته من الثوار اليهود بالقرب من بلسيوم بالقرب من الدلتا! وقام بعض سكان القرى المصرية بالقرب من هيرموبوليس بتجنيد أنفسهم لمحاربة اليهود ولكن هذه الجماعة هُزمت وقتل منها عدد كبير، وبعد أن عاثوا في مصر خرابا وقتلوا آلاف المصريين كانت القوات الرومانية التي واجهت هذه الثورة اليهودية سنة 117م في أماكن كثيرة قد انتصرت عليهم وقتلت الآلاف منهم. يقول المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري:



" وفي السنة الثامنة من حكم تراجان قام اليهود بثورة أخرى هلك منهم في أثنائها عدد كبير. لأنهم في الإسكندرية وسائر أرجاء مصر، وأيضا في القيروان اندفعوا بروح المشاغبة وثاروا على مواطنيهم اليونانيين. اشتدت الفتنة جدا حتى انقلبت إلى حرب خطيرة في السنة التالية إذ كان لوبوس واليا على مصر. وحدث في الهجوم الأول أنهم انتصروا على اليونانيين الذين كانوا قد هربوا إلى الإسكندرية وسجنوا وقتلوا اليهود الموجودين في المدينة. ولكن يهود القيروان – بالرغم من حرمانهم من مساعدتهم – استمروا في نهب أرض مصر وتخريب أقاليمها تحت قيادة لوكواس. أما الإمبراطور فأرسل إليهم ماركيوس توربو (والذي كان من أبرز القواد في عصر تراجان وهادريان) بقوات برية وبحرية وخيالة. فأشهر عليهم الحرب مدة طويلة، وحارب في عدة مواقع، وقتل آلافا كثيرة ليس من يهود القيروان فقط بل أيضا ممن استوطنوا مصر وأتوا لمساعدة ملكهم لوكواس "[160].

هذا موقفهم من المصريين ككل. أما عن موقفهم من المسيحيين سواء في الإسكندرية أو بقية العالم الروماني فكان موقف عدائي شديد حتى الموت! فقد اضطهدوا المسيحيين والمسيحية بقسوة وعنف لا مثيل له بل وحرض قادتهم الولاة الرومان على رسل المسيح وتلاميذه، كما يقول الكتاب: " ولكن اليهود حركوا النساء المتعبدات الشريفات ووجوه المدينة وأثاروا اضطهادا على بولس وبرنابا وأخرجوهما من تخومهم " (أع13: 5). بل وعلى كل المسيحيين حيث لخص القديس بولس موقفهم هذا بقوله: " الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله وأضداد لجميع الناس " (اتس2: 15). وفي الإسكندرية لم يكن الحال أفضل منه في بقية البلاد الرومانية، خاصة وأنهم كانوا أصحاب مال ونفوذ وقت القديس كيرلس، ويرى المؤرخين أن أسباب ما حدث سنة 414/415م، يرجع للآتي:

(1) العلاقة بين أورستُس حاكم الإسكندرية والبابا كيرلس عمود الدين، حيث كان البابا له كاريزما شعبية وكان المسيحيون الذين يمثلون الأكثرية يلجئون إلى البطريرك أكثر من لجوئهم للوالي، كما كان البطريرك محبوبا جدا من الملك ثيودوسيوس والذي كان يسمع هل أكثر من الوالي.

(2) ومن هنا وجد الوالي مكانته مع اليهود الذين كان يحتاج بشدة لأموالهم وبقايا الوثنيين وعلى رأسهم الفيلسوفة هيباتيا. وقد استغل اليهود ذلك ضد البطريرك والمسيحيين، كما كان ذلك سبب تحامل المسيحيين على هيباتيا لاعتقادهم أنها تستغل العلاقة الفاترة بينه وبين البابا لصالحها وصالح الوثنيين مما أدى إلى موتها على أيدي عامتهم!

(3) في ذلك القوت كان المسيحيون قد حققوا عدة انتصارات روحية على الآريوسيين والوثنيين خاصة بعد قرار الإمبراطور ثيودوسيوس بتحويل المعابد إلى كنائس. وكانت الجماعة اليهودية في ذلك القوت هي الجماعة الرئيسية التي أعاقت السيطرة الكاملة للكنيسة على الإسكندرية، وكان هناك عدد كبير من اليهود قد تحول إلى المسيحية وكان حوارهم يؤدي للمواجهة مع اليهود في أخص عقائدهم. إلى جانب أن شرح العهد القديم وخاصة النبوات التي تنبأت عن شخص المسيح وإصرار اليهود على رفض تطبيقها على يسوع الناصري وإساءاتهم الكثيرة لشخصه واتهام أمه بالزنا! وتوبيخ البطريرك لهم في الكثير من عظاته بسبب رفضهم للمسيح برغم أن جميع نبوات أنبياء العهد القديم عن المسيح المنتظر والنسل الآتي والملك الموعود قد تحققت فيه، مما دفع اليهود لتدبير مؤامرة للانتقام من البطريرك في شخص المسيحيين حيث أشاعوا أن عدة كنائس اشتعلت فيها النيران فهب المسيحيون مندفعين بأعداد كبيرة للدفاع عن كنائسهم وإطفاء الحرائق المزعومة وكان اليهود يترصدون لهم في الشوارع والطرقات فقتلوا منهم وجرحوا وأصابوا أعداد كبيرة جداً! وهنا نرجع للكاتب والمؤرخ الإنجليزي تشارلز كنجزلي والذي صور لنا المؤامرات اليهودية لقتل المسيحيين وحرق الكنائس وتكاسل الوالي أورسُتس وجنوده في الدفاع عن المسيحيين ومعاقبة اليهود، بل وتواطئه ضد البطريرك ورفض جنوده التدخل لمنع اليهود من تنفيذ مؤامرتهم، وثورة العامة من المسيحيين ضد اليهود محاولين التخلص منهم انتقاما لقلتهم لقتلهم لعدد كبير من المسيحيين ومحاولة إحراقهم لعدة كنائس، ورفض القديس كيرلس ثورة العامة ضد اليهود ولكنه يقرر أخراجهم من مدينة الإسكندرية، المدينة التي عاشوا فيها وكانوا من أهم معالمها، حفظا لهم من ثورة العامة وكعقاب لهم حتى لا يكرروا ذلك مرة أخرى! وحول معظم مجامعهم وأهمها إلى كنائس ولكن لم يسمح لأحد بالمساس بهم.

هذه هي الأحدث كما سجلها المؤرخون، سواء المعاصرين لها أو الذين كتبوا بدقة وحياد علمي والذين لم يكن لعزازيل د يوسف زيدان وشيطانه الشرير عليهم من سلطان بل كتبوا بوحي من منطقهم وضميرهم العلمي. وهنا نسأل د زيدان كيف خدعك عزازيلك إلى هذه الدرجة التي لا يمكن أن نفهم منها سوى أما جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ بوحي من عزازيل الذي عصى ربه وغرر بك؟!



بطريركية الأقباط الأرثوذكس

كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

ت 48144439 48241538



السيد الأستاذ مدير دار الكتب والوثائق القومية (إدارة الإيداع القانوني)

تحية طيبة وبعد

نرجو من سيادتكم إعطائنا رقم إيداع وترقيم دولي لكتابنا

"رواية عزازيل هل هي جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ؟ ".

وهو الكتاب رقم (14) من سلسلة " اللاهوت الدفاعي Apologetics ".

للقمص عبد المسيح بسيط أبوالخير كاهن كنيسة العذراء بمسطرد.

ونفيد سيادتكم علما بأن الطبع يتم في مطبعة المصريين بعين شمس والنشر والتوزيع بالخارج يتم عن طريق مكتبة المحبة بشبرا.

وتفضلوا سيادتكم بقبول التحية.

مقدمه القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد

في 23/3/2009م



---

1 رواية عزازيل ص112.

2 رواية عزازيل ص67.

3 رواية عزازيل ص116

4 رواية عزازيل ص119.

5 رواية عزازيل ص122.

6 رواية عزازيل ص132.

7 رواية عزازيل ص141.

8 رواية عزازيل ص144.

9 رواية عزازيل ص145.

10 رواية عزازيل ص149.

11 رواية عزازيل ص68.

12 رواية عزازيل ص112.

13 رواية عزازيل ص112.

14 رواية عزازيل ص146.

15 تشارلز كنجزلي " هايبيتشيا " ص 65.

16 رواية عزازيل ص250.

17 رواية عزازيل ص246و247.

18 رواية عزازيل ص252و253.

19 كان هؤلاء أربعة من الرهبان يتميزون بطول القامة وكانوا مؤيدين لأوريجانوس فوصفوا بالأخوة الطوال.

20 الأب جورج خوام البولسي " أوريجانوس في المبادئ " ص 30-33.

20 تاريخ مصر من بداية القرن الأول حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع إعداد وتحقيق عبد العزيز جمال الدين ج 1 ص 496.

21 رواية عزازيل ص71و72.

22 رواية عزازيل ص71.

23 رواية عزازيل ص121و122.

24 إيريس المصري ص 380 و381 مع هامش ص 381 (راجع كتاب " دراسة جديدة لسيرابيوم الإسكندرية " (بالفرنسية) للأرشيمندريت جيتي ج 4 ص 93-94 والهوامش المفصلة على هاتين الصفحتين.

[124] Sozomen, Historia Ecclesiatica, 7: 15

Tyrannius Rufinus, Historia ecclesiastica, 2: 23 Socrates Scholasticus. B V. Ch. XVI.

أنظر إيريس حبيب المصري قصة الكنيسة القبطية ك1 ص 378-381.

27 هامش ص 380 إيريس (بريشيا: " إسكندرية المصريين " (باللاتينية) ص97 و " قديسو مصر (بالفرنسية) للب بول دورليان ج 1 ص 405.

28 إيريس المصري ص 380 و381 مع هامش ص 381 (راجع كتاب " دراسة جديدة لسيرابيوم الإسكندرية " (بالفرنسية) للأرشيمندريت جيتي ج 4 ص 93-94 والهوامش المفصلة على هاتين الصفحتين.

29 إيريس المصري ص 381 عن " تاريخ الكنيسة " (بالفرنسية) للأرشمندريت جيتي ج4 ص 93-94 والهوامش المفصلة على هاتين الصفحتين.

30 ص135و136.

31 ص136.

32 ص143.

33 ص145.

34 ص151-153.

35 ص157.

36 ص185.

37 ص185-159.

38 ص161-164.

39 ص174.

[138] Socratesk Historia Ecclesiastica

[139] http://en.wikipedia.org/wiki/Hypatia...note-beauty-27

[140] Soldan, W.G. und Heppe, H., Geschichte der Hexenprozesse, Essen 1990. p.82.

[141] Whitfield, Bryan J. The Beauty of Reasoning: A Reexamination of Hypatia of Alexandra

[142] [http://books.google.co.uk/books?id=U...=PA18&lpg=PA18

Maria Dzielska, Hypatia of Alexandria , Harvard University Press, 1996. p.18.

[143] http://en.wikipedia.org/wiki/Hypatia...note-beauty-27

[144] Christopher Haas, Alexandria in Late Antiquity, Topography and Social Conflict. Pp. 307-309.

47 هيبيشيا ص 201.

[146] WACE H & PIERCY W C. A Dictionary of Christian Biography and Literature (1994, p. 504).

[147] J.A. McGuckin Saint Cyril of Alexandria and the Christological Controversy: Its History, Theology, and Texts.

[148] WACE H & PIERCY W C. A Dictionary of Christian Biography and Literature (1994, p. 504).

51 ص185.

[150] Christopher Haas, Alexandria in Late Antiquity, Topography and Social Conflict. Pp. 280-283.

[151] http://en.wikipedia.org/wiki/George_of_Laodicea

See C. S. Huist, St George of Cappadocia in Legend and History (1910).

54 ص121و122.

55 ص64.

[154] Christopher Haas, Alexandria in Late Antiquity, Topography and Social Conflict. Pp.91-127.

[155]en.wikipedia.org

[156] Catholic Encyclopedia.

[157] Encyclopedia Britannica 2004

[158] Josephus, Antiquities of the Jews, in The Works of Josephus, Bk. 12, chapters. 1, 2, pp. 308-309

[159] Sir John Pentland Mahaffy The History of Egypt under the Ptolemaic Dynasty, New York 1899 p. 192.

62 يوسابيوس القيصري ك4 ف2.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke