فرض الخدمة العسكرية على رجال الدين المسيحي في سورية

[fouadzadieke]

فرض الخدمة العسكرية على رجال الدين المسيحي في سورية

خاص (كلنا شركاء) - 15/03/2008

فُرض على رجال الدين المسيحيين في سوريا دفع ما يسمى " بدل فوات الخدمة " بحسب قانون التجنيد الأخير، حيث أصبح لزاماً على كل من يبلغ الثانية والأربعين عاماً

فُرض على رجال الدين المسيحيين في سوريا دفع ما يسمى " بدل فوات الخدمة " بحسب قانون التجنيد الأخير، حيث أصبح لزاماً على كل من يبلغ الثانية والأربعين عاماً بأن يدفع مبلغاً باهظاً يتراوح بين مائة وتسعون ألفاً و مائتين وخمسة وستون ألف ليرة سورية بحسب الشهادات العلمية التي يحملها رجل الدين المكلف بالخدمة.
ونظراً لحساسية الموضوع وتأثيره على مشاعر المسيحيين في منطقتنا بشكل عام، والذين يتناقص عددهم بنسب كبيرة جداً، بسبب نزيف الهجرة أو ضيق فرص العمل أو الضغوطات الاجتماعية، ولهذه الأسباب فقد آثر كل من صرح لنا من السادة الآباء الكهنة و رعاة الكنائس طالبين عدم الكشف عن أسمائهم، حتى لا يكون الكلام دافعاً لإحباط أهل الطائفة التابعة لكل واحد منهم، وكي لا يُستشهد بحالاتهم عندما يحاولون التخفيف من وطأة المشاكل الحياتية ورفع المعنويات للمصلين في الكنيسة حين مطالبتهم بالبقاء في الوطن وعدم التفكير بالهجرة ( على سبيل المثال لا الحصر).
الوضع السابق
قبل صدور المرسوم التشريعي رقم/ 30 / للعام 2007 والخاص بقانون خدمة العلم في سوريا ، كان رجل الدين المكرس يؤجل سنوياً تحت مسمى " تأجيل ديني"، من خلال رئاسة طائفته التي ترسل كتاباً في كل عام إلى دوائر التجنيد بأسماء الرهبان ورجال الدين طلباً للتأجيل الديني( مدة سنة واحدة فقط لكل طلب)، حتى بلوغ سن الخمسين من العمر، حيث يُعفى في نهايتها المكلف ويرقن قيده نهائياً بموجب خطاب من رئاسته الروحية يفيد باستمرار خدمته الروحية للكنيسة، أما في السنوات الأخيرة كان البعض يُلزم بدفع ما يسمى ببدل يقارب الخمسين ألف ليرة سورية أي ما يعادل 1000 دولار امريكي( وهو مبلغ مقدور عليه نسبياً)، فيعتبر حينها بحكم المعفي من الخدمة، ولهذا لم يلحظ المشرع إعفاء رجل الدين من أول دخوله لسن الكهنوت، بل أجّل الإعفاء النهائي لحين إنتهاء سن التكليف".
الوضع الجديد
خفض المرسوم الجديد المذكور أعلاه، سقف سن التكليف بالخدمة الإلزامية من 52 سنة إلى 42 سنة، واشترط للإعفاء من الخدمة دفع بدل نقدي من خلال المادة رقم 12 منه، ووفق حالات محددة بحسب الشهادة العلمية ودون الأخذ بعين الإعتبار إلى وضع رجال الدين، ويتراوح البدل المفروض بين / 190000 / إلى / 265000/ ليرة سورية، فعندما ينتهي التأجيل السنوي لرجل الدين حين يبلغ ال38 عاماً، يتوجب عليه حينها بأن يراجع شعبة التجنيد، وأن يقرر إن كان سيدفع البدل بعد 4 سنوات أو يساق إلى الخدمة الإلزامية.
أما لدى دوائر الهجرة والجوازات التي تمنح جوازات السفر للسوريين، فبقي الوضع كما كان سابقاً، أي لا يعطى جواز السفر إلا بموجب وثيقة تأجيل الخدمة الإلزامية وموافقة سفر صادرة عن شعبة التجنيد حتى يبلغ الخمسين عاماً حيث ينتهي تكليفه بشكل نهائي، وبعد صدور القانون المذكور توقفت شعب التجنيد عن منح وثائق التأجيل، فهناك تضارب وعدة تأويلات وتفسيرات لدى تنوع شعب التجنيد، والتي ألزمت رجل الدين بتعهد تسديد بدل الإعفاء النقدي الجديد خلال مدة محددة أياً كانت رتبته وأين كانت خدمته،
إشكالات تطبيق بدل فوات الخدمة
بسبب هذا الوضع حرم بعض رجال الدين ومنهم رؤساء لطوائف مسيحية من تجديد جوازات سفرهم ومنعوا من السفر إلى خارج القطر بهدف متابعة أحوال المغتربين والمشاركة في المؤتمرات اللاهوتية أو في ندوات الحوار أو بهدف متابعة الدراسات العليا في الجامعات الدينية الخارجية، فبين التجنيد الذي ينتهي التكليف في سن 42 وبين الجوازات التي لا تمنح جواز سفر دائم لمن لم يخدم الخدمة إلا بعد بلوغه سن الخمسين، هناك ثمان سنوات ضائعة لا يمكن تغطيتها بأية وثيقة كانت سوى بدفع البدل المشار إليه سابقاً.
"هذا هو الإجحاف بعينه" يقول أحد رجال الدين المسيحيين، لأن رجل الدين المسيحي هو إنسان كرس نفسه وحياته والتزم خدمة الكنيسة وشعبها، وتعهد بالتفرغ لهذه الخدمة و تنازل عن الأعمال الدنيوية التي قد يجني منها الأموال، كما أنه تعهد بارتداء اللباس الخاص بالكاهن لدى بعض الطوائف الأرثوذكسية، أو الاكتفاء بوضع إشارات ودلالات على صفته المسيحية لدى الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية، أما في حالة عدم تسديد البدل فلن يكون هناك إلا الخدمة الإلزامية، ومن غير اللائق ارتداء ألبسة الخدمة العسكرية وخلع لباس الكهنوت الذي تعهد بعدم خلعه عند رسامته، فمن أين يجلب رجل الدين هذا البدل المفروض عليه وهو بين /190000/ إلى /265000/، فلا أموال ولا أملاك ولا نشاط تجاري ولا موارد طبيعية أو غير طبيعية له، فهل يتحول إلى مد يده للناس كي يتبرعوا له ويساندوه.
بينما قال راعي كنيسة تجاوز سن ال42 عاماً، فأفاد بأنه " فوجئ بعدم إمكانه الحصول على التأجيل، حيث سيترتب عليه دفع "بدل فوات الخدمة" والذي يقدر براتب رقيب أول مضروباً ب 40 شهر أي أنه سيسدد مبلغاً كبيراً، و أوضح بأن جباية البدل من رجال الدين هو بمثابة تحصيل إيرادات مالية إضافية للدولة، فهل يُعقل من أن يُسدد وهو الذي يقوم بخدمة الله من خلال تكريسه لنفسه مدى الحياة للخدمة، و كيف له أن يدفع ورجل الدين لا يجوز له العمل والربح والكنيسة هي المسؤولة عن إعالته وتأمين تكاليف الحياة له".
المانع الديني
إن رجل الدين المسيحي لا يمكنه مزاولة العمل بالمهن المعروفة، لأنه ملتزم بخدمة الكنيسة وممارسة الشعائر الدينية في أوقاتها وأزمانها المختلفة، كالموت والدفن والزواج وزيارة المرضى وتأدية الصلوات، وغيرها من الأمور اللاهوتية التي نص عليها الإنجيل وفرضتها الواجبات الكنسية،و يجدر الاستشهاد بما نصت عليه المادة رقم 276 من قانون الاحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية في سورية والصادر بالمرسوم رقم 31 لعام 2006 ( صدر بتاريخ 18/06/2006) ما يلي: " الإكليريكيون والرهبان معفون من الخدمة العسكرية ومن الوظاتئف والمناصب العمومية العالمية التي لا تتفق وحالتهم الإكليريكية."
وعن قرار دفع البدل أفاد رئيس طائفة قائلاً: "بأن فتح المجال لدفع ما يسمى " بدل فوات الخدمة" وهو بهذا الهدف لا يجب أن يُطبق على رجال الدين، الذين لم تفتهم الخدمة مطلقاً لأنهم مقيمون في الوطن ولا يعملون خارجه بل هم في الخدمة دائما،ً مكرسين حياتهم لها لأنهم يخدمون ولا يتقاضون أية أرباح مقابل خدمتهم".
بينما قال آخر: " عندما أعفى المشرع رجال الدين المسيحيين من خدمة العلم، كان بسبب تقديره للتعاليم المسيحية التي نصت على عدم قتل انسان آخر وهذا ما قد يتعرض له رجل الدين في الحروب وأثناء استعمال السلاح، فالسيد المسيح ارتضى أن يُقتل ولم يقتل وكان موته بمثابة الشهادة، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال على أن رجال الدين ليس لهم دور في الحفاظ على مصلحة الوطن وحقوق المواطنين، ولكن بحسب القوانين الكنسية فإن الذي يَقتلُ يتم فرزه من الكنيسة، فلا يستطيع حينئذ تعليم الكتاب المقدس وحث الناس على التسامح والمحبة والغفران.
وعن أحوال الخدمة في ارمينيا قال لنا رجل دين أرمني : " رجل الدين المسيحي في أرمينيا لا يعفى من الخدمة الإلزامية ولكنه يخدم بصفته رجل دين ولا يرتدي البدلة العسكرية وينام في الثكنات مع زملائه ويكون مسؤولاً عن الدروس الدينية أو الصلوات الروحية ضمن غرف صغيرة مخصصة، ويشرف على هؤلاء أثناء خدمتهم مطران برتبة عسكرية ( جنرال )، يقوم على متابعتهم وفرزهم.
مخاطبة الجهات المعنية
يتابع أحد السادة قائلاً: " بأنه تمت مخاطبة الجهات التنفيذية للدولة عبر الرئاسات الروحية للكنائس( البطاركة)، فتمت صياغة كتاب رسمي تحدث باسم المسيحيين في سوريا، يتضمن طلباً لتعديل رسوم بدل فوات الخدمة لرجال الدين المسيحيين في سوريا، وحتى الآن فرجال الدين لا يشعرون بالراحة و الاطمئنان من المرسوم الساري لأن من لا يدفع البدل، سيتعرض للحبس في سوريا ولن يحصل على جواز سفر، فهل يعقل أن يتعرض رجل دين مكرس لخدمة الناس والوطن لهذه الغرامات والعقوبات؟ " فبالأمس وضعوا اسمي على الحدود وبالتالي لن أتمن من السفر والإشراف على كنائسنا خارج سوريا"، وهل توقفت ايرادات الدولة على تحصيل هذا البدل الكبير منهم تحديداً !!!، بينما الوضع لدى الإخوة المسلمين ( المشايخ وعلماء الدين ) فهم مسموح لهم بالعمل بأعمال دنيوية، وليسوا مكرسين مدى الحياة بالخدمة كما هو وضع إخوتهم في الدين المسيحي" ( وقد حدثت عدة حالات لدفع بدل فوات الخدمة كأحد الأساقفة الذي يحمل شهادة الدكتوراه في اللاهوت المسيحي ويخدم خارج القطر، حيث بدأ بمعاملة دفع مبلغ 265000 ليرة سورية لكي يسمح له بالسفر.
رجل دين يصرح : " بأنه وصل إلى سن انتهاء التكليف وأنه لا ينوي أن يسدد الرسوم، مع أن نتيجة هذا الوضع الجديد هو أن قد عممت إدارة التجنيد اسمه على نقاط الحدود لمنعه من المغادرة، وهذا ما اعتبره إهانة وإساءة لشخصه وطائفته من قبل أناس يطبقون القانون دون تفكير أو دون تحليل للآثار التي قد تترتب عليه، أو مراعاة الرسالة الدينية التي يحملها رجل الدين المكرس".
ويختم راعي كنيسة كلامه لنا قائلاً: " لقد تم تغيير مسيرة البلد في تعامله مع موضوع خدمة رجل الدين المسيحي، و لكن لازال الأمل لدينا في تصحيح الأمر، ولازالت الأبواب مفتوحة والمطالبات قائمة"
خاص ( كلنا شركاء) : 15/3/2008