Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > خواطر و مشاعر

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-09-2006, 07:43 PM
Fadi Fadi غير متواجد حالياً
Titanium Member
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 995
افتراضي أتذكر يا حنـّا يوم كنت حلاقا ً ؟ - حنـّا مينـة -

أتذكر يا حنـّا يوم كنت حلاقا ً في دكان ؟

حنـّا مينـة


حين كنت، يا حنا، في العشرين من عمرك، كنت حلاقاً غير ملتزم، في دكان على باب ثكنة في مدينة اللاذقية، بابها من اخشاب عتيقة، لا تمنع ريحاً ولا تحجب ضوءاً. نعم!

هذا ما كنته يا حنا، يوم كانت الحرب العالمية الثانية تتضرّى، وكنت تتساءل، كما غوركي: « يا نفس ماذا ستكونين، وماذا يخبئ لك الغد !؟ ».

لم يكن لديك سوى الشهادة الابتدائية، المنسية الآن في قاع البحر الأحمر، وقد حصلت عليها من المدرسة الرشدية في مدينة اسكندرونة، قبل الهجرة من اللواء، السليب نهائياً، وقد اضعت طفولتك في الشقاء، وشبابك في السياسة، سعياً وراء العدالة الاجتماعية، هذه التي تتحسر الآن عليها، لأنها لم تتحقق، لكنك غير يائس من تحقيقها، لأنها حلم البشرية أزلاً ابداً.
كنت، أيها المأفون، ترغب في تغيير العالم، ودون ان تعرف ما هي الكتابة، كتبت خربشات اسميتها مسرحية، انت بطلها، وفيها تغير العالم في ستة ايام، وفي اليوم السابع تستريح، وقد ضاعت هذه المسرحية، وأنت غير آسف عليها، لأنك لا تأسف على ما فات، وتتطلع ابداً الى ما هو آت!

الفقر نوعان: أبيض كالذي تعيشه الآن، وأسود كالذي عشته منذ وعيت الوجود، حين كنت عرياناً الا من خروق تستر لحمك، وكنت حافياً، جائعاً، تبحث عن اللقمة، وفي سبيلها عملت اجيراً عند مؤجر دراجات، وأجيراً في صيدلية، وأجيراً مربياً للأطفال، وأجيراً عند حلاق، تعلمت لديه مبادئ المهنة، وحمالاً في المرفأ، وبحاراً، او اجير بحار، على مركب شراعي، لمدة قصيرة، رأيت فيها الموت يحدق فيك، بعيون باردة، خلال العواصف، وما اشدها في الشتاء!

انني أكرهك يا حنا مينة، وبسبب من هذا الكره، ارفض، الا مرغماً، ان ارى وجهك في المرآة او التلفاز، لكنك، في أرذل العمر، صرت مشهوراً، والشهرة جهنم، فماذا تفعل، وانت عنيد، وعنُدك عندُ بغل!؟ حسناً! ترفض الدعوات، لا تجيب على الرسائل، لا تتكلم على الأدب، لا تحضر الندوات الأدبية، لا طاقة لك على سماع المحاضرات، والخطابات السياسية خصوصاً، لا ترتاح الى كلمة عطاء، تضحك من الذين يقولون علينا ان نعطي، يقشعر بدنك كله من كلمة رواية، تعاقب نفسك لأنك اول من تنبأ، عام 1982، بأن الرواية ستكون ديوان العرب، وعنك اخذها الآخرون ثم جحدوك، وهذا لا يهم طبعاً، لأن درب الرواية واسع، وفيه يسير جميع الكتبة تقريباً، ومن هذا الكم سيكون النوع، وعندئذ تكون لنا الرواية العربية التي تخترق جدار الصوت، وهذا جيد جداً، وجيد ايضاً ان تكون هناك ظاهرة ايجابية، مفادها ان الكثرة من الفتيات والسيدات يرغبن في الكتابة، وفي كتابة الرواية على العموم، وعليك، يا حنا، ان تعطي رأياً، ان تقدم ملاحظة، نصيحة، موعظة، او، وهذا هو الأسوأ، ان تكتب مقدمة، وأنت تلعن النصائح، والمواعظ، والمقدمات، عائداً الى العشرين من عمرك، يوم كنت حلاقاً، وفي بدايتك بالحلاقة، لم تكن الكتابة تخطر على بالك، وقد تعلمتها، من بعد، بكتابة الرسائل للجيران، والعرائض للحكومة، بغية إصلاح هذا الرصيف، او تزفيت هذا الطريق، او تأمين الرغيف وتحسينه، او الدفاع عن المظلومين، والفقراء، والمعذبين في الارض، واسماع المسؤولين صوت الذين لا صوت لهم، متقبلاً اسفنجة الخل من اجلهم جميعاً!

لقد كنت، أيها الشقي، تُسر بالشقاء، والشيطان يعرف لماذا، كنت في العشرين، وأنت حلاق، خريج سجون بامتياز، ايام الانتداب الفرنسي، وزمن الإقطاع بعد الاستقلال، تسع مرات سجنت، في اللاذقية ودمشق، وفي السجون تعلمت بعض الاشياء، وفي المنافي، لأسباب قاهرة، اكتسبت بعض التجارب، وكنت تفرح، ايام الانتداب، وأنت تقود المظاهرات ضده، والرصاص من فوق رأسك، ومن على جانبيك، يئز، دون ان يطالك، حتى نفد صبر الزبائن منك ومن حلاقتك، وجاءت الطامة الكبرى، عندما قبض رجال الامن على من وجدوا من زبائنك، فكان الإفلاس تاماً، وكان اغلاق دكان الحلاقة لا بد منه، والتشرد الطويل قد دقت ساعته، فودعت أمك العجوز، التي لم تعرف لأي سبب ترحل، فقد كانت تريدك ان تكون كاهناً او شرطياً، ولا توسط بينهما، فلم تكن أنت لا هذا ولا ذاك، وبعد ذلك، أيام السجون والمنافي، تواضع حلمها فتمنّت لو كنت راعياً، وأسفت لأنها ارسلتك الى المدرسة، بينما هي وأخواتك البنات، كنّ خادمات في بيوت الناس، وقبل خروجك من اللاذقية، ودعت امرأة القبو، جارتك، التي زودتك بهذه النصيحة قائلة: «اسمع يا حنا، الرجل لا تذله إلا شهوته، فلا تدع شهوتك، تذلك» وقد حفظت هذه الوصية، هذه الحكمة، وانتفعت بها في مشوارك الطويل، مقيماً ومرتحلاً، وعندما صار التشرد مهنتك، التي مارستها وانت تحمل صليبك على كتفيك، في اوروبا وفي الصين، قبضت على هذه الوصية، قبضك على جمر الغربة، ورمح الحراس، في الجلجلة، يطعن في خاصرتك، فينُز الدم، بينما هم على قميصك يقترعون!

وفي العشرين من عمرك، انت البائس الذي ينافح عن البؤساء، غادرت اللاذقية الى بيروت مرغماً، باحثاً عمن يتخذك أجيراً من الحلاقين، لكن بحثك، إياماً طوالاً، لم يُجدِ، رفضوك وانت تحمل قليلاً من الثياب، والاقل الاقل من النقود، في الصرّة التي على كتفك، فكرهت أميرة المدن، عاصمة لبنان «الأخضر حلو»، ووجدت نفسك ضائعاً فيها، ولا يزال هذا الشعور، منغرساً في تربة نفسك، يتمظهر كلما زرتها، فتفر من هذا الإثم، معتذراً لشاعر «طفولة نهد» الذي تعده ظاهرة لن تتكرر، والذي قال ان بيروت أميرة المدن في الشرق كله.

الحجر الذي رفضه البنّاؤون سيصير، في ضربة حظ، رأس الزاوية، لكن ليس قبل ان يدفع الثمن غالياً، في بحثه عن الامل، في اجتراحه لعبة صنع الاحلام حتى لا يسقط في العدم، ودمشق التي تقصدها، بعد ان خيبت رجاءك بيروت، لم تكن ابيض يداً، ولا أندى كرماً، وقد طوفت، يا حنا، في شوارعها وأزقتها، عساك تُحظى بمن يقبلك اجيراً من الحلاقين، فلم تفز بما تنشد، فالحلاق الذي كنته، رفضه الحلاقون الذين كانوا، والسبب انهم ليسوا بحاجة الى اجراء، لأن لديهم الفائض منهم، ولأن شكلك الناحل، العليل بغير مرض، الأصفر الوجه من جوع، جعلهم ينفرون منك، وكان هذا، من حسن حظك هذه المرة!
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg hanna.jpg‏ (11.9 كيلوبايت, المشاهدات 19)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-09-2006, 08:09 PM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

جميل ماخترته لنا يافادي تشكر واستمتعت بقراءته:
الحجر الذي رفضه البنّاؤون سيصير، في ضربة حظ، رأس الزاوية، لكن ليس قبل ان يدفع الثمن غالياً، في بحثه عن الامل، في اجتراحه لعبة صنع الاحلام حتى لا يسقط في العدم، ودمشق التي تقصدها، بعد ان خيبت رجاءك بيروت، لم تكن ابيض يداً، ولا أندى كرماً، وقد طوفت، يا حنا، في شوارعها وأزقتها، عساك تُحظى بمن يقبلك اجيراً من الحلاقين، فلم تفز بما تنشد، فالحلاق الذي كنته، رفضه الحلاقون الذين كانوا، والسبب انهم ليسوا بحاجة الى اجراء، لأن لديهم الفائض منهم، ولأن شكلك الناحل، العليل بغير مرض، الأصفر الوجه من جوع، جعلهم ينفرون منك، وكان هذا، من حسن حظك هذه المرة!
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-09-2006, 08:34 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,048
افتراضي

كلّ الشكر لك يا أستاذ فادي على هذا الاختيار الذي جاء في موضعه فهو يليق بأديبنا السوري الكبير حنا مينه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-09-2006, 12:08 PM
Malki Morad Herdan Malki Morad Herdan غير متواجد حالياً
VIP
 
تاريخ التسجيل: Aug 2005
المشاركات: 1,334
افتراضي

اخ فادي لك شكري
و هذه نبذة عن الاديب حنا مينه

حنا مينة (1924-): أديب سوري. ولد في اللاذقية لعائلة فقيرة، وعاش طفولته في إحدى قرى لواء اسكندرون. بعد ضم اللواء لتركيا عام 1939، عاد مع عائلته إلى اللاذقية حيث عمل حلاقاً. أرسل قصصه الأولى إلى الصحف الدمشقية. انتقل إلى بيروت عام 1946 بحثاً عن عمل ثم إلى دمشق عام 1947 حيث استقر فيها، وعمل في جريدة الإنشاء حتى أصبح رئيساً لتحريرها. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. كتب الكثير من الروايات، معظمها يصف حياة البحارين في اللاذقية وصراعهم مع أخطار البحر. من أشهر رواياته "المصابيح الزرق" و"الشراع والعاصفة" و"الياطر" و"الأبنوسة البيضاء" و"حكاية بحار" و"نهاية رجل شجاع".
.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-09-2006, 01:04 PM
athro athro غير متواجد حالياً
VIP
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 1,746
افتراضي

كم هو جميلٌ ما قاله هذا الكاتب الكبير
كم هو متواضعٌ في كلامه..... هكذا يكون العظماء
تشكر أخي فادي على نقلك هكذا مواضيع شيقه
فعلاً اختياراتك ممتازه
مع أجمل تحيه
اثرو
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-09-2006, 06:44 PM
Fadi Fadi غير متواجد حالياً
Titanium Member
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 995
افتراضي

شكرا ً لكم جميعا ً .... ويسعدني أنكم استمتعتم معي بقراءة مقالة الأديب والروائي الكبير حنا مينة .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-10-2006, 12:20 AM
عيسى حنا عيسى حنا غير متواجد حالياً
Bronze Member
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: kamishli
المشاركات: 394
افتراضي رد

الشكر لك يا اخ فادي على هذه المقاله
و الشكر الثاني هي للأديب الاستاذ حنا مينا على ما قدمه لنا و للأدب العالمي
مشكور يا اخ فادي أخوك عيسى حنا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:10 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke