Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الأزخيني > ازخ تركيا > من تاريخ البلدة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-11-2025, 09:25 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,479
افتراضي العرب والسريان أبناء عمومة بقلم: ريمون القس

العرب و السريان أبناء عمومة و إرث مشترك.. السريان لقب أطلق على قبائل عربية مثلما أطلق على فرع من الآراميين.. بقلم الباحث ريمون القس Rimon Alkass..
تفتخر القبائل العربية في الجزيرة السورية (الحسكة و دير الزور و الرقة) بإرثها السرياني.. متجاوزة اختلاف الدين و النسب في منطقة جغرافية تمتاز بغناها الثقافي و الديني و العرقي.. و تتقاطع في الجزيرة السورية التي تعرف أحياناً بالجزيرة الفراتية حضارات عديدة.. و تعيش فيها أقليات دينية و عرقية متجاورة منذ قرون.. ومن أبرزها الوجود السرياني الذي ترك بصمته في ثقافة المنطقة..
مبادرة في الجزيرة توقظ حلف السريان ب زبيد و الشيباني و طيء..
لم يكن هذا النسيج مجرد علاقات ودية بين العرب و السريان.. بل نموذجاً متيناً للتبادل الثقافي العميق.. و انعكس في مظاهر الحياة اليومية و اللغة و العادات و الأعراف ليتحوّل إلى ظاهرة تتجسّد في المجاهرة بفخر قبائل المنطقة العربية بإرثها المسيحي السرياني الذي يظهر على شكل تراث لا مادي غير منقطع..
ويبرز هذا التراث في رقصات شعبية و أزياء و نقوش و وشوم و أسماء و كنى و تقاليد و مأكولات و أمثال و غيرها من جوانب الحياة اليومية.. متجاوزة اختلافات الدين و النسب الحالية.. و حالة الاستقطاب العرقي و الديني و الطائفي الحادة التي تفرضها ظروف المرحلة السياسية الراهنة..
أحلاف الدم
و ليس اعتزاز العرب بالعادات السريانية المسيحية في الجزيرة مجرد تقديرٍ لتاريخ مضى.. بل هو تعبير عن وعي حي بأهمية التعدد والتنوع في بناء هوية مجتمعية متماسكة.. وفي زمن تتزايد فيه الانقسامات على أسس دينية و طائفية و عرقية تشكل الجزيرة نموذجاً نادراً للتآخي الإنساني.. إذ لا تذوب الخصوصيات.. بل تتكامل لتشكل غنى حضاري.. و ترجم هذا الكلام إلى واقع ملموس من خلال أحلاف الدم القبلية.. و لعل أبرز أمثلتها إحياء بني عمومة بين قبيلة زبيد العربية المسلمة و قبيلة الأسخينية السريانية المسيحية (نسبة إلى قلعة آزخ جنوب شرقي تركيا المتاخمة للحدود السورية)..
و قال السياسي و المعتقل السابق عبد المسيح قرياقس مؤسس الأسرة الأسخينية في القامشلي (كانت تضم نحو 310 عائلات سريانية مسيحية عند تأسيسها في 2005): كانت القبائل العربية الموجودة حالياً في الجزيرة الفراتية تدين بالمسيحية.. و هربوا بمسيحيتهم إلى مناطق وجود قبيلة طيء التي كانت تدين أيضاً بالمسيحية قبل الإسلام.. هربت تلك القبائل من الإمبراطورية الرومانية و البيزنطية التي كانت تخالفهم في العقيدة المسيحية.. و سكنت قبيلة زبيد حول أبرشية آزخ المعروفة أيضاً باسم بازبدي أو بيث زبداي.. و سبب الخلاف الدموي مع الإمبراطورية الرومانية و البيزنطية كان مذهبياً صرفاً.. إذ فرضت الإمبراطورية مذهبها الأرثوذكسي الخاص على القبائل العربية المسيحية.. زبيد و تغلب و بكر بن وائل و عموم ربيعة و بعض مضر.. التي كانت تتبع المذهبين اليعقوبي و النسطوري لتهرب بعقيدتها إلى مناطق العراق و ما بين النهرين وصولاً إلى آزخ و غرب جزيرة ابن عمر بنحو 200 كيلومتر.. فسكنت في منطقة آزخ.. وصولاً إلى ديار بكر.. و سميت تلك المنطقة في التاريخ البيزنطي بـ"العربية".. وتمتد من أورفا و حران غرباً إلى آزخ و ديار بكر شرقاً..
و حين سكنت زبيد بكثافة حول آزخ.. تغير اسم أبرشيتها إلى أبرشية بيت زبداي أي مسكن زبيد.. و سكنت عشيرة تغلب غرب آزخ.. بينما عشائر بكر بن وائل سكنت في المناطق التي تسمى الآن بديار بكر.. و أخذت أبرشياتها السريانية اسم باعربايا (طور عابدين حالياً جنوب شرقي تركيا) أي منطقة العرب بالسريانية..
و عند قدوم الإسلام بقيت هذه القبائل زمناً تدفع الجزية كمسيحيين.. و بعد مرور سنوات كثيرة و ثبات الدين الإسلامي و وحدة اللغة بين تلك القبائل و المسلمين العرب تحول معظمهم إلى الإسلام.. و لكنهم ظلوا يحتفظون في أعماقهم بالحنين إلى تلك الحقبة السريانية المسيحية المسالمة و الطيبة من دون حروب..
فكرة الأسرة الأسخينية
و لدى سؤال قرياقس عن سبب إطلاق تجمّع الأسرة الأسخينية و فكرتها أجاب: "في سبعينيات القرن الماضي قبل دخولي المعتقل عام 1975 كان الجو العام في القامشلي في معظمه وطنياً.. و بعد 17 سنة حين خرجت من السجن في 1992 و نتيجة بث سلطة حافظ الأسد و أجهزته الفكر الطائفي.. صرت أسمع أن غالبية المسيحيين لا يقبلون حتى تأجير منازلهم لمسلمين.. و يرفضون إجراء مختلف التعاملات الحياتية اليومية معهم".. فأردت أن أفعل شيئاً لأخفّف من هذا الداء الطائفي و أن أحارب النظام الفاسد بطريقتي بين أبناء شعبي.. و أتذكر حين كنت في الصف الخامس (1953) كان يزورنا زعيم قبيلة زبيد المرحوم حمّاد الفارس.. و كان والدي من ضمن الذين يستقبلونه في مدينة ديريك (المالكية و معظم سكانها أسخينيون).. و كان الشيخ حمّاد يصرّح بأن قومه زبيد كانوا قديماً مسيحيين من آزخ.. و أهل آزخ المسيحيون هم أبناء عمومتنا..
أردت تحويل هذه الفكرة التي كان والدي و كثيرون من الأسخينيين و زبيد يؤمنون بها إلى واقع حقيقي.. فشكلت أولاً ما سمّيته الأسرة الأسخينية لتضم أكثر من 300 عائلة أسخينية في القامشلي.. بينما حجم الأسخينيين الكبير هو في ديريك.. و بعدها عرضت على الأسرة أن نعيد العلاقة القديمة بين آزخ و زبيد.. و بعد ان لاقت الفكرة تشجيعاً شكلت وفداً من الأسرة و زرنا رئيس عشيرة زبيد في قرية كينجو (القاسمية).. و حين عرضنا الفكرة على الشيخ منيف بن حمّاد الفارس تقبّلها بفرح كبير .. و بدأنا بالإجراءات العملية لوضع أسس مؤسّساتية لهذه الوحدة".. و بعد نحو 45 يوماً قرّرنا أن نعلن أمام جميع القبائل العربية و المجتمع المسيحي في القامشلي قيام وحدة أبناء عمومة.. و حضر التأسيس وفد من 50 شخصاً أسخينياً و أكثر من 150 شخصاً عربياً من زبيد بحضور أمير قبيلة طيء الشيخ محمد عبد الرزاق النايف.. و أعلنا أمام هذا الحشد الكبير قيام وحدة أزخ و زبيد التي عنت وحدة السريان و العرب و وحدة المسيحيين و المسلمين.. و كان ذلك في عام 2005..
نحن الآن في 2025 بعد 20 سنة توطدت هذه العلاقة حتى أصبح كل شخص أو عائلة أو إنسان زبيدي و آسخيني يشعرون بأنهم إخوة و أبناء عمومة.. و اعتبرت هذا نصراً إضافياً على الفكر الطائفي الذي كان يبثه نظام الأسد و مخابراته..
و في لقاء خاص قال الشيخ منيف حمّاد الفارس أمير قبيلة زبيد لسورية الجديدة: إن الوجود الرئيس لقبيلتنا في قرية القاسمية بالقرب من بلدة الجوادية (55 كيلومتراً شرق القامشلي) فضلاً عن أكثر من 15 قرية أخرى.. و يقيم معظم أفراد القبيلة في القامشلي كبرى مدن محافظة الحسكة.. و في بلدة الجوادية وصولاً إلى قرية الأحمدية على نهر دجلة شرقاً.. و بلدة القحطانية جنوباً (نحو 30 كيلومتراً شرق القامشلي).. و أضاف: "يوجد زبيد حالياً في جنوب دمشق.. و خصوصاً في منطقة الصنمين و في غوطة دمشق و في محافظة السويداء.. و هناك أيضاً في محافظة إدلب و آخرون في ريف دير الزور.. أما القسم الأكبر من زبيد فيستقرون حالياً في العراق.. معظمهم في جنوبه.. و في شمال العراق بمنطقة الموصل و ريفها.. و لم ينقطع التواصل بيننا وبينهم"..
وتابع: "التقارب الاجتماعي مع السريان كان موجوداً قبل تأسيس الأسرة الأسخينية و الاتحاد الذي جرى في 2005 بين كثير من العوائل الأسخينية و السريانية.. و خصوصاً الموجودين في المالكية مركز الأسخينية.. وقال: "أكد آباؤنا و أجدادنا عبر التاريخ صلة القرابة مع سريان المنطقة.. و معظمهم أسخينيون ممن تعرضوا لإبادة عام 1915 (سيفو) على يد العثمانيين.. و في عائلة جدي كان هناك شخصان.. أحدهما سرياني و الآخر أرمني ترعرعا في منزل جدّي الشيخ المرحوم محمد الفارس.. و أخذا اسمه رسمياً.. بالإضافة إلى حالات كثيرة أخرى في منطقتنا.. و كانت العلاقات طيبة دائماً مع جيراننا السريان"..
وقال الشيخ منيف حماد الفارس: "المشاركة الاجتماعية موجودة دائماً مع السريان في المناسبات السعيدة.. و حتى في المناسبات الحزينة.. و اتذكر أن السريان الأسخينيين كانوا يشاركون مع أولاد عمومتهم زبيد حتى في دفع الدية في حالات القتل.. و كان والدي الشيخ المرحوم حمّاد الفارس منذ ثمانينيات القرن الماضي ضد هجرة المسيحيين إلى دول أوروبا للحفاظ على الوجود المسيحي و السرياني في المنطقة"..
و أضاف: "في خمسينيات القرن الماضي.. عندما اشترى المرحوم والدي أول سيارة له.. كان سائقه شاباً سريانياً اسمه عزيز.. و كان يقيم هو و عائلته لدينا في منزل الأسرة كعائلة واحدة.. و أذكر أن والدتي سافرت إلى أهلها في العراق سنة 1958 مع سائقها السرياني عزيز بوصفه محرماً لها"..
وتابع: "يحكى أن أجدادنا حين كانوا يؤدون فريضة الحج إلى الأراضي المقدسة.. كانوا في طريق عودتهم يمرّون على كنيسة آزخ (أبرشية بيت زبداي) في نوع من الوفاء لجذورهم المسيحية السريانية".. و هو ما يؤكّده أيضاً عبد المسيح قرياقس..
وأضاف أن والده استضاف عائلات سريانية عديدة.. كان أبناؤها يمتهنون في القرية حرفاً مثل الطب و العطارة و غيرهما..
وحدة ثلاثية
لم يقتصر الأمر على الوحدة بين آزخ و زبيد.. بل تطور إلى وحدة ثلاثية بإضافة قبيلة بني شيبان التي ينتمي إليها وزير الخارجية السوري الحالي أسعد حسن الشيباني (يتوزع معظم بني شيبان المحلمية حالياً في جبال طور عابدين.. و من حبس ناس على نهر دجلة إلى غرب ماردين في تركيا.. و توسعت هجرتهم في بداية القرن الماضي لتشمل القامشلي و حلب و اسكندرون و حتى لبنان.. و توزع آلاف منهم في دول أوروبا الغربية)..
وقال قرياقس: "في 2006 جاء زعيم قبيلة بني شيبان المرحوم رفعت صبري (أبو قيس) و معه شخصيات من القبيلة المعروفة بقبيلة المحلمية.. و طلبوا أن نقيم معهم علاقة أولاد عمومة و جيران بحكم إرثهم المتشابك مع السريان"..
و كانت قرى بني شيبان قريبة من آزخ.. و قبل اعتناقها الإسلام منذ أربعة قرون.. كانت تدين بالمسيحية و تتبع أبرشية آزخ السريانية.. و كانت لهجتها العربية لهجة آزخ ذاتها الخاصة و المميزة في المنطقة.. و أكد وجهاء من القبيلتين وجود قديس مسيحي لدى بني شيبان يدعى "مار شمعون المحلمي".. و هو مذكور في أرشيف الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في طور عابدين (بيث عربايا)..
وقال قرياقس: "نظمنا في 2006 احتفالاً كبيراً ضم 20 أسخينياً و 15 شخصاً من زبيد و 15 شيبانياً.. و أعلنا قيام وحدة آزخ و المحملية و زبيد.. و أصبحنا أكبر قوة اجتماعية منظمة و منضبطة مع بعضها و ضربنا الفكرة الطائفية في مقتل"..
وقال شيخ قبيلة المحلمية قيس رفعت صبري الشيباني: "نفتخر بجذورنا المسيحية إذ كان معظم منطقتنا قبل ظهور الإسلام يتبع الديانة المسيحية المشرقية.. و لدينا عادات و تقاليد موروثة عن الديانة المسيحية.. منها "بيضة السبت".. وًهي عادة رمي بيضة في النهر على أمل الشفاء من مرض التوحد و البكاء الشديد.. و أيضاً لعلاج "أبو كعب" كان أبناء قبيلتنا يقلبون قدر الطعام و يلتقطون منه الرماد ليرسموا علامة الصليب على مكان الورم في وجه المريض على أمل الشفاء رغم أنهم مسلمون.. و أيضاً هناك عادة موروثة اسمها "نذر" (ميمة قاديشكا.. من القداسة في اللغة السريانية).. و هي عادة قديمة جداً كانت معروفة حتى عهد قريب ربما انتهت في ثمانينيات القرن الماضي.. و تقوم على طهي الدجاج مع البرغل و إطعام أطفال الحي"..
و أضاف: "هناك عوائل محلمية عديدة جذورها سريانية مثل عائلة القس.. و عائلة المقسي (تصغير لعائلة المقدسي نسبة إلى القدس) و عائلة جانو و كابي و غيرها من أسماء سريانية.. و بعد مراجعة الإرث المشترك بيننا نحن بني شيبان و قبيلة الأسخينية السريانية بدت لنا رغبة مشتركة في إبراز هذا الإرث و إقامة تحالف قبلي قائم على إرث طويل مشترك على أمل أن يتحول إلى وحدة حال مستقبلية"..
قبيلة طيء، أكبر القبائل العربية، أبناؤها منتشرون في القامشلي وريفها الجنوبي، وفي دير الزور والرقة وشمال حلب وفي حماة، وحمص (ومنهم عائلة برهان غليون) وفي ريف دمشق، وإدلب، ودرعا، والجولان. وفي العراق، في الموصل وريفها والجنوب. وطيء العراق أكثر عدداً من طيء سورية، وأميرهم هناك الشيخ صباح غازي الحنش. وهناك وجود لطيء في جنوب شرق تركيا أيضاً حتى أطراف ديار بكر في نحو 40 قرية. وفي الأردن وفلسطين والسعودية.
وما زالت طيء تجاهر بإرثها السرياني المسيحي، ويردّد أبناؤها في مجالسهم الخاصة والعامة عبارة فخورة: "نحن الطائيين سريان". وقال الشيخ محمد عبد الرزاق النايف، أمير قبيلة طيء في سورية، ومقرّها قرية جرمز (ثلاثة كيلومترات جنوب القامشلي): "تعود أصولنا إلى حاتم الطائي الذي كان سريانياً مسيحياً. وكان عندنا في طيء كثيرون من رجال الدين المسيحي، ومنهم مطارنة. وتضم مضبطة طيء توقيع وجيه سرياني". والمضبطة وثيقة قبلية تضم مجموعة قوانين وأعراف اجتماعية يعمل بها أفراد القبيلة مثل حالات القتل، والسرقة، وحوادث السير، والمشكلات اليومية، وحتى احترام أصحاب الشهادات العليا. وأضاف: "استقرّت قبيلة طيء في الجزيرة السورية قبل نحو 600 عام، وتفرّقت في كل سورية نتيجة الحروب وبقايا المعارك الكثيرة التي كانت في المنطقة، ولا نترك مناسبة إلا نؤكّد فيها أننا سريان وكنا مسيحيين ومنا خرج كثيرون من مشاهير المطارنة في تاريخ الكنيسة السريانية".
حفيدة حاتم الطائي تتحدّث السريانية
وفي لقاء مع الشيخة الطائية، غالية علي طلال، قالت إنها هي وأبناؤها يتحدّثون السريانية بجدارة في منزلها بقرية الوطوطية (سبعة كيلومترات غرب القامشلي وسكّانها سريان وعرب وتحمل قيمة دينية لدى المسيحيين) ومع محيطها السرياني. وقالت: "تعلّمت السريانية من أهلي وجيراني السريان في القرية، وافتخر بجذوري السريانية، رغم أني عربية، وأذكر زيارة زوجي المرحوم محمد طلال قبل سنوات قبر جدّنا حاتم الطائي في منطقة حائل شمال غرب السعودية. واعتزُّ بالسريانية، لغتي الأم، حتى حين أحلم، فأنا أحلم باللغة السريانية، وهذا دليل على أنها لغتي الأم، وأتحدّث مع جميع أبنائي باللغة السريانية، ولا أشعر بأي اختلاف بيني وبين جيراني السريان". وأضافت: "في الوطوطية حيث نقيم يسيِّر أمور كنيسة مار شربل لجنة تتألف من سريان القرية المسيحيين إلى جانب شقيقي المسلم الشيخ ظاهر أبو طلال، وفي 2024 احتفلت الكنيسة وأهل القرية بتخرج ابنتي فجر من كلية الحقوق، وقدموا إليها هدايا وكأنهم عائلتها، وفي أي مناسبة في القرية يكون هناك تشاركية ونجتمع في الكنيسة في الأعياد وحتى في المناسبات الحزينة، وقدمت الكنيسة حين وفاة والدي في 2009 واجب العزاء وكأنه أحد أبنائها". وتابعت: "كان المرحوم والدي يدافع عن سريان المنطقة (الفلاحين) حين كانوا يتعرّضون لاعتداءات".
تراث غير منقطع
لعبت اللغة السريانية دوراً في إثراء لهجات العرب المحليين، وخصوصاً في القرى المختلطة، إذ تنتقل الكلمات والمفردات من لغة إلى أخرى بسلاسة؛ ومن أمثلتها استخدام أبناء قبيلة بني شيبان (المحلمية) وغيرها من القبائل العربية، لمفردات سريانية عتيقة مثل "تَخِّرْ: وتعني تنحَ جانباً بالعربية"، و"صُوْل: وتعني حذاء بالعربية"، و"غُبْن: بمعنى الظلم بالعربية".
وتأثرت الألحان الشعبية العربية في الجزيرة السورية أيضاً بنغمات الطقوس الكنسية السريانية وتراتيلها، أقدم المقطوعات الموسيقية في التاريخ، ما أضفى على الأغاني المحلية عمقاً روحانياً مميزاً. ويتقاطع في الجزيرة السورية اللباس التقليدي بشدة بين أبناء القرى، العربية والسريانية، وتتشابه حد التطابق في زخرفتها وألوانها. ويستمرّ الإرث السرياني المسيحي لدى نساء زبيد وغيرهن من القبائل العربية، إذ يعمدن إلى رسم صليبٍ على العجين قبل تركه ليتخمّر ويُخبَز فيما بعد، أو في النقوش على عجينة "الكليجة" (حلويات العيد المحلية في الجزيرة السورية التي ورد وصفها ومقاديرها في النقوش المسمارية). ويلمح زائر قرى الجزيرة وشم الصليب على الأيادي والذقون لنساء كثيرات طاعنات في السن من البدويات ونساء القبائل العربية.
وفي هذا الإطار؛ قال مؤسّس فرقة بارمايا للثقافة والتراث، جورح قرياقس: "امتزجت شعوب منطقة الجزيرة الفراتية السورية وحضاراتها وعموم منطقة بلاد ما بين النهرين كثيراً، وهو ما يعني امتزاج جميع ما يرافق ذلك من تراث لا مادي مثل الموسيقى والأغاني والرقصات وصيحات الحرب وألعاب الأطفال وطقوس الاستسقاء وغيرها".
وأضاف الخبير بالتراث السرياني: "طقوس الاستسقاء، مثلاً، عند السريان كانت الأقدم، وهو ما يتجلّى بطقس شعبي مرفقة بأهزوجة "حانو حانو قريثو"، وهي نفسها الأغنية العربية "يا أم الغيث غيثينا خلي المطر يجينا". وكلمة طنايا التي تستعملها قبيلة شمّر أصلها سرياني (طانونني)، وتعني الجسور والمقدام الشجاع". وتابع: "أيضاً للوشوم لدى النساء تعابير منها جمالية ومنها طبية ومنها ترمز إلى ميثولوجيات قديمة؛ ومنها علامة الصليب، والهلال رمز الإله سين، والشمس والدائرة رمز للإله شمش وغيرها الكثير، ومنها أيضاً الوشوم الطبية مثل وشم الجدري على الذراع". وختم قرياقس: "هناك أيضاً قصة الكريف أو جريف، وهي عادة شهيرة فقط في الجزيرة السورية، وهو اسم يطلق على الشخص الذي يحضن الطفل عند ختانه لتربطهما علاقة روحية، وهذا المصطلح جاء من كلمة قريب (الإشبين)، وهو بمثابة الأب الروحي لدى المسيحيين حين تعميدهم".
ورثاء الميت وتأبينه من العادات الممتدّة منذ السومريين والأكاديين، ونراها ماثلة في قرى الجزيرة؛ منها شقّ النساء لثيابهن ورمي التراب على رؤوسهن والعويل ونتف شعر الرأس وضرب الجسد والبكاء المرّ المترافق بأهازيج تذكر مناقب الميت ومدى الحزن الشديد على خسارته.
إرث عصيّ على الفتن
في العرض التاريخي الاجتماعي الموجز أعلاه، ظاهرة يريد أبناء القبائل من خلالها تأكيد الإرث المتصل بشعوب المنطقة التي شهدت ويلات وحروباً وكوارث طبيعية، وعلى أن الأعراف والإرث الثقيل للمنطقة عصي على غثاء الإيديولوجيات والتجاذبات السياسية البراغماتية، وحالة الاستقطاب العنيفة لثنائيات ما قبل الدولة المنتشرة بكثرة لدى العوام وفي صفحات التواصل الاجتماعي وأبطالها الملثمين وحساباتهم مجهولة النسب والحسب.
‫يعد كثير من العرب في الجزيرة الإرث السرياني جزءاً من ذاكرتهم؛ فالكنائس القديمة، والنقوش السريانية، والمدارس اللاهوتية التي كانت منارات للعلم والمعرفة، ليست بالنسبة لهم مجرد تراث سرياني، بل تاريخاً مشتركاً لجميع سكان المنطقة؛ المعروفة أيضاً باسم الجزيرة الفراتية.‬
‫ويتجلى التأثر المتبادل بين العرب والسريان في الممارسات الاجتماعية؛ الدينية، والاحتفالات الشعبية. وفي كثير من القرى والمدن ذات الغالبية العربية، يُشارك العرب جيرانهم المسيحيين السريان أعيادهم مثل الميلاد والفصح، وحتى القومية مثل رأس السنة البابلية (أكيتو).‬
‫في حوار مع الباحث المتخصّص باللغة العربية والأنساب ومؤلف كتاب "قبيلة طيء العربية.. موجز تاريخي"، محمد اليساري؛ قال: "حين نتكلم عن شعوب المنطقة.. فنحن نتحدث عن أبرز الشعوب السامية التي بنت حضارات العالم القديم؛ فمن البابلية، إلى الآشورية، إلى الأكادية، والكنعانية، والفينيقية، والهكسوس في مصر، والآراميين ومنهم السريان، وصولاً إلى الحضارة العربية التي ورثت جميع إنجازات أسلافها الساميين، وهضمتها، وبلورتها في صورة ثقافية تركيبتها جامعة ولسانها وطابعها النهائي عربي".‬
‫وأوضح اليساري: "من هنا نستطيع أن نفهم العلاقة بين العرب والسريان بتعميم واسع أنها علاقة بين أخوة، بين أبناء عمومة بمصطلحنا البدوي، ولأن السريان الآراميين بنوا حضارة قبل إخوتهم العرب. اندمج العرب الأوائل الذين جاوروهم بالسريان بسبب صلة العرق، والمجاورة الجغرافية، وكانت أبرز نقاط هذا الاندماج وضوحاً، هي اعتناق الدين الذي كان يعتنقه السريان في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، إبان سيطرة البيزنطيين على الشام، والفرس على العراق، وكانوا في معظمهم مسيحيون نساطرة، الذي كانوا ملاحقين من قبل الكنيسة البيزنطية (الأرثوذكسية الشرقية) فاعتنق العرب الذين اختلطوا بالسريان وجاوروهم في العراق (مثل قبيلة طيء العربية التي كان أبناؤها ملوك العراق ومن قبلهم المناذرة اللخميين ملوك العراق نيابة عن كسرى) وفي الجزيرة الفراتية (تغلب، وإياد، وبكر) وفي الشام (الغساسنة العرب ملوك الشام نيابة عن بيزنطة) اعتنقوا الدين المسيحي على المذهب النسطوري الذي يدين به أكثر السريان".‬
‫وقال اليساري، كاتب مسلسلات "عنزة، وسعدون العواجي، والحسن والحسين، والإمام، وفتح الأندلس، ومعاوية، والمماليك": "في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ السريان توسع مفهوم المصطلح (السريان) ليصبح أكثر شمولاً من كونه يدل على (عرق) بل أصبح يضم في مدلوله الشعوب التي تدين بالمذهب النسطوري (السرياني) وكان أغلب معتنقي هذا المذهب من غير السريان هم العرب، فصار يُطلق كثيراً على الشعوب العربية التي اعتنقت المسيحية النسطورية (السريان) وهو إطلاق ينظر للسريان كطائفة وليس عرقاً، وبهذا صار العربي سريانياً كانتماء ديني، وليس كانتماء عرقي، لأن أنساب العرب محفوظة إلى قحطان وعدنان، أحفاد سام بن نوح، كما أن السريان محفوظة أنسابهم وانتماءاتهم حتى سام بن نوح، فهم يجتمعون مع العرب في سام بن نوح عليه السلام. ‬
‫وأضاف: "لعل هذا الموجز للتأصيل التاريخي لعلاقة الشعبين العربي والسرياني، يبين بوضوح معنى القول: إن بعض العرب سريان، فهم سريان من حيث إن معنى مصطلح (سريان) يعني (طائفة دينية) وهم عرب في النسب والعرق، ولذلك كانت قبيلة طيء العربية في منطقة الجزيرة الفراتية، وغيرها من القبائل العربية الأخرى التي كانت تدين بالمسيحية النسطورية تفتخر بانتمائها السرياني (الديني) رغم أنها كعرق ونسب تتمايز عن السريان كعرق، وإن كانت تلتقي معهم في جد واحد، هو سام بن نوح".‬
‫وتابع: "هذا التفريق بين مدلول مصطلح السريان كعرق أو طائفة دينية، يعرفه المتخصّصون غالباً، أما جمهور العرب الطائيين وغيرهم، وجمهور السريان، فلا يعرفونه، أو لا يكترثون به أساساً، ولذلك تراهم ينسبون السريان لهم، وينتسبون لهم، حتى إن أمير طيء في الجزيرة الفراتية، يضع السريان مع مجموع القبائل الطائية، ويلتزم معهم كما يلتزم بأقرب الناس له في الدم، والجوار والتكافل الاجتماعي كما يلتزم السريان في الجزيرة الفراتية معه في هذا العقد الاجتماعي، وليس مستغرباً إن جلست في إحدى مضافات قبيلة طيء العربية، وسمعتُ رجلاً طائياً يقول لك: نحن الطائيون سريان".‬
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-11-2025, 09:26 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,479
افتراضي

مقالة هامة للغاية وقد جئت على ذكر الكثير مما جاء في هذا المنشور قبل ما يزيد عن عشرين سنة في موقعي الشخصي موقع الشاعر فؤاد زاديكى حيث كتاباتي عن تاريخ ازخ و لهجتها و ارتباط ازخ بقبيلة زبيد وحين كنت أعمل في لجنة الإعمار في مدينة الرميلان كمراقب دوام كان معي في الورش عمال من عشيرة زبيد حين علموا بأني سرياني قالوا لي نحن أبناء عمومة لأننا من زبيد فقلت اعلم هذا جيدًا و زرت أكثر من مرة شيخ عشيرة زبيد حماد الفارس في قرية القاسمية وزارني في داري بالمالكية ولدي رسائل منه بخط اليد كان يؤكد لي أن زبيد هم سريان مسيحيين أسلموا في ظروف معينة. لدي اطلاع تاريخي كبير و واسع على هذا الارتباط بين هلازخ و زبيد كله مثبت لدي ومدوّن. أوافق على مضمون هذا المنشور بأغلب ما جاء فيه فهو صحيح تمامًا و لنا الفخر في عشيرة زبيد العربية وطيء و قيس وتميم وتغلب و بكر وإياد وغيرها فكلّها كانت قبائل مسيحية على المذهب النسطوري
شكرًا لكاتب المقال ولجهده الكبير
لكن لدي ملاحظة بخصوص تسمية بيت زبداي فهي لم تأت من زبيد لأنّها كانت قبل ذلك بوقت طويل فبيت زبداي وردت في سجلات الملك الآشوري أداد نيراري و الملك سنحاريب و غيره باسم أسيخا أو آشيخا من ثمّ باسم بيت زبداي ويقول المؤرخون إنّ بيت زبداي كانت آرامية سريانية تقع بالقرب من مناطق حكم الآشوريين وهي خضعت لحكمهم في مراحل معيّنة لكنّها بقيت محافظة على آراميتها وجاء الاسم كما يقول المصدر نسبة لزعيم يدعى زبدى أو لمكان ولهذا لا علاقة له بزبيد أمّا قصة وجود قبيل زبيد بالقرب من آزخ وبالتحديد سكنوا في الجبل الأبيض التابع لآزخ صحيح فقد أكّده لي أكثر من شخص عارف بشؤون آزخ و حين كنت في دار العم المرحوم لحدو حنا القس ذكر لي هذه القصة أي قصة علاقة آزخ بزبيد وقال لي أكثر من شخص أنّنا من زبيد ومن الحجاز نعم، تُعتبر قبيلة زُبيد (أو زُبيدية) من القبائل العربية القديمة التي تعود أصولها إلى منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية. ويُقال إن زُبيد من القبائل القحطانية التي هاجرت من اليمن، ثم استقرت في مناطق مختلفة، ومنها الحجاز والعراق والشام. وقد لعبت هذه القبيلة دورًا مهمًا في التاريخ العربي، خاصة في العراق، حيث تشتهر اليوم بوجودها الواسع بين القبائل العراقية.
عشيرة **زبيد** التي سكنت في شمال شرق سورية تُعتبر جزءًا من قبيلة زبيد العربية الكبيرة، وتحديدًا من **زبيد القحطانية**. أصل هذه القبيلة يعود إلى **اليمن**، حيث تُعد من القبائل القحطانية القديمة، وتعود نسبها إلى **زبيد بن صعب بن سعد العشيرة** من مذحج.
### مسار الهجرة:
* **من اليمن إلى الحجاز:** انتقلت فروع من زبيد في عصور مبكرة إلى الحجاز، واستقرت هناك لفترة.
* **إلى العراق والشام:** لاحقًا، هاجرت مجموعات من زبيد شمالًا باتجاه العراق ثم إلى مناطق الشام، ومنها شمال شرق سورية (خصوصًا محافظة الحسكة ودير الزور والرقة).
* **الوجود في سورية:** في شمال شرق سورية، يُعرف الزبيد بكونهم من القبائل العربية البدوية التي استقرت في تلك المناطق منذ قرون، ولا يزالون محافظين على هويتهم القبلية.
زبيد في سورية يتفرع منهم بطون وعشائر عديدة، ومنهم من شارك في التاريخ الحديث للمنطقة، سواء سياسيًا أو اجتماعيًا. هذا بالنسبة لزبيد.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:01 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke