الرّسم الهندسي في لبنان

[hasaleem]

الرّسم الهندسي في لبنان

بقلم: حسين أحمد سليم

يعود تاريخ بدء الرّسم الهندسي بشكل عام إلى بدايات وجود الخليقة على هذه الأرض, بحيث راح الإنسان الأوّل يرسم رؤاه وخيالاته لكلّ ما يتراءى لوجدانه, ويريد تنفيذه, على مساحة ضيّقة من تراب الأرض, يُحيط بها مدى نظره بداية, وغالبا ما كان يرسم خطيطاته وتوقّعاته فوق الرّمال في الصّحاري, وعند شواطيء البحار الرّمليّة, ثم إهتدى للرسم الهندسي البدائي على الحجارة والصّخور وجدران الكهوف حيث كان يسكن ويُقيم, إلى أن وصل به الإجتهاد والإستنباط لإستخدام الوسائل البدائيّة الأوّليّة من طباشير وأعواد الفحم والصّفائح الأخشاب وأوراق الأشجار وغيرها... وبالتّالي أستخدام أدوات من الحجارة وغيرها في بناء مسكنه البدائي في جوف الصّخور قبل أن يهتدي للبناء من أغصان الأشجار وغيرها...
جميع الحضارات التي سادت ثمّ بادت وتركت خلفها آثارا تدلّ عليها, إستخدمت الرّسم الهندسي لتوقيع وتشكيل ما تراءى لمصمّميها على أكثر من صعيد, سيّما ما يختصّ بالبناء مرورا بالكثير من الأختراعات والأكتشافات وليس وصولا إلى ما حاول إنسان تلك الحضارات من صناعته وفق محطّطات سبق وضعها من قبل البعض المختصّ... وتفيد بقايا الأطلال والرّسومات التي وجدت بأكثر من مكان على إعتماد الرّسم الهندسي كأداة في تلك الأزمان, وهو ما يُفيد أيضا على وجود من كان يهتم بالرّسم الهندسي ويُجيد العمل في مفرداته, سوء على صعيد الإبتكارات أو على صعيد البناء والهياكل وغيرها...
المهندسون الأوائل مارسوا الرّسم الهندسي, بحيث كانوا يستعينون به لرسم مخطّطاتهم وخرائطهم ومسطّحاتهم وتفاصيل ما ينوون العمل على تنفيذه, وكذلك البنّاؤون والمعماريّون إعتمدوا الرّسم الهندسي في عمليّات تصميم وتوقيع وتشكيل الإنشاءات السّكنيّة وغيرها من الأماكن العباديّة وتصميم القبب والأضرحة والمقامات والمساجد والكنائس... وهو ما أصبح اليوم من إختصاص المهندس المعماري والإنشائي ويلحق به المهندس الكهربائي والمهندس الصّحي والخدماتي وصولا إلى مهندس التّجميل الدّاخلي والخارجي بالإعتماد على المهندس التّنفيذي, وهذا الأخير بعتمد على المخطّطات التّنفيذيّة التي يضعها الرّسّام الهندسي بموافقة المهندس المختصّ, وعلى أسس وضوابط في الرّسم الهندسي, تطوّرت مع الأيّام...
الرّسم الهندسي يُعتبر الحاضن لجميع أنواع الرّسم والفنّ التّشكيلي, بحيث لا بدّ للفنّان من أن يتمرّن على أسس الرّسم الهندسي قبل تحويل وجهته للرسم الفنّي أو التّجاري, والنّحّات كذلك يجب عليه أن يتعلّم كيفيّة رسم مسطحات وواجهات ومقاطع منجوتته قبل البدء بتنفيذها... بحيث تستلزم المنحوتة الكثير من المخططات كما البناء, من مسطّحات وواجهات ومقاطع وأكثر من منظور للزّوايا...
أدوات الرّسم الهندسي التّقليديّة كانت محصورة في البدء مع بدايات عصر النّهضة, بقلم الرّصاص والمسطرة القائمة والممحاة وبعض المساطر المزوّاة وبعض المساطر المثقبة بأنواع من الأشكال والمصطلحات والحروف والأرقام... تطوّرت الأدوات فيما بعد بإستخدام الأقلام التي تعتمد على الأحبار الصّينيّة وإستخدام الفرجارات وأدوات الكتابة وأنواع الأوراق الشّفّافة والبلاستيكيّة...
وكان على الرّسّام الهندسي أن يتعلّم مباديء وفنون الرّسم الهندسي, وأن يكون ملمّا بشكل جيّد بمباديء الهندسة وتوقيع الأشكال الهندسية وكيفيّة حساباتها, وأن يكون على مستوى من الثّقافة والعلم الهندسي, وحاضر الإنتباه بشكل دائم وحاذق في عمليّة الرّسم والإخراج, عدا عن التّدريب المستمرّ لتحديث تجربته في الرّسم الهندسي بشكل عام وإتّقان مهنته بما يُساعده على الخلق والإبداع والإبتكار...
مع ثورة المكننة الرّقميّة ودخول الحواسيب في كل مجتمع وناحية, تحوّل الرّسم الهندسي من الفعل اليدوي التّقليدي إلى الرّسم الضّوئي, وممّا ساعد في نجاح العمليّة إبتكار البرامج الرّقميّة التي تختصّ في هذا المجال ولعلّ أشهرها برنامج الكاد... وهو ما خلق ثورة عصريّة في مجالات الرّسم الهندسي, دفعت بالرّسّام الهندسي إلى اللحاق بركب هذه التّقنيّة الحديثة والتّخلّي رويدا رويدا عن الرّسم اليدوي التّقليدي والأدوات التّقليديّة التي كانت مستخدمة في عمليّات الرّسم الهندسي...
هذا وقد ألحقت برامج عديدة مُكمّلة للرّسم الهندسي وضعها مبتكروها بتصرّف الرّسّام الهندسي تسهيلا للتّناول وخلق لمسات فنّيّة لافتة في عمليّة تشكيل المخطّط واللوحة الهندسيّة أو أيّ لوحة أخرى... ولعلّ برنامج الفوتوشوب من أفضل البرامج التي يستعين بها الرّسّام الهندسي في عمليّة تلوين أشكال مخطّطه وتساعده على خلق مشهديّات بانوراميّة جذّابة لنهايات مخطّاطاته... هذه المقوّمات دفعت بالكثير من المهندسين للمارسة الرّسم الهندسي في عمليّة تنفيذ رؤاهم الهندسيّة وتوقيعها على الورق المناسب من خلال آلات توقيع ورسم حديثة...
الجدير ذكره أنّ الرّسّام الهندسي يعتبر رسّاما فنّيّا وتشكيليّا بإمتياز, لأنّه يُجيد فنّ توقيع وتشكيل عناصر مخطّطه أو لوحته أو مشهديّته بكثير من الدّقّة, عدا عن كونها المرجع المعتمد في تصنيع وإنشاء مطلق منشأة سكنيّة أو صناعيّة أو حتّى تشكيليّة... هذا وغدا الرّسّام الهندسي بما يمتلك من مقوّمات عصريّة في تشكيل لوحته, يُعتبر فنّانا تشكيليّا بإمتياز, له مكانته في فلك فنون الرّسم والتّشكيل ووضع التّصاميم...
وطالما نحن نتكلّم عن الرّسم الهندسي, يمكننا أن نضع بعض العناوين العريضة لأقسام الرّسم الهندسي, فمنها المعماري والإنشائي والكهربائي والميكانيكي والبيئي... ومنها الرّسم الهندسي للمواصلات والرّسم الزّخرفي والتّخطيطي والحروفي والصّحي والمائي والطّبوغرافي والإستعراضي والصّناعي والتّجاري والإعلاني والعقاري والفلكي والتّشريحي والجيمورفولوجي والمدني والتّضاريسي والرّسم الهندسي السّريع, والرّسم الهندسي البانورامي...
هذا ومهنة الرّسم الهندسي في لبنان ما زالت منفلتة ولا ترتبط بتجمّع مهني أو رابطة أو جمعيّة أو نقابة خاصّة بالرّسامين الهندسيين, وربّما يعود هذا التّقهقر وعدم الإهتمام بهذه المهنة الإحترافيّة, لقصور بالرّسّامين الهندسيين ذاتهم, لعدم متابعتهم الجادّة لمثل هذه التّجمّعات والعمل على إجازتها من المراجع المختصّة... فيما هناك عدم تجاوب وتشجيع وإهتمام من قبل النّقابات والجمعيات المشابهة... وهنا نطلق صرخة خاصّة لمن يعنيهم الأمر في هذا المجال, العمل الجدّي على إيجاد تجمّع خاصّ بالرّسّامين الهندسيين في لبنان, حفاظا وضمانا لإستمراريّة هذه المهنة وتطوّرها المواكب للعولمة الحضاريّة الهندسيّة...
وفي سياق الكلام على الرّسم الهندسي نُجيز لأنفسنا أن نذكر البعض من أعلام الرّسم الهندسي الأوائل والمخضرمين في لبنان ومنهم على سبيل المثال لا الحصر وممّا نعرفهم في هذا المجال: الرّسّامون الهندسيّون: ريشار ماضي, مارون مرقص, إيفيت بدران, إلياس شدياق, عفيف الإمام, طلال سمّور, جوزيف معماري, إميل زيتون, أمين حسن, عبد صندقلي, حسين أحمد سليم, حسن واكيم, سليم خيّاط, حلمي غطمي, خالد درويش, فضل عبود, نديم مرعي, محمد خليل الحاج, إلياس الحاج, جورج الحاج, محمّد السّيّد, غازي عيراني, حسن بيتم, لميا الخطيب, فؤاد فيّاض, زكريّا قاطرجي, محمود الفيل, جانيت طوروسيان, نبيل الشّيخ, عماد شميساني, أحمد شميساني, محمّد مومنة, خالد الأزهري, إسماعيل الطّويل, حسام حسّونة, هيلين رزق, أحمد هواري, خضر مراد, أحمد النّاطور, شفيق قدّاح, حسين حاطوم, عدنان جاركجي, عماد الغور, نديم مرعي, وفيق النّاطور, فاديا الخطيب, عبد الغني عوّاد, محمود قوّام, عيسى فاعور, حسين عبدو, بسّام سابا, لوسيان يمّين, غروب سمّور, هبة الوتّار, أمل عيتاني, ديانا غادر, جمال منصور... وهناك العديد والكثير من الأعلام المخضرمين في مجال الرّسم الهندسي, والذين يُعتبرون من الرّوّاد الأوائل في هذا المجال...
ونذكر من الأجيال المعاصرة والذين يُمارسون الرّسم الهندسي على سبيل المثال لا الحصر: محمّد الحاج, مجدي خوري, خزاعي... , علي الفيل, خالد البطراوي, أشرف الخطيب, جلال الخطيب, إلهام شعبان, علي حسين سليم, فاطمة حسين سليم, ربيع نجم الدّين, علي حاطوم, هنادي زعيتر, أحمد موسى, جمال عبد الله, ماجدة الخطيب, أحمد حيدر, نسرين بو عرم, أحمد فوّاز, رنا حمادة, شادي صنع الله, سامر فوّاز, دانيا حجّار, أحمد زيدان, إبتسام عبد السّاتر, أروى بدير, أحمد يونس, محمّد براغيت, وسام توسكا, ديما قدّاح, ميرنا بغدادي, ميرنا صالح, عفاف عبد الملك, ماري عبد المسيح, أنطوانيت عبد المسيح, وسيم الطّقش, وفاء عمرو, عبدو الحلو, رجاء العبد الله, زينة النّاطور, أحمد سيف الدّين, أديب نعّوس, حسين علويّة, أحمد حمّودة سليم... وتضخّ المعاهد المختصّة في مجالات الرّسم الهندسي العديد سنويّا من هؤلاء الذي ولجوا هذا الفلك الفنّي الهندسي الجميل... وخاصّة أولئك الذين إستحسنوا فنّ الرّسم الهندسي التّخطيطي, فولجوه بقوة ليمارسوا فعل الخلق والإبتكار والإبداع...