عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-10-2007, 12:18 AM
SabriYousef SabriYousef غير متواجد حالياً
Silver Member
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 594
افتراضي سركون بولص من نكهةِ المطر ـ نص مفتوح

سركون بولص من نكهةِ المطر

نصّ مفتوح

إهداء: إلى روح الشَّاعر الرَّاحل سركون بولص



تعبرُ صحارى الرُّوحِ


بحثاً عن بخورِ الشِّعرِ


عن تلألؤاتِ شهوةِ الحرفِ


لترسمَ أمواجَ حزنٍ


حنينَ حبِّ


فوقَ مرافئِ العمرِ



تنمو في أزقَّةٍ مكسوَّةٍ بالطينِ


حيثُ سِفرُ الكلمات


منقوشة على رُقيماتِ حفيفِ الجمرِ



وجهٌ مكحّل ببخورِ التجلِّي


بحثاً عن أقنومِ الشِّعرِ


بحثاً عن طهارةِ الكلمة


عندَ ابتسامةِ الفجرِ



تعبرُ حُلُمَاً منبعثاً


من حنايا القلبِ


يتناثرُ حبَّاً على امتدادِ القارَّاتِ


لا تعبأ إلا بحدائقِ الشِّعرِ



كم مرّة حلمْتَ


بتصدُّعِ أركانِ الصَّولجانِ


بانهزامِ طغاةِ الكونِ


من سطوةِ القلمِ



كم مرّة ابتسمْتَ فرحاً


بتهاوي تيجانِِ الصَّنمِ


بانتصارِ القصيدة


على برابرةِ العصرِ


على جلاوزةِ هذا الزَّمان



كم مرة انتعشْتَ


من بلاسمِ الشِّعرِ


من حفيفِ الحرفِ


وهو يغفو فوقَ منارةِ العشقِ


كم مرة رسمْتَ القصائد


على وجنةِ الشَّمسِ


قبلَ أن تغفو عيناكَ فوقَ وسائدِ الغربةِ



يا صديقَ الشِّعرِ والشُّعراءِ


تشبهُ غيمة حبلى بزغاريدِ المحبَّة


وردةٌ هائمة في انبعاثِ الشَّذى



تكتبُ على أجنحةِ الفراشاتِ


شوقُ الأمِّ إلى هدهداتِ الطُّفولةِ


كم تبلَّلتْ مآقيكَ كلَّما جنٌّ بكَ الحنين


إلى أزقَّةِ الحبّانية


متسائلاً


هل يكفي ما تبقّى من العمرِ


كي أنسجَ قصيدةً


من لونِ الحصادِ


حصادُ الشِّعرِ


من أبهى أنواعِ الحصادِِ



تعبرُ صحارى الرُّوحِ


بحثاً عن دماءِ خمائلِ الشِّعرِ


عن صفوةِ الحرفِ



سركون بولص


من لونِ شموخِ السَّنابلِ


كم من التشرُّدِ


كم من الانشراخِ


في جبهةِ الرُّوحِ


حتّى تبرعمتْ أغصانُ القصائد!



لم تعبأ من ضجرِ الغربةِ


ولا من أنينِ العزلةِ



وحدُهُ الشِّعرُ يناغي ظلالَ الرُّوحِ


وحدُهُ الشِّعرُ ينامُ بينَ خفايا الحُلُمِ


وحدُهُ الشِّعرُ يسترخي


فوقَ قبابِ العمرِ



يا صديقَ الحرفِ


يا لون الضُّحى في صباحِ العيدِ


كم من الأعيادِ


وأنتَ تنتظرُ لقاءَ الأهلِ


لقاء الأمِّ


لقاء الأصدقاءِ


لقاء بغداد


تهمسُ لبواطِنِكَ الغارقةِ في الأوجاعِ


بغداد آهٍ يا بغداد


عفَّروا وجهكِ الغزاة


تناجي كَلكَامش


فيرفع رأسه حاملاً نبتةَ الشِّعرِ


أَهذا كل ما تبقَّى


من مفازاتِ الخلاصِ؟!


خلاصُنا من قراصنةِِ العصرِ


خلاصُنا من طغاةِ اللَّيلِ والنَّهارِ



رهانُكَ دائماً كانَ على الشِّعرِ


عبورٌ إلى أقصى أقاصي البحرِ


بحثاً عن مجاهيلِ أرخبيلاتِ الحرفِ


رحلةٌ متعرِّشة بأغصانِ التجلّي



وجهٌ مُحْتَفَى بالحنطةِ


بهلالات التُّرحالِ


هل وصلْتَ إلى "مدينةِ أين"


أيُّها المسافر في بخورِ المدائنِ؟!


يا صديقَ المدائنِ


لا بدَّ أن نحطَّ الرحالَ في "أينِكَ" يوماً


في مُدُنِكَ المطرَّزة برائحةِ العشبِ


في مجاهيلِ القصائدِ



تعبرُ مجرَّاتِ الرُّوحِ


بحثاً عن حنينِ العراقِ


بحثاً عن الأمَّهاتِ اللائي بكينَ


منذ أولى الولاداتِ


حتى آخرِ حشرجةٍ


من حشرجاتِ المماتِ!



كم مرة سألتُ عنكَ صموئيل شمعون


أَما كانت تطنّ أذنيك


طنينَ الشَّوقِ


أيُّها المعجون بشجونِ العناقِ؟!



كم مرّة حمّلتُ صموئيل شمعون عناقيدَ السَّلامِ


هل قرأتَ نصّي


"السَّلامُ أعمق من البحارِ"؟!


هل توغّلْتَ ولو قليلاً


في ضفافِ السَّلامِ ـ سلامي؟!


لم أنسَ عندما قال لي يوماً صموئيل شمعون


طلبتُ من سركون أن يقرأ قصيدتك


"الإنسان ـ الأرض جنون الصولجان"،


قرأ سركون أوجاعَ الحرفِ


بحثاً عن رعونةِ أصحابِ الصولجانِ


هادئٌ في غورِ العبورِ


طويلُ الصَّبرِ


حاملاً فوقَ جبينهِ مفتاحَ السَّخاءِ



يا لهُ من نفسٍ طويل!


ضحكَ صموئيل قائلاً


هذا يا سركون القسم الأول


من اهتياجِ الشعرِ عندَ صبري


ردّاً على جنونِ الصَّولجانِ



ضحك سركون


الله يستر يا صامو من القسم الثاني!



سركون آهٍ يا سركون


لو تعلم


كم كنتُ أتوقُ إلى لململتِكَ


بين كياني الصَّغيرِ


أضمُّ نقاءَ الشِّعرِ



كم كنتُ أتمنّى


أن يصطحبكَ يوماً صموئيل


إلى سماءِ ستوكهولم


محقِّقاً لي مفاجأةَ المفاجآتِ


فلم يفعلها صموئيل


معذورٌ يا صديقي


غائصٌ في حبِّكَ


في نشرِ الجمالِ في كيكا


غائصٌ في امتطاءِ البحرِ والسَّماءِ!



ألومٌ نفسي ملامةَ الملاماتِ


لماذا تلكَّأتَ يا صبري


ولم تبحث عن وسيلةٍ للعبورِ


إلى أبهى قلاعِ الشِّعرِ


إلى سركون وهو ينثرُ حنينه


فوقَ مجامرِ القلبِ؟!


ينثرُ حرفه للنوارسِ المهاجرة


ماشياً على ضفافِ غربةِ الرُّوحِ


زارعاً في وجنةِ الضُّحى بريقَ الشِّعرِ



آهٍ ..


رحلتَ دونَ أن أسمعَ صوتكَ المندّى


ببهجةِ القصائدِ


رحلتَ دون أن أعانقك عناقاً عميقاً



يا قلبي


أخائنٌ أنا في حقِّ القصيدةِ


أم أنني تائهٌ في صدِّ لظى الغدرِ


غدرُ هذا الزَّمان


غدرٌ مبهرج بالفقاقيعِ


بكلِّ أنواعِ الهزائمِ



وحدُهُ الشِّعرُ يطهِّرنُا


من طيشِ الطُّغاةِ


من تفاقمِ رعونةِ الصَّولجانِ!



سركون بولص


صديقُ القلوبِ المكلومة


صديقُ الثَّكالى


صديقُ الغربةِ


صديقُ صموئيل شمعون


آشوريان مجنّحان بأكسيرِ الشِّعرِ والسردِ



سركون بولص


قصيدةٌ مندلقةٌ


من ليالٍ مرصرصةٍ بالبكاءِ


ريشةُ فنان مذهّبة بكنوزِ البحرِ



كتبَ فوقَ وجنةِ المدائنِ


ما تبقّى من فرارِ الحلمِ


ما تناهى إلى مسامعه


من طنينِ حنينِ الأمِّ


في طبلةِ الأذنِ!



عاشَ مسكوناً بهواجسِ الشِّعرِ


شاعراً ممهوراً بحبَّاتِ القمحِ


إنساناً مهفهفاً بنكهةِ النَّدى



نامَ بينَ أحلامِ المدائنِ


بحثاً عن مدينته المستنبتة


بأزاهيرِ الشِّعرِ



تمزّقتْ رئتاه


من خلخلاتِ أجنحة العراقِ


من تهدُّم جبينِ العراقِ


من جنونِ آخر زمان


من تهدُّلِ خاصرةِ بابل


من أوجاعِ نينوى


من أنينِ الحنينِ إلى كركوكَ


من انشراخِ بغدادَ


من تفشّي زوابعَ الوباءِ


من الورمِ المتطايرِ


في أقصى أقاصي السَّماءِ


من بكاءِ الكربلاءِ!



سركون بولص


وردة ملفّحة حولَ خدودِ الطُّفولةِ


أنشودةٌ غافية


تحتَ أزاهير دوَّارِ الشَّمسِ


رسالةُ طفولة مغموسة بترابِ الحبّانية


قصيدة متهاطلة عشقاً


فوقَ بيوتِ كركوك الطِّينية



حرفٌ مترعٌ بنبيذِ الكرومِ


يشبهُ قيثارةَ عاشقٍ


لونُ الغسقِ في أوجِ الوفاقِ


تساؤلاتُ القمرِ


في أقصى حالاتِ المحاقِ!



سركون بولص


بئرُ حزنٍ مندَّى


بنصاعةِ الثلجِ


رحلَ سريعاً


قبلَ أن أحقِّقَ معهُ حواراً


عن أسرارِ العشقِ


عشقُ الشِّعرِ


عشقُ الكتابةِ


عشقُ العراقِ!



رحلَ تاركاً خلفه حبَّاً


على رحابة القارَّاتِ


شعراً مندلقاَ من شهيقِ البحرِ


وجعاً من دكنةِ اللَّيلِ


رحلَ على أملِ الوصولِ


إلى مدينة أين؟!!!



مدينةُ الشِّعرِ


مدينةُ العزاءِ


مدينةٌ مسترخية


فوقَ مرامي البهاءِ!



من الحبَّانية إلى بيروتَ


إلى تلالِ غربةِ الرُّوحِ


كتبْتَ على مدى محطَّاتِ الرَّحيلِ


حرفاً من أغوارِ الينابيعِ



سركون بولص


طائرٌ من لونِ الغمامِ


من نكهةِ المطرِ


من نصاعةِ النَّسيمِ الهاربِ


من قسوةِ الأيامِ



سركون طائرُ الفينيقِ


ينهضُ باكراً


كي يوشِّحَ صدرَ القصيدةِ


بأنينِ الأمَّهاتِ


كي يمسحَ دموعَ حزنٍ


خرَّتْ أسىً فوقَ تخومِ بلادِ آشور


يمسحُ دموعاً ساخنة


خرّتْ فوقَ بلادِ الحضاراتِ


فوقَ بلادٍ مسترخية


على حدائقِ بابل


على كنوزِ الشِّعرِ



كم من البلادِ


كم من الحنينِ


كم من البوحِ والبكاءِ


كم من التُّرحالِ


حتى تلألأ الشِّعرُ


فوقَ شهقةِ الرُّوحِ!!!


... .... ... ... ... يُتْبَع!



ستوكهولم: تشرين الأول (اكتوبر) 2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com

التعديل الأخير تم بواسطة SabriYousef ; 26-10-2007 الساعة 12:25 AM
رد مع اقتباس