عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 16-11-2021, 07:52 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,885
افتراضي

التَّوَهانُ لهُ أعوانٌ
1
تعقيب على موضوع الزميل صبري يوسف
بعنوان "التوهان"
تاهَ يتوهُ تَوْهاً و تَوَهاناً, و التَّوهُ و التَّوَهان هما في اللغة ضياعُ الهدف أو إضاعته, و عدم المقدرة على الوصول إليه, و بلوغ المبتغى منه و الذي تكون فيه نهاية الأرب و غاية الطلب, تكونُ فيه النّهايةُ الحَسَنةُ المنشودةُ التي يُمكنُ أنْ تعودَ بالنّفع المرجوّ و هو العامّ أو الشّخصيّ على النّاس الذين يقومون بهذا الجهد و الذين يمارسون فنونَه من خلال السّعي المتواصل الدؤوب و المواظبة المستمرة, و متى تاهَ الشّخصُ عن الهدف فإنّ مسيرَ حياته سيكونُ مُقْلِقاً و مصيرُه مشحوناً بالمجهول و مسبّباته و نتائجه الحتميّة التي سيقود إليها مثلُ هذا التَّوهَان.
إنّ البشرَ خُلِقوا_ أُوجدوا_ على هيئات, يختلفون فيما بينهم, على أمور الحياة و متطلباتها, من خلال الرؤية التي تكون لديهم أو الطريقة التي يتعاملون بها مع هذه المتطلبات لبلوغ الهدف درءاً للمضيعة و التَّوهان, و تجنّباً للضّياع و الزوغان, و السّبب في ذلك أنّ طُرقَ تفكير الناس مختلفة و البيئة التي نموا و ترعرعوا فيها متباينة التأثير و متنوّعة كما أنّها مختلفة في النّهج الممارَس من قبل هذه الفئة أو تلك. كذلك فإنّ الجهدَ المبذولَ من خلال الرّغبة مختلفٌ و متباينٌ هو الآخر, و الاختلاف بين البشر ظاهرة حسنة و صحيّة, إذ ليس بالإمكان التّصوّر في أنْ يكونَ جميعُ النّاس على مبدأٍ واحدٍ, أو رأيٍ واحدٍ, و إلاّ فإنّ مللاً و سأماً و إحباطاً سينتابُ الناس, ففي التنوّع فضيلةٌ و غنىً و روحيّةٌ تدفع إلى الرّغبة في التّواصل و السّعي الجادّ الخلاّق, رغبةً في بلوغِ الرقيّ, و تحقيقِ التّغيير المنشود نحو الأفضل. ليس من المعقول أنْ يكونَ جميعُ النّاس سواسيةً و متجانسين في كلّ شيء فهناك اختلافُ الميول و الرغبات, و هناك التّباينُ في شدّة العواطف أو برودها, و هناك وضوحٌ في الرؤية, أو جهلٌ يكتمُ أنفاسَ الفكر, فيقيّدُ كلّ حركاته, ليغدو أسيرَ ارتباطٍ بتقاليدَ أو عاداتٍ أو أفكار باليةٍ, أو ماضٍ عقيمٍ لا منفعةَ فيه, و لا فائدةَ تُرجى من البكاء على أطلاله, و هناك أيضًا التنوّعُ الفريدُ في الاهتماماتِ و الأولويّات, و كذلك المؤثراتُ الخارجيّةُ و غيرها من جملة الأمور و المواقف و القضايا التي لا يمكن التّنكّرُ, لها أو غضُّ النظرِ عنها أو إهمالُها.
من المعلوم أنّ ألوفاً مؤلفةً من الحكماء و الفلاسفة و العلماء و المشرّعين و القضاة و الأنبياء و الرسل و المفكرين و الأدباء و الشّعراء و العباقرة الآخرين, قدّموا للبشرية أفكارَهم و خبراتِهم, و عصارةَ نتاجهم الفكريّ, و زبدةَ تحصيلهم العلميّ و الأدبيّ و الثقافيّ و الإنسانيّ و الحكميّ و الدينيّ, داعين إلى التغييرِ و عاملين بكلّ ما تيسّر لهم من سبل لإنجاح مسعى أفكارهم, و لكسرِ جمود التخلّف و الجهل و التقوقع, و الانتقال بالإنسان إلى مراحل أفضل من الرقيّ و التقدم الفكري و الاجتماعي المتحرّر الذي يُختمُ بالحصول على السّعادة و النجاح و الرّضا, و هذا كان الهدف من جميع تلك الأفكار التي جاءت بها هذه الكوكبة من الرجال الخيّرين و الرّجال الصّالحين و الرّسل المبشّرين, لكنّ كلّ تلك المحاولات لم تحقّقِ الغايةَ المرجوّة منها و لم تصلْ إلى الهدف المنشود
إنّ الإنسان, كان مُنذُ البَدء, الهدف الأسمى لكلّ هذه الأفكار المطروحة, و الفلسفات المقدّمة لأنّه أفضل المخلوقات و أرقى الكائنات, و هو محورُ كلّ هذه العملية. لكنْ و بكلّ أسف, فإمّا أنْ يظلَّ هذا الإنسانُ بعيدًا عن مركز الاهتمام أو أنّ البعضَ من هذه الأفكار, و من خلال الممارسات الخاطئة جاءَ بمردودٍ معكوسٍ ومُعاكِسٍ لمصلحة الإنسان و صحّته الفكريّة أوّلًا قبلَ غيرِها من النّواحي الأخرى, بل و هدّدَ وجودَه و أثقلَ عليه حياته. إنّ كلّ تطوّر و تقدّم فكريّ و حضاريّ يكونُ سلاحاً ذُو حدّين, حَدٌّ يأتي نافِعًا, و حَدٌّ يأتي صافِعًا, و لهذا نرى الإنسانَ في أحيان كثيرةٍ حاول, و يحاولُ إغفالَ الكثير من هذه الأفكار بعدم الرّغبة في التّجاوب معها, لكونِه يرى فيها قيوداً على حريّته و تكبيلًا لرغباته و الحدّ من لانهائيّة مُشتهياته, التي جعلته دائماً أسيرًا لها, و هذا ما أسهمَ بشكلٍ خطيرٍ في عدم استطاعته التخلّصَ من مغرياتِها و سيطرةِ سلطانِها عليه فكانَ من نتائجِها التعثُّرُ و التّخبُّطُ و الضَّياعُ و مِنْ ثُمَّ التَّوَهان, يرى فيها مَنْعًا له من تحقيق نزواته و منافعه و رغباته و شهواته و جميع هذه الأمور تتناقضُ في مصلحتها مع هذه الدّعوات, التي حملتْ في ظاهرِها و باطنِها الخيرَ و المحبَّةَ و دعتْ إلى التآلُفِ و السّلام, و إلى التّعاطي مع الحياة بمنظارِ الوعي و التفكيرِ و الفهمِ من خلال الدّرس و التّمحيص و التّقييم و النّقد و التّصحيح لتجاوز جملة المُعترِضات, و التي يُمكِنُ تَسميتُها بالموانعِ و المعوّقاتِ و هي نابعةٌ من تراكماتِ أخطاءِ الماضي, التي انعكستْ على العمليّة التربويّة و البيتيّة و العشائريّة و الاجتماعيّة و حتى الحياتيّة العامّة, و هذه تُساهمُ بشكلٍ خطيرٍ في هذا إيجادِ حالةِ التَّوهان و هذه الأنانية, و في هذا الجمود الفكريّ و العقائديّ و الدّينيّ المُزْمِن, الذي نُعاني منه, و سَنَبْقى نُعَاني منهُ إلى ما شاء الرَّبّ إلّا إذا حصلتْ معجزةٌ ما, تتكلّلُ بتضحيةٍ يقومُ بها هذا من أجل ذاك, أو ذلك من أجل هذه, و هي تضحيةٌ سيكتُبُ لها التّاريخُ موقفًا مُشرّفًا تعتزُّ به الأجيالُ و يَخْلُد ُكعملٍ مُتفَانٍ و عظيمِ! لكنْ أين هو هذا ال (ذاك)؟ و ال (ذلك)؟ أو ال (هذا)؟ أو ال (هذه)؟
... يتبع القسم الثاني
__________________
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس