عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-08-2022, 11:17 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,876
افتراضي

الحلقة السّادسة




من برنامج (من صميم الحياة)







مخاطرُ الفكر المنغلق

بقلم/ فؤاد زاديكى

يعيش الإنسان في وسط اجتماعيّ واسع, فيحتكّ بغيره من النّاس و يتفاعل معهم فكريًّا و روحيًّا و عقليًّا و بالمختصر حياتيًّا, وهذا يتطلّب منه حكمةً ودرايةً وقدرةً فاعلةً على التّواصل مع الآخرين بطريقة منطقيّة فاعلة دونَ تعقيداتٍ أو مطبّاتٍ قد تحرفه عن المسار و تعرقل صلته بالآخرين, ومن هنا ينبغي التّركيز على النّاحية الفكريّة والعوامل التي يمكن أن تؤثّر في فكر الإنسان فتخلق لديهِ توجّهًا معيّنًا.
عندما ينغلقُ فكرُ الإنسان, فهو لا يعودُ قادرًا على التّفكير بطريقةٍ سليمةٍ, فكيف بالتّركيز والقدرة على التّمييز بين الخطأ و الصّواب أو الخيرِ و الشّرّ, لأنّ دواعي الفكر وبواعثه وروافده تتصلّب شرايينها بشكلٍ كثيف كأشجار الغابات المتشابكة لذا هي لا تدع أيّ مجالٍ لتنفّسٍ عميق يعبّر فيه العقلُ عن رؤيته أو يختارُ طريقَهُ.
إنّ انغلاق الفكر أسوأ ما يمكن أن يُعاني منهُ الإنسان, ففيه تكمن خطورةُ أن يُسيءَ التّعامل و التّصرف فينقادُ إلى شذوذٍ يكون فيه ضررٌ كبيرٌ, بحيث لا يصيب هذا الشّخص لوحده بل ينتقل كعدوى إلى الآخرين خاصّةً أولئك الذين يخالفونه الراي أو المعتقد أو لا يتوافقون معه بالرؤية.
إنّ الشّخص المنفتح الذّهن, الواعي يتمتّع بقدرة كبيرة على المناورة واتّخاذ المواقف والقرارات المناسبة في أوقاتها و أمكنتها وهي تكون على الأغلب صائبةً لأنّ فكره يبقى خارج دائرة الانغلاق, فهو منفتحٌ على النّاس والحياة كانفتاح الطّبيعة على الكون تهبّ رياحُه أنّى تشاء وكيفما تهوى, بينما الشّخص المنغلق الفكر يعيش حالة ركودٍ وجمودٍ وثباتٍ ساكن غير قابل للحركة وتبعًا لهذا فلن يكون قادرًا على خلق حالة التّطوّر أو التّجديد ولا المساهمة بها.
إنّ أكثر ما يُؤسَف له و يؤلِم حقًّا هو أنّ صاحب هذا الراي تتكوّن لديه قناعة تامّة على أنّه صائب برايه وهو على الحقّ بينما الآخرون على باطل وضلال فكريّ أو جمود عقائديّ ولذا ومن خلال هذا السلوك و التوجّه يتبلور لديه مفهوم الحقد و الكراهية والرّغبة بالانتقام ممّا قد يدفعُهُ إلى الإقدام على خطوات تكون مدمّرةً ومن هنا لزم العمل, وبكلّ السّبل المتاحة والممكنة من أجل نشر نور المعرفة والوعي الثّقافي إذا كانت هناك أيّةُ أمكانيّةٍ مُتاحة لذلك مع مثل هؤلاء الأشخاص, لأنّ الأشخاص الذين يعيشون حالةَ الفكرِ الجامد لا يقبلون بالجديد مهما كانَ فهم يرفضونه ويقفون في طريق تحقيقه بكلّ الطرق ومنها طريق العنف والشّدّة فهم يرون في هذا الجديد نَسفًا لمعتقداتهم ولِما يؤمنون به من قناعات أو رؤى فكريّة أو عقائديّة.
هناك فرقٌ كبيرٌ بين الفكر الحرّ المنفتح والمتفاعل مع الحياة و بها في جميع نواحيها واتّجاهاتها, وبين الفكرِ المنغلق المتشدّد الجامد غير القابل لأيّ تطويع فهو لهذا غير قابل للحياة لأنّه ضدّ إرادة الحياة الحرّة, وبهذا يكون مُصيبةً على البشريّة ووبالًا وداءً يصعبُ التخلّص منه والتّغلّب عليه, لأنّه في حالات كثيرة يتمّ ربطه بالمقدّس ممّا يعرقل أيّة خطوة قد تتحقّق في مجال التّقدم والتّطور أو حتّى التّجديد.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس