عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-01-2024, 09:10 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,930
افتراضي تَسميةٌ خاطئةٌ بقلم: فؤاد زاديكى

تَسميةٌ خاطئةٌ


بقلم: فؤاد زاديكى
كثيرًا ما نقرأ و نسمع مقولة و تسمية "لغة القرآن" هي العربية الفصحى، فهل هذه التسمية بعرف المنطق و الواقع صحيحة؟ و هل تصحّ كتسمية يتمّ تعميمها دونَ غيرها، و اعتبارها الأصحّ و الأصوب؟ سنحاول الابتعاد قدر الامكان عن منطلق المشاعر و العواطف لنخضع لقوانين العقل و المنطق، فهذه التّسمية ليست دقيقة و لا صحيحةً، لا بمراميها و لا بمقاصدها و لا حتّى بمحاولات تعميمها منذ مئات السنين.
لماذا نقول إنّ هذه التّسمية خاطئة؟ نقول ذلك لأسباب تاريخيّة و لأخرى منطقية عقلانيّة، فامّا من الناحية التاريخية فالحقيقة هي أنّ اللغة سبقت القرآن في ظهورها و قد كان المسيحيون العرب و السريان و اليهود في شبه جزيرة العرب و العراق و بلاد الشام يمارسونها قراءة و كتابة. قبل ظهور الإسلام، و لأنّ اللغة العربية هي ابنة اللغة السريانية فهي بالطبع أقدم من القرآن وجودًا تاريخيًّا.
أمّا من النّاحية المنطقيّة فإنّ لغة القرآن الحالية ليست هي اللغة العربية الفصحى و لا اللغة الأصحّ من بين لغات القبائل العربية، التي كانت منتشرة في براري و أمصار شبه الجزيرة و العراق و بلاد الشام. فقد كان لكلّ قبيلة عربية لسان أو لغة أو لهجة تختصّ بها و تميّزها عن غيرها لذلك قيل لغة تميم و لغة تغلب و لغة طيء و لغة قريش الخ... و كانت هذه القبائل العربية تنتشر بحسب امتدادها و توزّعها الجغرافي في شبه جزيرة العرب. و كانت لغات بعض تلك القبائل أكثر فصاحة من لغة قريش و قد وضع اللغويون العرب هذه اللغات في خانتين هما لغات أهل البراري و لغات أهل الأمصار من الحضر. و من الأمصار أهل الكوفة و البصرة و رأينا ما جرى بين أصحاب اللغتين من خلافات و اختلافات و تباين في مسائل النحو و الإعراب، فكانتا مدرستين لغويّتين دون غيرهما و دون أن يأتي أحد على ذكر لغة قبيلة قريش بهذا الشأن، و من أهمّ قبائل البراري قيس و تميم و طيء و هذيل و غيرها، و التي ظلّت بعيدةً عن التأثّر بلغة أهل الحبشة و الهند و الفرس و السريان و أهل الشام. لكنْ و لأنّ الدعوة المحمّدية انطلقت من قبيلة قريش فكانت لهذا لغة قريش الغالبة و تمّ اعتمادها دون غيرها و من اللهجات الأكثر فصاحةً منها لغةً للقرآن، فصارت بعرف المسلمين ذات هالة قدسية لا يجب المساس بها، فما من شعبٍ محترم في العالم يعتبر لغته مقدسة غير العرب و المسلمين.
لجميع ما ذكرناه من أسباب لا يمكن القول أنّ لغة القرآن هي العربية الفصحى، بل تصحّ تسميتها بلغة القرآن فقط لا أكثر و لا أقلّ. و بكل أسف فقد تمّ إخضاع قواميس اللغة العربية للقرآن و للأحاديث و هذا أمر غير منطقي و غير سليم فالمسلمون و العرب بهذا جعلوا لغتهم لغة غير أكاديمية، لأنّها ليست للغة بل للدين و هذا عيب كبير من عيوب هذه التّسمية و هذا المنحى. فالقواميس و المعاجم العربية لم تعد حياديّةً، إذ هم أخضوعها للدين. فكلّما بحثت عن معنى كلمة في هذه المعاجم تصطدم بعشرات الآيات القرآنية و الأحاديث و غيرها، ممّا يُفقد هذه المعاجم مصداقيتها، خاصّة عندما نعلم بأنّ القرآن فيه الكثير جدًّا من الأغلاط الإملائية و النحوية و اللغويّة.
مع كلّ ما تقدّم لا يجوز تسمية لغة القرآن بالعربية الفصحى بل بلغة قريش من حيث التاريخ و المنطق و الواقع.
إنّ الذي أقصده من هذا المنشور كدراسة نقدية ، لا يجب أن يراه البعض إساءة للقرآن فنحن نقدّم دراسة أكاديمية تعتمد المنطق و العلم و ليس العاطفة.
هناك خطأ كبير يقع فيه العرب و المسلمون عندما يعتبرون لغتهم مقدسة و يضفون عليها هالة لا يحقّ فيها لايّ أحد المساس بها في أن يبدي وجهة نظر أو يسعى لنقد، و كأنّها في مصاف الألوهة، لا يوجد شيء من صنع البشر يمكن اعتباره مقدّسًا، و اللغة من صنع البشر. إنّ الذي يعود إلى المعاجم القديمة يرى خُلوّها تمامًا من الآيات القرآنية و من الأحاديث و هذا أمر حسن فهي تتمتّع بالمصداقية لدى الباحث. من حقّنا أن نُبدي رأيًا في كلّ ما نراه غير منطقيّ أو غير دقيق و هذا هو الدافع لهذا المنشور. هدفنا أوّلًا و أخيرًا الحصول على المعلومة الصحيحة و التي تخدم العقل و تتجاوب مع المنطق.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس