عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-06-2006, 07:33 PM
athro athro غير متواجد حالياً
VIP
 
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 1,746
افتراضي صفحات في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية

صفحات في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية


الرهبنة وانتشار المسيحية بيـــن البدو


عرفت المسيحية، حتى في الفترة الاولى من انتشارها، افراداً او جماعات صغيرة كانت تعتزل الحياة الدنيا، وتنتقل الى مناطق منعزلة، صحراوية او ما يشابه ذلك، وتقيم في قلل يبنيها الواحد منهم حجراً فوق حجر، او قد يوفق بمغارة تفي بحاجاته القليلة.

لكن في القرن الثالث كان ثمة هجرة لهؤلاء المتعبدين على نحو واسع، وفي مصر بالذات والى المنطقة الصحراوية الشرقية. ولم يسمح القديس انطونيوس الكبير (251 356) ان يتصرف هؤلاء الرهبان تصرفا خاصاً، فوضع مع الوقت نظاماً لضبط الامور. كان ثمة نوعان من المأوى لهؤلاء الرهبان. فهناك المترهب الذي يعيش وحيدا في صومعة، اذا صح التعبير، وهناك الدير الذي يقيم فيه عدد من الرهبان مجتمعين، يشرف على أمورهم من يقودهم في العبادات وباقي الاعمال. كان الدير، اذا جاز استعمال التعبير لهذه الفترة، فيه مكان خاص لاقامة الصلاة. والى هذا كان يأتي المترهبون المتوحدون ايام السبت والاحد من كل اسبوع للمشاركة في العبادة الجماعية، كما كانوا يتجمعون ايام الاعياد الكنسية.

ولم تلبث الرهبنة ان انتشرت على نحو واسع في القرن الرابع في باقي انحاء القطر المصري ثم في فلسطين علي يد هلاريون الغزي (حول 291 371) المولود في غزة والذي ذهب الى الاسكندرية لطلب العلم. وفي تلك الاثناء التقى انطونيوس، واغرم بعمله في الرهبنة فلما عاد الى غزة حيث اعتكف من هناك نشر الرهبنة في فلسطين.

عمم في سوريا والعراق (بين النهرين) حيث كان لها وجود قوي لكن لم يكن ثمة رباط يربط مراكز الرهبنة بنظام عام. فالاستقلال، حتى في البلد نفسه، كان الاساس.

ولم يقتصر وجود الرهبنة على المراكز المسكونة فحسب، بل ان الرهبان انتشروا في الانحاء الصحرواية، في بادية الشام وسواها، ونشروا المسيحية بين السكان.

وكثيراً ما نقع على خبر مريض شفي بأعجوبة على يد واحد من الرهبان القديسين حتى تتقبل القبيلة بأجمعها المسيحية. ولعل قصة ابن أسبيبتس الزعيم البدوي من افضل النماذج لذلك. مرض ابنه، وعجز الاطباء عن شفائه. فقيل له ان ثمة قديساً اسمه القديس يوثيميوس كان قد بنى ديرا على نحو عشرة اميال شرق القدس وكان يقيم فيه مع رهبان آخرين، كما كان المنتجع الروحي للرهبان المتوحدين ايام السبت والاحد.

كان أسبيبتس فر من بلاد الملك الفارسي عام 420. وكان يحمل ولده المريض ليعرضه على الاطباء وكهنة المجوس. فلما بلغه خبر القديس يوثيميوس، جاء منطقته والى جانبه فريق كبير من انصاره. وطلب مقابلة القديس كي يشفي له ابنه. وتمنع القديس اولاً لانه لا يقابل طالبيه الا ايام السبت والاحد. ولكن لما اشتد الالحاح عليه خرج من عزلته. قابل المريض وشفاه، فآمن عندها الزعيم والقبيلة التي رافقته. وصار اسم الزعيم بطرس.

بعد انشتار واسع للمسيحية بين القدس والبحر الميت ومصب الاردن فيه، اصبح من الضروري ان يكون لهم رأس يدبر امورهم. وقد تم ذلك على يد يوثيميوس نفسه، الذي ذهب الى القدس عام 427 واقترح ان يُسام بطرس اسقفاً. وقد تم هذا واصبح بطرس اسقف البدو.

ويبدو ان بطرس كان ذا ثقافة واسعة، اضافة الى ايمانه العميق. لذلك اختاره يوثيميوس لحضور المجمع المسكوني الثاني الذي عقد في افسس عام 431. وقد نال احترام المجتمعين الى حد انه اختير عضواً في الوفد الذي ذهب الى نسطوريوس بطريرك القسطنطينية يرجوه الا يحدث شرخاً في الكنيسة بسبب تعاليمه. لكن الوفد فشل في مهمته، فعاد بطرس الى اسقفيته، لكن المجمع حكم بعزل نسطوريوس الذي نفي الى العقبة (ميناء في جنوب الاردن على البحر الاحمر).

ولا ننوي تتبع نمو الرهبانية وانتشارها بالتفصيل لكن يمكن القول انه بين القرن الرابع والقرن السادس انتشرت الرهبنة على نوعيها الفردية والجماعة في المنطقة التي ذكرناها انتشاراً كبيراً. وبرز بين هؤلاء الرهبان كثيرون الذين كانوا من اهل المعرفة والعلم والذين نشروا المسيحية بين البدو ومن ابرزهم سمعان العمودي الذي قضى حياته على مرتبة مرتفعة قرب حلب (في القرن الخامس) وكان البدو يأتون اليه ليسمعوا تعاليمه وعظاته من قمة عموده.

المسيحيون الذين كانوا يسكنون بين بادية الشام وما اليها حتى اطراف ما بين النهرين، كانوا بدوا بطبيعة الحال. والشاميون منهم ومنهم الصفويون الذين جابوا المنطقة بين تدمر ودمشق ومن القبائل الاخرى اتحاد قبائل تنوخ (التسمية لعرفان شهيد). والى هؤلاء كان هناك اللخميون. كان امرؤ القيس الاكثر معرفة من ملوك العرب بسبب نقش النمارة على قبره الذي خلد ذكره.

الا ان التاريخ حفظ لنا اسم ملكة هي ماوية التي خلفت زوجها المجهول الاسم لما توفى حول عام 375. وعلى عادة جميع القبائل التي كانت محاذية للحد الروماني فإنها كانت قبل معاهدته، اي انها ترتبط بالملك بمعاهدة تنقض عن وفاة احد الفريقين. لكن لما مات هذا الملك المجهول الاسم استمرت زوجته ملكة. وكان هو مرتبطاً باللخميين، فاستمر الرباط بعده.

هنا نأتي على صفحة طريفة من صفحات التوراة التي اعتمدت العقيدة نقطة انطلاق ودفاع.

كان بدو المنطقة قبلوا مبدأ المسيحية القويم الذي اقر اصلاً في مجمع نيقية المسكوني (الاول) 325. هذا هو المذهب الارثوذكسي الذي يقبل بالاب والابن والروح القدس هذا الثالوث بأنه هو الله، وعناصره متساوية.

الا ان اريوس كان جاء بدعوى ان كلمة الله المسيح مولود غير مخلوق، واذن فهو ليس مساويا للاقنومين الاخرين. وكان الامبراطور فالنس (364 378) قد اعتنق المذهب الاريوسي، واراد ان ينشره بين هؤلاء العرب. والاسلوب الذي اتبعه هو انه نفى الاساقفة الارثوذكس الى سيناء وجنوب فلسطين، واخذ يختار اساقفة اريوسيين. وكان اسقف منطقة ماوية الارثوذكسي قد توفى فاراد فالنس ان يعين اسقفا اريوسيا.رفضت ماوية ذلك وابت الا ان يعين الواعظ موسى الارثوذكسي والذي كان يعلم البدو المبدأ المستقيم. ومن ثم قامت ماوية بثورتين ضد فالنس، وفي الحالتين انتصرت على الجيوش البيزنطية: الاولى على القائد المحلي، اما في الثانية فقد انتصرت على قائد جيش الشرق العام.

عندها نزل فالنس عند ارادتها وسمح لموسى ان ينصب اسقفا. وبعث به الى الاسكندرية ليرسم على يد بطريركها الاريوسي. رفض موسى واخيرا رسمه الاساقفة المنفيون على يد فالنس الى سيناء وفلسطين. وعاد اسقفنا ارثوذكسيا واخذ يرسم رجال امدين الذين يقومون بتعميد الاطفال واقامة الصلوات ودفن الموتى.

قامت ماوية بثورة ايام خليفة فالنس وهو ثيودوسيوس الاول (379 395). لكن هذه الثورة لم تكن دينية الاصل، بل لان الامبراطور الجديد حرم العرب من بعض ما كان لهم من امتيازات ومناصب، وهو اصلا جاء من اسبانيا ولم يعرف الشرق قط، واضفى على الجرمان الذين كانوا خصوم الامبراطورية في اوروبا بالمناصب والعطايا. ثارت ماوية انتصارا لحق جماعتها. لكنها هذه المرة خسرت. ويبدو انها تركت الملك واتجهت الى صنع الخير، ولعلها اقامت في دير شمال سوريا.


مصادر متنوعه

اثرو
رد مع اقتباس