إنّ هذه المرحلة كانت حاسمة بالنسبة لأهل آزخ من حيث شروعهم في البناء وإعادة الترميم وخاصة أن أيام البرد القارس قد أصبحت على الأبواب ولا بدّ من عمل شيء ما يضمن للأسر التي لديها عواجيز وشيوخ وأطفال أن تأمن شرّ هذا الشتاء القادم وخاصة أن بيوتهم كانت قد صارت خراباً يبابا ولهذا فإن السعي الجاد من أجل خلق ظروف أفضل للناس كان الهاجس الكبير للشعب الذي كان لا يزال يعاني من هول تلك المصيبة ومن تبعاتها. وكما قلنا في موضع آخر فإن الشعب جميعه عمل يداً واحدة من أجل تأمين السكن لمن تضرّرت بيوتهم وللضيوف الجدد القادمين من مناطق أخرى إلى آزخ. ومن أجل هذه الغاية فإن المنادي كان يعلم الجميع بوجوب الالتقاء في باحة الكنيسة وكان هذا الموضع ومنذ عهود قديمة أفضل مكان للالتقاء والتشاور وخاصة بعد الخروج من صلاة يوم الأحد الذي كان يضمّ جميع الأسر لأنه كانت ليوم الأحد عند أهل آزخ قدسية عظيمة وفي يوم السبت من بعد الظهر لم يكن الناس يقومون بأية أعمال على الإطلاق وكانوا يذهبون إلى الحلاق ومن ثمّ يتحضرون ليوم الأحد والذي كان يوماً خاصاً إذ تلتقي فيه أكثر العوائل ويتم تبادل الأفكار ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك, وتلك التي تخص البلدة والشعب وكم كانت تلك الأحداث في مثل تلك الأيام كثيرة الوقوع, نظراً لهول المخاطر وشدة الخوف المسيطر من سرقات أو هجومات مباغتة أو غير ذلك من أعمال السلب أو القتل أو النهب.
لهذا دعي ابراهيم عمنو كغيره من أبناء آزخ بناء على دعوة الكاهن ورجال العشائر التي كانوا يمثّلون عشائرهم وتقرّر في ذلك اليوم البدء في التعمير ومحاولة تضميد جراحات الأمس المؤلمة وتجاوز المحنة لأن الوقوع في حبائل التفكير الدائم بها والاستسلام لها لن يجدي بل سوف يحبط جميع المساعي الداعية إلى تغيير الأوضاع. وكان عسيراً على ابراهيم عمنو أن يقتنع بما عرض عليه فإن أخته هي في الأسر وهو أقسم ألا يبني ويستقر في بيت قبل أن يعيد أسراه ويحرّر إرادته من قيد الذل الذي يلاحقه وهو لا ذنب له في ذلك, حيث أنه كان من تقادير القدر وتلاعب الظروف القاسية التي ألمت بالبلدة وشعبها وتركتها فريسة تلك المحنة القاتمة. إذ كان من الطبيعيّ ألا يوافقهم (على الأقل من ناحيته هو لوضعه الخاص) على المشاركة في أعمال البناء وقال لهم إن واجباً أهم من كل هذا ينتظرني وعليّ أن أقوم به ولولا مناداتكم إياي الآن لكنت في طريقي منذ ساعات إلى حيث يجب أن يكون توجهي لكي أنقذ سمعتي وأرممّ بيت كرامتي قبل سقف بيتي العادي, فهذا يمكن عمله في أي وقت آخر أما قضية الانتظار فيما يخص أسرانا فهذا ما لا يمكن تأجيله أو الانتظار طويلا عليه.
قال لهم على بركة الله ما تفعلون لكني لا أستطيع فعل ذلك معكم ومتى كان لي نصيب في ذلك فإني سوف اقوم به بعد مسح العار الذي لحق بي وبأسرتي, ولا أريد أن أسمع أحدا يوجه إليّ كلمة بهذا الخصوص كما لا أريد لأحد أن يشير إليّ بإصبعه كمذنب أو متهم في التهرب من مسؤوليتي تجاه سمعتي وشرفي ولست كغيري ممن يقبل على نفسه مثل هذا الذلأو الإهانة, وأعرف أن شعب آزخ كله يشاطرني هذا الرأي لكن لكلّ منّا ظروفه ونمط تفكيره وطريقة تعامله مع الأمور, فعذراً إني لن أكون معكم فأمامي طريق آخر قد يكون أكثر صعوبة وأخطر وأدقّ. فوداعاً وأرجو أن تكون قلوبكم معنا ومشاعركم وعواطفكم وإراداتكم لأني بحاجة إلى أي دعم معنوي مهما كان صغيراً أو بسيطاً.
|