عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-12-2005, 03:06 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,479
افتراضي

أخي وأستاذي الفاضل نبيل يوسف دلالكي

مجموعة قيم وكرّاسة واسعة من الاستحقاقات التي ينبغي على كل منا مواجهتها بصدق مع النفس وجرأة كفيلة بالرغبة في التغيير. إنها صرخة حق منبعثة من خلف ركام عادات متأصلة وممارسات حياتيّة صارت بمرور الزمن عبئاً على كاهل الناس ذاتهم وهم الذين خلقوها فعبدوها! مجموع الهموم التي نعاني منها ليس بمقدور أحد أن يمحوها بشخطة قلم فهي ترسّخت إلى النخاع في عظم هذه المجتمعات وباتت حمّى ليس بالإمكان التخلّص منها بغير البتر! وأقول البتر لأن عملية التغيير المنشودة لنصل إلى ما نصبو إليه سيحتاج أعواماً ودهوراً وقروناً وما بني على جهل وغباء لن يكون ناتجه وحاصل حاله بأفضل مما بني عليه.

التغيير يا سيّدي الكريم يمكن أن يبدأه (كما تكرّمت) كل منّا بنفسه لكن عليك أن تدرك أن اصطدامنا بمجمل هذه العوائق والمعوّقات المدعومة بشكل أو بآخر من قوى نفوذ مسيطرة ليس من السهل مقاومتها ونكون نحلم أو نعيش وهماً اختلقناه أملا وشئنا أن يصير إليه. كل أمل جميل وكل رغبة في الانتقال إلى الأفضل حق وأمر حسنٌ أما البحث عن السبل المؤدية إلى ذلك والعمل على تحقيقها لن يتمّ في فراغ بل هو سيكون على امتداد هذه الساحة التي تتحرك أنت فيها وأنا وغيرنا.

أن نفكّر بضرورة التغيير نحو الأفضل ونسعى جاهدين إلى الوصول إلى هذا الهدف النبيل ليس سهلا فقبلك وقبلي جاء أصحاب الجمهوريات الفاضلة والفلاسفة الذين أضفوا مسحة جمال على هذا الكون وكذلك الأنبياء الذين أرسوا مبادىء المحبة والعدل والسلام وأصحاب النظريات الاقتصادية والسياسيّة من خلال مشاريعهم وخططهم لإنقاذ هذه المجتمعات وبالدرجة الأولى الانسان الذي هو ضحيتها الأول لم تحقق الأهداف المرجوة وظل الكثير منها حبراً على ورق وما تمّ تطبيقه وتحقيقه كان يسيراً ولو تمّ ذلك على الوجه المرغوب لما عثرت على شرّ أو عنف أو رغبة في السيطرة بدوافع متعددة وتناحر وتنافس واقتتال وخصومات وتعديات واستغلال وغيره من الآفات الاجتماعية والأوبئة التي تنخر في أجسام مجتمعاتنا!

أجل أمر حسن وهيّن لو بدأ كلّ منا انطلاقاً من عالمه الصغير الذي يعيش فيه وهو (فكره ومفاهيمه ونظريته إلى الكون وعقليته ونمط سلوكياته) ربما يكون هذا الجزء بداية خير ليشمل الكل. لكن وكما قلت علينا ألا نتفائل كثيراً فيما يخص الآخر الذي لا يستطيع أن يمشّي لنا معاملة دون دفع البرطيل اللازم والذي يحدده هو! أو بتأخير المعاملة في الدرج دون إخراجها كي لا ترى النور وتفقد بعض رونقها بفعل البيروقراطية العقيم أو أن يستغل مسؤول نفوذه (الربّاني) ليخضعك إلى شروط لا يقبلها عقل أو يصدّقها سامع!

في الغرب هذه الأمور موجودة بالتأكيد ولكنها ليست على حالة الاستفحال الموجودة لدينا في الشرق. فهنا تستطيع أن تقول أنّ لي حقاً ما! أما في مجتمعاتنا فالحق هو إبن القوة. ومتى لا تملك القوة الكفيلة بإحقاق حقك يصير باطلا أو يموت. مهزلة من مهازل التاريخ البشري لهذه المجتمعات وهو عام وشامل لا يقتصر على مجتمع دون سواه فهنا نظام سياسي يفرض ما مصلحته توجب! وهناك نظام عشائري مقيت يكون قراره إلهياً وملزماً مع ما فيه من ضياع وتشرذم وعبودية! إلى نظام شمولي لا يقبل بلغة الحوار وأنت وأنا نعيش كبشر في هذه المجتمعات فهل بمقدورنا القفز من فوقها؟ وهل نستطيع الوصول إلى هذه الأهداف النبيلة والانسانية عندما يفسّرها مسؤول ما في دولة ما أن فيها تهديداً للأمن القومي؟ هذه العبارة الفضفاضة التي أدمت وجمّدت دم أي رغبة في التغيير!

جميل أن نحسّ بما نحن عليه وجميل أن نتهيأ لقبول العام القادم ونحن بشر أسوياء أو على الأقل بشر نحمل أفكاراً جديدة وروحاً من نوع آخر ترغب في إضفاء مسحة السلام والمحبة والتسامح والرفق واللين والتواضع والتضحية والإخاء والوفاء وغيرها من مجموع القيم المثالية والراقية التي تجعلنا سادة أنفسنا لا عبيد هذا أو ذاك!

المهم هو كيف سيكون التغيير؟ ومتى بدأنا من الذات (وهذا ما أراه ضرورياً) فهل يتقبّل البعض هذه التوجهات؟ وهل لن نتّهم بالجنون أو الهبل أو المثالية المفرطة؟ والتي ترى مجتمعاتنا ضرباً من الاستحالة في تحقيقها؟ كل الذي جئت به يا أخي نبيل قيّم ورائع ومقبول ويمكن العمل به وتحقيقه! فهو ليس ضرباً من المستحيل لكن علينا أن نفكّر هل هناك من تتعارض مصالحه مع خلق هذا الواقع الجديد؟ علينا أن نفكر ونحكم دون الانقياد وراء أوهام ومحاولة إقناع الذات بما هو ضحك على الذقون أو ما فيه سخرية من الذات نفسها.

آمل أن يبدي الكثير من الأخوة هنا (والحمد لله يضم موقعنا أصحاب فكر وثقافة ووعي) آراءهم و ملاحظاتهم ولنرى إلى أين ستقود دفّة هذه الآراء والملاحظات؟ وكيف ستتفاعل؟ إني أرى في هذا الموضوع أهمية بالغة وضرورة قصوى من أجل مناقشته فهو يمسّ حياتنا جميعاً دون استثناء ومرة أخرى شكراً لك لهذا الموضوع القيّم.

وكل عام ونحن جميعاً بخير.
رد مع اقتباس