صمتَ بلبلك المغرّد يا مصر!
صمتَ بلبُلكِ المغرّدُ يا مصرُ و إلى الأبدْ
صمتَ بعد ما أطربَ الملايينَ وانشلّ الجسدْ!
صمتَ بعد ما لاحقه الجهلاءُ وأصحابُ العُقَدْ.
ماتَ "نجيبُ محفوظٍ" وبكتْ عليه عيونُ البلدْ
رحلةٌ من العمرِ أضاءتْ وأنارتْ ولم تجدْ
سبيلاً إلى الرّاحةِ والهدوءِ وكلٌّ على ذلك شهدْ.
هزمَ البيانَ وخاضَ معاركَ الجدِّ بكلّ الجلدْ
وأمتعَ الأفكارَ وأبهجَ النفوسَ وقد وعى سجدْ
لربِّ العلى وليس للكفرِ والتكفيرِ وما ارتعدْ!
عشراتُ الأعوامِ رسّخَ فيها خطاهُ بما وعدْ
عشراتٌ من المآثرِ واللآلئ في عقدٍ انعقدْ.
استفحلتْ ثورتها وخلقتْ عمراً وأعلتْ عُمُدْ.
تحمّلَ الإهانةَ والقهرَ والرّفض فعانى الكبِدْ
حملَ لواءَ النّصرِ ورفضَ الهزيمةَ وما زهدْ!
غنّى للسّلامِ وأنشدَ معزوفاتٍ لروحِ الأبدْ
صرّخَ وأنّبَ وألّبَ وأكثرَ العملَ ولم يحِدْ
قيدَ شعرةٍ عمّا آمنَ به وعمّا به اتّحدْ!
أصاخَ السّمعَ لشكوى الفقراءِ ونداءِ المعذّبين مجتهدْ
عبدَ اللهَ الرحمنَ القدوسَ وغيره ما جلّ ولا عبَدْ
كشفَ عن القلبِ غمّةَ الحزنِ وعن العينِ أزالَ الرّمَدْ.
غيّرَ معالمَ الطريقِ ومنحَ السماءَ صفاءَ الأمدْ
نثرَ ورودَ الأفكار وعطّرَ بالرياحينِ جديداً وفَدْ
حازَ على جائزة الأدبِ ووسامِ الشّرفِ بعلمٍ حمَدْ
هتفَ للحبِّ وللمحبّةِ وكسر قيودَ الجمَدْ!
حاربَ أفاعي الماضي عقاربِ الحاضر و الكمدْ!
صمتَ بلبلُ السّلامِ وغرّيدُ المحبّة للأبدْ
عانى المرضَ والإهمالَ والتعدّي في كثرةِ العددْ
وذاقَ المرارةَ والهوانَ والنسيانَ كجرذٍ رقدْ!
إلى روحك المعطّرةِ بوشمِ السلامِ وسحرِ الرّغدْ
إلى نفسكَ المقروءةِ في شرارةِ كلّ ما اتّقدْ
إلى ذكراكَ التي ستظلُّ في أوجِ الاحترامِ لا حَسَدْ
لولا جلالُ الله لكانَ الجميعُ لروحكَ سجدْ!